الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

١١ –  ايلول / سبتمبر قراءات ملتبسة ، و تحليلات مشتبهة

 

 

شبكة المنصور

الكاتب العربي رشيد السيد احمد

 

خرجت في الآونة الاخيرة كتابات عن احداث 11 – 9 تدس السم بالدسم ، و تعيد توصيف المجرم على أساس أنّه الاصوليّة الاسلاميّة المتشددة ، ليعيد الكرة الى ملعب الاسلام ، و الاسلاميين ، متخذا من الاصوليّة بوابة لضرب الاسلام و مكوناته ، و التي أحدها الأصولية الإسلامية متجاهلا كلّ الدراسات ، و النظريات و التقارير الأمنيّة التي لاتؤكد ، و لا تنفي ضلوع هذه الاصوليّة في هذه الأحداث ، و على كل المستويات حيث تبنى أحد أقسام الاصولية متمثلا بـ " القاعدة " هذه العمليات بالاعلام فقط ، دون أن يقدم نصا مقنعا يؤكد ذلك ، و عدم تأكيد الرواية الرسمية الامريكية لهذا التبنّي بالدليل القاطع ، و على مدى سبع سنوات تم من خلالها اعتقال معظم من وصّفوا بأنهم العقل المدبر لهذه العمليات التي ضربت امريكا في مقتل عبر تدمير رمزها الاقتصادي الممثل بالبرجين ، و رمزها العسكري الممثل بالبنتاغون ، و سقوط الطائرة قبل ضرب رمزها السياسي الممثل بالبيت الابيض ، أو الكونغرس .


ان خير مثال على هذه الدراسات الجديدة قراءة قدمها الكاتب " فرانسوا باسيلي " بعنوان :
" هل تعلم احد من احداث 11 سبتمبر " حيث قام الكاتب بتوصيف المجرم ، و كتابة مضبطة الاتهام ، و اعداد المرافعة و تحضير غرفة الاعدام دون وجود دليل ، أو اداة ، او دافع ، معتمدا على هيئة محلفين هم شهود الزور عليها

 

يقول باسيلي : المتطرفون الإسلاميون هم صانعو عملية الحادى عشر من سبتمبر تدبيراً وتنفيذاً . والذين قاموا بتنفيذ عمليات سبتمبر لم يتركوا ورائهم ما يشرح أسباب قيامهم بهذا العمل ولا مفهومهم له وهدفهم منه ولا مطالبهم أو شكواهم أو تظلماتهم.. فلم يهتم أحد منهم بكتابة بيان أو رسالة: مما يفسر بأن هذه العملية كانت هى هدفاً فى حد ذاتها أى أن الهدف هو إحداث قدر هائل من القتل والتدمير دون هدف سياسيى لاحق يريد تحقيقه. وهو تفسير محتمل حيث أن المزاج المتطرف بشكل عام هو مزاج تكتيكى وليس استراتيجياً فالمتطرف ينظر فقط للفعل الذى يقوم به الذى هو أقرب إلى الانفعال الغريزى الذى يطلب التنفيس عن الكراهية والحقد ويريد الانتقام والتشفى دون أن يفكر في رد الفعل أو الخطوة التالية سواء من قبله أو من قبل عدوه. وهذا ما نلاحظه فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على مدى ربع القرن الماضى حيث تتصارع الأصوليتان الإسلامية واليهودية فى شكل عمليات لحظية انفعالية انتقامية من كل طرف ضد الآخر دون قدرة على التوصل إلى ابتكار رؤية استراتيجية تقدم حلاً شاملاً بعيد المدى .


و نلاحظ هنا مايلي :


أولا : الكاتب اعتمد على دراسة قدمها محمد حسنين هيكل ، في تحديد فاعل آخر في كتابه


" الزمن الامريكي من نيويورك الى كابول " طبعة اولى عام 2002 فأسقطه ، وترك الاصولية المتشدّدة ، و كان هيكل قد اعتمد في دراسته على شواهد حقيقية قدمتها دوائر المخابرات في بلدان الحلف الاطلسي :


1 - ان الفاعل تحركه دوافع نفسيّة ، مختلفة بالكامل عن التصور العربي للحركة المطلوبة ازاء أمريكا و هو الضغط على اسرائيل ، و لقد كان دائما بعيار ، و مقدار ، سبب في مرات سابقة اضرارا كبيرة لكنّه ترك القنوات مفتوحة مع امريكا


2- دوافع هذا الفاعل لا تظهر أنه كان راغبا في التأثير ، أو بمباشرة الضغط بمختلف درجاته و لم يكن يبعث بإشارات حتى لو كانت دمويّة الى المستقبل ، و لم يترك ثغرة لفرصة الضغط ، بل كانت إشاراته إشارات غاضب و كان يصر على الانتقام من شىء قد وقع .


3 – في كل ما عرفه العالم في مجالات ما يسمى بـ " الارهاب " ، فانها كانت تهدف في كل المرات الى احداث اكبر كميّة من التأثير السياسي تزيح من الطريق عقبات ، و تفتح على الطريق مخرجا ، الا ما جرى في نيويورك ، و واشنطن فلم تكن فيه سياسة ، و لم يكن فيه " قبل " و "بعد " بحيث تبدّى العمل مكتفيا بذاته مقدمة ، ونتيجة ، و كل شيء


4 – هذه الضربة هي ضربة انتقام ، أو ضربة عقاب يحركها انضباط صارم ، و تكاد تحركات الفاعل و حتى مزاجه بالفعل توحي بانّ التخطيط عسكري :


اولاً – هناك تجهيز معركة
ثانيا – هناك تدريب معركة
ثالثا – هناك أرضيّة ، و خطوط امداد معركة


وان لم يكن هناك " تواجد " عسكري ملموس ، فهناك " تواجد " عسكري محسوس


5 – فاذا ما تتبعنا ضربات الفرشات على هذه اللوحة ، فان لمسات الفاعل تقودنا الى " البلقان "
و صراعاته ، و بالتحديد عناصر صربيّة ..... تقودنا الشواهد فيه الى ما يلي :


أ – هناك قوميّة اعتدي عليها وجوداً ، و مشروعاً ، و كرامة ً
ب – هناك شعب تعرض لغارات الاطلنطي تتقدمها اساطيل الجو الامريكية لمدة 50 يوما
جـ – هناك زعماء سياسيون ، و عسكريون مهزومون ، بعضهم مطارد ، و بعضهم مطلوب لقانون أملته شروط الغلبة ، بل ان بعض الرموز الصربيّة وراء القضبان
د – وهناك بقايا جيش فيه عناصر لديها ( مؤهلات مطلوبة – طاقة غضب جامحة – تصميم على الانتقام جسارة المخاطرة بملاقات الموت دون اعتبار هذا الامر انتحارا – رافض جديد غير محدد الخيال ، ودون


سجلاّت سابقة تلاحقه ، و تتابعه خارج دائرة معينة ) ، و اضافة الى ذلك فان لديها الشحنات ، و الطاقات و القدرات ، و المهارات التي تهيئه لتطاير الشرر ، و لقد كانت البلقان دائما " برميل البارود " الذي يشعل الحروب العالميّة .


و لربما تجاورت براميل البارود (( برميل الشرق الاوسط " بن لادن أو غيره " و برميل البلقان " الصرب
و ما حولها " ، و براميل بارود ثالثة ، و رابعة ثم تفجرت كلها صواعق نار فوق نيويورك ، و واشنطن و قذفت العالم الى حرب عالميّة من نوع جديد هي " الحرب غير المتوازنة " .


ثانيا : جعل الكاتب الاصوليّة الاسلاميّة مساوية بالفعل ، و ردّ الفعل للأصولية اليهوديّة المتشددة في فلسطين
فساوى بين القاتل ، والمقتول ، و حوّل المقاومة الفلسطينية الى أصوليّة كاملة من خلال التركيز على أحد مكوناتها " المقاومة الاسلاميّة بكل اطيافها "متناسيا تاريخ طويل من الصراع الذي قامت به حركات علمانيّة لا تعتمد على قواعد اسلامية استكانت أخبرا تحت ضغط اتفاقيات اوسلو .


ثالثا : أسقط الكاتب الاصوليّة المسيحيّة التى خرجت من عباءة القرون الوسطى ، و الممثلة بـ " بوش ، وعصبته " من المسيحيّة الصهيونيّة الجديدة و التي قتلت خلال السنوات السبع الماضية اكثر من نصف مليون مسلم في أفغانستان ، و العراق ، وخلقت معتقلا نازيا جديدا في غوانتانمو خارجا على العرف ، و القانون ، وحقوق الانسان .


ثم يتابع باسيلي :


أما إذا أردنا أن نقوم نحن بحساب الربح والخسارة لحركات التطرف الإسلامى التى باركت عملية سبتمبر فالمرجح أن يكون فائض الخسارة أكبر بكثير من فائض الربح فقد تم احتلال وتدمير دولة عربية أساسية كانت هى إحدى عواصم الخلافة الإسلامية فى عصرها الذهبى (الدولة العباسية) وتدل المؤشرات أن مستقبل العراق لن يخلو من احتمالات التقسيم أو الحروب الأهلية أو قيام دولة دينية شيعية تابعة لإيران وهذه كلها ليست سوى خسارة لحركات الإسلام السنى. كما أن أوضاع الجاليات الإسلامية فى أوربا وأمريكا ستكون هى أيضاً خسارة لتداعيات سبتمبر.


لم تحقق عمليات سبتمبر إذن سوى خسائر باهظة للمسلمين دولاً وجاليات وشعوباً ولم تحقق سوى لحظة تشفى وانتقام ونشوة صبيانية مراهقة تروى غليل أصحابها لبرهة قصيرة، نشوة مراهقة لأنها انفعالية ولحظية تعتمد على التشفى فى ضرب الغرب فى أهم رموز حضارته ومراكزها المالية والسياسية والعسكرية لا تفرق بين مدنيين وعسكريين ولا تقدم مطالب سياسية محددة.. فما جاء على لسان زعماء القاعدة بعد ذلك لم يكن سوى إقحام لقضايا عربية فى عملية سبتمبر التى لم تكن مرتبطة بهذه القضايا فى الأساس. وإذا كانت حركات التطرف الإسلامى تطمح حقاً فى الانتصار على الحضارة الغربية فليس من سبيل أمامها سوى تحقيق التفوق النوعى على هذه الحضارة فى جميع مجالاتها كما تحاول أن تفعل اليوم الصين مثلاً فهذه هى أدوات الصراع الحقيقى الاستراتيجى طويل الأمد.. ولكن هذا صراع يعرف المتطرفون الإسلاميون أنهم لا يملكون أدواته وليسوا قادرين عليه لذا يختارون طريق التخريب الأسهل يزرع قنبلة هنا وهناك وبهذا ينتشون لحظياً ويخسرون مستقبلياً .


و نلاحظ هنا مايلي :


اولا : يجعل الكاتب من عمليات ايلول ، و على فرض قيام الاصوليّة بهذه العمليات ، السبب الرئيسي لاحتلال العراق ، و تدميره " على يد الاصوليّة المسيحيّة " ، ليسقط عن هذه اليد كل الجرائم ، و ليخلق لها المبرر في ذلك ، بعد أن ظهرت كل اكاذيب ، وادعاءات الحكومة الامريكية بعلاقة الشهيد صدام حسين بالقاعدة ، و بعد أن كشف الناطق الرسمي للبيت الابيض اصرار بوش على ادخال العراق بهذه الحرب التي وصّفها " بالحرب الصليبيّة "


ثانيا : يثير الكاتب في نفوس القارئين لمقالته النعرات الطائفيّة من خلال التلميح الى امكانية تقسيم العراق وقيام دولة شيعية تابعة لايران في جنوب العراق ، متجاهلا الاطماع الكرديّة في شمال العراق ، و ضاربا الصفح عن مخططات امريكيّة لتقسيم المنطقة ، ظهرت بشكل فاضح بتصريحات كونداليزا رايس اثناء حرب اسرائيل على
لبنان في تموز 2006 عندما بشرت " بمخاض ولادة شرق اوسط جديد "


ثالثا : حمّل هذه الاصوليّة كل أسباب الجرائم اللتي يعاني منها المسلمون في " غرب الحضارة " مسقطا بذلك كل النكبات التي يعاني منها المسلمون على يد الاصوليّة المسيحيّة ، و المتمثلة بالحركات اليمينيّة الغربيّة التي تشهر سيف النازيّة و الفاشية الجديدة ، و التي تضغط على حكوماتها من أجل طرد المسلمين من اوربا ، و التي تمثل " طائرات الذلّ الفرنسيّة " جزء من هذه الحرب العنصريّة الجديدة .


انّ الامر في النهاية لا يعدوا صراع اصوليّة مسيحيّة ناهضة تنفي الآخر ، و تخلق عدوا جديدا صنعته بنفسها لتقوم بحروب صليبية جديدة على ابناء جلدة ، و عقيدة هذه الصنيعة ، من أجل نفطه ، و ثرواته ، و لتترك عجلة صناعاتها الحربيّة دائرة على المسلمين ، و غيرهم من دول العالم الذي أصبح عاشرا ، تنتشر فيه المجاعات ، والفتن ، و الاوبئة .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٨ رمضــان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٨ / أيلول / ٢٠٠٨ م