الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

السودان : تدمير الدولة الوطنية بأسم العدالة الدولية

 

 

شبكة المنصور

محسن خليل

 

حين أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أمرا بتوقيف الرئيس السوداني عمرحسن احمد البشير على قاعدة اتهامه بارتكاب جرائم حرب وأبادة ‏في دارفور ، انبرت اطراف عربية عديدة رسمية وغير رسمية ،مهنية وصحفية ، بحسن نية وبغيرها ،للدفاع عن أمر المدعي العام وتنزيهه من الغرض السياسي المسبق ومن التبعية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني ،وحضت الرئيس البشير والحكومة السودانية والشعب السوداني على التعامل مع طلب المدعي العام بموجب القانون وعن طريق الاستعانة بخبراء قانونيين سودانيين وعرب ومن منظمات مهنية عربية ومحامين دوليين ،ليترافعوا جميعهم دفاعا عن الرئيس البشير ويبطلوا أتهامات المدعي العام .


بل أن أحد رجال القانون العرب نصح البشير خلال كلمة القاها في ندوة نظمتها صحيفة الاهرام القاهرية بتاريخ 3/8/2008 بأن يسلم نفسه للمحكمة الدولية ويستفيد من مرونة نظامها الداخلي الذي يسمح للمتهم طلب ألتماس الافراج المؤقت عنه (هكذا).


‏وأدعى البعض أن المدعي العام ومحكمته الجنائية وجهت تهمة ولم تقرر وقوع جريمة أبادة في دارفور، ومن مصلحة السودان ونظامه السياسي أن يمتثل لطلب المحكمة ،ثم يعمل على تفنيد الاتهامات الموجهة للبشير بالادلة القانونية ، ، وإنْ حَصَلَ هذا فسيساعد على تطبيق العدالة الدولية في مناطق أخرى تتعرض لجرائم حرب وأبادة مثل العراق وفلسطين . اي أن هؤلاء يريدون من الرئيس البشير أن يقدم نفسه فداء للعدالة الدولية المزعومة ويعتبرون الجرائم المنسوبة له في حالة أثباتها من :(السوابق القضائية والقانونية التي نستعين بها في تطبيق العدالة الدولية علي الجرائم المماثلة التي ترتكب في جهات أخري‏‏ خاصة فلسطين والعراق‏)، ‏ناسين أنه لم يتجرأ أحد بعد خمس سنوات على الاحتلال الامريكي للعراق ، راح ضحيتها مليون ونصف عراقي وستة ملايين مهجر خارج العراق ، من توجيه تهمة لواشنطن بأرتكاب جرائم حرب وأبادة في العراق .


وبزعم هؤلاء إذا أُدين الرئيس البشير فستكون ادانته ، سابقة يعتد بها لتطبيق العدالة في العراق وفلسطين .. وأن تمت تبرئته فستكون سابقة أيضا انقذت السودان من أجراءآت عقابية من شأنها أنزال كوارث بشعبه لو رفض ... ؟؟


الذريعة أياها التي رددها كثيرون خلال فترة الاعداد الامريكي لغزو العراق عامي 2002 و2003 يعاد تكرارها وبالطريقة نفسها ، فنجد الناصحون والمحذرون والداعون الى الفصل بين رأس الدولة والشعب ، وعدم تعريض الاخير للدمار بسبب شخص الرئيس ، ويقولون ليس للشعب مصلحة في ان يتعرض لعقوبات الحصار أو العقوبات العسكرية بسبب شخص واحد حتى لو كان هذا الشخص رئيس الدولة .


وهذه حجة متهافتة فالرئيس أيا كان وصفه ، وبصرف النظر عن طبيعة سياساته، هو رمز الدولة والشعب من الناحيتين القانونية والسياسية، ويعد تسليمه لأية جهة خارجية تفريط بالسيادة والكرامة الوطنية ، وحين تكون المحاكم خاضعة لهيمنة دول امبريالية عدوانية معادية للعرب مثل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني فهو نوع من الاستسلام بدون حرب وتمكين لهذه القوى والقوى المحلية المرتبطة بها من تدمير البلد والعبث بأمنه ووحدة ترابه الوطني ووحدة شعبه.


مع احترام حسن النية في مثل هذه الاراء والمواقف والنصائح والقائلين بها ، من المفيد تذكير أصحابها بأن حسن النية يشترط تكافؤ القوى بين الاطراف العربية وبين الاطراف الدولية التي تريد بالعرب شرا والمهيمنة على المؤسسات الدولية وهذا ما لا يتوفر لدينا للأسف ..


مفيد أيضا وضع تجربة العراق نصب العين عند مناقشة طلب مدعي عام المحكمة الجنائية .. فالعراق كان قد دمر منذ 1992 الاسلحة التي طالبته بها قرارات مجلس الامن ، ، وسَمَحَ لمفتشي الامم المتحدة (ومعظمهم من وكالة المخابرات المركزية الامريكية والموساد او مجندون لحسابهما ) بتفتيش كل المواقع دون أستثناء ، ولما أسقط العراق حجة أخفاء أسلحة دمار شامل محظورة ، وبات أستحقاق رفع الحصار عنه بعد 13 عاما أمرا لا يمكن لواشنطن التهرب منه ، ذهبت أدارة بوش في أول مارس 2003 الى طرح (مبادرة) تنحي الرئيس الشهيد صدام حسين عن السلطة ومغادرته العراق مع عائلته وأركان نظامه ، لتتولى الامم المتحدة كما تقول المبادرة ( عمليا الولايات المتحدة الامريكية وقواتها العسكرية ) ادارة العراق ، أي احتلاله بدون حرب وبدون كلفة ،.وقد كلفت واشنطن دولة ألأمارات العربية تبني المبادرة وطرحها على القمة العربية في شرم الشيخ قبل الغزو والاحتلال بأسابيع . كانت أهداف واشنطن من تقديم المبادرة بأسم الشيخ زايد ، أن تكون غطاءً لغزو العراق بحجة ان العرب أنفسهم أرادوا انقاذ العراق من الرئيس الشهيد ،وأن الاحتلال سوف لا يسبب ظهور مقاومة وطنية بدعوى أن ماحصل كان قرار أتخذه رأس النظام وأركان حكمه .


الامارات لم تجرؤ على تبني المبادرة رسميا وطرحتها داخل أروقة القمة العربية بطريقة لا تليق بسلوك دولة .. سربتها الى طاولات الملوك والرؤساء خلال أستراحة أحدى الجلسات ، وعندما عاد القادة الى مقاعدهم في القاعة وجد بعضهم المبادرة داخل الملف الموضوع على طاولته ، وبعضهم ممن لم يفتح الملف امامه لم ينتبه لها اصلا..وحين عرف الوفد العراقي بهذه المبادرة أبلغ الامانة العامة لجامعة الدول العربية ،أن أي أشارة للمبادرة داخل جلسات القمة سيتعامل معها بالطريقة المناسبة ، وأسقط بيد الامارات ، وقبرت المبادرة الامريكية ولم يجرؤ أحد على الاشارة أو التنويه اليها في القمة ، ولكن الامارات سربتها الى الاعلام بعد انتهاء اعمال القمة ..


وحين وجَّهَ بوش أنذارا للرئيس الشهيد عشية الغزو في مارس آذار 2003 بمغادرة العراق خلال 48 ساعة والا سيشن الحرب ، عاد بعد ساعات من اطلاق انذاره ليقول أن الغزو قائم حتى لو غادر الرئيس العراق، فقد تبين أن قرار الغزو متخذ منذ 2001 .


اليوم تتكرر المؤامرة وهذه المرة على السودان ، والمطلوب فيها ليس البشير ولا محاسبته على جرائم مفترضة منسوبة الى أجهزة الدولة التي يقودها ، وأنما المطلوب رأس السوان الواحد ، والشعب السوداني الموحد ، وتحويله الى دول ودويلات محتربة متصارعة تسلب السودان هويته العربية الافريقية وتجعل منه وكرا لعملاء أمريكا وأسرائيل الذين سيحكمون كيانات تظهرعلى انقاض السودان الواحد.


من الخطأ القبول بالتفسير القانوني لطلب المدعي العام وعزله عن البيئة العربية الرسمية المنهارة والاهداف الامريكية الصهيونية المتركزة على الوطن العربي .


خطوات المدعي العام اللاحقة ومحكمته الجنائية ستسير خطوة خطوة نحو أدانة الرئيس البشير بالعافية وتبعا لذلك أدانة أدارة الدولة ، ومن ثم أقصائه و(اعوانه) عن الحكم ،وتكليف الامم المتحدة والجامعة العربية للأشراف على أدارة مؤقتة للدولة لحين ترتيب اوضاع البلد. الدور العربي والجامعة العربية مهمتهما أستدراج السودان نحو الكارثة خطوة خطوة ،وحث قيادته على الاستجابة لطلبات المحكمة ومجلس الامن والموافقة على أستجواب المسؤولين من مختلف المستويات ، والنتيجة واحدة ادانة النظام ورموزه الوطنية وتسيلم السودان للولايات المتحدة وعملاءها المحليين . وتحت ادارة الامم المتحدة والجامعة العربية والقوات الامريكية سوف يتفتت السودان ويتحول الى ميدان لمعارك ضارية بين أبناء الشعب الواحد ، وستستورد امريكا مرتزقة من الشركات الامنية يتولون قتل الشعب السوداني على الهويات المحلية لينسبوها الى بعضهم البعض ويؤججوا الفتنة التي تطيح بالسودان الواحد .


المجاميع القانونية من العرب والاجانب بمن فيهم أصحاب النية الحسنة ستجد في هذه القضية فرصة للأسترزاق والتكالب على أقتناص مصائب السودان للحصول على أجور الدفاع العالية...


دعوة لقيادة السودان وشعب السودان أن لا يثق بأدعياء الرد القانوني على طلب المدعي العام ، ولا بالمساعي والمقترحات والنصائح العربية ، وحذار من الجامعة العربية والوسطاء الرسميين العرب ، والحذر من تجار الثورية القانونيين الذين أمتهنوا صولة زيادة الثروات والعطاءآت عند كل مأساة يواجهها بلد عربي .


أمام قيادة السودان مراجعة سياساتها الداخلية وبناء جبهة وطنية واسعة تضم كل القوى السياسية الوطنية ، ولا بأس من أعتماد كل المرونات اللازمة لأقامة حكومة وحدة وطنية وأشراك الجميع بها . تصحيح وتقوية الجبهة الداخلية هو الحل وليس الاستسلام لقرار المدعي العام ..

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٦ شعبان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٨ / أب / ٢٠٠٨ م