الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

عن العراق مجدداً
ما من شعب تحرر بتدوير الزوايا

 

 

شبكة المنصور

بقلم المحامي حسن بيان

 

في الوقت الذي استكملت تقريباً كل المقدمات اللازمة لوضع الاتفاقية الامنية بين العراق واميركا سكة السير بها نحو الاقرار بصيغتها النهائية وبالتالي وضع الاليات التنفيذية لتأخذ طريقها الى التطبيق العملاني،برز موقفان لهما علاقة بالوضع في العراق،الاول،اعلان الرئيس الاميركي عن تخفيض عدد القوات الاميركية العاملة في العراق،وقد حدد العدد المطلوب تخفيضه بثمانية الاف جندي ويسحب على مراحل،والثاني تسليم المهام الامنية في محافظة الانبار الى قوات الامن العراقية.

 

وقد ربط الموقفان بما اعتبر تحسناً امنياً في العراق حيث بات ممكنا سحب قسم من القوات الاميركية واناطة الامن تدريجياً بقوات الامن العراقية.

 

لكن هل صحيح ان الاستقرار الامني في العراق قد وصل الى المستوى الذي يمكن السلطة القائمة في العراق قادرة بقواها الذاتية على حفظ  الامن؟

 

انه مما لا شك فيه، ان مؤشر عمليات المقاومة وقد تسجل انخفاضاً ملحوظاً في عدد العمليات العسكرية التي تنفذ ضد قوات الاحتلال وتلك المرتبطة بها والمؤتمرة بأمرتها او العاملة تحت سقف توجهاتها،وهذا الانخفاض في عدد العمليات مرده الى سببين اساسيين:

 

السبب الاول:المراحل الزمنية التي تتطلبها اعادة تموضع قوات المقاومة في تصديها للعمليات الكبرى التي نفذتها وتنفذها قوات الاحتلال والمرتبطة تحت مسميات مختلفة.

 

السبب الثاني:ويرتبط بالاول،وهو الارباك الذي احدثته التشكيلات الامنية ذات التركيب العشائري في التأثير على حركة المقاومة،بحيث ان عناصر هذه الاخيرة اصبحت تواجه وضعاً عدائياً مركباً.والثاني اشد خطورة لانه يتحرك في الوسط الشعبي الذي يفترض فيه ان يكون حاضناً وحامياً للمقاومة.

 

لكن مع هذه التعقيدات التي واجهت المقاومة الا انها استمرت في ادائها وبقيت عملياتها تغطي كافة نواحي العراق،ولو لم تكن المقاومة مستمرة في عملها التي تكيفت مع معطيات الواقع السياسي والامني والشعبي المحيط بها،لما كانت قوات الاحتلال مستمرة في ابقاء قواتها بكل عدتها وعددها  وعديدها في العراق،ولما كانت الحركة السياسية الداخلية تواجه مأزقاً ليس على مستوى تعثر ما تسميه العملية السياسية بل ايضاً في اعادة تفجر الخلافات والتناقضات بين القوى والاطراف التي اعتبرت فريقاً واحداً عندما انيط بها ادارة الوضع السياسي والامني تحت اشراف الاحتلال.

 

ومن خلال قراءة سريعة لمعطيات المشهد العراقي نقف على ما يلي:

 

1ـ ان ما تسميه اميركا انخفاض لقواتها في العراق،ويطال ثمانية الاف جندي،ليس بالامر الجوهري الذي يدلل على ثمة بروز متغيرات جذرية.اذ ان تخفيض ثمانية الاف جندي هو رقم هزيل بالقياس الى 150 الف جندي اميركي في العراق.وان هذا التخفيض يطال القوات الاضافية التي ارسلت الى العراق،ثم ان هذه القوات لا تسحب لانتفاء الحاجة اليها في العراق،بل للضرورة الملحة في افغانستان،حيث تواجه قوات حلف الاطلسي بمقاومة شاملة وشديدة.وانه امام صعوبة استقدام قوات اميركية الى افغانستان في ظل الحملة الانتخابية الاميركية اقدمت الادارة الاميركية على تعزيز قواتها في افغانستان من تلك المتواجدة في العراق.

 

2ـ ان خطوة تسليم الامن في الانبار لقوات الامن العراقية،تزامنت مع قرار حل قوات الصحوة لانتفاء الحاجة لها.وهذا القرار بدل  ان يؤشر الى منحى ايجابي لمصلحة قوى الاحتلال والمرتبطة بها.اشر الى منحى سلبي،اذ ان القرار القاضي باستيعاب 20% من قوات الصحوة في قوات الامن المختلفة،بدأ يترك مضاعفات واثار سلبية على علاقة هذه الميليشيات بالسلطة.وهذا يعني ان80% من العناصر التي لم تستوعب في اجهزة الامن ستعود الى حيث كانت قبل الانضواء في قوات"الصحوة"،وهذا بالطبع لن يكون في مصلحة الاحتلال والقوى المرتبطة به سياسياً وامنياً.

 

3ـان القرار بإستيعاب20% من عناصر الصحوة في قوات الامن باعثه ليس عدم قدرة القوات الامنية على استيعاب عناصر الصحوة التي ادت وظيفة ايجابية لمصلحة الاحتلال والمرتبطين به،بل لانه مرتبط بطبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية.وان الحصة المحددة لاهل السنة والجماعة في تركيبة  النظام الحالي بكافة اجهزته ومؤسساته هي 20% وبالتالي فإن الاستيعاب السياسي والامني للطوائف في بنى النظام ومؤسساته يكون محكوماً بنصاب التوزع الطائفي.وهذا كاف ليدلل  على ان عملية اعادة تركيب السلطة،تستمر على قاعدة تطييف النظام وان سحب هذا التطييف على الواقع المجتمعي.يضيف عنصر تعقيد جديد للوضع في العراق،بحيث تجد السلطة نفسها في حاجة دائمة للاستعانة او الاستقواء بقوى خارجية،وان قوات الاحتلال ستبقى على جهوزيتها للتدخل وفقاً لمقتضيات الاتفاق الامني وهذا يعني ان الاحتلال باق،وطالما بقي الاحتلال،فإن المقاومة ستبقى كرد طبيعي وكنقيض موضوعي للواقع الاحتلالي.

 

4ـ ان استقرار الوضع في العراق،لا تحدده نتائج الحملات القمعية واعتماد سياسة الارض المحروقة التي تنفذها قوات الاحتلال وتلك المرتبطة بها وفي بعض المحافظات تحت عنوان"استئصال الارهاب"،لان هذه العمليات وبرغم كل الاشكال العنفية والقمعية واعتماد وسائل الترهيب الجماعي لا يمكنها ان تفرض استتباباً للامن وفقاً ما يتطلبه واقع الاحتلال اي بمعنى ضرب فعاليات المقاومة لان الفعل يولد ردة فعل وردة الفعل ستكون اقوى خاصة اذا ما استطاعت استيعاب الفعل دون خسائر كبيرة.

 

وبما ان العراق هو وحدة جغرافية وشعبية وسياسية،فإن فرض الامن بالقهر والترهيب في منطقة معينة في ظرف معين لا يشكل مؤشراً على ان الامور استقرت لمصلحة الاحتلال والقوات المرتبطة به .ولو كانت هذه قادرة على ضبط الوضع في العراق وانهاء الفعل المقاوم لكانت نفذت خطة واحدة لكل العراق،اما وانها لم تستطع ذلك واعتمدت سياسة تنفيذ الخطط الامنية والعسكرية بالتقسيط،فإن هذا التقسيط سيلزمها دفع"فائدة" اضافية وهنا ليس بمعنى المنفعى وانما بمعنى العبء الاضافي.وهذا ما يميز مشروع المقاومة عن مشروع الاحتلال،اذ ان المقاومة في ادائها انما تنفذ خطة متكاملة بكل ابعادها السياسية والامنية وهذا ما يجعل خطواتها متناسقة ومتكاملة وهادفة الى تحقيق هدف وطني واضح،فيما الاحتلال يتعامل على التفرقة بين المناطق والطوائف وكل مكونات الشعب في العراق.ولهذا فإن مشروع الاحتلال الذي تتوضح معالم مأزقه يوماً بعد يوم،بات يغرق في  التفاصيل ولن تفيده كثيراً عملية الهروب الى الامام عبر تموضع قواته في اماكن يعتبرها ذات معطيات آمنة لعناصره.

 

5ـ انه بعد خمس سنوات ونصف على غزو العراق واحتلاله،تبرز الحقائق جلية،وهو ان شعب العراق الذي يقدر على تحمل شظف العيش لا يستطيع تحمل عبء الاحتلال ولا نتائجه،وان مقاومته التي انطلقت بظروف بالغة الصعوبة والتعقيد اثبتت قدرتها على التصدي والصمود وجعل المبادرة في يدها وان من موقع رد الفعل على الاحتلال،واذا كانت الادارة الاميركية تبحث عن حلول ومخارج لمأزقها فإن الحل لن يكون بإستمرار رهانها على تقسيم العراق تقسيماً مجتمعياً واثنياً واقعياً بل بالخروج من الجحيم الذي اندفعت اليه،والتفاوض مع المقاومة باعتبارها الممثل الحقيقي  في التعبير عن طموحات واهداف الشعب العراقي.وان ما يعده لاجل بقاء احتلال اطول مدة ممكنة تحت اشكال ومسميات مختلفة لن يجنبها تجرع الكأس المرة اسوة بغيرها الذين سبقوها بتجرعها.

 

ان الفرصة متاحة امام اميركا لان تعيد النظر بكل حساباتها واستراتيجيتها،وان الفرصة متاحة امام القوى التي ارتهنت للاحتلال وعملت وتعمل تحت امرته ووفق معطيات حاجاته ومصلحته لان تعود الى موقعها الوطني،والا فإن مصيرها سيكون مصير الاحتلال الذي بسقوطه وزواله ستسقط وتزول من الحياة السياسية العراقية.

 

ان المقاومة هي الخط الصاعد،لانها بعملها تعبير عن حقيقة المسار التاريخي لنهوض الشعوب واستنهاضها،اون الاحتلال هو لحظة طارئة في حياة هذه الشعوب ومن كان طارئاً يذهب مع تغير الظروف وموازين القوى،ومن كان ثابتاً تاريخياً يبقى قادراً على الاستنهاض واستئناف مسيرة الحياة.

 

ان سحب اميركا لبعض قواتها،من العراق،ليس لان الامور استقرت لمصلحة الاحتلال بل لاولوية في مناطق اخرى،وتسليم مهام امنية  لقوات امن في مناطق معينة ليست دليل ان الامور استقرت لقوى السلطة المحمية بالاحتلال،بل لضرورات انية،وكل خطوة لا تأتي في سياق وضع حد لانهاء الاحتلال،انهاء فعلياً لا تعد وكونها ذراً للرماد في العيون ولحجب الرؤية وفي لحظة حرجة تمر بها ادارة القوة المحتلة،ضمن هذا السياق يأتي الاعلان الاميركي عن خفض القوات وضمن هذا السياق تأتي عملية اناطة الامن الداخلي بقوات امن مشكلة وفق المواصفات الاميركية.

 

ان الوضع في العراق وفي ظل كل المعطيات الراهنة غير محسوم لمصلحة الاحتلال والقوة المتحالفة معه،وما يؤكد ذلك ان قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال بترايوس والذي سيتولى قيادة المنطقة الوسطى اعلن مؤخراً في مقابلة اذاعية انه لن يعلن النصر كما فعل بوش عشية انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في ايار 2003 لان المكاسب الامنية  التي تحققت قابلة لان تعكس.وختم ان اميركا لا تزال تواجه صراعاً طويلاً في هذا البلد والموقف الاجمالي فيه لا يزال صعباً.

 

ان بترايوس الذي يختبر الموقع العملاني،تكلم بعيداً عن لغة الاوهام وخاطب في ضوء الحقائق والوقائع،وانه في الذكرى السابعة لاحداث 11 ايلول،فإن اميركا  التي اخرجت نفسها من ضغط الكابوس الذي ناءت به تحته لسبع سنوات خلت،تعيش اليوم تحت ضغط كابوس اشد وطأة واكثر ايلاماً،انه كابوس العراق الذي ارّق استقرارها السياسي وجعل احتلالها للعراق واحداً من اهم عناصر  السجالات السياسية الداخلية،وهذا ما كان ليحصل  لولا المقاومة العراقية التي تصدت لهذا الاحتلال بكل تحالفاته الموضوعية،واثبتت ان الصراع لا تحسمه بيانات التعبئة بل معطيات الواقع على الارض.وان ما اعتبرته اميركا مكاسب امنية تحققت خلال المرحلة الماضية،ليست نتائج ثابتة،لأن المقاومة مستمرة طالما استمر الاحتلال،ولن يحول دون استمرار هذه المقاومة للوصول الى اهدافها في تحرير العراق،توقيع اتفاقية امنية مع اميركا"لتشريع" الاحتلال ولا تفاهمات امنية وسياسية مع النظام الايراني الذي يريد عراقاً مقسماً،ضعيفاً،محكوماً بتناقضات داخلية حادة.

 

ان بترايوس اعطى تشخيصاً موضوعيا ويجب ان نشهد له وان كان عدواً،لكن المهم ان يشهد بهذا الوضع الذين ما يزالون يضعون رؤوسهم في الرمال  ويقدمون انفسهم على انهم حكام العراق  المستقلون فيما هم يحاولون تشريع الاحتلال عبر سياسة تدوير الزوايا.وعندما يكون الاحتلال واضحاً في استهدافاته فهل تنفع معه سياسة تدوير الزوايا؟ما من شعب تحرر واستعاد سيادته عبر سياسة تدوير الزوايا.

 

 
 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة / ١٢ رمضــان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ١٢ / أيلول / ٢٠٠٨ م