الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

بمناسبة اِقتراب ذكرى ثورة الثالث والعشرين من تموز
 وما كتبته الشخصية الناصرية المناضلة الأستاذ سامي شرف
بعنوان : المنهج الناصري المقاوم . . رد وتوضيح . .

 

ولنا في الموضوع المثار رأي
النقد الذاتي أساس كل نقد ، ومراجعة التاريخ المبتدأ وربما المنتهى

الحلقة الخامسة والأخيرة

 

 

شبكة المنصور

باقر الصراف /  كاتب عراقي مقيم في هولندا

 

لم يكن الموقف السياسي الإيراني تجاه العراق نبتاً شيطانياً نما فجأة على قارعة الطريق ، ونحن لن نغوص في التاريخ البعيد لنفتش عن الرؤية الصفوية الفارسية تجاه العرب والعروبة في القرون الماضية ، فتلك مهمة حيوية سبق وأنْ أنجزتها من خلال تسليط الأضواء على الرؤية الأيديولوجية لحكام إيران الحاليين حول العراق والوطن العربي : المذهبية والسياسية من خلال معلومات توثيقية بحثت في العقل الفارسي خلال الزمن الماضي والحاضر ، [1] ، وإنما هو مرتبط بجملة اِتفاقيات سياسية وقانونية تمتد إلى مرحلة الإمبراطورية العثمانية ، ومنذ العام 1823 عندما تم عقد اِِتفاقية أرض روم الأولى ، وحتى العام 1975 على وجه التحديد بما يسـمى باِتفاقية شط العرب ، ولو دققنا في الظروف العامة لتلك الاِتفاقيات ونتائجها ، لاِستخلصنا حقيقة مبادأة إيران في إثارة أزماتها مباشرة أو بشكلٍ غير مباشر .

وجاءت الحرب بين الدولتين : العراقية والإيرانية التي اِستمرت ثمانية أعوام ، كحدث تاريخي وسم الصراع عسكرياً في الماضي ، تسلسل صعوداً أو هبوطاً ، لصالح العراق مرة أو إيران مرة أخرى ، على خلفية تلك الأزمات والحلول والأطماع والردود عليها . ولكن ما هو شاخص اليوم على الساحة العراقية يلخـِّص الرؤية السياسية الإيرانية بكثافة مشهودة للجميع ، وتدعونا تجلياتها ونتائجها لإمعان النظر المدقق في سلبياتها الهائلة . وليس هناك من دليل على طبيعة تلك النتائج من الناحية السياسية سوى نتائج البرنامج السياسي العملي لعمل وأفعال سلطة الملالي الإيرانية ، التي هي خير من قبضة هائلة من البرامج ((السياسية النظرية)) ، والنصوص الدعائية التي تعتقد أنها ((مقدَّسة)) ، والأقوال التي تحاول تسطيح المشكلة السياسية بين العراق وإيران : كنظام أو الرؤية الفارسية .

باديء ذي بدء علينا الإقرار بنتائج ما بات معروفاً حول التواطؤ الأمريكي الإيراني تجاه العراق ، والعمل المشترك على اِحتلاله العسكري ، من خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين ذاتهم ، وتوفير القوات العسكرية ، عبر ميليشيات الأحزاب الطائفية التي تأتمر قياداتها بالتعليمات الأمنية الإيرانية ، على الأرض من أجل جعل القصف الأمريكي والغزو العسكري يوفر عناصره الحيوية والأساسية . نعم أن القصف اِنطلق من بلدان وقواعد عسكرية أمريكية تقيم في الوطن العربي والبحار المجاورة له ، وقطعت القوات الغازية المسافات الطويلة عبر الشريان المائي الحيوي : أي قناة السويس ، التي تسيطر عليه مصر وهي في طريقها للعدوان .

ولكن كل ذلك على أهميته ، لن يفوق أهمية إيجاد القوات الأرضية والمعلومات اللوجستية : المشاة وأجهزة المخابرات التي تكفلت بها إيران من خلال قوات بدر ، والأحزاب الطائفية المقيمة في إيران ، فضلاً عن قياداتها التي رحلت إلى واشنطن ولندن للتنسيق بين الخارج الأمريكي والداخل ((العراقي)) من أجل تنفيذ بنود عمليات الغزو ، كان ((التخادم السياسي بين الطرفين الأمريكي العسكري والإيراني)) وضد العراق قائماً على قدم وساق وبصمت مَنْ يعرف أهمية مهمته وحدود جريمته وأبعاد المعاني التاريخية لتطور الأحداث .

إنَّ الوثائق على هذا الصعيد كثيرة جداً ، لعل أبرزها ما صرَّح به نائب رئيس الخاتمي : محمد على أبطحي والذي سنتطرق له لاحقاً ، وفي الراهن الزمني ، المباحثات الأمريكية والإيرانية المعلنة بصدد شؤون العراق ((الأمنية)) ، أولاً ، وزيارة نجادي للمنطقة الخضراء التي ما كان لها أنْ تتم لولا الرضا الأمريكي عنها ، ثانياً .

ما يجب لحظه عند تقويم جوانب وآفاق أي موقف سياسي يتخذه طرف ما ، ينبغي قراءة البرنامج السياسي الذي يرسمه ذلك الطرف ، ويمارس عمله اليومي على ضوء فقراته ، والبرنامج السياسي يرتبط ، أساساًً ، برؤية إستراتيجية على صعيد الدولة ، أية دولة ، وفي إطار ذلك المفهوم وما يترتب عليه ، ينبغي علينا رؤية الخطوات الإيرانية ومدى ((التخادم السياسي)) مع العدوان الأمريكي على الصعيد العراقي :

1 ـ كان مما يُلحظ غياب أي تضامن مع معركة العراق الدفاعية والحقة في عاصمتين اِثنتين وهما تل أبيب وطهران على وجه التحديد خلال مرحلة العدوان على العراق في شهر آذار عام 1993 ، وإذا كان الموقف السياسي في تل أبيب هو الأمر الطبيعي ، كون التناقض الأساسي بين الوطن العربي وتجلياته الأساسية كافة ، من جهة ، وكيان الاِغتصاب الصهيوني ، من جهة أخرى ، قد شمل جميع الأبعاد السياسية والاِقتصادية و الفكرية وحتى العسكرية . ولكن ما يثير الاِندهاش هو الموقف السياسي للحكومة الإيرانية التي دأبت على تسيير المظاهرات المليونية ـ كما تقول ـ لأسباب أقل هولاً وكارثية بالنسبة للرؤية الإسلامية : وهو محاولة اِحتلال بلد عربي إسلامي ، ونجاح العدوان العسكري الأمريكي في الحرب على العراق ،  فهل جاء ذلك الموقف السياسي عفوياً وطارئاً ، أو بسبب الحقد القومي الفارسي  على الرؤية العربية الإسلامية في ساحتها العراقية أو العربية ؟ ! .

وهل لذلك علاقة بما ذكره قائد قِطَع الحربية التابعة لحاملة الطائرات {إبراهام لينكولن} والمتزاحمة في مياه الخليج العربي : الأدميرال كيلي في غرفة الحرب ، الذي نقلته إحدى الصحف العربية التي تصدر في ((لندن ـ العاصمة البريطانية)) يوم 18/3/2003 : جريدة الحياة . . . إننا ((لا نعتبر أنَّ إيران تشكِّل تهديداً . إنها تملك شاطئاً طويلاً في شـمال الخليج ولها سفن تجارية وحربية في مياهه الدولية وفق القوانين الدولية . نلتقي [! ؟] على نحو روتيني قوات إيرانية في البحـر ، وهذه اللقاءات في الغالب تجري في شـكل جيد ونتوقع أنْ تظل هذه اللقاءات كذلك)) ، أي أنْ يجري تنسيق شامل بين الطرفين ((الغريمين)) بصدد الدولة العراقية ،  يذكّرنا بموقف إيران إبّان العدوان الأمريكي على أفغانستان .

ومن المعلوم إنَّ جهاز الأمن القومي الإيراني هو الذي يحدد الموقف السياسي الإيراني تجاه العراق ، وهو الذي يشرف على سياسة القوى السياسـية ((العراقية)) التي تؤيد الرؤية الفارسية الإيرانية بصدد سياستها على العراق ، أما موقف ما يسمى بالمرجعية الخامنئية فهو مجرد إصدار بيانات تتسم بلغة الصراخ التضليلي في تغطية على الموقف السياسي الإيراني الحقيقي ، لاسيما وإنًّ هذه المرجعية تختص بالعمل خارج إيران ، ولا تشمل رؤيتها كل علماء الداخل ومراجعها الإمامية .

2 ـ ولا ننسى في إطار تحديد الموقف السياسي الإيراني تصريحات المسؤولين الإيرانيين ذاتهم وبلسان أعلى مسؤوليهم ، حول دورهم السياسي وحتى العسكري في تسهيل العدوان العسكري الأمريكي البريطاني ، وفي نطاق ذلك الموقف السياسي الإيراني ـ وعلى سبيل المثال فقط ـ يؤكد نائب الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي للشؤون القانونية والبرلمانية : محمد علي أبطحي في ختام أعمال مؤتمر عقد بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء الموافق 13 / 1 / 2004 دليلاً دامغاً على الدور الفارسي في التمهيد للعدوان الأمريكي وتسهيل عملية اِحتلاله ، ويقول : إنَّ ((بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق)) وما هو يعد : وشهد شاهد من الطاقم السياسي الحاكم على ذلك الدور وتلك المهمة . . . إنها شهادة موثقة عن الدور المتواطيء مع العدوان الأمريكي على العراق ، الأمر الذي يدحض أقوال المضللِّين ويكذب أقوالهم الدعائية المخاتلة حول الدور الإسلامي لإيران في عملية الصراع الكلي بين الأمة العربية وأعدائها التاريخيين ، مثلما تضيف تلك الشهادة لأبطحي صفعة قوية ومدوية لوجوه العديد من المحللين والسياسيين العرب ، والتي قد تنبه البعض المضلَّلْ ، أو تعيد بعض الوطنيين العراقيين المخلصين إلى رشدهم ، وبالتالي تفرض عليهم مهمة إعادة قراءة خلفيات مواقفهم السياسية الراهنة وتعليل أسباب مواقفهم السياسية السابقة واِتخاذ الموقف السياسي المناسب على ضوء الإخلاص الوطني العراقي والإيمان بالأمة العربية ، وعلى ضوء الدور الفارسي الذي أشار له الأبطحي .

يقول السيد أبطحي في المحاضرة التي ألقاها في ختام أعمال ذلك المؤتمر والمعنون : ((الخليج وتحديات المستقبل))  الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية سنوياً . . . يقول : ((إنَّه لولا التعاون الإيراني مع الأمريكيين لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة ، لكننا بعد أفغانستان حصـلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشـر ، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة)) . وهو تصريح علني وقول واضح سيتكرر على ألسنة مختلف المسؤولين الإيرانيين بهذه الصيغة أو تلك ، ولكن المضمون الفكري والسياسي واحد ، والمقصود بتلك التصريحات إسماع ((الطرف الأمريكي)) في نطاق سياسة ((التخادم المشترك)) ليس إلا ، إضافة إلى كل ذلك :

    أ ـ لقد زجت السلطة الإيرانية بالقوة المسلحة التي كان يمتلكها بعض العراقيين المهجرين والمهاجرين في القتال ليس ضد الجيش العراقي فقط ، بل زجها في قتال قوات مجاهدي خلق وضد قوات اِتحاد كومنستهاي إيران ، وغيرهما : أي اِتحاد الشيوعيين الإيرانيين ذوي الاِتجاه الفكري الصيني  ، سواء في الوسط أو في مدينة آمل الإيرانية عندما قاموا ((بتحرير)) بعض المدن الإيرانية نيابة عن القوات الإيرانية ، وهو ما جرى في مدينة : آمل مثلاً )) ، وهذا دليل على كون الإيرانيين يتحكمون بالموقف السـياسـي [لقوات بدر وحزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامي] .

  ب ـ إنَّ تصريح إيران ـ وذلك ما قرأناه في المساهمة الأولى حول دور المسميات المخاتلة باِسم الشيعة ـ لممثلي قوات ما يسمى بالمجلس الأعلى لمجلس آل الحكيم والقوات المسماة : البدر/الغدر بالذهاب إلى ((واشـنطن)) قبيل العدوان وبعده ، و ((مؤتمر لندن)) الموبوء وهم المقيمون في طهران ويتحركون على ضوء مصالحها السياسية ، وهي علامة على الاِتجاه السياسي العام لهذه القوات الطائفية.

  ج ـ إنَّ موقفها السياسي الراهن ـ سواء عبر المشاركة مع القوات المحتلة في إدارة الوضع السياسي تحت معزوفة ((السلطة المنتخبة)) والمنطق التبريري ، أو بشكل الاِمتناع عن المقاومة الشعبية المسلحة عبر التحريض السياسي أو الدعم المسلح لأحزاب طائفية عراقية من الواجب عليها : دينياً أو فقهيا مناوأة غزاة أرض المسلمين ، علاوة على قيامها بالاِغتيالات بشكل مباشر أو بصورة غير مباشرة بذريعة تصفية أعضاء الحزب الحاكم السابق ـ يدلل على دورها الملموس في منع المقاومة الشعبية المسلحة ضد المحتلين ، مما أحرج بعض علماء لبنان : سواء السيد محمد حسين فضل الله أو الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ، وغيرهما  .

  د ـ إنَّ اِمتناع غالبية الجسـم البشري الجنوبي عن المقاومة المسـلحة ضد المحتلين الأمريكيين خصوصاً من قبل أتباع الأحزاب الطائفية هو برهان على الدور الإيراني بهذا الصدد ، وإلا ما هو الفرق الموضوعي والسياسي بين موقف الجسم الإسلامي المقاوم للاِحتلال البريطاني في أعوام 1916 ، 1920 ، 1941 وموقف الجسـم الإسلامي في الجنوب كله من الاِحتلال الأمريكي ؟ ! أليس الدور الصهيوني خلال الاِحتلال الأمريكي الراهن هو أكثر وضوحاً من الموقف البريطاني السابق ، فوق ذلك ؟ ! .

إذا أخذنا هذه السمات الخاصة في العراق ، كحزمة تحليلية : فكرية وسياسية متكاملة وكلية تجاه بصدد القضية الوطنية العراقية في مرحلة العولمة والاِحتلال ، سنكتشف مضمون الرؤية السياسية الإيرانية الفارسية الراهنة ، ومدى علاقتها بالرؤية الحضارية العربية الإسلامية تجاه العراق ، أساًساً .

  هـ ـ وزيادة في إلقاء الضوء على الموقف السياسي الإيراني المؤشر التالي : ((ذكر قائد قطع الحربية التابعة لحاملة الطائرات {إبراهام لنكولن} والمتزاحمة في الخليج العربي : الأدميرال في غرفة الحرب ، الذي ليس هو مسؤولاً عن تلك ((القطعة العسكرية في المعدات التقنية)) فقط ، وإنما هو مسؤول أيضاً عن كل القوات البحرية الأمريكية والحليفة في الخليج العربي كله ، كما قلنا أعلاه ، يقول هذا الضابط رداً على سؤال يتمحور حول الموقف الإيراني : هل يعتبر إيران التي وضعها الرئيس بوش مع العراق وكوريا الشمالية في ((محور الشر)) والتي تشرف على شواطيء الخليج كله ، تشكل خطراً على قواته ؟ . أجاب :

((لا نعتبر أنَّ إيران تشكل تهديداً . إنها تملك شاطئاً طويلاً في شمال الخليج ولها سفن تجارية وحربية في مياهه الدولية وفق القوانين الدولية . نلتقي [!؟] على نحو روتيني قوات إيرانية في البحر ، وهذه اللقاءات في الغالب تجري في شكل جيد ونتوقع أنْ تظل هذه اللقاءات كذلك)) أي يجري تنسيق شامل بين الطرفين ((الغريمين)) بصدد الدولة العراقية ، يذكّرنا بموقف إيران إبّان العدوان الأمريكي على أفغانستان.

3 ـ من بين الدلائل على الموقف السياسي الإيراني تجاه العراق وعلاقته بالرؤية السياسية الأمريكية والإسرائيلية خلال المراحل السابقة المعلومات التالية :

  أ ـ يقول أحد المتابعين لموضوع العلاقات بين النظام الإيراني وكيان الاِغتصاب الصهيوني والولايات المتحدة ما يلي ))عندما تمعنتُّ في التقـّلبات التي تشهدها العلاقات الإسرائيلية الإيرانية والعلاقات المثـَّـلثية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران ، حرصتُ على التركيز على القوى والتطورات الجيوسياسية بدلاً من التركيز على الأيديولوجية ، أو التبريرات السياسية العابرة ، أو وجهات النظر المانوية التبسيطية)) ، [2] ، أي ضرورة أخذ الحقائق العينية بنظر الاِعتبار ووضعها في سياق تحليل سياسي كلي ، بدلاً من الاِنخداع بالدعايات السياسية والرؤى الأيديولوجية ، ويجزم الكاتب أنَّ المعلومات التي بنى عليها اِستخلاصاته السياسية ترتكز إلى كم هائل من المقابلات والمقارنات مع أشخاص ((مشاركين في رسم السياسة الخارجية الإيرانية)) ، [3] ، بالإضافة إلى مقابلات مع شخصيات مركزية في الكيان الصهيونية والولايات المتحدة ، [4] ، مما دفعه للقول أنه اِعتمد على ((وجهات نظر كبار صناع القرار في البلدان الثلاثة)) ، [5] .

  ب ـ واِرتباطاً بالنقطة أعلاه ، فإنَّ الموقف الأمريكي الصهيوني تجاه العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية التي رفضت إيران إيقافها منذ العام 1983 رغم كل الوساطات الأممية العالمية ومندوبو الدول العربية الإسلامية ممن لهم صلة بإيران ، هي أكثر من مكشوفة وموثقة ، ولكن بعض ((الأوساط القومية العربية المختلفة)) تصُّر على اِجترار الرأي الفارسي حول الدعم الأمريكي للعراق و((تآمر)) الغرب وكيان الاِغتصاب الصهيوني على ((النظام الإسلامي في إيران)) ، رغم التقارير الإحصـائية لمعهد سـتوكهولم لأبحاث السـلام الذي بينت أبحاثه ، أنَّ غالبية التسـليح العراقي كان مصدره الشرق السوفيتي ، فيما كان مصدر التسليح الإيراني هو الغرب وكيان الاِغتصاب الصهيوني ، على سبيل المثال وليس الحصر ، [6] .

في حوارٍ مع أحد متابع الوضع السياسي العربي بالمعلومة والفكرة والقراءة الصحفية الواسعة ، وممن يلتزمون الفكر السياسي الوحدوي في الرؤية والتحليل ، ومن الناشطين في متابعة نتاجات الفكر العربي ورؤاه السياسية ، تناولت اِندهاشي لمواقف السيد الأستاذ محمد حسنين هيكل حول الموقف من الصراع السياسي العراقي والإيراني ، وتنويهه بالمواقف السياسية الإيرانية بمناسبة أو من دونها ، علق على الطرح ذاك الذي ألحقته بنظرة تاريخية تحاول تفسير الحرب العراقية ـ الإيرانية بالاِستناد إلى رؤية تاريخية وإسـتراتيجية وشـعارات تصدير الثورة ، وليس إلى مرحلة إستعار الحرب على مختلف مراحلها ، كونها أصبحت تفاعلاتها المباشرة في ((ذمة الأرشيف التاريخي)) ، وأوضحتُ : إنَّ ذلك يقتضي دراسة مختلف أبعاد الخلاف أو الصراع بين الطرفين منذ العام 1823 : اِتفاقية أرض روم الأولى وحتى اِتفاقية الجزائر في 1975 التي كانت أحد مسببات الحرب المباشرة إضافة إلى موضوع تصدير ما يسمى بـ((ثورة إيران الإسلامية)) التي ((لعبت)) فيه العديد من الأسماء والولاءات المتباينة في نصرة الرأي الطائفي أو القومي العنصري الفارسي ، أو من أصحاب التوجهات السياسية الغربية الذين هربوا إلى خارج إيران أو الذين أعدمتهم السلطة الإيرانية لاحقاً ، أجابني وهو العراقي من حيث الأرومة والجنسية ، ومن دون أنْ يدلل على وجهة نظره بالمعطيات التاريخية والأبعاد السياسية الفعلية  والشواهد الحسية ،  إلى أنَّ المشكلة تكمن بين التفكير المصري والعراقي ، وألقى اللوم على العراقيين الذين هم متعجلون في البحث والتدقيق .

لفتُ نظره إلى كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل حول مفاهيم الصراع بين الأمة وأعدائها ، وهي كتب متاحة لمن يريد أنْ يقرأ ويدقق منذ ملفات السويس وحتى العروش والجيوش وما بينهما : سنوات الغليان ؛ والاِنفجار ؛ والسلاح والسياسة حول حرب تشرين 1973 ، وحرب الخليج : أوهام القوة والنصر ، وملف المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل بأجزائه الثلاثة ، والإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق ، وكل مضامين تلك العناوين ، وفق أية نظرة سياسية فاحصة ومتفحصة ، تدل على آفاق ذلك الصراع ، وذلك لا يتسق مع رؤيته السياسية الكلية على مستوى الصراع الراهن الذي كان العراق : اِحتلاله وتفتيته وتخليفه أبرز مظاهره . وأضفت : علينا التفكير أنه في اللحظات التاريخية الصعبة كان الغرب والكيان يساند أي نظام كان في إيران ويثب جهوده ضد العرب المخلصين لأمتهم وأوطانهم ، وإنَّ ذلك الموقف هو ثابت إستراتيجي منذ مؤتمر ((بانرمان)) اللندني في عام 1904 ـ 1907 الذي خلاله اِكتسبت الرؤية السياسية الغربية الوعي المطلوب بناءً على المعلومة والرقم والتاريخ والجغرافية ، وطال الحديث وتشعب الحوار .

اليوم نريد تقديم المعلومات التي قدمها أحد الكتاب اللامعين ، ممن يعدون في موقع ذروة من بين الذرى الذي يتمتعون بالمصداقية حول الدعم الغربي الصهيوني لنظام الملالي في مرحلة الحرب العراقية الإيرانية ، ووضْـعها أمام عيون الكتاب والقراء لكي يستخلصوا ما يمكن اِستخلاصه على صعيد تفسير الأحداث ورؤية التطورات على صعيد الرؤية الإستراتيجية التي هي الأهم في الدلالة والإستكناه والتصور والتبصر .

يقول السيد جون كولي في كتابه المعنون التحالف ضد بابل ما يلي : ((أعلنت إدارة كارتر حيادها الرسمي تجاه الحرب بين إيران والعراق ، كما زعمت عدم تسليحها لأي من الطرفين . وعلى الرغم من ذلك اِعتمدت إيران بصورة كاملة على الأسلحة وقطع الغيار الأمريكية الصنع . وسرعان ما تبين أنه على الرغم من وصف الخوميني اللاذع لإسرائيل على أنها ((دولة شريرة)) تدور في فلك ((الشيطان الأكبر)) ، أمريكا ، إلا أنَّ تقديم السلاح وقطع الغيار لإيران ظل مستمراً من خلال القنوات الخلفية الأمريكية وبعض تجار السلاح الإسرائيليين مثل يعقوب نمرودي)) ، [7] ،  وزيادة في التوضيح حول الدور الأمريكي والإسرائيلي في دعمهما لنظام الملالي الإيراني ينبغي علينا قراءة الصفحات التي جاءت في ذلك الكتاب  ، وعلى الصفحات 235 ـ 244  ، والمعنونة ((إسرائيل وفضيحة إيران جيت والحرب العراقية الإيرانية)) ، و((عملية أوسيراق)) .

في الختام ، وبعد هذه الملاحظات المحددة حول ((اللحظة التاريخية الراهنة)) التي يعيشها العراق الجريح والمحتل ، التي تتزامن مع الذكرى الخالدة لثورة 23 تموز المصرية المجيدة ، ينبغي أنْ نكون مخلصين للرؤية الناصرية الحقيقية تجاه الأمة العربية ، في زمن ومرحلة ((العولمة الأمريكية)) كي لا نقع في حبالها الأفعوية خاصة بعد أنْ ((تمكنت من أسلوب جديد في السيطرة ، يقوم على نظام شديد الجرأة والجسارة إلى درجة الاِقتحام والاِختراق لخصوصيات الدول والشعوب ، والقدرة على خطف وعي الآخرين واِرتهانه ـ أسير إعلام مصور وملون ـ مكتوب وناطق ـ يعطي لنفسه اِحتكار وضع جدول اِهتمامات الرأي العام العالمي وسحب الآخرين وراءهم أو جرهم مهرولين)) ، {كما جاء في كتاب الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق ، ص 11} .

ولعل تعبير المجرمين جورج بوش وبلير ، كما يذكر المفكر الأستاذ نعوم شومسكي ، يلخص حقيقة الموقف السياسي العالمي في المرحلة القطبية من خلال قولهما في إنذار لمجلس الأمن ((عليك أن تذعن وإلا فإننا سنقوم بعملية الغزو من دون أنْ تبصم موافقتك التافهة . وإننا سنفعل ذلك سواء غادر صدام حسين وعائلته البلاد أم لا)) ، وذلك الإنذار دفع شومسكي للتعليق التالي : ((إنَّ عصب المسألة هنا هو أنَّ الولايات المتحدة مصرّة على أنْ تحكم العراق)) ، [8] . وهي الحقيقة التي تلقي الضوء على المواقف الفعلية للأطراف السياسية ((العراقية)) و((العربية)) و((الإسلامية)) ، وتبين موقفها السياسي تجاه أطراف الصراع بشكل فعلي ، بغض النظر عن موقفها الأيديولوجي المعلن أو المخبوء .  

ثم هل يضيف الموقف السياسي الغربي : الأمريكي على وجه التحديد في مرحلته القطبية الواحدة في العالم ، وفي ظل إدارة المحافظين الجدد ذات النزوع العدواني ، تجاه الوطن السودان وشعبه والذي باتت الحرب الأهلية تتقلص اِحتمالاتها . . . هل يضيف هذا العامل دلالة سـياسـية مهمة ينبغي على أبناء الأمة العربية ، والناصريين منهم خصوصاً ، قبل الغزو الأمريكي القادم لهذا القطر العربي ، لتجزئته وتفتيت وحدة شعبه الاِجتماعية ، التنبه له على ضوء التهديد والوعيد لقيادته السياسية ، والتنبيه لمسألة أبعادهما المستقبلية ؟ ! .

اِنتهت المادة

*          *          *

المراجع والهوامش

 

      [1] ـ كان ذلك قي الكتاب المعنون الرؤية السياسية الإيرانية في ظل حكم الملالي ، باقر الصراف ، الصادر في القاهرة عام 2008 ، الطبعة الأولى ، نشر مركز الحضارة العربية الأولى .

     [2] ـ راجع كتاب حلف المصالح المشتركة : التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة ، تأليف تريتا بارزي ، إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون ومكتبة مدبولي ، الطبعة الأولى ، القاهرة / مصر ، سنة 1429 هـ ، 2008  م ، ص 7 .

     [3] ـ المصدر السابق ، ص 10 .

     [4] ـ نفس المصدر ، ص11 ، ومن الأسماء التي أجرى فيها المؤلف مقابلاته : وهو مستشار لأحد أعضاء الكونغرس الأمريكي ؛ مع شخصيات ساهمت في رسم السياسة الخارجية الإيرانية ، أو الإسرائيلية ، أو الأمريكية ، وكانت على الشكل التالي :

     ((بالنسبة إلى سياسة إيران مع إسرائيل في عهد الشاه ، وفـّر سفير إيران لدى الأمم المتحدة في أواخر سبعينات القرن الماضي فريدون هوفيدا ، ووزير الاِقتصاد الإيراني علي ناغي على خاني (وهو زميل مقرب من رئيس المجلس العسكري في عهد الشاه ، أسد الله علام) ، تفسيرات قيمة لأسس التفكير الإستراتيجي لدى الشاه . وفي ما يتعلق بحقبة ما بعد اِنتصار الثورة ، وفـّر كل من سفير إيران لدى الأمم المتحدة ومساعد وزير الخارجية الدكتور جواد ظريف ، ومساعدي وزراء الخارجية الدكتور عباس مالكي والدكتور محمود فيزي والدكتور هادي نجاد حسينيان ، بالإضافة إلى الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني محسن ميردادي ، ومحمد رضا طاجيك المستشار السابق لدى الرئيس محمد خاتمي ، وأمير موهيبيان ، المحرر السياسي في الصحيفة اليومية المحافظة رسالات ، وعلي رضا علوي تابار محرر العديد من الصحف الإصلاحية ، رؤى لا تقـَّدر بثمن عن حسابات الجمهورية الإسلامية .

    وفي الجانب الإسرائيلي ، حصلنا على معلومات قيمة من الرئيس السابق للموساد إفرايم هالفي ، ووزير الخارجية السابق الدكتور شلومو بن عامي ، ووزير الدفاع السابق موشية أرينز ، ونائب وزير الدفاع إفرايم سنية ، ومدير المخابرات العسكرية عموس جلعاد ، والسفير الأسبق لدى الأمم المتحدة الدكتور دوري غولد ، والمندوب السابق لدى إيران أوري لوبراني ، والملحق العسكري السابق في إيران إسحاق سيجيف ، والرئيس السابق للجنة إيران ديفيد إيفري ، ويوسي ألفير المستشار السابق لدى رئيس الأمم المتحدة إيتمار رابينوفيتش ، وممول صفقات إيران ـ كونترا ياكوف نمرودي . كما نود أنْ نشير إلى أنَّ المتحدث باِسم لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية في الموضوع الإيراني كيث وايزمان شاركنا أفكاره في صياغة الرؤية الإستراتيجية للوبي المؤيد لإسرائيل . (أجريت مقابلتي ومناقشاتي مع كيث قبل اِتهامه بالتجسس وتركه المنظمة).

     أخيراً ، وبالنسبة للأطراف الأمريكية ، حصلتُ ـ كما يقول المؤلف ـ على روايات داخلية عن الحسابات التي أجرتها واشنطن من مستشاري الأمن القومي الدكتور زبنيو بريجينسكي ، والمقدم روبرت ماكفرلاين ، والجنرال برينت سكاوكروفت ، والدكتور أنتوني لايك ، إضافة إلى مساعدي وزراء الخارجية روبرت بيلـّترو ، ومارتن أنديك ، ولاري ويلكرسون كبير معاوني وزير الخارجية كولن باول ، والمبعوث الخاص لإدارة بوش الحالية في أفغانستان السفير جايمس دوبنز ، والسفير دينس روس ، والدكتور غاري سيك الذي خدم ككبير مساعدي البيت الأبيض في شؤون الخليج العربي بين عامي 1976 و1981)) ، {ص 10 ـ 11 من الكتاب المذكور} .

    [5] ، المرجع السابق ، ص 12 .  

    [6] ـ راجع كتاب الرؤية السياسية في ظل حكم الملالي ، مصدر سبق ذكره ، حيث أوردت بحث الدكتور إبراهيم علوش كاملاً ، حول الموضوع وتفصيلاته ، على الصفحة : 146 ـ 148  .

    [7] ـ راجع كتاب الأستاذ جون كولي المعنون التحالف ضد بابل ، ترجمة ناصر عفيفي ، مكتبة الشروق الدولية ، الطبعة الأولى ، 1427هـ ـ يناير 2007م ، القاهرة ، مصر ، ص 235 .

    [8] ـ راجع أقواله تلك في كتاب العراق : الغزو ـ الاِحتلال ـ المقاومة ، شهادات من خارج الوطن العربي ، إصدار مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت / لبنان ، الطبعة الأولى ، كانون الأول / ديسمبر 2003 ، ص 62 .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين /  02  شعبان  1429 هـ

***

 الموافق   04  /  أب / 2008 م