الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

بمناسبة اِقتراب ذكرى ثورة الثالث والعشرين من تموز
 وما كتبته الشخصية الناصرية المناضلة الأستاذ سامي شرف
بعنوان : المنهج الناصري المقاوم . . رد وتوضيح . .

 

ولنا في الموضوع المثار رأي
النقد الذاتي أساس كل نقد ، ومراجعة التاريخ المبتدأ وربما المنتهى

الحلقة الرابعة

 

 

 

شبكة المنصور

باقر الصراف / كاتب عراقي مقيم في هولندا

 

هناك حقيقة موضوعية تتخلل نسيج الأمة العربية ، رسختها قرون عديدة من الأواصر المشتركة والتجارب العملية التي أفرزت حياة اِجتماعية متكاملة خالية من الصراع العمودي : المسلح والعنيف ، جذرها المشترك وحدة اللغة والاِنتماء للإرث الحضاري المشترك ، الذي قوامه الرؤية الدينية الإسلامية والمسيحية الشرقية ، وما ترتب عليه من وحدة ثقافية بادية للعيان وواضحة للبصائر ، وكذلك توفرت مداميكها في سياق الممارسة التاريخية كتطلع وطموح ؛ فضلاً عن خطط الأعداء المضادة لهذا التطلع التي كان أبرزها البرناج السياسي لـ((كامبل بانرمان)) ، [1] ، والعمل من أجل ترسيخ وحدة المصلحة والطموح في المستقبل من أجل بناء الذات الوطنية والقومية المتكاملة ، وليس على حساب الذات القومية العربية بالقطع .

والذات القومية تقتضي المواجهة النقدية معها : أين أخطأت ؟ وأين أصابت ؟ على أرضية فهم الماضي التاريخي المقرون بالإخلاص للذات القومية العربية ، ووفقاً لما يقوله أحد النابغين العرب فإنَّ وعي المبدأ لماهية الذات يمر عبر دراسة الماضي ، وهو ما يشكل ألف باء جوهر ((وعي الذات ، وهو ما يوجب نقد الذات)) بصورة تفصيلية من أجل التجاوز والدخول في مرحلة قادمة ومستقبلية ، وهو ما يعد الـ((مدخل لكل نقد)) فعلي وشامل وصريح ، وبالتالي تجعل الدروس العملية حاضرة في الذاكرة العربية عند أي تصرف سياسي . ويستلزم كل ذلك ، الاِبتعاد عن كل رؤية أيديولوجية مسبقة ، كونها {أي الرؤية الأيديولوجية} تلغي الفكر وتقدس الأقانيم وتغطي على الوقائع الماثلة وتدلس على الحقيقة وتحذف المعلومة من قاموس التحليل .

والعراق : بما هو وطن نتاج واقع جغرافي وتاريخي صنعه البشر منذ آلاف السنين ، هو جزء أساسي من الوطن العربي ، ينبغي وضعه في دائرة الاِهتمام والذاكرة عند التحليل والتقرير ، ولا ينبغي لمن يؤمنون بالأمة العربية خصوصاً ، إهماله لأي سبب كان ، مثلما كان ينبغي متابعة تطوراته وشؤونه وشجونه في أية لحظة تاريخية ، وجعل اِصطفاء واقعه السياسي الموضوعي بؤرة الضوء الجاذبة لكل التحليلات ، لا التركيز على بعض ممارسات حكامه ، شأنه شأن الملايين العربية القاطنة على المنطقة الشرقية للخليج العربي ، الذين يعد وجودهم المادي هو الذي يعبر عن محتوى تسمية الخليج بالعربي ، مثلاً ، الأحواز العربية التي ((يتناساها)) البعض على مذبح الرؤية الأيديولوجية ((الإسلامية)) في طبعتها الإيرانية ، في أحسن الأحوال ، أما إذا أخذنا رؤية الظن غير الحسن في التقويم فنقول : على أرضية ((لمعان الذهب الفارسي)) الذي يوزعه حكّام إيران ذات اليمين وذات الشمال عبر رؤى وأنفاق متعددة ومتنوعة .

التفتيت بقدر ما يتعلق بالوضع العراقي ، هي المرحلة السياسية والاِجتماعية الحالية ، وإيران من خلال رؤية مذهبية أيديولوجية هي العامل الفاعل في بذر ((سياسة التفتيت)) داخل المجتمع العراقي ، ونشرها وتعميمها وتعميقها ، ولكن قبل تناول مواضيع البرنامج السياسي الإيراني بصدد العراق ، وعلاقته بالأمن القومي الإيراني ، نريد توضيح بعض المفاهيم التي يصر الإيرانيون على ترديدها صباح مساء من منطلق عنصري ليس إلا ، وبالاِستناد إلى رؤى سياسية أوربية عن المنطقة ، كتبها مستشرقون واعون لمصالح دولهم الإستراتيجية ، نعني بذلك تقولاتهم حول ((فارسية الخليج)) .

في الكتابة السياسية أو الحديث في الصدد الأهم المثار في الكتابة ، ينصح السيد محمد حسنين هيكل : الصحفي اللامع ، وبالاِستناد إلى أقوال أحد الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول ، وهو من القادة السياسيين الأوربيين الكبار في العصر الحديث ، بضرورة اِستحضار عامل التاريخ : كونه البيئة الكونية لأي حدث ، وعامل المكان عبر الخرائط الجغرافية بسبب بيئتها التفسيرية لتحليل أي واقع عيني ، في أي نص تحليلي سياسي ، وإذا أخذنا الواقع السياسي والملموس لتلك المنطقة التي يحدد واقعها الاِجتماعي مفاهيمها السياسية والقومية ، فإننا سنطـّلع بالوثائق الحسِّـية أن السكان العرب هم مَنْ يقطنون على ضـفتي الخليج ، ومنذ مئات السـنين ، {راجع صورة الخريطة أسفل هذه الفقرة} ، هذا من الناحية الأولى ، وأن الاحتلال الفارسي والرسمي للأحواز لم يبدأ إلا في العام 1925 بمؤامرة بريطانية صريحة ، [2] ، من الناحية الثانية ، أما الاِستناد إلى رؤية غربية كتبها ((علماء)) يتخذ بعضهم من صفات الإستشراق غطاءً تمويهياً لهم ، ففضلاً عن كونها تتصادم مع الرؤية الإسلامية للتاريخ والماضي والمفاهيم ، فإنه يتعارض مع الحقائق العلمية التي بحثت في نشوء المفاهيم الخاصة بالمنطقة ، من قبيل الشرق الأدنى والأوسط وإسرائيل ، وغير ذلك ، من الناحية الثالثة . 

في الحقيقة أنَّ القضية الأحوازية تثير ((العطف والشفقة)) على بعض ((المفكرين العروبيين)) ، الذين يجهدون أذهانهم وأفكارهم ويسيلون أحبار أقلامهم لنصرة قضايا بعيدة عن الهموم المباشرة لوطنهم العربي ، و((يتناسون)) في آنْ واحد ، شؤون وشجون القضية القومية العربية القريبة منهم ، فالأحواز الذي يقطنه عدة ملايين من المواطنين العرب هم محرومون من مدرسة اِبتدائية واحدة ـ نعم واحدة فقط ـ يدرس فيها أطفال ينحدرون من الأرومة الاِجتماعية العربية المواد التدريسية بلغتهم الأم التي هي ـ فوق ذلك ـ لغة مقدسة وفق المعايير الحضارية الإسلامية ، ويعدّها بعض الفقهاء ـ إنْ لم نقل كلهم ـ لغة أهل الجنة . وكذلك ، يمنعون بشـكل رسـمي من تسمية أبنائهم بأسماء ذات صلة بالتراث العربي الإسلامي ، كـأبي بكر ، وعمر : مطفيء النار المجوسية ـ ومن هنا منبع حقدهم الاِستثنائي عليه  للدرجة التي أقاموا لقاتله : أبو لؤلؤة المجوسي ضريحا خاصاَ ((ببابا شجاع)) ـ وعثمان ، وياسر ، وعرفات ، وعبد الناصر ، ومهند ، وشيماء ، ورائد ، وغير ذلك من الأسماء المتعلقة بالمضامين العربية ، كونها لا تتوافق مع الرؤية الطائفية الصفوية ، أو ذات علاقة بما آلت إليه القومية الفارسية في الماضي ، التي تسببت في هزيمتهم إبان المراحل الأولى من النهضة العربية الإسلامية ونشوء الخلافة العربية .

علاوة على أنَّ أولئك المواطنين العرب يخضعون لسياسة تربوية متعمدة قوامها التجهيل بتراثهم ووقائع ماضيهم ، فيما تكرس السلطة الفارسية بحقهم سياسة متخلفة بعيدة عن أي منظومة حضارية حديثة ، من قبيل نشر الروايات والأكاذيب الأيديولوجية الفارسية بخصوص التاريخ العربي ، وإخضاعهم لقوانين عشائرية وقبلية ملزمة لهم . ويُطردون من أرضهم التاريخية لصالح جلب ((أجانب)) فرس بغية الاِستيطان ، وبناء الجدران العازلة . وتقام على الحدود العراقية ـ الأحوازية المعسكرات الإيرانية الرسمية بغية تفريغ الأراضي من سـكانها العرب بذرائع الدواعٍي الأمنية في حين أنَّ الهدف الحقيقي هو تغيير البنية السـكانية لمالكي تلك الأراضي .

أما سياسة الاِعتقالات والسجون والتمييز العنصري والكفالات النقدية الباهظة ، والمطاردة والاِعتقالات وفرض البطالة من أجل إجبارهم على الرحيل عن أرضهم ، وعدم إقامة أي مشاريع إنتاجية في أي موقع من مواقع الأحواز ، رغم أنَّ الثروات الأساسية تنبع من أراضيه : كالنفط مثلاً ، حيث تسهم بما نسبته حوالي 90% من الدخل القومي الإيراني . . . أما كل ذلك وغيره فالحديث عنها سيطول جداً ، وتشكل المواد الفكرية والسياسية الأساس لعشرات المواقع الإخبارية الأحوازية الإلكترونية .

إنْ لم تكن الأسباب الكامنة وراء السكوت عنها تتعلق بالرؤية العروبية لمفاهيم التطور الخاصة بالأمة العربية ، فلتكن ((معايير حقوق)) الإنسان التي صارت أثيرة على مشاعر البعض منهم ، دافعاً لتوجيه ((آراء النقد)) حتى الخفيف منه ، ((للنظام الإسلامي)) في إيران ، الذي يساند بعض العرب من أجل تحرير ((مزارع شبعا)) وأرض فلسطين ، من دون مناقشة التساؤل التالي والمفروض على كل مفكـِّر عربي : هل يسعى البعض فعلاً لتحرير أجزاء عربية محتلة من قبل مَنْ يحتلون أرضاً عربية ويسوم أبناءها سوء العمل العنصري ؟ ! .

يشهر العديد من النقاد بوجه البعض منا ، وهم ((المتعاطفون مع الرؤية الفارسية)) من القوميين العرب ، مسألة المشروع العلمي الإيراني ((المناويء للغرب)) ويضربون مثالاً ملموساً على ذلك المشروع ((الأحاديث الإعلامية أو الدعائية)) ، عن الجهد الكثيف المبذول حول الجهود الإيرانية  للتسلح بالقدرة النووية التي يحاول كسبها الحكام الإيرانيون الحاليون ، وتدور ((حرب إعلامية)) حول الموضوع يصدقها البعض فيما ينفيها البعض الأخر .

أما السـلطة الإيرانية فهي تحاول إسـدال حزمة من الغموض حول الموضـوع برمته ، اِتساقاً مع الرؤية السياسية الدبلوماسية الإيرانية على مدى التاريخ التي لا تكشف عن أهدافها أبداً ، يقول أمير مهيبيان وهو{إستراتيجي محافظ بارز} ((ينبغي ألا نكون دولة يمكن لأعداء إيران معرفة طريقتها في التفكير والتوقع بما ستقوم به)) ، [3] ، وهذا أسلوب خاص في الدبلوماسية الإيرانية منذ نشأتها ، لأنه يتعلق برؤية سياسية واِجتماعية في التفكير والتصور ، من هنا يصف البعض المتابع لتلك الدبلوماسية السلوكَ الإيراني ((بالغدر والتخطيط غير المباشر)) ، والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة ، لعل أبرزها نمط ((التقية)) المذهبية الذي يسـود التفكير السياسي الراهن ، وعن محتوى ذلك النمط من الأسـلوب يضيف أحد مستشاري الأمن القومي الإيراني ، ((هذه الطريقة متجذرة في تجارب إيران على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين ، عندما مكـّن اِنفتاح البلاد القوى الخارجية من التلاعب بها من أجل اِستغلال ثرواتها الطبيعية وجعلها دولة تعتمد على الغرب)) ، ترى الحكومة الإيرانية بأنه ((ينبغي البقاء على مسافة محسوبة بعيداً عن الأجانب)) ، على حد تعبير هذا المعاون ، الذي يضيف ((عليك أنْ لا تجعلهم يفهمون كيفية إدارتك لشؤونك الخاصة ، لهذا السبب ، أعتقد بأنَّ إثارة الحيرة أمر مقصود ، ولهذا السبب يسمحون للمؤسسات المختلفة بالتعبير عن العديد من السياسات المتناقضة ، ولا بأس بذلك ، فهذا يوفر الأمن لإيران لأننا نعرف ما نقوم به)) ، [4] ، وبسبب اللوحة العامة لتلك ((السياسات المتناقضة)) نرى التقديرات المختلفة عند ((المفكرين القوميين العرب)) ، ما بين مرجح لهذا التفكير أو ذلك التقدير ، فالإشارات التي يطلقها حكام إيران حول هذا الموضوع بالذات تثير اللبس والغموض ويستهدف إضاعة بوصلة الخصم والعدو أو الاِتجاه العام للصديق أو الحليف .

ولكن علينا معرفة التشخيص الصحيح عبر وعي الدروس الفعلية لملابسات التاريخ الإيراني الممارس في الماضي والحاضر ، فإيران نجحت مع الأسف الشديد في تلبيث التفكير عند البعض القومي العربي حول الشأن المتعلق بالأحواز الذي يقطنه ما لا يقل عن عدة ملايين فوق مساحة 000, 324  ألف كيلو متر مربع ، أي ما تساوي مساحة سوريا ولبنان وفلسطين مجتمعة ، وتمتعت في إدارة شؤونها القومية الخاصة ببعد عربي جلي ، منذ الفتح العربي الإسلامي ، وخضوعها للسيادة العربية خلال مرحلتي الإمبراطورية الأموية والعباسية ، وأسست دولتها المشعشعية عام 1436 وحتى سنة 1724 لتقوم بدلا منها الإمارة الكعبية على كافة الأراضي الأحوازية ، التي اِحتلها الفرس في العام 1925 جرّاء تواطؤ المصالح الغربية البريطانية والزمرة العسكرية الإيرانية التي دعمها الغرب حتى زوال نظام أحد أحفاده في العام 1979 .

ومع ذلك ، علينا الإقرار بأهمية التطوير العلمي لشعوب العالم الثالث ، رغم الموقف السياسي الإيراني من هذه الظاهرة في بقية أراضي وأوطان العالم الإسلامي : أي التطوير العلمي في العراق ، ((لأنه لا يسمح لأي دولة إسلامية أنْ تكون نسبة الأمية فيها أقل من 20% وتتوفر على مستوى عال من البحث العلمي ، وإمكانات تكنولوجية ذاتية تمتلكها وتتصرف بها / مثلما تفعل بعض الدول الأخرى ، بحيث لا يسمح بأنْ تكون تجربة في فهم حضارتها وفي أسلوب معيشتها)) ، كما حدث في العراق ـ مثلاً ـ والذي اِستحق بسببه ولأسباب أخرى لشن أمريكا وحلفاؤها الحرب عليه ، كما يقول المفكر المغربي العالم ثالثي العظيم المهدي المنجرة ، من هنا ضرورة التبصر في معاني التجربتين العراقية والإيرانية وموقف الغرب منها . إنَّ ما ينبغي التذكير به هو حقيقة هوية الموردين لهذه التكنولوجية ، على سبيل المثال ، وبالتالي إثارة النقطة الحيوية تجاه أي مشروع تحديثي وتكنولوجي بشأنه ، والتي تتمثل بالسؤال الآتي : هل تسمح أمريكا ، بلهه المحافظون الجدد ، لأي تطور يسود في إيران إنْ لم تكن حدوده معروفة ؟ ! .

تقول المعلومات التوثيقية التي ينبغي قراءتها بعيون صاحية وعقل نقدي مفكر ، ((كانت مبيعات هاليبرتون السرية لأجهزة الطرد المركزي إيران هي التي ساعدت في نهوض برنامج تخصيب اليورانيوم ، بناءً على التحقيق الذي اِستمر ثلاث سنوات وشمل مقابلات أجريت مع أكثر من اِثني عشر من موظفي هالبرتون السابقين)) ، [5] ، والقصة التي يجري ذكرها تقول أن ((في يناير من عام 2005 باعت هاليبرتون مكــِّونات مفاعل نووي أساسية لشركة نفط إيرانية ، [. . . وهي] أويل كيتش وهي إحـدى كبـرى شـركات النفط الخاصة الإيرانية ، بالإضافة إلى ذلك ، فقد عملت هاليبرتون خلال عامي 2004 و 2005 على نحو وثيق مع سيروس ناصري نائب رئيس مجلس إدارة أورينتال أويل كيتش للمشروعات النفطية في إيران ، كما أنَّ ناصري عضو مهم في فريق تطوير الطاقة النووية الإيرانية)) ، [6] .

إنَّ المقارنة التوثيقية بين تجربتي العراق وإيران في ميدان اِكتساب الخبرات والمعارف العلمية والتزود بالمهارات التكنولوجية ستبين الفروقات العينية الملموسة بين موقفي الغرب تجاه المشروعين الإيراني والعراقي في التطوير . والمشروع العراقي ، كما هو معروف ،  تعرض لاِغتيال علمائه ومطاردة العاملين فيه والحصار والقصف ، فيما كان المشروع الإيراني يتزود من المصادر الأمريكية ، بله من أشد عتاة المحافظين الجدد الذين جلهم صليبيين متصهينين ، التي جاء في بعض صفحاته : ((بكل تواضع ، يمكن اِعتبار جهود حملة الإعمار برهاناًً يفتخر به عن العزيمة الصـادقة والمرونة الحقيقية والإبداع التي تتحـلى به الروح العراقية ، في ظل نظام متماسك [ص 164])) . ((كانت الشركة الأمريكية [وستنكهاوس] التي تزود الوقود النووي لكافة المحطات الكهرونووية في اليابان {قد تدخلت لمنع تنفيذ أي اِتفاقات من} المُزمع إنشائها في العراق ، عاد وفدنا إلى بغداد وقد اِستوعب الدرس جيدا ، [ص 86])) . ((لابد من الإقرار بأنَّ الحافز المنطقي الوحيد لإسرائيل لقصف هذه المفاعلات كان إقرارها اللئيم في إجهاض حق العراق ومنعه من الحصول على الخبرة والتقنية النووية بحد ذاته ، [ص 106 ـ 107])) . ((إنَّ أهم دليل على نوعية الولاء والنزاهة والاِنضباط في العمل ، بإرادة وسياقات العمل المعتمدة ، [. . .] هو عدم ورود أي تهمة أو إخبارية عن أي عمولة مالية أو تقبل رشوة في تنفيذ كافة أنواع الصفقات والعقود المالية التي بلغت قيمتها ما يقارب عشرة بلايين دولار خلال سنوات البرنامج ، من أعلى سلطة في المنظمة ومروراً بعادل فياض وإلى كافة موظـّفيه، [ص 124])) . ((لم يتم تسريب أي تقرير موثـّق لمشروع 3 pc إلى أيدي وكالات المخابرات الأخرى قبل حرب 1991 وإلى حين بدء عمل فرق تفتيش الوكالة الدولية للطاقة ، [ص 147])) ، [7] .

وحول أحد العملاء الذي وجد الأمريكيون فيه دالتهم على رسم المخطط العدواني يذكر الكتاب الذي أنشأه أحد العلماء العراقيين العاملين داخل إحدى المؤسسات العلمية العراقية أنَّ ((تسليم حمزة خضر دوراً قياديا)) كان مجرد فترة محدودة جداً ، ((إذ بات رئيساً لفريق تصميم القنبلة الذرية . لم تدم له هذه المسؤولية إلا شهوراً قليلة بسبب اِرتكابه جنحة سرقة لأجهزة تبريد ونحـّي جانباً ، ولم يشارك في نشاطات برنامج التسلح النووي المُـتسِّرع الذي شمل حوالي 7000 من العلماء والمهندسين والعاملين خلال السنوات الثلاث التي سبق حرب عام 1991، [ص 254])) ، والذي هو المتكأ الأساس للأمريكيين في ((اِتهام)) العراق باِمتلاكه السلاح النووي باِعتباره شاهد عيان . إن مراجعة الفصل السابع وهو المعنون بالخاتمة الذي يسـتغرق الصـفحات بين صفحتي 243 ـ 298 ، يبين بوضوح المخطط الغربي : الأمريكي البريطاني على وجه التحديد ضد أمتنا العربية في ساحتها العراقية .

يقال : أنَّ المخلص الواعي مَن يتعظ بتجارب غيره ، فهل الغرب الأمريكي يقدم على توجيه ضربة قاصمة إيران ؟ أم هل كيان الاِغتصاب الصهيوني يتكفل بإنجاز تلك المهمة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فلتفكر السلطة الإيرانية بطرق مغايرة لإدارة تعاملها مع الشعوب غير الفارسية ومن ثم الاِنفتاح على حقوقها الطبيعية ! ، هذا ما نستطيع قوله أو النصح به فيما إذا كانت ((أوهامنا)) حقائق سياسية ملموسة بصدد الأقوال السياسية للسلطة الإيرانية ، والحملات الدعائية لأنصارها أو أتباعها من العرب العروبيين! ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    [1] ـ ألقى الدكتور المرحوم أحمد سوسة الأضواء على ذلك البرنامج الذي نتج عن قراءة واعية بغية الإجابة على سؤال أرق أذهان القادة السياسيين الأساسيين في الغرب والذي يتمحور حول : كيف يمكن تأبيد سيطرة الغرب الأوروبي على العالم وذلك قي العام 1904 ـ 1907 ، وأورد نصوصاً كبيرة من محتوياته ، وذلك في كتابه المعنون العرب واليهود في التاريخ : حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية ، في طبعته السابعة الصادرة عن العربي للإعلان والنشر والطباعة والتوزيع ، بدون تاريخ ، دمشق / سوريا ، ص 725 ـ 740 ، وخلاصة ذلك ((إنَّ الخطر ضد الاِستعمار في آسيا وفي أفريقيا ضئيل ، ولكن الخطر الضخم يكمن في البحر المتوسط ، وهذا البحر هو همزة الوصل بين الغرب والشرق ، وحوضه مهد الأديان والحضارات ، ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللسان ، وكل مقومات التجمع والترابط . هذا فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية . فماذا تكون النتيجة لو نقلت إلى هذه المنطقة الوسائل الحديثة وإمكانيات الثورة الصناعية الأوربية ، واِنتشر التعليم فيها واِرتفعت الثقافة ؟ ! إذا حدث ما سلف فستحل الضربة القاصمة حتماً بالاِستعمار الغربي ، وبناء على ذلك فإنه يمكن معالجة الموقف على النحو التالي :

    1 ـ على الدول ذات المصالح المشـتركة أنْ تعمل على اِسـتمرار تجزئة هذه المنطقة . . وتأخرها ، وبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتأخر وجهل .

    2 ـ ضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الأسيوي ، وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري ، قوي وغريب ، يحتل المتوسط ، بحيث يشكل في هذه المنطقة ، وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاِستعمار وعدوة لسكان المنطقة)) ، [ص 730 ـ 731] . وعلى ضوء ذلك كانت اِتفاقية سايكس ـ بيكو ، في عام 1915 ، ووعد بلفور في عام 1917 .

    [2] ـ  لقد تناولنا : أنا والأخ عادل السويدي هذا الموضوع بشكل توثيقي وموسع ، ومما جاء فيه هو التالي : ((لم يسـتمع الشيخ خزعل لمقترحات ، أو لنصيحة بعض الشـيوخ العرب لقتل رضا خان في تلك الآونة الملائمة ، ويقيناً ـ كما هو في تقديرنا ـ إنه اِلتزم بتوجيهات الساسة البريطانيين ولم يستكمل مبادراته المتعددة في التعبئة والمقاومة ، ولكن هذه الثُلة العسكرية التي تتلقى أوامرها من قادة الرؤية الفارسية ، أثبتت كونها حصان طروادة المناسب لتنفيذ الأهداف التي يتطلع إليها رضا خان ، الذي كان ((يخطط ويدبر لإنهاء)) . الحضور السـياسـي العربي في الأحواز ، والقضاء على الحكم العربي هناك وإلحاق كل المجتمع الأحوازي بالحكومـة الإيرانية  و((بدعم من بريطانيا وبمباركة منها)) . { والهامش [21] ينسب المصدر الموثق لتلك المعلومة على الشكل التالي : [21] ـ راجع كتاب عربسـتان قطر عربي أصـيل ، إصدار دائرة شؤون الخليج العربي ، طباعة دار الحرية للطـباعة ، مطـابع دار الحرية للطباعة ، مطـبعة الجمهورية ـ بغداد ، وزارة الإعلام ، سنة 1972 ، ص 21 .

      كان الغدر الفارسي الوسيلة المناسبة والمتاحة للسيطرة على المحمرة ، وعلى شـاكلة التآمر في القصور لاِسـتلام الحكم جرى تنفيذ عملية أَُسْـر الشيخ خزعل : الرمز المعنوي للعروبة عند أبناء ذلك الإقليم  ، لقد كلف رضا خان الجنرال زاهدي  الذي كان موقعه في إطار ذلك المخطط الهادف للسيطرة على الأحواز : ((العامل الذاتي)) الواعي بالأهداف السياسية للرؤية الفارسية ، أي كحصان طروادة جاهز في الأحواز مطلق حرية التصرف واِتخاذ القرار ، أنْ ((يلقي القبض على أمير المحمرة وينقله إلى طهران بالصورة التي يراها وبالأسلوب الذي يقره)) . [22] : [22] ـ المصدر السابق ، ص 22 ، ومما جاء في ذلك المصدر : ((وبعد تردد رجع الشيخ خزعل إلى الفيلة ، وفي اليوم التالي لوصوله زاره المعتمد البريطاني في مدينة الأحواز برفقة زميله المعتمد البريطاني في المحمرة ، وقد أكد المعتمدان لأمير المحمرة صدق إدعاء زاهدي ، ومن المؤسف أنَّ الشيخ خزعل كان يثق إلى أبعد الحدود بأقوال الإنكليز)) .

     فأخرج الجنرال مسرحية تركه وجنوده للمحمرة أي مغادرتهم لتلك المدينة ومن ثم الأحواز كلها ، وضرورة وداع الأمير له أو ضرورة وداعـه الأمير خزعل ، وتدخلت بريطانيا هنا عندما أرســلت معْتمَـدَيْـهـا لمرافقة الأمير في وداعـه للجنرال زاهـدي ، فأقـام الأميـر الـذي سَـيخُتَطَف قريباً حفلةَ الوداع ، في مسـاء يوم الاِثنين 25 رمضان 1343 هـ / 18 نيسان 1925 ، فأخذ بعض الجنود الإيرانيين الثقاة يتدفقون للحفل بذريعة أنَّ لديهم أوامر عسـكرية يريدون إبلاغها للمسؤول عنهم : الجنرال زاهدي ، ولكنهم بدلاً من ذلك طـوقـوا مرافقي الأمير وجردوهم من أسـلحتهم وأسـروا الأمير خـزعل ، وتم نقله إلى العاصمة الإيرانية : طهران ، وبهذه الوسـيلة الخسيسة حقق الفُرس أولى خطوات اِنتصارهم العملية الملموسة والأساسية.

     وضمُّوا منذ ذلك التاريخ : الأحواز إلى إيران ، رغم مقاومة الشعب العربي الأحوازي وثورة عشـائره في أعقاب ذلك الاِختطاف الغادر ، فقد نجح رضا خان في تنفيذ مخططه الفارسي القومي ، ودفع الشيخ خزعل حياته ثمناً لثقته بالوعود البريطانية ، وتقديره لطبيعة الصداقة الإنكليزية على غير رؤيتها المصـلحية ، من جهة ، وغفلته عن أَسـاليب الأعداء القوميين المخاتلة ، وعدم حذره من أساليبهم الملتوية في الغدر وتنفيذ مآربهم ، من جهة ثانية ، وعدم اِعتماده الكلي على أبناء شعبه الأحوازي الذي كان الوعي الحضاري العربي الإسلامي يشكل جوهر قناعاته الفكرية ، من جهة ثالثة ،  إذ اِستشهد في الأسر الإيراني وداخل سـجون سلطتها القومية الفارسية حيث مات مخنوقاً فيها عام 1936 ، من جهة رابعة ، فيما علَّق أحد الكتّاب الفرنسيين آنذاك بالقول التالي : ((كان ذنب الشيخ خزعل إنَّ إمارته قائمة في مكان إستراتيجي في عالم البترول الذي لا يحفظ حقاً ولا ذمة)) . [23] . [23] ـ راجع كتاب الصراع العربي الفارسـي ، صادر عن مؤسسة الدراسات والأبحاث في منشورات العالم العربي : رئيس التحرير : نقـولا الفرزلي ، مدير التحرير : الدكتور نسـيم الخـوري ، المدير الفني : إلياس ديب ، باريس/فرنسا ، دون تاريخ ، ص 100 . وذلك في إشـارة غير  مباشرة للدور البريطاني))  .

     راجع كتابنا المعنون العمل القومي العربي ، العروبة والغزو : الهوية القومية والأعداء ، تأليف باقر الصراف وعادل السويدي ، القضية الأحوازية نموذجاً ، الطبعة الأولى ، مكان الصدور أوربا ، شباط عام 2004 ، ص 32 ـ 35 .

    [3] ـ راجع كتاب حلف المصالح المشتركة : التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة ، تأليف تريتا بارزي ، ترجمة أمين أيوبي ، مراجعة مركز التعريب والترجمة ، إصدار الدار العربية للعلوم ـ ناشرون ومكتبة مدبولي ، الطبعة الأولى ، 1429 هـ ـ 2008  م ، ص 373)) . وسنورد في الحلقة الخامسة ، وهي الأخيرة ، أسماء مَن قابلهم المؤلف لتأسيس وجهة نظره .

    [4] ـ المصدر السابق ، ص 373 ـ 374 .         

    [5] ـ راجع كتاب الرقابة والتعتيم في الإعلام الأمريكي : أهم 25 قصة إخبارية خضعت للرقابة ، تحرير بيتر فيليبيس ومشروع "مراقب" ، ترجمة أحمد محمود ، إصدار دار الشروق / القاهرة ، الطبعة الأولى عام 2007 ، ص 39 .

    [6] ـ المصدر السابق ، ص 37 .

    [7] ـ وبهذا الصدد يمكن مراجعة الكتاب الهام للسيد عماد خدوري ، والمعنون سراب السلاح  النووي العراقي : مذكرات وأوهام ، إصدار الدار العربية للعلوم ، مكتبة مدبولي ، الطبعة العربية  الأولى {صدرت الطبعة الكندية الأولى عام 2003} ـ 1425 هـ ـ 2005  م

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين /  02  شعبان  1429 هـ

***

 الموافق   04  /  أب / 2008 م