الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

بمناسبة اِقتراب ذكرى ثورة الثالث والعشرين من تموز
 وما كتبته الشخصية الناصرية المناضلة الأستاذ سامي شرف
بعنوان : المنهج الناصري المقاوم . . رد وتوضيح . .

 

ولنا في الموضوع المثار رأي
النقد الذاتي أساس كل نقد ، ومراجعة التاريخ المبتدأ وربما المنتهى

الحلقة الثالثة

 

 

شبكة المنصور

باقر الصراف  /  كاتب عراقي مقيم في هولندا

 

المنطلق ، إذن هو الأمة العربية ، ومقرونة بدفاعها عن ذاتها السياسية والاِجتماعية وردها الحازم على العدوان الذي يحاول التطاول على كينونتها ، ذلك هو الجانب المشرق من التاريخ في هذه المنطقة . وفي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية ـ نذكر ذلك كون المشترك الفكري والسياسي عند كل القوميين العرب المخلصين والمناضل سامي شرف والناصريين مكوناً واحداً ـ فالثورة المصرية التي قادها الخالد جمال عبد الناصر بعد اِندلاعها في العام 1952 ، لم تحظَ َ بالتأييد العارم من قبل مجموع أبناء الأمة العربية إلا بعد مناهضتها بالقول والفعل للإمبريالية العالمية والصهيونية وكيانها الاِغتصابي والأنظمة ((العربية)) العميلة للاِستعمارين البريطاني والفرنسي اللذين كانا يشكلان القطب المناهض للأمة العربية في تلك الفترة ؛ وأنَّ تأكيدها العملي على ذلك الاِتجاه السياسي كانت عناوينه الواضحة الحازمة من خلال بناء القوة المصرية عَبرَ توريد السلاح من المعسكر الشرقي ، وتغيير المضمون الاِجتماعي لطابع ملكية الأرض وإنصاف طبقة الفلاحين المصرية الفقيرة والعريضة وتدشين قوانين الإصلاح الزراعي بتحديد ملكية الأرض ومحاولة القضاء على الاِستغلال ، وطرد مدنسي منطقة القنال من البريطانيين من أجل صيرورة مصر مستقلة حقاً وفعلاً  ، وما اِستتبعها من عزم على إنشاء السد العالي الذي اِستلزم تأميم قناة السويس ، والإصرار على مجابهة العدوان الثلاثي : البريطاني الفرنسي ومخلبهما كيان الاِغتصاب الصهيوني ، وإنجاز المطلب الشعبي الذي كان حلماً منذ العشر الأوائل من القرن العشرين ، المتمثل بالوحدة العربية من خلال تحقيق وحدة القطرين المصري والسوري وقيام الجمهورية العربية المتحدة . وغيرها من الخطوات السياسية على الصعيد القومي العربي .

كان تجسيد الوحدة العربية هي الرد العملي على التجزئة التي خلقها الاِستعمار الغربي الأوروبي في أعقاب مؤتمر ((بانرمان 1904 ـ 1907)) الذي شكـّل حالة وعي العدو الغربي : كأنظمة اِستعمارية بما يريد من ((أجل تأبيد مصالحه في المنطقة)) ، وباتت تلك التجزئة القطرية والعمل على منع أي تشكل وحدوي تحرري ، هي التجلي الأبرز ((لحالة العنف الإمبريالي)) ـ كما رأى بعض المفكرين القوميين العرب ـ وستكون الوحدة العربية المناهضة لمفاعيل تلك التجزئة ((فعل مواجهة العنف الإمبريالي وكسر شوكته)) ، وهو ما حرَّض قوى عديدة وذات مشارب قومية متنوعة واِجتماعية وطبقية مختلفة ، موالية للرؤية الإمبريالية ، من أجل تكثيف خططها السياسية وتنسيق عملها الخبيث بغية ((القضاء)) على ذلك التجسد الطامح للمستقبل على أرضية الفهم القومي العربي ، ومن هنا ينبع إيراد أهمية هذا المثال القومي في سياق هذا التحليل والرصد .

وفي هذا المعنى الإستراتيجي يلحظ المفكر العربي السوري الفقيد إلياس مرقص ((الحقائق السياسية التالية)) : ((الشعب السوري والشعب المصري أقاما وحدة لكن هذه الوحدة كانت مدعومة بالشعب العربي كله وبالأمة العربية من الخليج إلى المحيط . هذا أمرٌ يجب أن لا ننساه ، وإنها معركة ضد اِستعمار قديم ، ضد اِستعمار جديد ، ضد إمبريالية ، ضد حلف تركي باكستاني ، ضد حلف بغداد ، ضد مبدأ أيزنهاور الذي يريد ملء الفراغ ، وكانت معركة صاحبتها فكرة نهضة شاملة مرتبطة بالوحدة ، ومد ثوري يمتد إلى البلاد العربية المجاورة لهذه الوحدة)) ، من جهة ، وكذلك ، كما يضيف المفكر الفقيد مرقص ((يجب أنْ لا ننسى موضوع الدول الكبرى الذي هو مسألة موضوعية جداً ، الدول الكبرى الإمبريالية الغربية كانت ضد الوحدة جميعها ، الدول المحيطة بسوريا وبمصر ، بعض الدول العربية وإسرائيل وتركيا وإيران بدرجات متفاوتة كانت جميعها ضد الوحدة . نوري السعيد ضد الوحدة ، كميل شمعون ضد الوحدة ، لم تكن دول كبرى في العالم مع الوحدة)) ، [1] .

وإذا لم يكن الأمر كذلك ، أي كون الأمر الأساسي يتعلق بمفهوم الأمة العربية ، فليقل لنا مَنْ يشاء عن الفروقات العينية بين الموقف السياسي للرئيس الفقيد جمال عبد الناصر ، بطل نهج المقاومة والنضال في سبيل صيرورتها ((رقماً فاعلاً)) في عموم التطورات السياسية العالمية ، من جهة ، وبين الموقف السياسي للرئيس أنور السادات كونه يجسد قضية تتطلع إلى تحقيقها الإمبريالية العالمية وكيان الاِغتصاب الصهيوني حول عزل مصر واِنعزاليتها عن شؤون الأمة الحيوية ، من جهة أخرى ؟ ولماذا كان يمارس ضد الخط السياسي للرئيس جمال عبد الناصر الحصار والعدوان والتآمر على كل الصعد ، في حين تلقى أنور السادات كل الدعم السياسي والمادي من أمريكا في أعقاب نهج كامب ديفيد ، إنْ لم يكن قبله ؟ ! .

ولماذا اِقترن تبديل الموقف السياسي الأمريكي ، والغربي عموماً ، من الزعيم معمر القذافي لحظة تغيير مقوده من الرؤية القومية العربية إلى الإبحار في الفضاء الأفريقي ؟ ولماذا حورب المسار العرفاتي الذي تمسك بمضامين ((ثورة حتى النصر)) خلال فترة ما ، ورضي الغرب عنه عندما رفع شعار : يا وحدنا واِنساق في سياسة إقليمية بحتة على أساس خط التسوية التي لن تكون مقبولة إلا إذا كانت اِستسلامية المضمون والشكل وفق المطامع الصهيونية وتصوراتها الإسرائيلية

لقد عبرت المضامين السياسية عن مفهوم الأمة العربية مع اِنبثاق أفكارها الأساسية في أعقاب اِنبلاج الرسالة العربية الإسلامية ، وتجدد مضمونها مع الفتح العربي لفارس وهزيمة الروم ، وفي مواجهة التتار ، ومقارعة الحروب العدوانية الصليبية والاِنتصار عليها ، وفي مواجهتها للرؤية السياسية الغربية التي تعد الغزوة الصهيونية وتأسيس كيان الاِغتصاب الصهيوني وهي إحدى مظاهر تلك الهجمة وأسوأ تجلياتها الأكثر سواداً ، وقد تنوعت الهوية السياسية لعناوين تلك المقاومة ، فمنها ما كان وطنيا أو قومياً أو دينياً ، ولكن مضمونها كان ـ وما يزال ـ يتحدد في مواجهتها الفعلية للعدو الذي يستهدفها .

في الراهن السياسي ، للعدو الإمبريالي الصهيوني سواء بالسلاح ، وهو الشكل الأرقى للمواجهة الفعلية ، أو الموقف السياسي والفكري المخلصين ، ووفقاً لكل مرحلة نضالية من مراحل كفاح أمتنا العربية ، هو المضمون السياسي الأساسي الذي ينبغي من خلاله قراءة كل التطورات السياسية الجارية على صعيد المنطقة العربية ، وفيها أيضاً .

ولم يشذ نضال أبناء الجنوب اللبناني ، وعموم الوطنيين اللبنانيين ، عن ذلك الاِتجاه الوطني فقد تبلور مشروعهم الوطني المقاوم منذ مواجهتهم الكبرى للخط السياسي الأمريكي الصهيوني في العام 1958 ، والدعم اللا محدود للثورة الفلسطينية واِنخراطهم في الحركة الوطنية اللبنانية المسلحة ، وتبلور موقفهم السياسي في التحالف والتآزر المشترك مع حركة المقاومة الفلسطينية طوال أعوام السبعينات وبداية العقد الثمانيني . ومن ثم كان المضمون السياسي لاِنطلاقة حركة المقاومة الوطنية اللبنانية ذات نهج ماركسي واضح من خلال تبوء الأحزاب الماركسية اللينينية الموقع المبادر في إطلاق الرصاصة الأولى لعمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي أعلن عن تأسيسها من خلال الأحزاب : الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي اللبناني وحزب العمل الاِشتراكي العربي ، وذلك بتاريخ 16 / 11 / 1982 ، وتوالت عمليات تغيير المضامين السياسية والفكرية لحركات المقاومة الوطنية اللبنانية التي كان يتحدد موقفها على ضوء معادلات الصراع مع الحركة الصهيونية ونابضها كيان الاِغتصاب الصهيوني ، والبرنامج السياسي للمفهوم الإمبريالي / العولمي الذي تقوده الولايات المتحدة .

وتجيء مرحلة الصراع ضد الغزوة الإمبريالية التي يقودها حزب الله اللبناني ، من حيث المضمون والوسيلة ، وبما تحقق له من عوامل الحشد والتوجه والنجاح العسكري والتقدم السياسي في ميدان الصراع الممتد منذ مائة عام وللمرحلة التاريخية الراهنة ، عملية تجديد للحركة القومية العربية في مناهضتها للأعداء ، ويجب أنْ لا يتطرق الشك إلى طابع مضمونها الطبقي والقومي أساساً ، أما الجهات الداعمة فهي من العوامل المساعدة التي لا ينبغي جعلها معيار المعايير في تحديد طابع المواقف السياسية للأطراف المتصارعة ، هذا إذا اِعتبرنا الموقف العربي السوري هو مجرد خرقة مهترئة معلقة على شاحنات الأسلحة الواردة إلى حركة المقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله في هذه المرحلة ، وهو ما لا نتفق معه عند التقويم النهائي لمجريات الصراع في المنطقة العربية وعلى المنطقة ، إذ أننا نعد العامل العربي السوري هو الأكثر فعلاً في طابع المعركة الشاملة ضد كيان الاِغتصاب الصهيوني ، والعنصر الأكبر في مواقف أطرافها المتصارعة .

إنَّ الخط السياسي الأكثر اِحتداماً هو الصراع السياسي بين خط الاِستسلام والمساومة والتراجع كيف ما كان ، من ناحية ، وخط المقاومة العربية للمشاريع الإمبريالية والصهيونية التي يرتكز إلى أشكال متعددة من الممانعة العملية الملموسة ، من ناحية أخرى ، وفي هذه النقطة بالذات نستطيع إدراك الخط النضالي المشترك ما بين المقاومة الوطنية العراقية والفلسطينية واللبنانية ، وغيرها من المقاومات العربية ، التي تواجه الرؤية السياسية الغربية والصهيونية .

وكذلك اِنطلاقاً من المحتوى السياسي لهذه الرؤية الموضوعية نرى خطل الموقف السياسي لموقف ((الأحزاب والمسميات الناصرية)) عند تحديد موقفها السياسي تجاه التطورات السياسية ، وخطأ رؤيتها الفكرية والسياسية ، كونها لا ترى في الثابت السياسي : وهي الأمة العربية ومصلحتها ومستقبلها ، البوصلة التي ينبغي رصد مساراتها ، وعدم التلهي بقشور معارك الشوارع القطرية والبذور الفاسدة لصراع زواريبها النتنة ، التي قد تكون لصالح هذا الطرف الإقليمي أو ذاك ، ولكن ما ينبغي تسديد البصر عليه هو طابع الحلقة المركزية للصراع .

إنَّ البرامج السياسية التاريخية للأطراف المتصارعة هي المعيار في التقويم عند كل الأحزاب اللبنانية ، وليس مسألة الموقف السياسي للحلفاء ، وإذا أخذنا المواقف السياسية للحلفاء ، فينبغي عندها عدم الاِكتفاء بالتدبر في الموقف السياسي للحلفاء الخاص بحزب الله ، وإنما كذلك التدبر في موقف حلفاء الفريق ((الاِنعزالي)) اللبناني الآخر الذي بين مجموعاته أبطال المجازر الفاشية ضد الوطنيين اللبنانيين ، كسمير جعجع وأترابه ، وأمين الجميل بطل اِتفاقية 17 أيار عام 1983 المقبورة مع كيان الاِغتصاب الصهيوني ووليد جنبلاط وأطروحاته الأخيرة المنساقة حتى سنام رأسه في الرؤية السياسية الإمبريالية الصهيونية .

أما مَن هو هذا الحليف العربي للقوة : الإمبريالية الأمريكية والتابع الفعلي لأيديولوجية المحافظين الجدد ونزوعهم للهيمنة العالمية ، وفي المنطقة العربية ، فهو السلطة السعودية في الجزيرة العربية التي كان لدورها في التآمر على مصر خلال الستينات ـ خطة الفهد الغاضب على سبيل المثال ـ والعراق خلال أعوام التسعينات من خلال دورها الجغرافي والمالي في الغزو الأمريكي للعراق : جنباً إلى جنب بلدان آل ثاني وآل صباح وآل خليفة وسلطة عبد الله الثاني في الأردن ، وغيرهم أيضاً ، الأثر الحاسم في تحقيق النصر السياسي الأمريكي . إنَّ أدوارهم العسكرية أو المالية لهي أدوار معروفة ومثبتة في الوثائق الدولية الكثيرة وكذلك في تصريحات وأقوال المسؤولين السياسيين الأمريكيين . أي عند تقويم أي موقف يجب علينا ضرورة التدبر الكلي في اللوحة السياسية الشاملة لمفردات الصراع السياسي في المنطقة ، وبالتالي تركيز وجهة النظر الفكرية والسياسية على كافة الأطراف السياسية التي لها علاقة بالموقف السياسي للمعركة في لبنان ، ومن مختلف الزوايا بشأنها .

وإذا شئنا التحديد حول مسؤولية الموقف السياسي الإيراني في الغزو الحاصل على العراق ، فلعل دورهم العملي كان هو الأخطر ، فلم نكن نتصور أنَّ أي نجاح للمخطط الإمبريالي في العراق ، بالطريق التي صارت إليه تطورات الصراع في التاسع من نيسان عام 2003 ، من دون ((قوات المشاة)) التي ترافقت حركتها المادية المسلحة مع الغزو والقصف الأمريكي ، إذ أنَّ ((جمهورية إيران الإسلامية)) هي التي تكفلت بتوفير صيرورة المسعى الأمريكي رقماً فوق الأرض العراقية ، والتنسيق السياسي المتعدد الوجوه مع النظم الخليجية وأنظمة بريطانية وأمريكا ، الذي اِلتزمت به القوى ((المتأسلمة التي كانت تقيم في إيران)) وتلتزم في برنامجها التعبوي والسياسي ، وقبل هذا وذاك ، منذ ما قبل مؤتمر لندن 2002 الذي سبقته نصيحة المرشد الأعلى المسمى بعلي خامنئي وضابط المخابرات الإيراني محمدي : مسؤول الملف العراقي في جهاز ((الساواما : المخابرات الإيرانية)) : حول ضرورة اِستغلال الظروف من أجل الكسب الطائفي المذهبي على حساب المعايير الحضارية العربية الإسلامية ، وحتى الاِستخدام الواسع من قبل العملاء لـ((سلاح الإشارة)) عبر هاتف الثريا المحمول . . . إلخ .

لقد تدفق ((جيش بدر)) وأحزاب الدعوة على اِختلاف شظاياه التنظيمية ، إلى الأرض العراقية ، فضلاً عن توفير عناصر نجاح تلك الغزوة ضد العراق منذ ((الانتفاضة الشعبانية)) وتفكيك المنجز الصناعي العراقي وتدمير الدولة ونشر الفوضى والاِغتيالات المتتابعة للكادر العلمي والعسكري العراقي . . . إلخ .

 

*          *           *

 

[1] ـ راجع أقوال المناضل الفقيد إلياس مرقص تلك في الكتاب الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت / لبنان ، بعنوان القومية العربية في الفكر والممارسة ، ندوة فكرية ، الطبعة الثانية الصادرة في تشرين الأول / أكتوبر 1980 ، ص 435 ـ 436 .

 

يتبع ...

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد /  01  شعبان  1429 هـ

***

 الموافق   03  /  أب / 2008 م