|
سأكتب عن شارع الرشيد الان بما لم
يكتب عنه من قبل ولم يذكر. هو
بالفعل ملك شوارع العراق واقدمها
. منذ نصف قرن مضى , كانت امانة
العاصمة تغسله بخراطيم المياه
والمنظفات مساء كل يوم . بعد ان
يخلو من السيارات والسابلة. ويحكى
ان نوري باشا سعيد , كان يقف عند
ساحة الشهداء وبجانبها الجسر
العتيق " الشهداء" . عندما شاهد
قرويا حافيا يروم عبور الجسر,
فنادى عليه قائلا: اين ذاهب يا
أبني؟ .. فرد القروي: اريد اشوف
بغداد ياباشا. فأجابه الباشا:
ارجع ياأبني لقريتك تروح توسخ
شارع الرشيد.
لشارع الرشيد واسطة نقل هي سيارات
الشفروليت الامريكية الفارهة
بلونها الابيض فقط. وعلامة على
الزجاجة الخلفية من السيارة تبرز
تفردها بنقل الركاب فقط من منطقة
القصر الابيض نزولا بالباب الشرقي
فالرشيد الخالد حتى منطقة الباب
المعظم وبالعكس. الاجرة كانت فقط
50 فلسا عراقيا. يمنع على
السيارات غير الانيقة والشاحنات
ونصف النقل من المرور بالرشيد
نهائياًَ. باصات مصلحة نقل الركاب
لا تنطلق صباحا الا بعد ان يصعد
سيد جعفر رحم الله مسؤل النقل
ليتأكد من نظافة المقاعد , وهو
يلامسها براحة يده . فالباصات
تغسل صباحا قبل ان تمخر شارع
الرشيد. في الرشيد أشهر سوق تجاري
على طراز اسواق اكسفورد بلندن
واسواق الشانزيليزيه بباريس , هو
اوروزي باك. قبل ان تهم بدخول هذا
المتجر الانيق , يخلع البواب
الانيق قبعته تحية لك. وفي بداية
الرشيد من الباب الشرقي يوجد متجر
الماني يدعى سيمنس. التسوق به
بالعربات, نظام تسوق سبق متاجر
عمان والخليج العربي والقاهرة.
الى جانبه مدينة روكسي التي تضم 3
صالات سينما الى جانب كابريه
ومقهى انيقا ومكاتب لوكالات اشهر
الشركات الامريكية لتسويق
الافلام. الى جانب متاجر يضمها
الشارع مثل حسون اخوان والياس حسو
ومتاجر على الطريقة الباريسية.
ويكفي ان الرشيد يحتضن سوق
المتنبي, رمز ثقافة وكبرياء وزهو
البغدادي بالقراءة والثقافة.
أما قبل نهايته عند باب المعظم ,
تقف وزارة الدفاع ببوابتها
التأريخية الرائعة وبجانبها قاعة
الملك فيصل الثاني , صورة مصغرة
من اوبرا باريس. وبجانبها اشهر
حديقة عامرة بالالعاب المسلية هي
حديقة المعرض . حيث توجد على
اربعة ارصفة داخل ساحة باب المعظم
, اربعة أكشاك تبيع أمهات الكتب
والمجلات العربية والصحف والمجلات
العالمية "الاوروبية والامريكية"
, من امثال لايف والاكونومست
والاوبزرفر واللموند وغيرها من
اشهر صحف ومجلات الدنيا .
هذا هو الرشيد قبل نصف قرن ..
وهذا هو اليوم كما يرويه لي قادم
من بغداد قبل ايام .. مجد علق في
ذهني عنه .. بدده حديث الصديق عن
شارع مهمل أصابه الدمار والخراب.
وتحول الى ممرات للعربات التي
تجرها الحيوانات , طبعا الحمير لا
الخيول . الازبال على جوانبه . كل
المحال التجارية مقفلة . تقطعت
اوصاله بالموانع الكونكريتية .
كبير انت يا ملك الشوارع .. لن
ننساك فأنت شارع الانتفاضات
والثورات .. شارع مقهى البرلمان
ومقهى البرازيلية ملتقى الادباء
والمثقفين . وسيعود ألقك بعودة
العراق الكبير . بعودة جيشه
الظافر المظفر المهاب . بهروب
اصحاب العمائم السوداء والخضراء
والبيضاء بعيدا عن بغداد الرشيد
.. بغداد على بن الجهم. بغداد
الجواهري الخالد ليقف في
الحيدرخانة يبكي جعفرا . ونشاركه
البكاء. |
