الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الاتفاقية الامنية : مخاطر منظورة وكوارث مطمورة

( 2 - 8 )

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

يروي الجاحظ انه شاهد بغلا يركض خلف فقيه التف بطيلسان اخضر ظنا منه انه حزمة عشب

الجاحظ في ( رسالة البغال )

الدستور : شذوذ عام عن القواعد

5 – ان من اكثر سمات الدستور الذي وضعته امريكا للعراق هو انه لا يقوم على اساس الفدرالية الجغرافية ، كما هو حال الفدرالية الامريكية التي تضم كل ولاية فيها اقواما وديانات مختلفة ، بل قام على اساس تقسيم العراق الى اقاليم على اسس طائفية وعرقية ! فحسب الدستور في شمال العراق هناك كيان كردي مستقل فعليا ، وله جيش مستقل واقتصاد مستقل وتمثيل دبلوماسي مستقل ! ويراد تكرار ذلك باقامة فدرالية في الوسط باسم السنة واخرى في الجنوب باسم الشيعة ! فهل يوجد في العالم نظام كهذا ؟ هل شهد العالم تحويل دولة بسيطة مندمجة لالاف السنين ومنسجمة قوميا واجتماعيا الى دولة مركبة سواء على اساس فدرالي او كونفدرالي ؟ ان ماحصل للعراق ليس سوى عملية وضع اسس مادية ونفسية وسياسية للتقسيم الرسمي بعد ان عملت امريكا على تقسيمه فعليا بمساعدة ايرانية جوهرية .

ان هذه الفقرة المقتبسة من الاتفاقية تشير بلا لبس او غموض الى ان امريكا تسعى لحماية النظام الهجين الذي تريد اقامته في العراق لانه غير قابل للحياة او البقاء بدون حماية اجنبية ، الامر الذي يجعل الاتفاقية عبارة عن ضمانة لابقاء العراق تحت الاحتلال لعقود من الزمن .

        ثانيا : وردت الفقرة التالية (1)  : ( دعم الحكومة العراقية في حماية النظام الديمقراطي في العراق من الاخطارالتي تواجهه داخليا وخارجيا ) ! حماية العراق : هل العراق بحاجة للحماية ؟ الفقرة السابقة تنص على حماية العراق من الاخطار التي تواجهه داخليا وخارجيا ! ان هذا النص يمثل اعتراف رسميا بنوايا الولايات المتحدة الامريكية لابقاء العراق مقزما وضعيفا .

   لذلك فان مجموعة من الاسئلة التي يشكل الجواب عليها مفتاحا لدخول عالم الحقيقة تفرض نفسها ومنها ما يلي :

  1 – لماذا تصر امريكا على حماية العراق ؟ اليس لانه ضعيف عسكريا واقتصاديا وامنيا ؟ وبناء عليه فان الاسئلة المنطقية التالية مهمة جدا : هل كان العراق قبل الغزو مكشوفا امام من يريد دخوله والعبث بامنه وحيوات مواطنيه ؟ ام كان قويا عزيزا وقادرا على ردع من يحاول التدخل في شؤونه خصوصا ايران ؟ لقد نجح العراق في دحر ايران ومحاولاتها غزو العراق تحت شعار مضلل هو ( نشر الثورة الاسلامية ) في زمن خميني ، الذي يعد اقوى فترة في تاريخ ايران نتيجة المعنويات الهائلة التي تولدت بعد اسقاط الشاه . فاذا كان العراق قادرا على دحر ايران ، وهي في عز قوتها ، فان السؤال المهم التالي يفرض نفسه : من الذي كشف العراق ستراتيجيا وجعله ضعيفا تجاه من يريد التجاوز عليه خصوصا ايران ؟ مما لاشك فيه هو ان امريكا ، وليس غيرها ، هي من فتح الباب واسعا امام اضعاف العراق بتفكيك الدولة وحل الجيش والقوى الامنية والسماح  لايران بدخوله ، بقوة وعلى نطاق واسع ، بعد ان ساعدتها على انجاح الغزو ، واغتيال الاف الضباط واسر الاف اخرين ونشر الفوضى بواسطة فرق الموت الامريكية والصهيونية والايرانية .

2 -  بل ان الاصرار الامريكي على ابقاء العراق ضعيفا يمكن ملاحظته في الاصرار الامريكي على منع تسلحه بصورة تمكنه من الدفاع عن نفسه ، فالجيش العميل هو عبارة هن جهاز شرطة بتسليحه وامكاناته وليس جيشا قويا ، وهو ما اثبتته المعارك التي خاضها ، واخر مظاهر العجز هو فشل الحملة على الموصل رغم الحشد والاستعداد الكبيرين !

3 - ومن مظاهر عجز الجيش العميل أيضا هو انه لا يقاتل الا تحت غطاء حماية امريكية ومع ذلك فانه يهرب فورا اذا واجه مقاومة قوية ! 

في ضوء ما تقدم فان السؤال التالي مهم جدا : لماذا تصر امريكا على منع بناء جيش عراقي قوي وقادر على الردع داخليا وخارجيا ؟ الا يمتلك العراق القدرة العسكرية الفنية البشرية ، وهي العنصر الاهم في تكوين الجيوش ، المطلوبة لتحقيق ذلك ؟ نعم انه يمتلكها ويمكن اعادة بناء الجيش العراقي خلال فترة تتراوح بين ساعات وايام عقب التحرير ، بالاعتماد على الاف الضباط ومئات الالاف من ضباط الصف المؤهلين تأهيلا عاليا ، وجعله قوة اقليمية تقلق من يفكر بالتدخل في الشأن العراقي خلال اقل من ستة اشهر ، وهي فترة شراء الاسلحة الثقيلة ، كالدبابات والمقاتلات والقاذفات والمدفعية الثقيلة ...الخ ، لان الجيش الوطني الشرعي ، بهيكله الاساسي ، موجود الان تحت الارض وفيه فرق والوية وقادة ، وهو القوة الاساسية المقاتلة منذ الغزو في المقاومة المسلحة . فما السر اذن في اصرار امريكا على ابقاء القوات المسلحة ورغم انها عميلة ضعيفة وعاجزة ؟ للاجابة علينا التوقف عند ما يلي :

1 – نؤكد على ان ثمة قرار امريكي قديم وخطير وهو ان من الضروري التخلص من جيش العراق القوي ، وتوضح هذا الموقف بعد الحاق الهزيمة بايران في عام 1988 وخروج العراق قويا ويمثل القوة الاقليمية العظمى الاساسية التي تتصارع مع القوة الاقليمية العظمى الوحيدة وهي اسرائيل ، بعد ان حيّد العراق القوة الاقليمية العظمى الاخرى وهي ايران ، رغم ان امريكا كانت قد خططت لاستنزاف العراق وتحويله الى قوة ضعيفة بواسطة استنزاف الحرب التي فرضتها ايران . لقد نشرت عشرات المقالات والدراسات بين عامي 1988 – 1990 في الغرب ، خصوصا في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ، تحذر من خطر وجود جيش عراقي قوى جدا لانه ، حسب الدعاية التي روجت ، يهدد دول الخليج العربي والمصالح الامريكية فيها ، خصوصا تهديد المصلحتين الاساسيتين لامريكا وهما امن اسرائيل وامن النفط ، لذلك كانت الدعوة الاساسية انذاك هي تحجيم الجيش العراقي .

نكرر ، ونؤكد على حقيقة ستراتيجية خطيرة كانت ومازالت وراء غزو العراق وتقزيمه والعمل على تقسيمه ، وهي ان الستراتيجية الصهيونية تقوم رسميا على تحقيق هدف واضح وهو ان يكون الكيان الصهيوني اقوى عسكريا من كل الاقطار العربية مجتمعة ، لاجل ضمان منع العرب من دحره ، وهذه الستراتيجية مدعومة رسميا وعمليا من قبل الولايات المتحدة الامريكية واوربا كما يعرف كل مطلع . لذلك لا يمكن تجاهل حقيقة ان العامل الصهيوني حاضر بقوة في القرار الامريكي منع قيام جيش عراقي قوي حتى في ظل الاحتلال ولخدمته .

2 - ان القوى العظمى الاقليمية فيما يسمى منطقة ( الشرق الاوسط ) ، والتي تضم الاقطار العربية زائدا ايران وتركيا والكيان الصهيوني ، يجب ان لا تكون من بينها قوة عربية ، وذلك لان من يقوم بضبط وتحريك القوى العظمى الاقليمية هو الولايات المتحدة الامريكية ، والتي تستند ستراتيجيتها في الشرق الاوسط على ( مبدأ كارتر ) ، والذي يقوم على حماية تدفق النفط العربي ومنع اي تهديد بمنعه من قبل اي طرف واستخدام القوة اذا تعرض تدفق النفط للتهديد .

وهذه الحقيقة الستراتيجية تفرز حقيقة واضحة وهي : بما ان النفط في كتلته الرئيسية يقع في الاقطار العربية وليس في تركيا او ايران ( النفط الايراني يقترب من النضوب ) ، فان وجود قوة اقليمية عربية عظمى ، حتى لو كانت تحت الانتداب الامريكي ، عبارة عن لغم خطير يمكن ان ينفجر في اي لحظة ويسبب لامريكا كوارث ستراتيجية  ، بعكس تركيا وايران واللتان لا يشكل وجود الغام فيهما خطرا رئيسيا على المصالح الامريكية حتى لو تفجرت . من هنا فأن وجود قوة عربية فعالة يشكل تهديدا حقيقيا ودائما ل( لاستقرار الاقليمي ) كما تريده امريكا والكيان الصهيوني . والعراق يقع في قلب هذه الحقيقة الستراتيجية وما تدمير قواته المسلحة بشكل منهجي ، قبل واثناء الغزو ، الا محاولة لمنع بروز قوة عسكرية عربية ضخمة تؤثر في الميزان الستراتيجي الاقليمي .

3 - وثمة حقيقة اخرى تحرك ، وتؤثر على ، صناع القرار الامريكي وهي ان القوات الامريكية وبعد الاستنزاف الخطير جدا الذي تعرضت له في العراق ، نتيجة شمول المقاومة العراقية كل العراق تقريبا ، تعلمت درسا جوهريا وهو ان وجود جيش عراقي قوي هو لغم داخلي مثلما هو لغم اقليمي خارجي ، يمكن ان يفجّر في اي لحظة ، مسببا لامريكا كارثة خطيرة . ان احتمال وجود عناصر وطنية في الجيش العميل ، او عناصر يمكن ان تنحاز للصف الوطني في اللحظات الحاسمة من الصراع ، لا يمكن استبعاده ، وهو احتمال قوي وممكن . لذلك لا تريد امريكا حصول اي مفاجئة غير محسوبة في العراق المحتل مثل تمرد الجيش العميل او بعض قطعاته على الاحتلال وانضمامه للمقاومة المسلحة . ( حركة رشيد عالي الكيلاني مثلا التي قام بها ضباط وطنيون في جيش يفترض ان يكون عميلا ، كذلك ثورة 14 تموز – يوليو عام 1958 ) .

4 - وهناك مشكلة اخرى وهي ان اعادة بناء جيش قوي في العراق سيمنح بعض من يتعاون مع الاحتلال من الساسة القدرة التساومية مع الاحتلال في اي لحظة ، معتمدا على وجود قوة عسكرية فعالة تشكل مصدر قلق لامريكا اذا تحركت ضد الاحتلال ، حتى لاغراض الحصول على تنازلات ولو ثانوية من الاحتلال ، وبما ان الاحتلال يريد ضمان عدم الضغط عليه للتنازل عن حصصه من غنيمة الاحتلال فان جعل الجيش اقرب الى الشرطة منه الى الجيش يضمن منع حصول ضغط من قبل الحكومة او بعض اطرافها ، سواء لخدمة هذا البعض او لخدمة ايران .

5 – ان الهدف المركزي من وراء احتلال العراق هو السيطرة على نفطه ، ولكي يتوفر غطاء مقبول لتلك السيطرة ينبغي جعل العراق في حاجة للحماية الامريكية من اخطار صنعتها هي ، او شجعتها وسمحت بتكونها او بروزها ، مثل الخطر الايراني ، لذلك فان وجود عراق ضعيف عسكريا يطرح الحاجة لحمايته من الغزو الخارجي ، والولايات المتحدة تدعي انها تريد حمايته من الخطر الايراني ، في مفارقة لا تخفى الا على البغال الجبلية لان امريكا لم تحتل العراق فقط بل الحقت به وبشعبه دمارا وقتلا لم يواجه مثله في كل تأريحه !

يتبع ....

 

النصف الاول من تموز – يوليو / 2008

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  08  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   11  /  تمــوز / 2008 م