الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الاحتلال والمرجعية والانتخابات ... و وطن تمزق

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس  /  أكاديمي عراقي – بغداد

 

انا واحد من ملايين العراقيين الذين لم يتجاسروا بكلمة واحدة على الحوزة النجفية ومرجعياتها قبل الاحتلال. فنحن ابناء الوسط والجنوب العراقي قد تربينا على احترام المرجعية, وكنا ونحن منتمون الى تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي نحترم الحوزة ورموزها ولم نسئ لهم يوما باي شكل من الاشكال ... بل واكثر من هذا اننا لم نربط يوما بين تصرفات الاحزاب الطائفية الشيعية وولاءها الخفي والمعلن لايران على حساب وطنيتها وهويتها العراقية وبين مسيرة الحوزة التي بقينا نبرأها من، بل ونضعها فوق مستوى شبهات العمل السياسي ونعطيها قدرا من القدسية كمؤسسة دينية – علمية لاعلاقة لها بارهاصات كنا نراها غير حميدة مرتبطة بافعال السياسيين في الاحزاب الشيعية.

غير ان ما حصل عام 2003 في الفرات الاوسط والجنوب وشهدناه بام اعيننا وعايشناه ساعة بساعة وبكل دقائقه وحذافيره, المعلن منه وغير المعلن, قد سحبنا الى موقف آخر من المرجعيات ومن الحوزة .. ومع عملية السحب تلك فجعتنا وقائع وافزعتنا شواهد وحيثيات وصدمتنا حقائق على الارض هي غير ما علق بذاكرتنا وعقولنا وما تربينا عليه من تقديس للمراجع وللمعممين عموما. لقد رأينا ان الحوزة ومعمميها وفي مقدمتهم وكلاء السيد علي السيستاني هم الذين يعيدون تشكيل حكومات المحافظات وفق تسمية مجالس المحافظات، حيث ممثل السيد السستاني هو الذي يزكي او لا يزكي المتقدمين وهو الذي يعين المحافظ ورئيس مجلس المحافظة.. ان رجال الحوزة هم الذين يملئون (الفراغ), وهم الذين يحكموننا, وهم الذين يتقاطرون بالعشرات على مقرات قيادة قوات الاحتلال للتنسيق والتشاور واتخاذ القرارات. انهم يصافحون جنود الاحتلال وضباطه ياللهول .. انهم يقفون في بوابات مراقد الائمة الاطهار يلوحون للدبابات وهي تدنس ارض كربلاء والنجف وبابل والقادسية وتدنس المراقد المقدسة فيها ياللفجيعة.

ومعممي الحوزة شاهدناهم وهم يداهمون بيوت الناس بعمائمهم البيضاء والسوداء ويستولون على سيارات الدولة ويتبادلون اطلاق النار مع من يمانع مداهمتهم البيت حفاظا على عرضه وماله وقدسية عائلته. وشاهدنا مئات الآلاف من الايرانيين يستوطنون ديارنا وفيلق بدر ومليشيات شيعية اخرى تفتتح مقرات لها بعد ان تستولي على بيوت الناس وبنايات الدولة. ومنظمات ايرانية تستولي على جوامع ومساجد وحسينيات وتحولها الى اوكار لعملياتها العسكرية والمدنية. لقد شاهدنا باختصار كيف تبني الحوزة كيانات سياسية متعددة بديلة لدولتنا التي اغتالها الاحتلال ... شاهدنا الحوزة تؤسس حكومة بديلة لحكومتنا التي اطاح بها الاحتلال. فاي برهان نحتاج على مانرى ونسمع بعيوننا واذاننا على ان الحوزة ورجالها هم من استلم الحكم بعد ان حصل اول انقلاب في العراق على ايادي غير عراقية ... فبدأنا لاول مرة نتحدث عن الحوزة العميلة الخائنة من منظورنا الوطني، وليس على أي اساس آخر. لقد شاهدنا تاسيس اول مقر (مكتب) لموفق الربيعي في بيت السيد حسين اسماعيل الصدر في الكاظمية، والصدر اهم وكلاء السيد السستاني في العراق واقربهم اليه. ثم عرفنا على وجه اليقين ان مايريده بريمر يبلغ فورا من موفق الى حسين. ثم ينقل حسين بمروحية الى النجف فورا ليضعه بين يدي السيد السستاني. وبهذه الطريقة نقلت اكثر من ثلاثين رسالة من بريمر الى السيد السستاني .. في الوقت الذي كنا فيه نحن نحاول بكل الوسائل مع انفسنا ومع المحيط ان نبرئ ساحة السيستاني من أية صلة مع امريكا. واظن جازما ان أي سياسي او مدرك لعامة الامور يستطيع ان يوظف الصلة السياسية التي ارتبط بها بريمر بالحوزة عبر حسين الصدر وبواسطة خادم المرجعية موفق الربيعي (هذا هو العنوان الذي قدم به الربيعي نفسه للناس في ملايين الملصقات الجدارية واللافتات والبيانات .. خادم المرجعية)، والتي يمكن من خلالها تجنب أي لقاء مباشر بل وعدم ضرورته لاغراض التمويه الآني على الاقل.

ما نريد الدخول فيه هو متابعة مع افكار يروجها الاعلام هذه الايام بالذات عن دور المرجعية وحكمتها في توجيه الاحداث بعد الاحتلال وفي مقدمة ذلك تبجح بان السيد السيستاني هو الذي فرض على الامريكان اجراء الانتخابات في العراق حيث لم تكن موجودة في اجندة اميركا, وان هذه الانتخابات هي التي ادت الى ولادة المقاومة العراقية السلمية والمسلحة.! وما نرومه هو نقاش موضوعي بعيد عن اية اساءة والى اية جهة كانت لهذه الافكار لنقف على حقيقة الامور ونحن نرى عراقنا قد تحول الى اشباح بلد, ولم يعد وطنا الاّ فوق صفحات الجرائد وقنوات التلفزة وحوارات منتفعين لايخافون الله ولا يخجلون من الكذب على الله وعلى الناس التي دمرتها ومزقتها اضخم عملية (تحرير) عرفها التاريخ الحديث وربما القديم ايضا, وتواصلت لاكثر من 14 عام.

ان المقاومة المسلحة او غير المسلحة لم يلدها رحم الانتخابات التي فرضها السيد السستاني على الامريكان في العراق بل هي موجودة في عقول ملايين العراقيين قبل حصول الاحتلال وفي حيثيات وضعتها الدولة للدفاع عن العراق مثل تدابير حرب الشوارع والمقاومة بالعمليات الاستشهادية وتدابير اضرب واهرب والتي جرى التثقيف والتدريب عليها في اوساط الحزب منذ عام 1990. وما تشكيلات فدائيو صدام مثلا الاّ نموذجا للقوات غير النظامية التي بنيت لتخوض حرب عصابات وشوارع ومن بيت الى بيت.

ورغم اني لم افهم الى الان كيف ان فكرة المقاومة قد ولدت من رحم الانتخابات التي فرضتها الحوزة, الاّ انني ما زلت كعراقي رافض للاحتلال اتساءل اصلا عن جدوى الانتخابات برمتها. وكيف يمكننا اجراء انتخابات حرة تحت حراب الاحتلال وفي غياب تام لحكومة حقيقية ودولة حقيقية .؟

ان لسان حال العراقيين الذين انتخبوا والذين لم ينتخبوا يقول انها لم تكن انتخابات بل تزوير لارادة الناس في زمن يسهل فيه التزوير واحتقار لارادتهم الحقيقية في زمن لايوجد فيه احترام لاي شئ في العراق. انها استفتاء محسوم سلفا لصالح الجهات التي اختفت خلف قدسية الحوزة وعمائمها ولتلك التي وزعت صكوك الغفران بدخول الجنة او النار وفقا للموقف الانتخابي وتلك التي افتت بتحريم الزوجة على من ينتخب غير المنتَخبين سلفا (الائتلاف الشيعي)... ومَن من اهلنا يقوى على مواجهة مثل هذه التبعات المدمرة في الابتعاد عن الله سبحانه والذهاب الى جهنم وتحريم ام اولاده عليه مقابل ان ينتخب المنتخبين سلفا ؟؟؟.

ان المفارقة تدمي العيون اذ نرى اهلنا يُساقون سوقا الى صناديق الاقتراع تحت مظلة احتلال احرق الاخضر واليابس وطائراته ودباباته مع حشود اليهود والنصارى ترنو بابصارها الى بريق الذهب المغطى به قباب اضرحتنا المقدسة. وتكون المفارقة اشد وطأة اذ تُنسب هذه الممارسة المضحكة _ المبكية الى الحوزة وآياتها كمبادرة ونحن الذين حملنا لها الاحترام القريب من الرهبة والتقديس القريب من الشرك والعياذ بالله .!

ان الانتخابات التي جرت لحد الآن تحت ظل الاحتلال ليست سوى استفتاء محسوم النتائج لصالح الاكراد المتأمركون في الشمال ولصالح ارباب العملية السياسية الامريكية من السنة او الشيعة وبذلك فانها قد كرست الفرقة الطائفية والعرقية وعمقت من اتجاهات تمزيق وحدة العراق. كما انها ليست عملية سياسية ديمقراطية بين قوى متعددة سياسيا .. ذلك لان العراق الى اللحظة مازال من غير تعددية سياسية حقيقية لان التعددية القائمة الآن هي تعددية طائفية عرقية انتجها الاحتلال وليس تفاعلات طبيعية لمجتمع حر وان انتاجها هو لغرض تغطية ادعاءات الاحتلال بالديمقراطية كهدف من اهدافه، بعد ان سقطت ادعاءاته الاصلية بوجود اسلحة التدمير الشامل والعلاقة مع الارهاب. ودليلنا على ذلك ان القوى التي حاولت ان تنأى بنفسها عن الطائفية والعرقية من اطراف معارضة ما قبل الاحتلال وعرابيه قد وجدت نفسها مهمشة ووزنها لايتعدى حاجة الاحتلال لها في ادوار مرسومة تطير بعدها ريشة بريح غير ما لحقها من قتل (عزيز الياسري نموذجا ) واقصاء (اياد علاوي نموذجا) وغيرهم من اسماء وعناوين اطلت علينا كالبرق ثم تهاوت الى حيث لاندري ومنهم مثلا نصير الجادرجي والياور والباججي..... وغيرهم بل ان عملية التهميش والاقصاء قد شملت ارقاما حوزوية صعبه مثل تيار محمد تقي مدرسي المعروف بصلاته الخطيرة مع ايران!

كذلك فان الانتخابات التي حصلت بعد الاحتلال, وعلى افتراض انها من امهات فكر السيد السستاني, قد كانت احدى ركائز توطين الاحتلال ومهادنته والرضوخ لامره الواقع وليس منطلقا للمقاومة: كيف؟

الانتخابات ممارسة ديمقراطية تعبر عن حرية الفرد والمجتمع ... وتحت الاحتلال لاتوجد حرية لا فردية ولا جمعية، الا في عقول مهادني واعوان الاحتلال. هكذا حقيقة وبديهية ليس لصالح السيد السستاني والحوزة بافتراض انهما كيان مختلف عن الاحزاب الطائفية الموالية للاحتلال، وما يحاول البعض الايحاء به وايهام الناس به من جديد. كما اننا نرى ان المقارنة بين انتخابات الفلسطينيين في غزة وانتخابات العراق ليست في صالح الحوزة هي الاخرى وليست في صالح من يتمشدق بها لاسباب موضوعية معروفة منها انها كانت ممارسة اثبتت الاحداث جسامة خطأ حصولها على المقاومة الفلسطينية ونتائجها الكارثية في تمزيق الجسد الفلسطيني. اضافة الى ان اصحاب مثل هذا المنطق من المقتنعين بان احتلال العراق هو تحرير قد وقعوا في شرك الازدواج بمقارنة حالهم في العراق مع حال اهلنا في الارض المحتلة. التشبه بالخطأ خطأ، وملايين العرب والمسلمين تمنوا على المقاومة ان لاتقع في مثل هذا الجيب المهلك.

ثم ان الانتخابات في العراق قد مهدت السبيل الى ترسيخ ما اطلقت عليه المرجعية فكرة المقاومة السلمية التي روجتها هي واحزابها الطائفية والتي تقول بان تحرير العراق سيتم في غضون شهور وعلى طريقة غاندي رحمه الله ! ومضت الشهور والسنين وها نحن ازاء فبركة جديدة توطن الاحتلال الى الابد.

الانتخابات ايضا اعطت الاحتلال قدرا من المشروعية او الايحاء بالقدرة على الانجاز على اساس انه قد وضع العراقيين على طريق الديمقراطية الحقيقية لاول مرة متناسين تماما ان الدولة العراقية الوطنية كانت تجري انتخابات برلمانية دورية وانتخابات لعشرات النقابات والتشكيلات المهنية كالطلاب والعمال والفلاحين والكيمياويين والاقتصاديين والفنيين والصحفيين والمحامين .. واستفتاءات على الرئاسة ... لكن سبحان الله .. كل ممارسات ماقبل الاحتلال طالحة وكل ما يحصل تحت الاحتلال صالح ... فعن أي التزام اخلاقي نتحدث؟. ان تطبيل الاحتلال واعوانه للانتخابات لايقع في صالح الحوزة والسيد السستاني بالذات ان كنا نريد تبرئتهم من التعاون مع المحتل ونحافظ على صورتهم الدينية المحترمة.

يجب ان يعلم العالم كله اننا لم نكن لنصدق غير امر واحد إن حصل الاحتلال وهو ان الحوزة ورجال الدين سيصدرون فتاوى الجهاد ورفض الاحتلال .. هكذا كانت قناعاتنا حتى صدمنا الواقع وكسر انوفنا واسال منها الدماء غزيرة.

  لقد جيرت الانتخابات بالف وسيلة ووسيلة لصالح الاحزاب الشيعية الطائفية باستخدام خيمة الحوزة ورموزها كما هو معلوم ويعرفه حتى اطفال العراق، وبديهي ان السيد السستاني كان الاوفر حظا في الاستخدام الديني الطائفي لصالح الائتلاف وان مَن صوّتوا قد اعطوا اصواتهم للائتلاف تحت تاثير الحوزة لان الائتلاف غير مجرب سياسيا ليفوز بمثل ما فاز به وعناصر الائتلاف التي ضمتها القوائم المغلقة غير معروفة في الشارع العراقي فاي سحر هذا الذي شد الناس الى المجهول ؟؟؟. لقد صوت الناس تحت الشعار المعروف عندنا في الوسط والجنوب (ارمها براس عالم واطلع منها سالم ) والعالم الذي تحمل وزر كل ماجرى من انهار دم وانتهاك اعراض وتصفيات عرقية وتطهير طائفي لكل ابناء العراق هو معممي الحوزة ...وهنا ..مرة اخرى يكون الاستنتاج _ الحقيقة ليس لصالح الحوزة ولا السيد السسستاني.

بعد مضي اكثر من خمس سنوات على الاحتلال والديمقراطية والانتخابات وكل انواع المهاترات السياسية والاعلامية فان واقع حال العراقيين وعراقهم موزع بين فقدان الامن والامان وفقدان الخدمات التي لايمكن ان تسمى حكومة او دولة على انها دولة أو حكومة إن لم تقدم هذه الخدمات لابناء البلد ..وصولا الى فقدان الناس الثقة باي شئ وبكل شئ يمت الى الاحتلال واعوان الاحتلال بصلة .. ومنها وما يهمنا هنا حصرا وتحديدا ..الانتخابات.

فلماذا الترويج الان اعلاميا لرجاحة عقل المرجعية الحوزوية في اقتراح الانتخابات وكأنها انجاز للعراقيين يتقدم على كل ضرورات حياتهم الاخرى كالخبز والماء والضوء .. وفي هذا الوقت بالذات ؟

أهوَ لغرض دعم الانتخابات الجديده التي تجري تحت خيمة الاحتلال بعد ان ادرك الناس ان الانتخابات ضحك على ذقونهم وليس لها من هدف ولا فائدة سوى تهدئتهم واحتواء ردود افعالهم ضد الاحتلال والعمل على توطين الاحتلال وشرعنته في عمليات غسيل ادمغة هادئة ومنتظمة ؟... ام وهذا هو الاهم ...لتهيئة الاجواء لفتوى حوزوية جديدة تخدر الناس وتسوغ لهم معاهدة توطين الاحتلال التي يجري العمل حثيثا لتوقيعها مع رديفها قانون النفط والغاز لتتويج عهد بوش بنصر يقرأه مع بيان تسليم الادارة الى مدير جديد ليغادر بعدها يكتب مذكرات يعترف فيها باخطاء اجرامية ارتكبها في العراق هو وزمرة الصقور الصهاينة وربما يعترف بخطأ قراره بالاحتلال ويعتذر لدماء مليون ونصف عراقي من رضيع الى كهل سقط في ارذل العمر ... وكفى الله المؤمنون شر القتال ! وشكرا لبوش لانه اعتذر وجزاه الله خير الجزاء واغدق عليه بنعمة جنة سنفتي بانه ذاهب اليها لامحال لانه رفع مظلومية عن الاحزاب الطائفية فاسقط شعبا كاملا تحت المظلومية !!!!.

وان كان هدف الحملة الاعلامية لانجازات الحوزة مقصود منها تسويغ فتوى جديدة لتسهيل التوقيع على صك توطين الاحتلال في العراق فان الناس قد ادركت ما بطن وما ظهر وسواء رغبت الحوزة ام لم ترغب فان جنودها لاطريق امامهم للبقاء في كراسي الحكم الا تحت خيمة احتلال طويل الامد .. وكفا ضحكا على ملايين الشيعة الجعفرية لتمرير احتلال وطنهم احتلالات مزدوجة .

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  21  جمادي الاخر 1429 هـ

***

 الموافق   25  /  حزيران / 2008 م