الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الدكتور ابراهيم علوش في حوار مع إذاعة صوت الرافدين:
الطريقة الوحيدة لإفشال مشروع التفكيك الأمريكي الإيراني على المستوى العقائدي هو بتبني نهج وطني و قومي

 

 

شبكة المنصور

نقله عن التسجيل الصوتي ابن تونس

 

الدكتور ابراهيم علوش في حواره مع إذاعة صوت الرافدين ( إذاعة صوت الحق) سلط الأضواء على مسائل هامة تؤرق جميع المفكرين و المناضلين الوطنيين و القوميين إنها تلك المتعلقة بموضوع علاقة إيران بأمريكا و طبيعة المشروع الفارسي و خلفياته و أهدافه. و رغم  ما يعرف عن  هذا المحور من تعقيد فقد استطاع الدكتور علوش الجمع بين العمق و الوضوح . و حيث أني اعتبرت أن الحقائق و المعطيات الهامة التي قدمها الدكتور أمانة في عنق كل قومي فقد قررت أن أنقل التسجيل الصوتي إلى نص مكتوب عله يصل إلى كل المهمومين بالقضايا القومية و خاصة أولائك الذين نختلف معهم و نحترمهم. 

إذاعة صوت الرافدين : لماذا تم استهداف العراق بالتحديد؟ 

الدكتور ابراهيم علوش : استهداف العراق جاء لعدد من الأسباب و يأتي على رأسها بالضرورة  المشروع القومي النهضوي العربي للقيادة العراقية .  و نحن نعلم أن العراق ، بدلا من تبديد ثروته النفطية قام باستخدامها لإقامة صناعة و بالأخص تصنيع عسكري و قام بإنشاء كادر علمي تقني متقدم و بالأخص العلماء الذين يعنون بالتصنيع العسكري ،كما أن العراق وظف ثروته الهائلة في مشروع طويل المدى للنهوض بالأمة العربية و ليس بالعراق فحسب، و خلال العدوان الإيراني على العراق تحت عنوان تصدير الثورة ، بدلا من انهيار العراق قام العراق ببناء قوته العسكرية إلى درجة صرح معها إسرائيل شحاك و هو على الأرجح اسم وهمي لرئيس المخابرات العسكرية الصهيونية في 2 تشرين الثاني عام 1986 في جريدة جيروزاليم  بوست بأن ميزان القوى العسكري العربي الصهيوني بات مختلا بشكل غير عادي بين العرب و الكيان الصهيوني أساسا بسبب سلاح الدبابات العراقي. و نستطيع من خلال هذه الرؤية أن نفهم  فضيحة إيران كونترا  حيث كان الإيرانيون يستوردون الصواريخ المضادة للدبابات من الكيان الصهيوني و من الولايات المتحدة الأمريكية ، و كما قالت الصحف البريطانية في ذلك الوقت " بلغ حجم الواردات الأمريكية للإيرانيين خلال تلك الفترة حوالي نصف مليار دولار سنويا هذا ناهيك طبعا عما تم شراؤه من أسلحة من قبل الكيان الصهيوني. فما نقوله إذن أن العراق كان يحاول أن يبني قاعدة للنهوض العربي و أنه ركز على بناء نفسه اقتصاديا و صناعيا و عسكريا و علميا ، و هذا هو الهدف الرئيسي من استهداف العراق. و هناك أسباب أخرى طبعا و لكنها ترتبط بالسبب الأول ، فالعراق يحتوي ثروة نفطية هائلة و ما زال كثيرا منها غير مكتشف حتى الآن . يقال بأن العراق يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم ، و لكن إذا أخذنا المقدر من الاحتياطات فإنه ربما يملك أكبر احتياطي نفطي و نحن نعلم بأن الدول الامبريالية باتت تعاني من شح في الموارد النفطية و مصادر الطاقة . وهذا هو السبب الثاني و هو النفط العراقي و هو نفس السبب الذي يجعلهم يستهدفون دارفور اليوم . و هناك بالإضافة إلى ذلك ، مشروع صهيوني كبير و هو مشروع التفكيك ، و كما نعلم من الوثائق الصهيونية و منها وثيقة كيفونيم التي تم إصدارها عام 1982 و التي تبيّن فيما بعد أنها تعبر عن التوجه الصهيوني و الأمريكي في المنطقة تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير أو الجديد ، فإن ذلك التوجه يقوم عل تفكيك هذه المنطقة . وثيقة كيفونيم التي كتبها الصحفي الصهيوني عوديد ينون و التي تعبر عن موقف المنظمة الصهيونية العالمية تقول بأن العراق ( و هذا الكلام في أول الثمانينات ) يجب أن يتفكك إلى ثلاثة أو أربعة أجزاء. و أن الدول العربية الأخرى بدورها ، سوريا ، مصر إلى آخره ... يجب أن تفكك إلى أجزاء. ومشروع التفكيك هذا يقوم على إثارة ما يسمى بـقضية "حقوق الأقليات" من أجل تجزئة المنطقة إلى دويلات و من أجل تحويل القطب الصهيوني في المنطقة إلى قطب مهيمن لتصبح المنطقة إمبراطورية صهيونية.

أخيرا هناك سؤال هام . ضمن هذا المشروع التفكيكي كان لا بد من محو الهوية العربية الاسلامية لهذه المنطقة كجزء من مشروع التفكيك لتصبح هوياتنا هويات أقلوية، بمعنى سنية ،شيعية ، قبطية ، إلى آخره... و هذا يتطلب طبعا ضرب  أهم  المراكز القومية في المنطقة العربية و هو العراق لأنه كان يحمل لواء النهوض القومي و الهوية القومية.

إذاعة صوت الرافدين : هل استطاع الاحتلال الأمريكي تحقيق هذه الأهداف التي ذكرتها في حديثك و أين وصل الاحتلال بعد الضربات التي تلقاها من المقاومة العراقية العظيمة ؟   

الدكتور ابراهيم علوش : لا شك أن المشروع الأمريكي في العراق  تعثر ، و هذا جلي وواضح ، و بأن المقاومة العراقية تمكنت من احتواء الصدمة الأولى التي كانت تستهدف المنطقة برمتها و منها إيران ( كان مطروح تفكيك إيران أيضا ). المقاومة العراقية منعت انتقال المشروع الأمريكي ، بالتحديد مشروع المحافظين الجدد ، إلى باقي أرجاء المنطقة و حمت سوريا و السعودية ، و حمت إيران نفسها من الاستهداف و التفكيك . لا أريد هنا أن أسرد كل أرقام عدد ضحايا الأمريكان و عدد الذين يعانون من مشاكل نفسية و قد بلغوا الآن مئات الآلاف بدون مبالغة حسب الإحصائيات الأمريكية ، لأن الذين خدموا في العراق دورتين أو ثلاث دورات لم يعودوا أشخاص أسوياء طبيعيين قادرين على ممارسة حياتهم الطبيعية بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة لا كموظف أو عامل و لا كأب و لا كزوج و لا كمواطن طبيعي . و هذا جزء أساسي من خسائر الأمريكان في الحرب ناهيك عن مئات المليارات التي دفعوها و عن الدمار الكبير في عتادهم ، و الأهم أن نفوذهم العالمي قد تقهقر و صعدت روسيا و الصين و أفلتت منهم سبعة أو ثماني دول بأمريكا اللاتينية ، إلى آخره...

و لكن على صعيد الإقليم لا شك أن مشروع تغيير الأنظمة الذي طرحه المحافظون الجدد عند مجيئهم للعراق قد تلاشى الآن و باتوا الآن يبحثون عن مخرج "مشرّف"  لخروجهم من العراق ، و لكن دعني أقول أخي العزيز بأن الفشل الميداني و السياسي للمشروع الأمريكي في العراق قد تم ، و هو فشل واضح لا يحتاج إلى إثبات .و لكن  للأسف لم يترافق كل هذا مع انكسار هذا المشروع التفكيكي على المستوى الإيديولوجي أو المعنوي . ما أقصده بكلامي هو أن المقاومة العراقية تمكنت من احتواء الصدمة الأولى التي تستهدف الوطن العربي و العالم الإسلامي و تمكنت من تمريغ أنف اكبر قوة عظمى في الوحل و أن قوى عظمى كثيرة صعدت بسبب ذلك و حتى قوى إقليمية كإيران التي حاولت أن تصعد على ظهر هذا الضعف الأمريكي . و لكن على المستوى الإيديولوجي و على المستوى العقائدي و الوعي الجمعي لدى السكان ، نلاحظ بأن مشروع التفكيك ما زال يسير قدما ليس فقط في العراق و لكن أيضا في باقي أرجاء المنطقة . نلاحظ أن العراق المتماسك ، العراق العريق الذي يعود آلاف السنين في عمق التاريخ ، اليوم بدأنا نلاحظ فيه شروخ على شاكلة شيعي، سني، كردي إلخ.... و هذا طبعا ليس محصور في العراق فقط ، فالمشروع التفكيكي لازال يتقدم على مستوى النفوس . المقاومة العراقية قامت بما عليها و هو إنجاز ضخم جدا و غير عادي أن تقوم قوة  مثل المقاومة العراقية بكشف قوة عظمى كالولايات المتحدة ، لكن على صعيد الانتماء الوطني و القومي نلاحظ أن هذا الأمر يتعرض الآن لشروط و ضغوط  كبيرة و هذا هو الجانب الذي يحتاج أن نتصدى له.

في هذا السياق لا بد من التأكيد بأن الطريقة الوحيدة لإفشال مشروع التفكيك على المستوى العقائدي و المعنوي و على مستوى العقل الجمعي عند الشعب العربي هو بتبني نهج وطني و قومي ، يعني في العراق نهج وطني يؤكد على أولوية المواطنة العراقية و ليس على أولوية الانتماء الطائفي أو العشائري أو الإثني ، التأكيد على أولوية النهج القومي لأن الحس القومي ، و هو بالمناسبة متصالح مع الاسلام  و ليس متعارضا معه كما يدعي البعض الشاذين بالنسبة لهذه النقطة . العروبة و الإسلام صنوان لا ينفصلان . و لكن ما نتحدث عنه هنا هو حس عروبي جامع لا بد من وجوده من أجل إبقاء أبناء الأمة معا في بوتقة واحدة من المحيط إلى الخليج بغض النظر عن الأقليات التي ينتمون إليها . هذا الجانب يؤكد اليوم أهمية أن تقود المقاومة العراقية قوى وطنية و قومية و ليس قوى طائفية ، لان القوى الطائفية حتى لو مارست عملا عسكريا ضد الاحتلال( و نحن نؤيد كل عمل عسكري ضد الاحتلال و ندعم كل قوى مقاومة بالضرورة كأنصار عرب للمقاومة العراقية )  و لكن من يملك برنامجا طائفيا  و من يطرح تفسيرا خاصا به للإسلام فهو يسهم عمليا  في تفكيك العراق و بالتالي من حيث يدري أو لا يدري يسهم في إنجاح المشروع الأمريكي الصهيوني بتفكيك العراق و من هنا أهمية أن يتحلى المقاومون في العراق برؤية وطنية و قومية ، رؤية  وطنية لتحرير العراق و رؤية قومية عروبية للتأكيد على القواسم المشتركة التي تجمعنا و ليس على ما يفرقنا.

إذاعة صوت الرافدين : بمعنى آخر أحد شروط الانتصار هو وحدة الشعب العراقي بعمقه العربي و هذه الوحدة تستند على الانتماء للوطن و ليس إلى الطائفة أو المذهب أو العرق أو العشيرة أو القبيلة. إذن خيمة العراقيين هي الوطن و بالتالي تكون من واجبات المواطنة في ظل الاحتلال الأمريكي  من اجل استعادة حقوقه هي مشاركة و مساندة المقاومة العراقية. كيف ترى الآن واقع الاحتلال ، هل هو في حالة هجوم مستمر أم هو في حالة دفاع تجاه المقاومة العراقية التي تواصل ضرباتها ضد المحتل ؟  

 الدكتور ابراهيم علوش: الاحتلال الآن يمر بمأزق كبير و حاول ان يصدر مأزقه من خلال  افتعال شيء يسمى مجلس الصحوة  في بعض المحافظات الموجودة في وسط العراق و غربه . و هذا إن كان يعبر عن شيء فإنه يعبر عن أزمة الاحتلال. الحقيقة أن الجنرال الركن المتقاعد وليام أورتن في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي في 02/04/2008 يعني في بداية شهر أبريل – نيسان قال للشيوخ حول الوضع في العراق أن ما يسمى مجالس الصحوة تشكل ظاهرة عرضية لا جذور لها في الأرض العراقية و لا يمكن التعويل عليها وأنهم عبارة عن مرتزقة و أن هذه الظاهرة زائلة هذا من جهة ، من جهة أخرى نلاحظ أن الاحتلال الأمريكي بات يعاني من انشقاقات على صعيد القيادة نفسها . هناك قوى داخل الحزب الجمهوري الحاكم  نفسه باتت تطرح مشاريع للتفاهم مع سوريا و إيران لإيجاد مخرج مشرف للخروج من العراق . واقع الاحتلال هو أنه يعاني  من حالة تراجع و هذا يتجلى من خلال الأمثلة التي طرحناها الآن.

أود أن أشير إلى أن تحقيق النصر في العراق يتطلب التركيز على برنامج وطني و قومي عراقي . حتى الآن نلاحظ بأن هناك تأثيرات سواء من إيران أو من الأئمة الموجودين في الجنوب تكبح انتشار النفس المقاوم في الجنوب. مع العلم ( و يجب أن نؤكد على هذه النقطة) بأن الشيعة العرب عرب و أن الشيعة العرب عراقيين مثلهم مثل السنة العرب و العراقيين و أن بينهم مقاومون و أنهم يمارسون العمليات العسكرية هذا لا نجادل فيه و لكن مازال هناك نقص . يجب إيجاد طريقة لاجتذاب مئات الآلاف من الشيعة العرب في الجنوب و في الوسط للالتحاق بالمقاومة العراقية و هذا لن يحدث إذا كان القائمون على المقاومة أصحاب توجهات طائفية . إن تحقيق النصر يتطلب أن نجتمع على برنامج وطني قومي و أن تقود المقاومة قوى وطنية و قومية ، و نحن لا نقلل من أي مقاوم "و فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما "( صدق الله العظيم) هذه المسألة لا جدال فيها . لكن من أجل انتصار المقاومة و من أجل تحرير العراق لا بد من أن يتحلى المشروع السياسي للمقاومين بأساس وطني و قومي و ليس بأساس طائفي أو عرقي أو إثني ، مشروع وطني للتحرير يضم كل الأكراد و العرب و كل السنة و الشيعة و يضم الأشوريين و التركمان و جميع الأجزاء المكونة للعراق. و هذا يتطلب التأكيد على الهوية الوطنية الجامعة . نعم المقاومة العراقية تمكنت من دحر الاحتلال و تمكنت من تحجيمه و محاصرته و لكن العائق الرئيسي الآن أمام تقدم المقاومة هو مشروع التفكيك الطائفي الذي تعمل فيه من جهة الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني و من جهة أخرى الإيرانيين و السياسة الإيرانية و الأئمة التابعين لهم داخل العراق. نحتاج إلى موقف عراقي وطني أصيل يتجاوز الطوائف و أن يصبح ذلك هو رائد العمل للمقاومة .

إذاعة صوت الرافدين : ما هو حجم الدور الإيراني في العراق  و ما هي العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران.   

الدكتور ابراهيم علوش : حجم الدور الإيراني في العراق أنتم أدرى به و العراقيون يعرفونه أكثر منا جميعا ، و مما نسمعه منهم و مما نقرأه و نتابعه بأن الإيرانيين يعملون منهجيا على تدمير العراق و ليس فقط على التدخل سياسيا من خلال هذا الفصيل أو ذاك ، القضية تتعلق بتدمير البنى التحتية  للدولة العراقية و مؤسساتها و قتل العلماء العراقيين فهذا ليس فقط عمل الموساد و قتل الطيارين ليس فقط عمل الموساد هذا عمل الأجنحة التابعة لإيران في العراق كما أن هناك مشاريع سياسية لتأطير بعض العراقيين لاستمالة ولائهم إلى خارج العراق وهذا يسهم في مشروع التفكيك . هناك موضوع تمويل و تسليح الميليشيات و بالإضافة إلى ذلك هناك داخل الطائفة الشيعية نفسها صراعات تجري بسبب تدخلات من إيران و صراعات في إيران . أعطيك مثالا واحدا ، الصراع الذي نشهده في جنوب العراق يرتبط أساسا بالصراع بين الإصلاحيين و المحافظين في إيران ، هناك امتدادات للإصلاحيين الإيرانيين تتمثل في جماعة الحكيم و قوات غدر و هؤلاء لديهم التوجه الكامل للتذيل للأمريكان و هناك من جهة أخرى المحافظين الإيرانيين و على رأسهم رمزهم الأول أحمدي نجاد، هؤلاء يؤثرون من خلال جيش المهدي و مقتدى الصدر. إذن صراع الداخل الإيراني ينعكس على الساحة العراقية تدميرا و قتلا و تشريدا في المعارك الجارية بين حكومة المالكي و الأطراف الداعمة لها و بين مقتدى الصدر و جيش المهدي . هذا جزء أيضا من مشروع تدمير العراق و تدمير الطائفة الشيعية نفسها . طبعا لا أستطيع أن أشمل كل شيء حول الدور الإيراني في العراق فهذه كانت مجرد نبذات ، و لكن الشيء الأكيد هو أن الإيرانيين ، خاصة منذ أتى أحمدي نجاد إلى السلطة ، يلعبون لعبة مزدوجة في العراق و نحن نعلم جيدا بأن المسؤولين الإيرانيين صرحوا ، و هذا ليس تجني أو تحليل أو رأي مني ، قالوا أنه لولا إيران لما تمكنت أمريكا من احتلال العراق و أفغانستان . فإذن هذا بحد ذاته يقول كل شيء لكن بعد أن قدموا لأمريكا تسهيلات من كل الأنواع  ، ليس فقط السماح للطائرات الأمريكية بأن تمر من الأجواء الإيرانية  أو قربها و لكن أيضا من خلال الأدوات الإيرانية في أفغانستان و العراق التي أتت على ظهر دبابات الاحتلال أيضا، بعد كل هذا أرادوا أن ينالوا مقابلا لمساعدتهم. أريد هنا أن ألفت النظر إلى مسألة أخرى ، كثيرا ما تغيب هذه التفاصيل المهمة عن اللوحة و هي أن مشروع المحافظين الجدد في العراق هو مشروع تنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية ، و عندما أقول تنافس لا أقصد بذلك أن إيران لديها مشروع لتحرير العراق و لا أقصد بذلك بأن النظام الإيراني – نحن لا نتحدث هنا عن الشعوب الإيرانية بل نتحدث عن القيادة الإيرانية-  يرى بنفسه مدا للولايات المتحدة و يرى بأنه يجب إعادة إنتاج المشروع الإمبراطوري الفارسي في المنطقة العربية لأنها ترى في هذه المنطقة ، منطقة فراغ و بالتالي لماذا لا تملؤه هي و لماذا  تتركه للطرف الأمريكي – الصهيوني . و من هنا يأتي التنافس – و أنا أؤكد على كلمة تنافس – لأن هنالك فرق بين العداء المبدئي القائم على اختلاف في المبدأ و ما بين التنافس على الغنائم ، و بالأخص عندما نكون نحن الغنائم. مشروع المحافظين الإيرانيين هو التهام العراق و التهام بقية المنطقة ، و هم يتطلعون إلى المناطق المجاورة للخليج العربي الغنية بالنفط و التي تتواجد فيها أكثرية شيعية عربية ، باعتبارها مناطق نفوذ حيوي لها ، لو تتمكن السيطرة عليها بأهلها و مواردها لما أوقفهم شيء عن التحول إلى إمبراطورية داريوس القديمة ، الإمبراطورية الساسانية.هذا التوجه يجب أن نفهمه بأبعاده الكاملة ، يعني هناك من يقول أن إيران مجرد تابع لأمريكا  و أنا أختلف مع هذا الرأي ، و هناك من يقول أن إيران هي عدو لأمريكا و أنا أختلف مع هذا الرأي. الح

قيقة هي أن مشروع المحافظين الإيرانيين هو ليس التبعية لأمريكا و ليس العداء لأمريكا ، المشروع الإيراني هو تأسيس إمبراطورية قومية فارسية و هذه القومية تتطلب منهم أحيانا أن يتعاونوا مع أمريكا و الكيان الصهيوني كما في فضيحة إيران كنترا خلال سنوات الحرب و استيراد الأسلحة من الكيان الصهيوني و اللقاءات السرية التي حققت ذلك .أو تتطلب التنافس مع أمريكا و الكيان الصهيوني سواء من خلال بناء عناصر قوة مثل المفاعل النووي و الأسلحة النووية أو من خلال التمدد داخل العراق و بقية الإقليم من أجل فرض التأثير السياسي الفارسي في تلك المنطقة. هذه القضية معقدة و ليست قضية تخضع للأبيض و الأسود .

إذاعة صوت الرافدين : هذا التنافس الأمريكي الإيراني يرجعنا قليلا إلى الخلف عندما تأسس المشروع الصهيوني في فلسطين للنظر للفكر الصهيوني في عملية تأسيس كيانه الهزيل في فلسطين و اعتماده على طرف دولي. هل الفكر الفارسي الإيراني يفكر الآن بنفس هذا المنطق و هو يريد الاستفادة من طرف دولي للنفاذ للساحة العربية ؟  

الدكتور ابراهيم علوش : هو يفكر أكثر من هذا المنطق ، هو لا يرى نفسه ضعيفا مثل الدولة اليهودية و مضطرا بالتالي  للاعتماد  بنفس القدر على الأمريكان . هو يحاول أن يوظف أمريكا لمصلحته ، يحاول أن يستغل الضربة التي قامت بها أمريكا للعراق ، فالمستفيد الأول منها كان الإيرانيون. و هو يعتبر أنه هو الذي نجح بجر أمريكا للعراق و ضرب بالتالي عصفورين بحجر واحد. من جهة ضرب القيادة العراقية الوطنية الشرعية و على رأسها الشهيد البطل صدام حسين ، و من جهة أخرى تمكن من أن يضعف الدور الأمريكي ليفسح المجال لدوره. أنا أريد أن أوضح شيئا . الصراع بين الدول لا يعني بالضرورة أن تلك الدول أحدها مبدئي و شريف و الآخر لا مبدئي و سيء . عندما قامت الحروب الإمبريالية بين بريطانيا و ألمانيا طحنوا بعضهم طحنا و ذهب ملايين القتلى من الطرفين ، لماذا ؟ كان ذلك تنازعا على المستعمرات . لأن الصراع الفارسي الأمريكي على غنائم العرب في بلادنا لا يعني بأن الإيرانيين يلعبون دورا مبدئيا  في الساحة العربية . كما تتصارع الذئاب على فريسة ، كما يحاول الضبع أن يسرق فريسة من اللبوة  بعد اصطياد غزالة. نحن نتعامل هنا مع مصالح قومية فارسية و هي مصالح لا تقل خطورة على المصالح الأمريكية في بلادنا. إني أحلل الظاهرة و لا أستنتج منها أبدا بأن الإيرانيين يقفون موقفا مبدئيا في الإقليم . يجب أن نفهم طبيعة الصراع . لما كان الإصلاحيون هم الذين يحكمون إيران قبل مجيء أحمدي نجاد في بداية  الغزو، لعبوا دورا  ذليلا تبعيا للسياسة الأمريكية  ، و كان يرتضي لنفسه دورا صغيرا . الخلاف الآن أن المحافظين يرون لأنفسهم دورا أكبر من الدور الذي يريد الطرف الأمريكي الصهيوني أن يعطيه للمحافظين الإيرانيين. إن هذا لا يجعل منهم طرفا شريفا .  تعرفون أن الإيرانيين هم المتغلغلين في أجهزة الحرس الوثني و في قوات مغاوير الداخلية و هم الذين يعلنون و على رأسهم مقتدى الصدر ، يعلنون على خسارات يومية في مواجهة قوى المقاومة. إذن السياسة الإيرانية في العراق هي ضرب المقاومة و عندما تحدث عمليات ضد الامريكان بإشرافهم يريدون أن تكون المسألة مسيطر عليها ضمن الإيقاع و التوقيت الذي يرغبونه في علاقتهم مع أمريكا سواء التهدئة أو التصعيد. و تستطيع أن ترى جيدا بأن المعارك التي يخوضها جيش المهدي ضد الامريكان ترتبط بشكل مباشر و حرفي بنوعية العلاقة بين الامريكان و الإيرانيين . إن خط جيش المهدي هو ضرب المقاومة  و الدعوة لاجتثاث البعثيين و كانوا مشاركين في إعدام السيد الرئيس كما نعلم. هذا هو الخط العام و هذا يعبر عن الخط الإيراني  هذا هو الجوهر و المبدأ . بعد ذلك و بعد الاتفاق على قتل الضحية و افتراس العراق و الإقليم ، بعد ذلك  يختلفون على الحصة ، ذاك يريد أن يعطيه فقط فخذ الضحية و ذاك يريد نصف الضحية ، قد يقتتل اللصوص على الغنيمة . هذه هي بالأساس طبيعة الصراع الإيراني الأمريكي.

إذاعة صوت الرافدين : هذا يعيدنا إلى مراجعة حول الآلية التي اتبعتها الحركة الصهيونية لتنفيذ مشروعها في قلب الوطن العربي . في البداية استندت على المظلومين و الهلوكوست و هذه العناوين التي تكررت عبر هذه الدعاوي التضليلية . أيضا الآن في العراق هناك " مظلومين" و تحت هذا العنوان تنفذ إيران من خلال هذا الأمر. كذلك في إطار المقارنة  شكلت الحركة الصهيونية عصابات لتنفيذ مآربها كالهاقانا و غيرها ، في العراق أيضا هناك عصابات و ميليشيات تنفذ بنفس الطريقة ، كذلك أيضا هناك تهجير حصل لأبناء فلسطين العروبة و في العراق كذلك حصل تهجير. أيضا في نفس الوقت حصلت عملية لجوء العراقيين إلى خارج العراق و انتشار هذا اللجوء في كافة أرجاء العالم، هناك تفريغ للسكان ،هناك تدمير. كيف ترى هذه المقاربة و كأن التاريخ يعيد نفسه عبر مشروع   بواجهة أخرى.  

الدكتور ابراهيم علوش : السبب بسيط يا صديقي. السبب هو أن الطرفين يتعاملان مع المنطقة باعتبارها حقلا للنفوذ الحيوي . الحركة الصهيونية عندما تريد تأسيس لها موطن قدم في فلسطين عليها أن تمارس كل الوسائل التي تفضلت بذكرها. و بنفس المقياس ، إذا أراد الزعماء الإيرانيون أن يحولوا العراق لموطئ قدم لنشر نفوذهم و سيطرتهم في مختلف أرجاء المنطقة على طريقة دولة المناذرة ، هم يجب أن يلجؤوا إلى اتخاذ إجراءات مماثلة . و لا ننسى هنا بأن الفتح الإسلامي حرر العراق من الاحتلال الفارسي الساساني و أن معارك القادسية الأولى التي جرت في الثمانينات ما زالت ذكرى مؤلمة بالنسبة لهم . هم يؤكدون اليوم أن البحرين فارسية منذ ألف سنة  و يصرون على تسمية الخليج العربي بالفارسي و هناك قضية الأهواز . المهم هناك عدد كبير من هذه الأمثلة . فهذا التشابه بين الدعاوي الصهيونية و الدعاوي الإيرانية  ينبع من حقيقة  و هي أنه عندما يكون لطرف خارجي نوايا استعمارية و نوايا هيمنة في المنطقة فإنه لا بد أن يلجأ إلى تكتيكات متماثلة .

إذاعة صوت الرافدين : بدت على المواطن العربي حالة من البلبلة و التشويش فيما يتعلق بالموقف الإيراني ،كيف ترى بعض من يدعون أنهم كتاب و باحثين و هم يروجون للسياسة الإيرانية في ظل هذا التدخل السافر في العراق و من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في تدمير و تفتيت وحدة العراق. 

الدكتور ابراهيم علوش : هناك أنواع مختلفة من هؤلاء الناس ، و أنا لا أخوّنهم جميعا . بعضهم يقول هذه الأشياء لأنه لا يرى الصورة بوضوح على ما أعتقد و ربما كان حكمه خاطئا على الوضع السياسي. فهو يقول أنه علينا أن نتحالف مع إيران ضد الطرف الأمريكي الصهيوني و من هذا المنطلق يقول بأنه من يهاجم إيران فهو يضيع التناقض الرئيسي و يجرنا إلى تناقض آخر أقل أهمية و يذكّرنا بأن من يحتل العراق هو الولايات المتحدة الأمريكية و بالتالي يقول فلتوجهوا بنادقكم و خطابكم السياسي ضد الولايات المتحدة الأمريكية و ليس ضد إيران . الآن هذا الموقف السياسي يعاني من ضيق أفق – حسب رأيي المتواضع – على افتراض حسن النية و على افتراض عدم وجود مصالح خاصة لمثل هذه الأطروحات. و هناك الكثيرون – حقيقة يعني -  ممن يقول هذا عن اقتناع و عن مبدأ و عن قناعة . الحقيقة أن هذا الطرح يتجاهل كثيرا من الأشياء :

أولا: أن هناك مشروع هيمنة قومي فارسي

ثانيا : أن هذا المشروع خلال مراحل مختلفة من وجوده في الثمانينات كان يتعاون عسكريا و يتلقى العتاد من الطرف الأمريكي الصهيوني ، و هناك وثائق معهد ستوكهولم لدراسات السلام قام بإحصاء مصادر الأسلحة الإيرانية و العراقية خلال الحرب العراقية-الإيرانية و هو يظهر أن معظم الأسلحة الإيرانية خلال تلك الفترة كانت أسلحة أمريكية و صهيونية و بالمقابل كانت مصادر تسليح العراق الرئيسية هي الاتحاد السوفياتي أو الصين أو فرنسا أخ ... و فيما بعد و في الألفية الثالثة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق و أفغانستان نحن نعرف مقدار التعاون الأمريكي الإيراني على احتلال العراق سواء بشكل علني أو غير علني من خلال الميليشيات أو غيرهم .و بالتالي فالعراق يخضع لاحتلال مزدوج . فهذه المسألة لا يجب أن ننكرها ، إن عملية تفريغ السكان و عملية التهجير و غيرها تتم بإشراف إيراني و ليس فقط بإشراف أمريكي. و لكن من ناحية أخرى أرى أن علينا أن ننتبه كثيرا من عدم سحب الموقف من إيران على قوى المقاومة العربية كتلك الموجودة في لبنان و فلسطين . يجب أن نتبنى موقف الدفاع عن المقاومة أينما وجدت في مواجهة كل الأعداء الخارجيين و كل قوى الهيمنة الخارجية. أرى أن كل مقاوم عربي في فلسطين و لبنان هو ابن هذه الأمة و قد نختلف معه . على سبيل المثال  ليس مفهوما أن لا تعترف قيادات حزب الله بالمقاومة العراقية . و ليس مفهوما أن يقوم في أحد المرات بعض رموز المقاومة اللبنانية بالتهجم على السيد الرئيس صدام حسين حتى وهو معتقل و حتى بعد اغتياله كانت هناك طريقة سيئة للتعامل مع هذا الموضوع.هذه مسائل يجب أن نثيرها و نطرحها . في نفس الوقت الذي ترى فيه بوضوح حقيقة الموقف الشخصي من إيران أرى أن ننتبه جيدا من عدم الانزلاق إلى تحويل الموقف من إيران إلى موقف من قوى المقاومة العربية في لبنان و فلسطين . لأن هذا يخدم القوى المتحالفة مع الطرف الأمريكي الصهيوني . نحن لا نستطيع و لا يجوز أن نقف مع السنيورة ضد المقاومة اللبنانية و لا أن نقف مع محمود عباس ضد المقاومة الفلسطينية. هذا الكلام لا يليق بقومي أو مواطن عربي شريف أن يتخذه.  نحن مع كل قوى المقاومة . بعد ذلك علينا أن ننبه من الدور الإيراني بالنسبة للقوى المغترّة فيه و التي لا تراه بوضوح و أن نكشف طبيعة الصراع الأمريكي الإيراني و نكشف حقيقته باعتباره صراعا على مغانم و ليس صراعا مبدئيا. إنه صراع بين احتلالين كما كان في الماضي في صراع الحرب العالمية الاولى و الثانية. الألمان و الإيطاليون يريدون أن يحتلوا و كذلك الفرسيين و البريطانيين و الأمريكان يريدون أن يحتلوا. فإذا اختلف اللصوص على الغنيمة فهذا لا يجعل الصراع مبدئيا . هذه المسألة يجب أن تكون واضحة. ثمة مشروع قومي فارسي و ثمة خطورة لهذا المشروع و هو يتعاون مع الأمريكان و اليهود في عدة مفاصل ولكن مرة أخرى لا نسحب هذا الموقف على القوى المقاومة العربية من الجهاد الإسلامي و حماس  إلى حزب الله و من حقنا أن نختلف معهم و أن نشير لهذا الخلاف و لكن لا أن نتحول إلى أعداء لطرف مقاوم تحت أية ذريعة.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الخميس /  22  جمادي الاخر 1429 هـ

***

 الموافق   26  /  حزيران / 2008 م