الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

المعاهدة الأمريكية العراقية وإستراتيجية التحرير

 

 

شبكة المنصور

الدكتورعبد الواحد الجصاني

 

 أولا : المقدمة

إن إستقراء التوقعات الممكنة بشأن المعاهدة الثنائية التي يجري التفاوض بشأنها بين الإحتلال الأمريكي والحكومة العراقية المنشأة في ظل الإحتلال يشير الى أن جميع الإحتمالات واردة،فهناك إحتمال التوقيع على المعاهدة بالشروط الأمريكية ولكن باللجوء الى مايسمى بالغموض البنّاء لتجنيب عملاء الإحتلال الإحراج ولإظهارهم بمظهر من حقق إنتصارا.وهناك إحتمال حصول صعوبات في المفاوضات تلجيء امريكا الى تمديد جديد من مجلس الأمن لولاية (القوات متعددة الجنسيات).والإحتمال الثالث هو حصول تغيير سياسي جذري في العراق إما بسبب(إنقلاب قصر) يقوده عملاء أمريكا ضد عملاء إيران في العملية السياسية،او حصول مواجهة أمريكية إيرانية وبما يأتي بحقائق جديدة على الأرض تلغي المعطيات والتوازنات الحالية .

وإستعدادا لكل الإحتمالات،صعّدت المقاومة العراقية والقوى الوطنية العراقية من حملتها الوطنية المناهضة للمعاهدة ونجحت في بلورة إجماع وطني ضد مشروع المعاهدة.ولكن لكي يكون هدف إسقاط المعاهدة جزءا من إستراتيجية التحرير لا بد من وضع هدف إسقاط المعاهدة في أطاره الصحيح وربطه ببقية عناصر مشروع الإحتلال. إن خصائص الجزء لايمكن أن تُفهم إلا من خلال فهم أهداف ومكونات المشروع الكلي. والمشروع الكلي هو الإحتلال المزدوج الأمريكي الإيراني للعراق .وهذا الإحتلال هو عمل غير شرعي وغير مشروع وباطل قانونا ، وإن كل ما نتج عن الإحتلال هو باطل بموجب القانون الدولي(حرّمت إتفاقية لاهاي لعام1907 وإتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على المحتل تغيير قوانين البلد الخاضع للإحتلال). فالعملية السياسية التي أنشاها المحتل غير شرعية بكل عناصرها بدءا الإنتخابات (المزيفة أصلا) والدستور وكل القوانين والتشريعات والهياكل السياسية والتشريعية . وإن مقاومة وإسقاط كل عناصر مشروع الإحتلال هي فرض عين وحق ثابت قانونا لكل عراقي .وهذه الحقيقة تجعل الربط الموضوعي والقانوني بين كل أجزاء مشروع الإحتلال أمرا مطلوبا بإلحاح.إن إهمال أو السكوت على أي جزء من أجزاء مشروع الإحتلال هو قبول بكل الإحتلال ، كما إن النصر على أي من أجزاء مشروع الإحتلال  لا يعتبر نصرا إذا لم يتحقق النصر عليها جميعا.

ومن المهمات العاجلة في هذا الأطار هي ربط هدف إسقاط المعاهدة بإستراتيجية التحرير ، وهذا ما سنوضحه في السطور الآتية:

ثانيا: لماذا يجب ربط هدف إسقاط المعاهدة بإستراتيجية التحرير

1 -لقد أوضحت تجربة شعب العراق في الماضي القريب أن ضعف ربط الأهداف المرحلية بالأهداف الكلية للنضال كلّف شعب العراق الكثير.فلو كانت وثبة العراقيين لإسقاط معاهدة بروتسموث عام  1948 أوثق إرتباطا بالهدف الأشمل وهو التحرر من الإستعمار البريطاني ومن معاهدة 1930 التي أعطت لبريطانيا جميع صلاحيات دولة الإنتداب،لتحقق هدف التحرر من الإستعمار البريطاني بفترة زمنبة أقصر وبتضحيات أقلّ.لكن ضعف الربط بين إسقاط معاهدة بروتسموث وإسقاط بقية اجزاء مشروع الإحتلال البريطاني للعراق أدى الى إستمرار العمل بإتفاقية 1930 التي لا تقل سوءا عن إتفاقية بورتسموث المقبورة،وإستمر السفير البريطاني هو الحاكم الفعلي للعراق وإستمر وجود القواعد البريطانية في العراق وإستمرت هيمنة بريطانياعلى نفط وموارد العراق ، وإحتاج الشعب العراقي الى عشر سنين إضافية للتحرر من الإستعمار البريطاني بقيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وإحتاج الى أربعة عشر سنة إضافية أخرى للتحرر من الهيمنة البريطانية على نفط العراق بقرار التأميم الخالد في الأول من حزيران 1972.

2 -- إن ربط هدف إسقاط المعاهدة  بإستراتيجية التحرير يجنب بعض القوى الوطنية العراقية ضبابية الموقف وتشتت الرؤى . فقد لوحظ أن بعض الفوى والأقلام الوطنية العراقية إعتبرت المعاهدة هي الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل العراق ، وأن إسقاطها يمكن أن يتم بالأدوات السياسية والتشريعية القائمة في العراق المحتل . وكمثال على ذلك ، أطلقت حركة لا يشك في وطنيتها حملة تهدف الى  (المطالبة باحالة الاتفاقية بعد اعلان بنودها الى الشعب العراقي لاتخاذ القرار المناسب بشأنها من خلال آلية الاستفتاء الشعبي المباشر) . ونشر مركز دراسات وطني بيانا قال فيه إن المعاهدة تتناقض مع مباديءء القانون الدولي لإن (الدستور الذي وضعته الولايات المتحدة الأمريكية للعراق نص على استقلال العراق وانه دولة مستقلة تتمتع بالسيادة الكاملة. وعدم المساس بوحدته) . والأمثلة كثيرة على ضبابية وعدم دقة الموقف القانوني والسياسي لبعض القوى الوطنية من المعاهدة والتي تستوجب تعميق هذا الربط وجعله حاضرا في مواقف وبيانات وسلوك كل القوى الوطنية العراقية .

3- إن أحد مخاطر ضعف إرتباط هدف إسقاط المعاهدة بهدف التحرير الشامل، هو حصول تداخل للخنادق بين بعض القوى الوطنية العراقية وأحزاب الحكومة العميلة ومرجعياتها التابعة لإيران . لقد سعى عملاء إيران الى ركوب موجة الرفض الشعبي للمعاهدة لتلميع صورتهم ولإمتصاص النقمة الشعبية ضد الإحتلال وتحويلها الى موضوع المعاهدة فقط. إن هؤلاء يرفضون المعاهدة ليس لإنها تنتقص من سيادة العراق بل لإنها تنتقص من السيادة الإيرانية على العراق ، ولذا فإن على القوة الوطنية أن تعزل خندقها عن خندق هؤلاء العملاء من خلال طرحها هدف التحرير الشامل ورفضها المطلق للعملية السياسية. ومن جانب آخر  ، فلو قررت أمريكا التخلي عن المعاهدة وتمديد ولاية (القوات متعددة الجنسيات) . عندها ستدّعي حكومة العملاء أنها رفضت معاهدة مذلة وأنها كانت أمينة على سيادة العراق وسيعاد إنتاج العملاء بصورة أبطال وطنيين . إن القوى الوطنية العراقية مطالبة بأن تؤكد على أن رفضها المعاهدة هو جزء من رفضها الإحتلال والعملية السياسية المنشأة في ظل الإحتلال بكل عناصرها.وبهذا الربط يجري فضح من يعارض المعاهدة ويقبل بالإحتلال وبالصلاحيات الحالية الممنوحة لقوات الإحتلال بقرار مجلس الأمن 1546(2004) . مطلوب أن يعرف العراقيون أن حكومة المنطقة الخضراء وأحزابها الطائفية ترفض بعض شروط المعاهدة لكنها تقبل بالإحتلالين الأمريكي والإيراني. إنهم يرفضون إعطاء خمسين قاعدة عسكرية لأمريكا،ولكنهم يقبلون اليوم وسيقبلون غدا بوجود القوات الأمريكية في كل انحاء العراق،بضمن ذلك في القصر الجمهوري . وهم يرفضون إعطاء الجنود الأمريكيين والمتعاقدين الأمنيين الحصانة من القانون العراقي بينما هم يطبقون اليوم قانون بريمر الذي منح القوات الأمريكية والمرتزقة الأجانب تلك الحصانات. وهم يرفضون إطلاق يد القوات الأمريكية لتقوم بعمليات عسكرية في أي مكان وفي أي وقت في العراق ويقبلون اليوم أن يستبيح الجيش الأمريكي العراق كله ويتحكم أيضا في حركة القوات العراقية . هم يرفضون سيطرة أمريكا على المجال الجوي العراقي تحت خط 29 الف قدم، ويقبلون اليوم بسيطرتها على كامل أجواء العراق تحت وفوق خط 29 ألف قدم.هم يرفضون قولا المساس بسيادة العراق ويسكتون على قصف إيران وتركيا اليومي للقرى العراقية،ويسكتون على إحتلال إيران لحقول النفط العراقية في مجنون والفكة والطيب بل ويتواطأون مع إيران في سرقة نفط العراق بقولهم أن هذه حقول مشتركة وهي حقول عراقية صرفة،وهم يسكتون على سرقة الكويت لنفط حقول الرميلة ويقرون لها بتخطيط الحدود الجائر الذي فرضته الأمم المتحدة(تصريح المالكي يوم 13/6/2008).إن نشر هذه الأدلة وغيرها كثير مطلوب لتأكيد حقيقة أن هذه الحكومة عميلة وهي جزء من مشروع الإحتلال وأنها فاقدة للشرعية والوطنية .

5- إن وضوح البرنامج الوطني العراقي للتحرير الذي يرفض كل عناصر مشروع الإحتلال سوف يساهم في كشف زيف إدعاءات إيران الحرص على سيادة وإستقلال العراق . ومعلوم إن رفض إيران لمشروع المعاهدة الثنائية  ليس سببه الحرص على سيادة العراق،بل لإن المعاهدة ستضعف من الهيمنة الإيرانية على العراق كونها ستربط العراق بأمريكا عسكريا وسياسيا وإقتصديا وثقافيا.وقد عبر المدعو حسين شريعتمداري مستشار الخامنئي عن ذلك بوضوح حينما وصف المعاهدة بأنها تمثل عودة للحرب الباردة بين العراق وإيران وإن الغرض منها عزل بلده وإنها ستحول العراق إلى قمر صناعي أمريكي . وشريعتمداري هذا هو نفسه الذي صرح قبل عدة أشهر بأن البحرين ولاية إيرانية.إن تكثيف القوى الوطنية العراقية من حملتها الرافضة لمشروع الإحتلال،الذي تشارك فيه أحزاب عميلة لإيران، سيفضح تواطؤ الأخيرة مع مشروع الإحتلال.أما إدعاء إيران أنها تخشى أن تتيح المعاهدة لأمريكا إستخدام أراضي وأجواء ومياه العراق للهجوم عليها ، فهو مجرد ذريعة لا أكثر، فجيوش أمريكا تحيط بإيران من جهاتها الأربع والقوة  الأمريكية الضاربة موجودة أصلا في الخليج العربي وليس في العراق.

6 –إن العملية السياسية المنشأة في ظل الإحتلال هي أخطر عناصر مشروع الإحتلال الأمريكي الإيراني،والدستور هو أخطر ما في العملية السياسية . ولعل هذا يفسر لماذا أعطي موضوع (حماية الدستور) أهمية بالغة في إعلان  مباديء يوش – المالكي المؤرخ 26/11/2007 حيث طالبت الفقرة الثانية منه (احترام الدستور وصيانته باعتباره تعبيرا عن ارادة الشعب العراقي، والوقوف بحزم امام اية محاولة لتعطيله او تعليقه او تجاوزه). ومطلوب من القوى الوطنية العراقية مواصلة إبراز خطورة هذا الدستور كونه هيأ  لتدمير العراق أرضا وشعبا من خلال إجراءات عديدة أهمها :

·   الفيدرالية التي هيأت لتقسيم العراق،ونرى اليوم المحافظات الشمالية الثلاث لا يربطها بدولة العراق رابط سوى إستلام 17% من موارد النفط ، ونرى محافظات العراق الوسطى والجنوبية تتبع النموذج الكردي وتتحول الى دويلات تتفاوض مع الدول الأجنبية وتقرر تحالفاتها ومشاريعها بل وحتى عطلها الرسمية في غياب تام للدولة العراقية.

·   وأقرّ الدستور المحاصصة الطائفية والعرقية في تشكيل مؤسسات الدولة السياسية والتشريعية  وحتى المؤسسات الثقافية والرياضية،والهدف من ذلك هو طمس الهوية الوطنية لشعب العراق وتدمير مؤسسات الدولة العراقية وجعلها نهبا للإحزاب والدول الأجنبية التي تقف وراء هذه الأحزاب ، حتى أصبح العراق الدولة الأولى في قائمة الدول الفاشلة والدول الأكثر فسادا  والدول الأعلى في نسبة وفيات الأطفال والأكثر فقدانا للأمن والأكثر في عدد الأرامل والأيتام والقائمة تطول.

·    وأقرّ الدستور قانون إجتثاث البعث الذي هو مخطط مجوسي صهيوني لإلغاء عروبة العراق واستئصال الفكر القومي العربي. والوقائع بعد أكثر من خمس سنوات على الإحتلال كشفت أن إجتثاث البعث لم يهدف تصفية البعثيين فحسب بل هدفه الأكبر هو تصفية كل من يؤمن بعروبة العراق وتصفية تاريخ وتراث العراق العربي ، بدءا من تغيير مناهجه الدراسية وسرقة أرشيفه وحرق مكتباته وإنتهاء بتدمير النصب والشواهد التاريخية العربية في ساحاته . إجتثاث البعث هو إمتداد للفكر المجوسي الذي سعى ويسعى لتدمير الإسلام ومادة الإسلام العرب . المجوسية الفارسية حوّلت التشيع من عقيدة الثورة على الظلم وإعمال العقل في الشريعة الى شعار( مظلومية أهل البيت ) الذي إستخدم للقول بإن أبو بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم ) مغتصبون للسلطة وإن الدولتين الأموية والعباسية مغتصبتان للسلطة ، فما الذي أبقوا من الحضارة العربية الإسلامية!

6 – يسعى بعض عملاء الإحتلال الى زرع روح الهزيمة لدى العراقيين بالإدعاء أن المقاومة غير مجدية وأن  دولا مثل اليابان والمانيا إستسلمتا لإمريكا وقبلتا بالوجود الأمريكي على أراضيهما وكان ذلك احد أهم أسباب تقدمهما الإقتصادي( أنظر مقال عضو مجلس النواب عن الإئتلاف الموحد جابر حبيب جابر في صحيفة الشرق الأوسط ليوم 26/5/2008). إن العراق هو العراق ، وهو ، شئنا أم أبينا ، حالة فريدة في التاريخ  ولا يقارن بأي دولة أخرى. العراق لم يهزم في عدوان 2003 ولم يوقع "وثيقة إستسلام" كما فعل الألمان واليابانيون، والعكس هو الصحيح فقد هزمت المقاومة العراقية أمريكا الى الحد الذي دعا ريتشارد هاس الى القول إن مشروع القرن الأمريكي ونظام القطب الواحد قد فشل بسبب هزيمة امريكا في العراق ، ثم إن ألمانيا واليابان كانتا دولتان معتديتان في الحرب العالمية الثانية وهزمتا في الحرب ، أما الحرب الأمريكية على العراق فهي عدوان فاضح وهي أكثر حروب التاريخ خسة وإنتفاء للمبررات ، ولو كان العراقيون قد واجهوها بالإستسلام لقلنا إنهم ليسوا ورثة تلك الحضارات.إن المقاومة العراقية هي العلامة الأكثر إضاءة في تاريخ الأمة ومطلوب تكثيف وترسيخ ثقافة المقاومة لدى العراقيين  وتحصينهم ضد دعاة الإنهزام .

 ثالثا: الخلاصة

إن كل عناصر مشروع الإحتلال باطلة وغير مشروعة ويجب الجهاد ضدها جميعا بنفس القوة والصلابة . إن التأييد الشعبي الكاسح لهدف إسقاط المعاهدة الثنائية مطلوب  تطويره الى حملة وطنية لتحقيق إجماع وطني شامل على برنامج تحرير العراق من الإحتلالين الأمريكي والإيراني . وإذا كان المحتل الأمريكي قد بدأ يترنح أمام ضربات المقاومة العراقية،فإن عملاء الإحتلال الأمريكي-الإيراني المشاركون في العملية السياسية وصلوا الى الدرك الأسفل من الخيانة والعمالة ونبذهم شعب العراق لمواقفهم المخزية بدءا من أول قرار لمجلس الحكم يوم 13 تموز 2003 الذي إعتبر يوم الإحتلال الأمريكي لبغداد عيدا وطنيا يحتفلون به الى آخر قرار لهم عندما وقعوا جميعا على إتفاق مباديء بوش- المالكي الذي أثنت مقدمته (على التضحيات البطولية التي قدمها الشعبان العراقي والامريكي من اجل عراق حر ديمقراطي تعددي فدرالي موحد).ونقارن هذا الموقف الذي يثني على قوات المحتل بموقف عضو الكونغرس ومرشح الرئاسة الأمريكي  دينيس كوسينيش عندما قدم يوم 13/6/2008 مشروع قانون الى الكونغرس يهدف إلى عزل الرئيس جورج بوش بسبب إختلاقه الذرائع لمهاجمة العراق وخرق الدستور الأمريكي والقانون الدولي باجتياح ذلك البلد . وقد ايد مشروع عزل بوش 166 نائبا بينما عارضه 251 نائبا.أي أن أكثر من ثلث نواب أمريكا يتبرأون من جرائم بوش في العراق ويطالبون بعزله بسببها بينما يعتبرها (أبطال) العملية السياسية تضحيات قدمها بوش من أجل عراق حر ديمقراطي.

والله المستعان

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاحد /  11  جمادي الاخر 1429 هـ

***

 الموافق   15  /  حزيران / 2008 م