الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

ردا على حملات التضليل والكذب والافتراء  التي يشنها المحتل وعملاؤه المحليون وحلفاؤه الاقليميون
من الذي إستخدم برنامج النفط مقابل الغذاء للفساد والعدوان ؟

 

 

شبكة المنصور

الدكتور عبد الواحد الجصاني

 

أولا : المقدمة

يقول المثل العراقي (عندما يفلس اليهودي يلجأ الى دفاتره القديمة). وهذا هو حال حكومة المنطقة الخضراء المنشأة في ظل الإحتلال. فبعد أن دمروا مظاهر الحياة في العراق هم وأسيادهم الأمريكان والإيرانيين، واصبح العراق صاحب ثالث أعلى نسبة في وفيات الأطفال بعد لايبيريا وأفغانستان، وثاني دولة فاشلة في العالم بعد الصومال، والدولة الأولى في العالم بإنتشار الفساد الإداري والمالي، يعلن المتحث يإسم حكومة المالكي يوم 26/6/2008 عن (رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية لملاحقة شركات وأفراد متورطين بجرائم فساد تتعلق بتنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء) مضيفا (أن هذه الخطوة الاستثنائية اتخذت إنطلاقا من إلتزام الحكومة بمحاربة الفساد وضمان حقها في منع التقادم في هذه القضية المهمة).

ليس مستغربا أن تواصل الحكومة المنشأة في ظل الإحتلال إعادة إجترار أكاذيب تلفيقات ماكنة الدعاية الأمريكية الصهيونية الإيرانية للتغطية على عمالتها وفشلها وفسادها. وإذا كانت أكاذيب أسلحة الدمار الشامل وعلاقة العراق بالقاعدة والإنتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان ومليارات الرئيس صدام حسين وعائلته المكدسة في بنوك الغرب، وإستعداد شعب العراق لإستقبال الغزاة بالورود ومظلومية الشيعة، وغيرها كثير قد فضحت وفنّدت بأدلة مادية ووقائع ووثائق، فإن جهدا إضافيا مطلوب لكشف الحقائق ولتفنيد أكاذيب إستخدام حكومة العراق الشرعية برنامج النفط مقابل الغذاء للفساد والإفساد كما بدّعون، وكشف الحقائق عمّن كان الفاسد والمفسد والمجرم الذي إستخدم آليات البرنامج لنهب ثروات العراق وقتل المزيد من أطفاله.

إن توضيح هذه الحقائق مطلوب بقوة للأسباب الآتية :

أولا : لتثبيت حق شعب العراق بالتعويض عن كل الأضرار البشرية والمادية الناتجة عن حملة الأكاذيب هذه. فهذه الأكاذيب هذه ليست من نوعية (البروباغندا) الإعلامية التي تستخدمها الدول ضد بعضها أي إتهاما بإتهام وتلفيقا بتلفيق، بل كانت الأساس الذي إستندوا عليه لإطالة الحصار الشامل لثلاث عشرة سنة ولغزو العراق وإحتلاله. وترتب على الحصار والإحتلال أكبر جريمة إبادة عرفتها البشرية لحد الآن : أكثر من أربعة ملايين شهيد عراقي وخمسة ملايين مهجر وخمسة ملايين يتيم ومليوني أرملة وتدمير تام للبنى التحتية للعراق.

ثانيا : لإنصاف أصدقاء العراق من سياسيين وصحفيين وشركاء تجاريين الذين حاولت أمريكا وعملائها تشويه صورتهم.

ثالثا : فضح هذه الحكومة العميلة وأسيادها الأمريكان والإيرانيين أمام الرأي العام العالمي.

ثانيا : طبيعة وآليات برنامج النفط مقابل الغذاء :

خضع العراق منذ السادس من أب 1990 لنظام شامل للعقوبات , فقد جمدت العقوبات أرصدة العراق في الخارج ومنعته من تصدير أي شيء ومن إستيراد أي شيء عدا الغذاء والدواء في الحالات الضرورية التي توافق عليها لجنة العقوبات(أنظر قرار مجلس الأمن 661 في 6/8/19910). ونتيجة لهذه العقوبات الشاملة بدأت الأوضاع الإنسانية في العراق بالتدهور، بينما واصل مجلس الأمن بقيادة الولايات المتحدة تشديد العقوبات بذريعة إستمرار العراق حيازة اسلحة الدمار الشامل.

وفي عام 1995 بلغت مأساة الشعب العراقي جرّاء الحصار الشامل المفروض عليه ذروة خطيرة وصلت الى حدّ الإبادة الجماعية، مما أثار احتجاج المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، فإضطرت الولايات المتحدة لصياغة ما سمي ببرنامج النفط مقابل الغذاء من أجل إمتصاص غضب الراي العام العالمي وأيضا من أجل نهب أموال العراق. فقد نصّ القرار 986 (14/4/1995) ومذكرة التفاهم المؤرخة30/5/1996)الوثيقة S/1996/356) على أن يسمح للعراق بتصدير كميات محدودة من النفط وتوضع الواردات في حساب خاص في نيويورك تشرف عليه الأمم المتحدة وينفق 53% منه لشراء الغذاء والدواء والمواد الإنسانية الأخرى لشعب العراق وتستقطع الأمم المتحدة ال 47% الباقية وتنفقها على التعويضات ولجان التفتيش والمحافظات الشمالية الثلاث والنفقات الإدارية الأخرى. وقد صمم هذا البرنامج ليحرم العراق من إستلام أية موارد مالية نقدية لإعادة بناء مؤسساته الخدمية والصحية والتعليمية والثقافية والإقتصادية التي دمرها القصف والحصار، حيث صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك ساندي بيرغر قائلا : إن البرنامج لا يسمح للحكومة العراقية بالحصول ولا حتى على عشرة سنتات not even one dime)).

ولقد نصت إجراءات البرنامج الواردة في القرار 986 ومذكرة التفاهم المشار اليهما أعلاه على أن تتفق شركة تسويق النفط العراقية (سومو) مع مشتري النفط العراقي وتوقع العقود معها بشرط ان يكون سعر البيع بالقيمة المعقولة التي يحددها السوق. ويقوم خبراء نفطيون تابعون للجنة العقوبات بمراجعة العقود التي توقعها حكومة العراق فإن كانت متطابقة مع آلية التسعير يوافقون عليها ويشعرون لجنة العقوبات بالموافقة. وعند تنفيذ العقد تقوم شركة دولية (سايبولت الهولندية) بمراقبة تحميل شحنات النفط من مينائي البكر وجيهان. وبعد تحميل النفط يحول مشترو النفط ثمنه الى حساب العراق في مصرف في نيويورك تشرف عليه الأمم المتحدة. أما آليّة شراء المواد الإنسانية فتتم من خلال تقديم الحكومة العراقية قوائم بإحتياجات شعب العراق الإنسانية الأساسية وتسمى (خطة التوزيع) وتوافق لجنة العقوبات على خطة التوزيع، ثم تقوم حكومة العراق بتوقيع عقود شراء المواد الإنسانية مع الشركات المجهزة، وترسل الشركات المجهزة هذه العقود الى لجنة العقوبات من خلال ممثلياتها الدائمة في الأمم المتحدة. وتنظر لجنة العقوبات في هذه العقود فإن كانت متطابقة مع خطة التوزيع وأسعارها متوافقة مع الأسعار العالمية توافق عليها(سنتطرق لاحقا الى تعليق أمريكا للعقود لإسباب سياسية). وبعد موافقة لجنة العقوبات يجري تصدير المواد الإنسانية للعراق وتقوم شركة دولية (لويدز البريطانية ثم كوتكنا الهولندية) بفحص المواد عند دخولها للعراق للتأكد من أنها مواد إنسانية ثم تبلغ المصرف الماسك لحساب العراق بوصول المواد، ويقوم المصرف بتسديد قيمة العقد للشركة الموردة للمواد الإنسانية. وعند إستلام الحكومة العراقية للمواد الإنسانية في المنافذ الحدودية تقوم بنقل هذه المواد الى مخازنها تمهيدا لتوزيع المواد الغذائية على المواطنين ضمن البطاقة التموينية، وتوزيع الأدوية والمواد الإنسانية الأخرى على المستشفيات والمؤسسات الخدمية الأخرى، ويقوم مفتشو الأمم المتحدة بجولات ميدانية في أنحاء العراق للتحقق من أن جميع العراقيين إستلموا مواد البطاقة التموينية كاملة. كما تقوم الحكومة العراقية بتسليم حصة المحافظات الشمالية الثلاث من الغذاء والدواء الى مسؤولي الأمم المتحدة في هذه المحافظات لتوزيعها على السكان هناك.

ثالثا : كيف نفذت حكومة العراق برنامج النفط مقابل الغذاء :

كما هو واضح من الاليات التي اعدها الأمريكان بدقة، فإن الحكومة العراقية غير مسموح لها بإستلام أية مبالغ نقدية من عوائد هذا البرنامج، والعكس هو الصحيح فالحكومة العراقية تكبدت نفقات هائلة لتشغيل البرنامج أولها قيامها بإنتاج وتصدير النفط. ومعلوم أن كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط العراقي لا تقل عن دولار واحد، لكن الحكومة غير مسموح لها أستلام كلفة إنتاج النفط ناهيك عن كلفة إدامة منشآت إنتاج النفط وخطوط النقل وموانيء التصدير. وبالنسبة لعقود المواد الإنسانية فهي تتسلم أغلب هذه المواد في ميناء أم قصر وتقوم بنقلها الى مخازنها ثم توزعها على أكثر من خمسين ألف وكيل توزيع مواد البطاقة التموينية في أنحا ء العراق. ويقوم اسطول من آلاف الشاحنات التابعة للوزارات العراقية المعنية بإنجاز هذاه المهمة دون أن يدفع حساب العراق التابع للأمم المتحدة أي مبلغ لإنجاز هذه العمليات الأساسية.

ولقد صدر العراق ضمن هذا البرنامج ما بين كانون الاول 2006 وآذار 2003 ما قيمته 62 مليار دولار، لم يدخل خرينة العراق منها فلس واحد. ولإعطاء صورة عن تعسف الأمم المتحدة في هذا المجال، فقد رفضت الأمم المتحدة تسليم العراق السيارات والكومبيوترات المستعملة والفائضة عن حاجة مكتب برنامج النفط مقابل الغذاء في بغداد، وهي مشتراة بأموال عراقية، وقرروا تدمير الكومبيوترات القديمة وإبقاء السيارات القديمة في مقر البرنامج في فندق القناة حتى جاء الإحتلال ونهبت هي وكل ما في مقرات الأمم المتحدة.

ولقد وجه العراق العديد من الرسائل الى الأمين العام للأمم المتحدة مطالبا بإضافة كلفة إنتاج النفط وكلفة نقل وتوزيع المواد الغذائية والأدوية وكلفة خدمات ما بعد البيع الى نفقات البرنامج ودفعها الى حكومة العراق، ووافق أغلب أعضاء لجنة العقوبات على الطلب كونه مشروع وعملي، إلاّ أن ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا إستخدما حق الفيتو ورفضا هذا الطلب.

وإزاء إستمرار تدهور حالة المنشآت النفطية العراقة وتدهور حالة أسطول شاحنات نقل المواد الإنسانية، وإستمرار وصول معدات وقطع غيار إنسانية بدون خدمات ما بعد البيع، قررت حكومة العراق في أواخر عام 2000 أن تفرض مبلغا يتراوح بين خمسة الى عشر سنتات عن كل برميل نفط مصدر(وهو يمثل جزءا بسيطا من كلفة الإنتاج البالغة 100 سنت للبرميل الواحد) ونسبة 2%-%5 من قيمة عقود المواد الإنسانية كنفقات تشغيل وخدمات ما بعد البيع. ووافقت الشركات المستوردة للنفط والبائعة للمواد الإنسانية على هذا الطلب، وهكذا بدأت الشركات تدفع كلفة الإنتاج ونفقات التشغيل هذه بإتفاق ثنائي مع حكومة العراق وبعلم ومعرفة مجلس الأمن وأعضاء لجنة العقوبات. ولقد ناقش مجلس الأمن ولجنة العقوبات هذا الموضوع عدة مرات ولم يستطع المجلس منع الشركات من دفع نفقات التشغيل طالما أن هذه الشركات تدفع هذه النفقات من خالص أرباحها وطالما أن عقودها سليمة وقانونية.

وحسب تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، فيما يتعلق بمزاعم فساد وسوء إدارة في برنامج النفط مقابل الغذاء الصادر في تشرين الأول 2005، (سميت لجنة فولكر نسبة الى رئيسها الأمريكي الذي كان رئيس البنك المركزي الأمريكي) فإن 2200 شركة أجنبية من أكثر من أربعين بلدا دفعت لحكومة العراق 1,8 مليار دولار. وإذا صدّقنا أرقام تقرير فولكر على مبالغتها، فإن ما إستلمته احكومة العراقية من مبالغ عن كلف الإنتاج ونفقات التشغيل وخدمات ما بعد البيع تساوي أقل من 3% من موارد البرنامج.وهي ليست رشاوى أو عمولات بل حقوقا دخلت خزينة العراق وإستخدمت لغرض إدامة تشغيل البرنامج.

ومن جانب آخر، فإن حكومة العراق، شأنها شأن كل دول العالم، كان لها نظاما للأفضليات التجارية ولذلك اعطت للدول التي وقفت موقفا معارضا للحصار أفضلية على الدول الأخرى، كما فضلت الشركات الصديقة داخل الدولة الواحدة على غيرها. وهذا حق مشروع وجزء من صلاحية حكومة العراق بموجب القرار 986 ومذكرة التفاهم الموقعة بين العراق والأمم المتحدة والتي وافق عليها مجلس الأمن بالإجماع. لذا فالإدعاء ان حكومة العراق منحت (كوبونات نفط) أو عقود مواد إنسانية كرشاوى خلافا لإجراءات برنامج النفط مقابل الغذاء هو كلام باطل، وكل العقود التي وقعتها حكومة العراق كانت اصولية وبأسعار السوق السائدة ووافقت عليها الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية أعضاء لجنة العقوبات بالإجماع. ومبالغ عقود النفط ذهبت كلها الى حساب الأمم المتحدة ومبالغ عقود المواد الإنسانية صرفت كلها من حساب الأمم المتحدة. ولم يكن يسمح للعراق حتى بالإطلاع على تفاصيل حركة الأموال في حساب العراق في الأمم المتحدة رغم مطالباته المستمرة.

ومن الطبيعي أن تسعى الشركات التجارية لتدخل السياسيين أو الإعلاميين من بلدانها لتزكيتها لدى الحكومة العراقية من أجل منحها العقود، وهذه الممارسة معمول بها في كل أنحاء العالم. وهكذا كان سفراء روسيا والصين وفرنسا والهند وماليزيا وأندونيسيا وغيرهم كثيرون يطلبون من وزارة الخارجية العراقية إعطاء الأفضلية لشركات دولهم، وكان السياسيون والصحفيون الأردنيون، على سبيل المثال، يقترحون على حكومة العراق إعطاء الأفضلية للشركات الأردنية، وهكذا عمل نظراؤهم من الدول الأخرى، وتلك ممارسة مشروعة طالما أن عقود النفط والمواد الإنسانية سليمة وتخضع لقواعد الأمم المتحدة وتوافق عليها بالإجماع لجنة العقوبات. إن إتهام الولايات المتحدة سياسيين وإعلاميين من دول عديدة بالتوسط لشركات من بلدانهم هدفه الإنتقام من هذه الشخصيات التي رفضت إستمرار الحصار على العراق وسعت بكل ما أوتيت من قوة لتخفيف معاناة شعب العراق. كما أن من البديهي أن يسعى السياسي والإعلامي للترويج لمصالح بلده ومنها مصالحها التجاريه، وهذا شيء يحسب له وليس عليه. وجميع السياسيين الأمريكان تمول الشركات الأمريكية أنشطتهم وحملاتهم الإنتخابية، بل لا يمكن تصور وجود شخصية سياسية أمريكية بلا شركة أو مؤسسة إقتصادية تموله وتدعمه ويدعمها، ويكفي أن نضرب مثلا بعلاقة الرئيس الحالي بوش وأبوه بشركات النفط وعلاقة نائبهما تشيني بشركة هاليبرتون.

عندما وجّه الإتهام للشخصية الوطنية الأردنية فخري قعوار بتلقي كوبونات نفطية بقيمة مليون برميل، أجاب قائلا (ان هذه الهجمات تستهدف من يقف إلى جانب العراق وحريته ومن يرفض الاحتلال وأصحاب الموقف القومي.أنا إذا استلمت لماذا أنكر فانا لم استلم من شارون إنما من النظام العراقي وهذا امر مشرف وليس عيبا أو دليل على جاسوسية، وهو دليل على نظافة الموقف العربي. وعلى الرغم من انسجام موقفي القومي لكني لم استلم شيئا)

أما بشأن إدعاء أمريكا ان حكومة العراق كانت تهرب النفط خارج برنامج النفط مقابل الغذاء، فالعراق سعى فعلا لبيع نفطه مباشرة وذلك حق قانوني له ولا يجوز تسميته تهريبا كون الحصار الشامل المفروض على العراق هو الذي لم يكن شرعيا وإنتهك فقرات عديدة من ميثاق الأمم المتحدة وإعتبره فقهاء القانون الدولي جريمة إبادة جماعية منظمة وجريمة ضد الإنسانية. ولو لم تقم حكومة العراق ببيع ما إستطاعت من نقطها مباشرة للإنفاق على إدامة الخدمات التي تقدمها للمواطنين لتضاعف أعداد ضحايا الحصار مرات ومرات. ومما يكشف إزدواجية معايير أمريكا أنها كانت تغض الطرف عن بيع العراق النفط مباشرة الى تركيا والأردن بالشاحنات وبنفس الوقت تمنع السفن من تصدير النفط العراقي عبر الخليج العربي، حتى ان بعض أعضاء مجلس الأمن تندروا على هذه الإزدواجية في الموقف بقولهم: يحللون للعراق تصدير النفط بالشاحنات ويحرّمون عليه تصديره بالسفن.

رابعا : أين كان الفساد والإجرام الحقيقي في برنامج النفط مقابل الغذاء

لقد كان واضحا إن إدعاءات أمريكا عن وجود(كوبونات النفط) ورشاوى دفعت لحكومة العراق إنما هي محاولة لإخفاء الفساد وسوء إدارة أموال برنامج النفط مقابل الغذاء من جانب الأمم المتحدة ولإخفاء جريمة أمريكا في تعليق آلاف عقود المواد الإنسانية ومنها الأدوية المنقذة للحياة وبما مجموعه أكثر من خمسة مليارات دولار بدعوى إمكانية إستخدامها في تطوير برامج العراق لأسلحة الدمار الشامل التي إتضح فيما بعد أنها لم تكن موجودة أصلا. وتسبب تعليق عقود المواد الإنسانية في وفاة مئات الآلاف من المدنيين العراقيين أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ. ولم تعلق الولايات المتحدة عقود الغذاء والدواء فقط، بل علقت أيضا عقود قطع الغيار لمحطات توليد الطاقة الكهربائية وعقود معدات تنقية الماء وعقود الوسائل التعليمية والبذور المحسنة وسيارات الأسعاف. وربما يحهل البعض أن الولايات المتحدة علقت عقد تزويد العراق بشبكة الهاتف النقال مع شركة صينية، واجبرت الصين على سحب العقد. وهذه الواقعة الثابتة في سجلات الأمم المتحدة نسوقها للذين يقولون أن الرئيس صدام حسين حرم شعبه من الهاتف النقال وأن أمريكا هي التي أدخلت الهاتف النقال الى العراق.

أما شواهد سوء إدارة الأمم المتحدة لأموال العراق وحرمان شعب العراق من موارده فهي أكثر من أن تحصى، حتى أن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق البرنامج في العراق السيد هاليدي إستقال رافضا أن يكون شاهد زور على برنامج لم يستطع وقف تدهور الحالة الإنسانية في العراق. وكذا فعل السيد فون سبونيك الذي خلف السيد هاليدي في منصبه، وتحول الإثنان الى ناشطين ضد سياسة الإبادة الأمريكية إزاء العراق.

ومن مظاهر فساد هذا البرنامج أن نفقات تغذية كلاب إزالة الألغام المستوردة من جنوب أفريقيا كانت تعادل عشرة أضعاف حصة المواطن العراقي ضمن البطاقة التموينية، وان نفقات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل الوهمية أخذت من هذا البرنامج (الإنساني) نصف مليار دولار، وكما تندر أحد مسؤولي الأمم المتحدة قائلا (كان المفتشون ينفقون أموال العراق بحثا عن قطة سوداء في غرفة مظلمة ليس فيها قطة). وحتى (لجنة فولكر) أخذت ثلاثين مليون دولار من أرصدة البرنامج لتنجز تقريرا هو الأبعد عن الحقيقة، وهذا ما أكّده رئيس وزراء الهند بقوله (إن تقرير فولكر يفتقد الى الأدلة).

أما دور الطالباتي والبارزاني في تحويل أموال البرنامج من الأهداف الإنسانية الى مصالحهم ومصالح حزبيهم، فيكفي أن نشير الى حالتين وثقتهما الأمم المتحدة، فهذه (دولة) السليمانية كان المشرف على البرنامج فيها برهم صالح نائب رئيس الحكومة الحالية المنشأة في ظل الإحتلال. برهم صالح أجبر الأمم المتحدة على صرف الأموال المخصصة لبناء ملاجيء للنازحين الى بناء قصور له ولحاشية الطالباني. والقصور لا زالت موجودة في السليمانية. أما (دولة) أربيل فقد كشفت الأمم المتحدة وجود ستين ألف بطاقة تموينية مزورة يستلم البارزاني حصتها ويعيد تصدير موادها الى تركيا.  

ويمكن الإطلاع على تفاصيل أوفى عن سوء إستخدام الأمم المتحدة والولايات المتحدة لبرنامج النفط مقابل الغذاء في رسائل العراق الى مجلس الأمن وفي عرض وفد العراق في جلسة الحوار الأولى مع الأمين العام للأمم المتحدة في شباط 2001 وفي مداخلة وكيل وزير الخارجية العراقي الدكتور رياض القيسي أمام مجلس الأمن يوم 28 حزيران 2001(الوثيقة S/PV/4336 Resumption1).

ولا يفوتنا ان نشير الى أن الولايات المتحدة التي تدعي الحرص على أموال العراق هي التي أجبرت الأمم المتحدة على تحويل (11) مليار دولار كانت في حساب برنامج النفط مقابل الغذاء عند الإحتلال الى الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر، وأن هذه المليارات التي كانت مخصصة لشراء الغذاء والدواء لشعب العراق سرق بريمر جزءا منها وصرف الباقي على العملاء وعلى الميليشيات التي بدأت حملة فتك بالشعب العراقي منذ الإحتلال. المفتش الخاص بإعادة إعمار العراق ستيوارت باون اعترف في تقريره المنشور مجلة "تايم" الأمريكية يوم 7-2- 2005بأن 8،8 مليار دولار من أموال النفط مقابل الغذاء لم يعرف مصيرها. وأمريكا هي التي سمحت ولا زات تسمح بتهريب ما مجموعه نصف مليون برميل نفط يوميا من نفط البصرة الى إيران (أنظر الصفحة العاشرة من تقرير بيكر-هاملتون)، وسمحت لإيران والكويت بالإستيلاء على حقول نفط عراقية وإستغلالها، والحكومة المنشأة في ظل الإحتلال هي أفسد حكومة على وجه الأرض إختلس أعضاؤها خمسين مليار دولار من واردات النفط حسبما ورد من شهادات في برنامج بانوراما الذي عرضته البي بي سي البريطانية في تموز 2008.

خامسا : خاتمة

أمريكا الغنية والقوية سخرت كل إمكاناتها، مدعومة بالصهيونية العالمية وعملاء كثيرين، لتشويه صورة شعب العراق وإنجازاته وقيادته من أجل إعطاء شرعية زائفة لإحتلالها، وهذا ما أقره مؤخرا سكوت ماكليلان المتحدث الرسمي السابق باسم البيت الأبيض في كتابه الصادر هذا العام بعنوان (ماذا حدث: داخل البيت الأبيض لبوش وثقافة واشنطن في الخداع) حيث قال : (جرى تسويق حرب العراق من خلال الغش والخداع، وعبر كونجرس مذعور، وشعب كان لا يزال يترنح جراء صدمة الحادي عشر من سبتمبر).وكانت المقاومة العراقية سباقة في تدمير المرتكزات المادية للإحتلال، وذهبت الى أبعد مما تتمنى إنجازه أي حركة تحرر في العالم المعاصر، فهي لم تهزم جيوش أمريكا في العراق فحسب بل هزمت النظام الدولي الذي اقامته أمريكا، وهزمت مشروع الشرق الأوسط الكبير. إن المقاومة العراقية هي أنبل ظاهرة في زماننا وهي بارقة الأمل للإنسانية في هزيمة العدوان وبناء عالم يسوده السلام والعدل. أقول هذا وأدعو كل عراقي وكل عربي وكل إنسان شريف في العالم أن يبذل ولوعشر معشار ما تقدمه المقاومة من أجل هزيمة المشروع الأمريكي الصفوي في العراق بشكل نهائي، والمهمة ليست بالمستحيلة فالحقيقة قوية بذاتها والدفاع عنها شرف ما بعده شرف. إن الإدارة الأمريكية وكل من ساعدها على غزو وإحتلال العراق هم مارقون، وإن النظام القائم في العراق قبل الإحتلال كان وطنيا نزيها صادقا مع شعبه معاديا للإستعمار والصهيونية، إجتهد لخدمة العراق والأمة العربية والإنسانية وسجل صفحات ناصعة في تاريخ العراق والأمة والإنسانية، فدافعوا عن الحقيقة وإفضحوا العملاء.ومجدا لمن رفض الظلم ولو بكلمة وتعسا للمتخاذلين.

والله المستعان

 
منقول شبكة البصرة

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  06  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   09  /  تمــوز / 2008 م