الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

الفقه الميسر والفقه المعسر

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

يعيش عراقنا الحبيب منذ الغزو الأمريكي الصهيوني الإيراني اسود مرحلة تاريخية مرً بها في تاريخه القديم والحديث, ومهما اجتهدنا فإنها مرحلة لا يمكن أن تقارن بغيرها بما فيها الفترة المظلمة عام(656هـ) وهي تلك التي سادت فيها شريعة هولاكو وفرضت نفسها على الواقع العراقي, وهناك أوجه تشابه كبيرة بين الاحتلالين فكلاهما بدأ في شهر محرم وانتهى في شهر صفر, وانتهيا بقتل زعيمين إسلاميين وطنيين, وبمؤامرة سياسية رسمت خيوطها خارج حدود العراق, وبمؤازرة من قبل رجال الدين مثلها آنذاك شيخ الطائفة الطوسي وحاليا المراجع الذين وقفوا مع الغزاة ضد أبناء جلدتهم وقد كشف عنهم مؤخرا ب(36) آية عظمى يضمنهم المراجع الأربعة, وكذلك بخيانة سياسية مثلها آنذاك العميل الطوسي الذي سلم هولاكو مفاتيح بغداد, وفي الوقت الحاضر كافة العملاء ومن جميع الطوائف والمذاهب الذين وضعوا أيديهم بيد الغزاة لخنق الشعب العراقي, وكان تبرير الغزو المغولي بأنهم فاتحون والأمريكان محررون! وكانت النتائج متشابهة فقد تقلد العلقمي والطوسي الوزارة في زمن هولاكو, وتقلد العملاء والخونة في الغزو الأمريكي مقاليد القيادة في العراق, ودمرت دار الخلافة ومؤسسات الدولة, وأحرقت وأغرقت الكتب وسفكت دماء الأبرياء وطافت الجثث في دجلة بكلا الغزوين, ودنس شرف العراقيات عندما أبيحت البيوتات عشرة أيام لهمجية الغزاة الصفر وخمس سنوات للغزاة السود والشقر, وكان رجال الدين من وعاظ السلاطين يشكرون الله في خطبهم ومآذنهم قدوم هذا الفاتح الجديد ويدعون له بالتوفيق وأن يسكنه جنات عرضها السماوات والأرض أعدت للغازين وتغيرت التسمية من الفاتح إلى المحرر وكلاهما وجهان لعملة احتلال موحدة في أهدافها!

بمثل وسائل الزيف والخداع والتضليل والتمويه هذه تقرب وعاظ الاحتلال من السلطة, وبمثل هذا الرياء الديني نالوا الحظوة والمزايا فتحولوا من رجال دين إلى تجار مواعظ وخطب يتمسحون بمداس السلطان ويسجدون في محراب الذل والمهانة, تركوا الدين وانصرفوا للربح والكسب, مهنة لا تختلف عن بقية المهن سوى أن التجار معممين وبضاعتهم هي التملق والرياء والضحك على ذقون البسطاء الذين ابتلوا بجهلهم وحماقتهم ابتلوا بخضوعهم إلى سلطان رجال دين دجالين ينكحون تبارك وهو يتلون سورة تبارك! لا يعرفون الله إلا وقت الصلاة ويتفرغوا بعدها إلى شئون السياسة, لقد صنع السذج والحمقى والجهلة هالة مقدسة فوق رؤوس بعض رجال دين, هالة لا يستحقونها وحولوهم إلى أقدس من الرسل والأنبياء واشتطوا في تمجيدهم وتشبثوا بعصمتهم الموهومة وبركتهم الزائفة ونسبهم الضال وبحرهم العلمي الضحل بوطنيته وقدسيته, وأصبحت أخطاء رجال الدين حقائق وظلالهم وقائع وإتباعهم توابع يمشون ورائهم كالعميان ويفتحون لهم جيوبهم كالصبيان ليفرغوها تحت راية خمس آل البيت(ع).

كل بما لديهم فرحون هذه هي حكمة رجال الدين والمراجع وكل يبحث عما ينقصه في الأرض ولا تعني له السماء شيئا إلا بقدر تعلق الأمر بامتيازات الأرض؟ الأمة العربية تغلي والشعوب تتلظى بنار الاستبداد, والجوع يفرض خيمته فوق الأمة, والبلاد تنهب على مرأى العباد, والفساد يظلل الأرض الإسلامية, والدماء تسفك بلا هوادة في العراق وفلسطين, والعدوان يزداد جبروت وغطرسة, والحكام مفسدون في الأرض متواطئون مع المحتلين والطغاة, ورجال الدين أعتى من السحرة والدجالين فاقوا السياسيين حيلة ودهاءا وطغت الحزبية والمنسوبية والعشائرية والإقليمية على المواطنة والعروبة والقومية, وأصبحت هذه المفاهيم لا تختلف عن الهاونات في وقعها وإيقاعها على المحتلين والعملاء! تحول أعداء الأمس إلى أحباب اليوم, وتحول أعداء الدين إلى أصدقاء مخلصين, أصبح العدو من أبناء الملة والوطني هو المصيبة والعلة, تاهت الشروح في قاموس الكلمات, فالشرح ليس له علاقة بمدلول الكلمة, ليست أخطاء مطبعية بل أخطاء ضميرية وخطايا دينية تعمدها الطابع والناشر لتمر على من لا يقرأ السطور بإمعان وتروي!

أفلسنا من رجال السياسة قلنا لا يعرفون الله فلنذهب إلى مراجعنا الدينية عسى أن نجد عندها الجواب الناصح والدواء الشافي وتروي ظمأنا الشديد من بحر علومهم الواسع, فوجدنا كهوف القداسة تحولت إلى برلمانات وقاعات رئاسية, والرواد ليس من طلاب العلم والسؤال والحاجة, كلهم أصحاب امتيازات وكراسي ونواب ووزراء, فأقفلنا عائدين من حيث أتينا نجر أذيال الدهشة والعجب فنحن لا يعجبنا الإفطار في رمضان والصيام في رجب!

بحثنا عن غيرهم فرجال الدين ليسوا كأسنان المشط, فمنهم من ثبت على دينه وثوابته ومنهم من شط عن واجبه ومسئوليته, التفتنا يمينا ويسارا فكانت الواقعة أشد, لقد افرغوا الدين من محتواه, وتنصلوا عن مصائبنا وضحايانا بأمور عجيبة, فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان, فتوى تحلل للعاشقين تبادل القبلات من دون عقد شرعي, وفتوى تسمح بالتعاون مع المحتلين, وأخرى تسمح من الزواج الجماعي من الزينبيات, وفتوى تبيح للموظفة إرضاع الموظفين الذين يشاركونها المكتب أو الغرفة كي لا تحل عليهم, وفتوى تطالب بالركون إلى التقية وأخرى تجيز تناول الحشيشة, وفتوى تكفر من يدعي بكروية الأرض, وأخرى تسمح بتناول المرطبات التي تحوي القليل من الكحول, وفتوى تحلل قتل النواصب وأخرى تحلل قتل الروافض, ولكننا لن نجد بين ملفات هذه الفتاوى فتوى تسمح بقتال المغتصبين والمحتلين؟

أهرام من الفتاوى أمست أضعاف القرآن الكريم والأحاديث الشريفة, لم تبقى شيئا في الأرض أو في السماء أو البحر إلا تناولته, حتى الصلاة على القمر تحدثت عنها, ولكنه تتجاهل الحقائق على الأرض وتراوغ عندما يتعلق الأمر بالجهاد ضد الأعداء والمغتصبين! وهل مقاومة العدوان والاحتلال حق كما تقول الشرائع أم إنها أوقفت لغاية في قلب يعقوب أو العم سام وبني صهيون! لقد تحولوا رجال الدين من دواء إلى داء, ومن الحل إلى المشكلة, ومن بلسم إلى علة وأمسوا سندا للمعتدين والطغاة والمارقين والعملاء والمندسين ضد أبناء جلدتهم!

في سوق الفتاوى ينتشر تجار الموعظة والفضيلة ليسوقوا فتاويهم التالفة على السذج والمغفلين, حاشرين أنوفهم المزكومة حتى في علاقات الآخرين الزوجية, وانتشرت بقالات وعاظ السلاطين ومكاتبهم في كل مكان, وراحت القنوات الفضائية تغذيهم بمشاكل العصر ليفتوا بشأنها, وأمست نانسي عجرم وهيفاء وهبي واليسا من محاور الفتاوى المهمة ويصرخ رجل الدين أمام فتنتهم مناجيا الله في عليائه" اللهم حصرم نسائهم وعجرم نسائنا ووهبنا من رحمتك امرأة هيفاء كبنت وهبي"!

في سوق الفتاوى العراقية فأن الأمر يختلف عن بقية الدول العربية والإسلامية فالغزو الأمريكي شجع على فتاوى من نوع آخر تخدم سياسته في تسكين الرعية وكبح جماح ثورتهم وانتفاضتهم ضد العدوان, ففريضة الجهاد أوقفت لعدم توفر شروطها فالعراق والحمد لله لم يمتلأ بعد حسب فقه رجال الدين والمعممين جورا, لكي يظهر له من يملئه عدلا, قتل مليون وتشريد أربعة ملايين وقصف الناس الأبرياء وانتشار فرق الموت والميليشيات الإجرامية وسرقة البلاد وسبي العباد وانتشار الإمراض والفساد وبيع الأجساد البشرية وانتشار المخدرات وكثرة أولاد الزنا بتحليل المتعة, وانتشار الأمراض الجنسية بسببها, واغتصاب النساء والأطفال وأئمة الجوامع في سجون الاحتلال وحكومة الذل, واحتلال بيوت الله وحرقها وتدميرها وتدنيس القرآن الكريم وانتشار الفساد المالي والاجتماعي, كلها لا تستوجب الجهاد؟ عندما تتجاوز الشرور والمفاسد الركب, فهذا أمر طبيعي من وجهة نظر مراجعنا الكرام! وعندما تصل إلى الصدور فهناك أمل! وعندما ترتفع فوق الرؤوس والهامات ويغرق الجميع! يستوجب عندها السماح بالجهاد؟ والمشكلة أن الغريق لا صوت له؟ فمن سيصرخ ومن سيسمع؟ ومن سيلبي؟

هذه المصائب لا تستحق فتوى؟ لكن الصلاة على القمر تستحق فتوى! وإرضاع موظفة لموظفيها كي تتدارك شهوتهم وتمكنها من حق الخلوة بهم تستحق فتوى؟ ولم تفصل الفتوى فيما إذا كانت الرضاعة مشبعة من عدمه؟ وكم مرة يرضع الموظف من صدر زميلته كي تحرم عليه أو بالأحرى تصبح بمثابة أمه!

في العراق الحبيب بسبب انتشار الجهل والفوضى والطائفية والعنصرية التي حطت مع الركب الأمريكي في العراق, وتوسع ظاهرة عبادة نجوم الفتاوى من المراجع الدينية, فأن الفتاوى اختلفت عما هي عليه في بقية الدول لتأخذ منحى خطرا, فبالإضافة إلى فتاوى التكفير وجواز سب الخلفاء والصحابة وزوجة النبي (ص) عائشة, وفتاوى تحلل قتل الروافض وأخرى قتل النواصب, ظهرت في الأفق الأحتلالي فتاوى تفتح الأفواه عجبا ودهشة, منها فتوى تحرم المخللات, وأخرى تحرم صناعة اللبن, وفتوى تبيح قتل الخبازين والحلاقين؟ وفتوى تبيح قتل أصحاب محلات تصليح الإطارات المثقوبة بحجة أنه لا يجوز حبس الهواء الذي أتاحه الله لجميع البشر في" كومبريسر" وفتوى تسمح بتناول الحشيش مرجعها حديث مختلق للأمام الصادق(ع) وهي جريمة كبرى بحق آل بيت النبوة! وفتوى تسمح للزينبيات بأن يعاشروا عدة رجال معا بالمتعة لانشغالهم بحروب الأمام عجل فرجه ولا بد من ترويحهم كأنهم يحاربون خارج حدود دولتهم آلاف الأميال وبعيدا عن نسائهم! وفتوى اشد غرابة تخص باعة الخضروات حيث لا يجوز جمع "الخيار" مع " الطماطم" معا على نفس البسطة, على اعتبار أن الخيار يمثل الذكورة, والطماطم تمثل الأنوثة وان جمعهم يعتبر زنا على طريقة المعابد الهندية القديمة! والويل كل الويل للمطاعم أن جمعتهم معا في خلوة تحت ما يسمى بالسلطة, ولكن يجوز أن يكون بينهما محرم وهو البصل والخس والزيتون والخضراوات الأخرى!

يعني وفق هذه الفتاوى فأن تناولك وجبة طعام فيها الطماطم والخيار معا وتغميسهما بالخل, مع قرص خبز وقدح من اللبن ستؤدي بك إلى الدرك الأسفل من النار؟

بمثل هذه الخزعبلات يضيعون على المسلمين قضاياهم الحقيقية والمصيرية, ويلتفون على الدين وعظمته ويخرجونه من عليائه بما يخدم أغراضهم الخسيسة.

آن الأوان لكنس هؤلاء الوعاظ ممن يتخذ من العمامة غطاءا يخفي فيه شياطين وأبالسة, وآن الأوان ليستفيق الناس البسطاء من أحلام هؤلاء المنتحلين الذين يتخذونهم مطايا للوصول إلى مآربهم الدنيوية, لنجرب عام واحد فقط نحرمهم الخمس والنذور والعطايا وستكون النتيجة أقوى وأبلغ من كل الفتاوى!

 

Alialkash2005@hotmail.com

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                           الاحد  /  06  جمادي الاول 1429 هـ   ***   الموافق  11  /  أيــــار / 2008 م