الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

حل جيش العراق : قرار صهيوني أتخذ قبل شن الغزو

 

 

شبكة المنصور

الدكتورأيمن الهاشمي  / كاتب أكاديمي عراقي

 

مرة أخرى يحاول بول بريمر أن يدافع عن قراره سيئ الصيت بحل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية العراقية عقب غزو العراق، والذي إنقلب وبالا على الغزاة، إذ ظهر بريمر على قناة الجزيرة يوم الجمعة 3 أبريل الحالي وهو يكرر ماسبق أن قاله من أنه لم ينفرد بالقرار بل تشاور فيه مع القيادة الأميركية قبل إتخاذه، وإن هذا القرار أتخذ بعد موافقة الرئيس جورج بوش عليه، وكرر بريمر أقواله السابقة من أن هذا القرار كان صائبا، مدعياً بأن الجيش العراقي كان أداة قمع بيد النظام السابق!. والمعلوم أن بوش إختار بريمر بدلا من الجنرال جاي غارنر ليكون حاكماً على العراق، وقد شكل بريمر ما سمي بمجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي يتكون من 25 عضوا، لكنه إحتفظ لنفسه بحق (الفيتو) على قراراته. وقد سعى بريمر منذ تقلد مهام منصبه إلى حل الجيش العراقي، وحل حزب البعث ومنع كبار مسؤوليه من شغل مناصب حكومية، وألغى عدة وزارات ومؤسسات عراقية منها وزارة الدفاع ووزارة الأعلام وأجهزة الأمن والشرطة والمخابرات والأمن الخاص، وأعلن أنها غير شرعية.

صحيفة «نيويورك تايمز» كانت قد نشرت قبل عام تقريرا كشفت فيه ان قرار بريمر بحل الجيش العراقي قد أتخذ بشكل إنفرادي دون التشاور مع القيادة الأمريكية!! لكن بريمر كذّبَ التقرير وأكد أن القرار أتخذ قبل بدء الغزو، كما أوردت «نيويورك تايمز» في تقريرها أن بوش عندما عقد اجتماعا لمجلس الامن القومي في 22 مايو 2003، أدلى مبعوثه الخاص في العراق "بريمر" ببيان عبر دوائر الفيديو المباشر من العراق أدهش الكثيرين من المشاركين في الاجتماع حيث أبلغ الرئيس ومعاونيه بأنه بصدد اصدار مرسوم بحل الجيش العراقي رسميا وفعلا صدر القرار في اليوم التالي، ويظهر خطاب آخر رد بوش على بريمر في اليوم التالي مباشرة حيث يقول فيه: "قدرتك على القيادة واضحة تمامًا فالتأثير الذي تركته بسرعة إيجابي وقوي. إني أؤيدك وأثق فيك بشكل تام". وقالت الصحيفة إن الخطوط العريضة لهذا القرار باتت معروفة الآن بشكل كبير حيث يدافع أنصاره بأنه كان ضروريا لضمان عدم بقاء اي نفوذ لصدام بعد الاطاحة به من السلطة. لكن الصحيفة قالت انه مع قرب حلول الذكري الخامسة لبداية الحرب، كشف بعض المشاركين في ذلك الاجتماع في مقابلات مع الصحيفة عن أول رواية مفصلة ومسجلة لهذا القرار الذي اعتبر علي نطاق واسع أنه أحد أهم وأخطر أسباب استمرار الحرب في العراق، والذي هاجمه المنتقدون علي أساس أنه أدى لاستمرار مواجهة القوات الامريكية لعصيان مسلح متزايد بقيادة الضباط العراقيين الذين كانوا يقودون معظم الجيش. وقالت الصحيفة إن الرواية التي ظهرت من هذه المقابلات ومن خلال الاطلاع علي وثائق لم تعلن من قبل توضح أن مرسوم بريمر جاء مناقضا لخطة سابقة كان تقضي بأن يستمر الجيش العراقي في المساعدة في تأمين وإعادة بناء البلاد وتمت الموافقة علي هذه الخطة في اجتماع لكبار مسؤولي البيت الابيض عقده بوش قبل عشرة اسابيع فقط. لكن مصادرعراقية مطلعة من داخل من كانوا يسمون بالمعارضة العراقية أكدت أن ورش العمل التي اقامتها الخارجية الامريكية قبل الحرب لوضع خطط إدارة عراق مابعد الغزو، تضمت ورشة خاصة بمستقبل الجيش شارك فيها ضباط منشقون ناقشت بشكل تفصيلي مستقبل الجيش العراقي وفيما إذا كان سيتم حله أم سيبقي عليه مع تحديد حجم القوات ومستوي التسليح وأماكن انتشاره. وأضافت المصادر أن خلافات نشبت أثناء المناقشات في الورشة بين بعض الضباط السابقين وعلى رأسهم العميد نجيب الصالحي الذي كان لاجئا حينها في الولايات المتحدة والذي كان مرشحا أن يلعب دورا بعد الغزو، وبين ممثلي البشمركة الكردية والأحزاب الشيعية الذين كانوا يصرون على أن يحل الجيش، خشية من ان يستخدم في معارك مستقبلا ضد الأكراد والشيعة إذا ما اندلع القتال بينهم وبين أي حكومة عراقية قادمة.

وقالت «نيويورك تايمز»:"إن المقابلات توضح أن قرار بريمر الذي وافق عليه الرئيس بوش في اجتماع 22 مايو، اتخذ دون مشاورات شاملة داخل الحكومة ودون استشارة وزير الخارجية أو قائد الجيش الامريكي في العراق." ونقلت الصحيفة عن كولين باول وزير الخارجية في ذلك الوقت والرئيس السابق لهيئة الاركان المشتركة للجيش الأمريكي إنه لم تتم استشارته بالقرار، وأنه كان في باريس عندما عقد اجتماع يوم 22 مايو. وأشارت الصحيفة إلي أن الرئيس بوش عندما اجتمع مع كبار معاونيه في مجلس الامن القومي قبل الغزو في مارس 2003، قدمت له خطة امريكية واضحة بشأن ما سيجري عمله تجاه القوات المسلحة العراقية. وأوضحت الصحيفة أنه بموجب تلك الخطة كان يتعين نزع سلاح وحدات الحرس الجمهوري وتفكيكها واحتجاز أفرادها، أما بقية الجيش فكان من المقرر أن يتم الاحتفاظ بوجوده.

الاخضر الابراهيمي مبعوث الامين العام للامم المتحدة الى العراق من جهته أيضاً اكد في تصريح صحفي ان قرار حل الجيش العراقي كان قراراً كرديا شيعيا، في مقابلة مع مجلة "نيشن" الأمريكية قال: "إن واشنطن دمّرت العراق وحطمته وسلمته لقمة سائغة لايران واتباعها، وإن سياسة الولايات المتحدة في العراق هي سياسة عَفِنة، وإن الإعداد لغزو العراق بدأ مبكرًا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وإن اجتماعًا كبيرًا عقد في وزارة الدفاع الأمريكية يوم 17/9/2001م، كان مخصصًا للعراق وليس لأفغانستان، وأن أحد المشاركين في الاجتماع قد أبلغه بذلك.

دوجلاس فيث، كبير مساعدي وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد قدم خلال اجتماع يوم 12 مارس 2003 أي قبل ثمانية أيام من بدء الغزو، عرضاً مفصلاً ينص على نزع سلاح واعتقال وحل قوات الحرس الجمهوري الأكثر ولاءً لصدام. وأكد فيث أن بريمر هو الذي أطلق فكرة إصدار قرار رسمي بحل الجيش العراقي وقال كانت فكرة بريمر الأولى فكرة مهنية تنص على تقليص حجم الجيش العراقي، وانه لن تكون لديه مهمة أمنية داخلية، أو أن يكون له دور رئيسي في السياسة العراقية. بريمر قال لاحقاً للبي بي سي إنه لا يتذكر من كان أول من اقترح فكرة حل الجيش العراقي، لكنه اعترف بأنه ومساعده والتر سلوكومبي أيدا الخطـوة. وأوضح انه بعث إلى رامسـفيلد في 9 مايو بنسخة من قرار حل الجيش، مضيفاً أن رامسفيلد وافق عليه لاحقاً. وتابع بريمــر إنه في اليــوم ذاتــه الذي ناقش فيه القرار مع مجلس الأمن القومي، لم يسمع أي اعتراض عليه، وأن بوش بدا راضياً ولم يتحدث أي مسؤول آخر عنه.

في الكتاب الذي ألّفه "روبرت دريبر" بعنوان (واثق تماما.. رئاسة جورج بوش) الذي يستند إلى ستة أحاديث أجراها الكاتب مع بوش، قال الرئيس الأمريكي: "إن الخطة التي تمت الموافقة عليها وهي الاحتفاظ بالجيش العراقي لم تتحقق". وأشار إلى أن نائب قائد القيادة المركزية وقتها الجنرال جون أبــي زيد كان يريد الإبقاء على الجيش العراقي. وقال لمساعديه إن الجيوش العربية ضخمة وهي لازمة لإحتواء الشباب الغاضب!. مراسل البي بي سي للشؤون الدولية بول رينولدز قال: إن هذا ما هو إلا حلقة جديدة من مسلسل الخلافات بين كبار مسئولي الإدارة الأمريكية بشأن السياسة المتبعة في العراق، ويضيف أن لا أحد يريد أن يكون مسؤولاً عن قرار حل الجيش العراقي بعد الغزو مباشرة وما ترتب عليه من اتساع لنطاق "التمرد. وبرغم ما حظيت به واشنطن من شرعَنة لاحتلال العراق (من قبل مجلس الأمن)، فإن ذلك كله لا يعطيها الحق بحرق كل ما قالت به بشأن إعادة إعمار العراق لتنشئ قولا آخر، بل فعلا آخر يرشح منه سعيا مدبرا لإعادة تأسيس الدولة العراقية طبقا لمواصفات أميركية. وبذلك تتكشف الأهداف الحقيقية للحرب، في أن العراق دولة وجيشا ونفطا وثقافة وشعبا وعلما هو المستهدَف وليست تحرير الشعب العراقي من هذه الدكتاتورية. ولا يمكن فهم القرار بحل الجيش العراقي دون التمحيص في مفردات الإستراتيجية الأميركية ذاتها التي تعتبر إسرائيل بؤرة مصالح مركزية لها يجب أن تتضافر السياسات الأميركية لتأمينها من أي خطر محتمل.

في هذا السياق يمسي حل الجيش العراقي قرارا (إسرائيلياً) بالنيابة يحرر الإسرائيليين من آخر منطقة خوف أو إقلاق كان يمثلها أقوى جيش عربي متمرس، يأتي حله بمثابة ضربة قاضية للتوازن الإستراتيجي بين العرب وإسرائيل، ولو بأضعف صوره. وفي صميم دلالات هذا القرار أن يتحول العراق إلى دولة ضعيفة (تقع بين خصمين عنيدين وقويين: إيران وتركيا) ستدفعها ضرورات الأمن الخارجي إلى ضرورة طلب الحماية الأميركية.

إن غياب الجيش العراقي من حيث كونه قوة توازن اجتماعي وسياسي وأمني سيؤدي بالضرورة إلى سيادة البعد الفئوي الذي سيغري التيارات المسلحة على تأكيد حضورها في الميدان السياسي بثقل قوة السلاح الذي تملكه، لاسيما وأن سلطة الاحتلال أجازت للقوى الكردية في كردستان الاحتفاظ بأسلحتها الثقيلة. وفي ذلك - مهما كانت المبررات- تغليب (في عوامل القوة) لطرف عراقي على آخر، مما يدفع بالأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد والعلاقات بين التيارات إلى منطقة خلافية من الخطورة على الوحدة الوطنية والتوازنات المطلوبة الاضطرار إلى التورط في ولوجها، لأنها نفقٌ آخر لا ضوء في نهايته. لقد كان قرار حل الجيش العراقي مؤامرة متقنة دبرت بليل وبنفس صهيوني صريح للتخلص من جيش اقض مضاجع الصهاينة وكان حاضرا على الدوام في سوح المنازلات العربية.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                          الاربعاء  /  03  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  09 / نيســـــــان / 2008 م