الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

عرض كتاب
قبل أن يغادرنا التاريخ
للفريق الركن رعد مجيد الحمداني
قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الثاني (الفتح المبين)

الحلقة الثانية

 

 

 

 

شبكة المنصور

د. صباح محمد سعيد الراوي / كييف – أوكرانيا

 

وجها لوجه مع الصهاينة في مرتفعات الجولان عام 1973

 

يتحدث الفريق رعد عن حرب تشرين التي خاضها الجيش العراقي العظيم إلى جانب الاشقاء السوريين، وطبعا كما قلت في التوطئة، إن حديث الفريق مفصلا، ولكن أنا لخصت أهم ما ورد في مجريات تلك الحرب...

 

يقول الفريق رعد:

 

كان صيف عام 1973 ساخنا جدا نتيجة لاستمرار الصراع السياسي والعسكري مع اسرائيل التي دأبت منذ نشوئها عام 1948 على احتلال المزيد من الأراضي العربية، علاوة على اغتصاب فلسطين برمتها، وكانت هناك شعارات واستعدادات لحرب تحرير كبرى حسب ما يعلن، وفي الشهرين السابقين للحرب كان هناك شيء من استعراض القوة، إلا أن سقوط طائرات سورية من نوع ميغ بالكامل في معركة جوية فوق بحيرة طبريا دون إسقاط طائرة إسرائيلية واحدة كان مؤشرا غير سار للعرب في بداية خريف ذلك العام.

 

كنت أنذاك أنتسب إلى كتيبة الدبابات الثالثة – لواء المشاة الآلي الثامن – الفرقة المدرعة الثالثة، حيث كانت الكتيبة مدربة تدريبا جيدا، وكان للوائنا تاريخ عريق، وهو القوة البرية العراقية الوحدية التي شاركت في حرب عام 1967، وكنا نعسكر في منطقة الورار غرب الرمادي بحوالي عشرة كيلو مترات.

 

بعد ظهر يوم 6/10/1973 استمعنا من الاذاعات عن نشوب حرب كبرى بين العرب والاسرائيليين على الجبهتين السورية والمصرية، وأن اخواننا قد عبروا قناة السويس وحطموا اسطورة خط بارليف الدفاعي في الجبهة المصرية، وأن اخواننا السوريين قد اخترقوا المرتفعات السورية المحتلة التي تسمى الجولان أي خط آلون الدفاعي، وهناك احتمال بأن يفتح الملك حسين جبهة الاردن، إلا أن ذلك لم يحصل.

 

في الساعة العاشرة من يوم 7/10/1973 استلمنا الأمر الانذاري للتهيؤ للقتال على الجبهة السورية أو الاردنية – إذا اندلع فيها القتال – غير أنه كان هناك معضلة تأمين ناقلات للدبابات حيث كان عددها لايكفي إلا لنقل لواء مدرع واحد، وقد خصصت للواء المدرع الثاني عشر من فرقتنا المعسكر شمال تكريت، كما كانت هناك معضلة أخرى تمثلت بأن اللواء المدرع الثاني عشر كان قد بدأ باستلام أعتدته من مخازن عتاد الحبانية حيث زاحمنا في ذلك، إلا أنه كان هناك أملا بوصول سرية ناقلات أردنية لنقل كتيبتنا.

 

شرع لواؤنا بقيادة المقدم الركن محمود وهيب المجهز بعجلات قتال نوع (M-113) التي دخلت الخدمة في جيشنا عام 1963 بالتنقل على طريق الانبار – الكيلومتر 160 – الرطبة – الحدود الدولية مع سورية والاردن... وكان آنذاك طريقا رديئا للغاية بعرض 7 أمتار يتخلله العديد من الحفر والكثبان الرميلة..... مستغلا خفة هذه العجلات وسرعتها إلا أن مسافة 1000 كم التي كانت تفصل عن الحدود الشرقية لفلسطين المحتلة كانت معضلة كبيرة تؤثر على القدرة القتالية والفنية للعجلات، وكان المطلوب من كتيبتنا المباشرة بالتنقل لمسافات محدودة باتجاه الكيلومتر 160 لحين وصول الناقلات الاردنية، في ظل هذه الظروف استبدل آمر الوحدة الرائد عبد القادر بآمر جديد هو وليد محمد صالح التكريتي، ولم يبدو هذا التغيير سهلا لا عليهما ولا علينا كمقاتلين، لأن الفهم والمعرفة المتبادلة لخصائصنا كان مهيمن جدا من الناحية المعنوية في العلاقة ما بين الآمر ومرؤوسيه.

 

ومنذ يوم 9/10/1973 بدأت الناقلات الاردنية برفع سرايانا، ثم عززن بعدد من الناقلات العراقية، إلا أنها كانت من النوع القديم والبطيء الحركة، وكانت لنا وقفة في مفرق الطريق المؤديـة الى الحـدود السـورية الاردنيــة بمسـافة 90 كم، وقد كلفني آمر اللواء بالذهاب الى قاعدة H3 الجوية لمعرفة اتجاه الحركة حيث كنا ننتظر تحديده من قبل المقر الاعلى، حيث وجدت رسالة من رئيس أركان الجيش الفريق الركن (البطل العراقي العظيم) عبد الجبار شنشل تنبيء لواؤنا بالتوجه الى الجبهة السورية للقتال لأن الاردن اعتذر عن فتح جبهته لعدم استعداده للحرب، وقال بأنه سيبعث باللواء 40 المدرع للمشاركة بالقتال على الجبهة السورية، فانطلقنا بسرعة نحو الحدود السورية، وكانت لنا وقفة في منطقة ابوالشامات السورية للتزود بالوقود والاستراحة، ثم باشرنا التحرك نحو دمشق، فدخلنا أطرافها الجنوبية الشرقية عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل يوم 12/10/1973 وكانت مظلمة نتيجة التعتيم، إلا أن القمر كان بدرا، وكانت القوات الشعبية والشرطة العسكرية تؤمنان الدلالة لنا باتجاه الجبهة حيث شعرنا أن فرصتنا للمشاركة في القتال ما تزال قائمة وأن ذلك سيحدث بعد تنقل قليل، وليس كما خمنا بأننا سنقاتل في فلسطين، وقد بدا ذلك من خلال نداءات الأدلاء ذوي اللهجة الشامية (الحقوا شرفنا...... الله يعطيكم العافية... اسرعوا..... الاسرائيليين اقتربوا منا...

 

في قطنا، حدد السوريون اتجاه تقربنا نحو العدو حيث انحرفنا جنوبا على طريق دمشق – الكسوة – الصنمين – الشيخ مسكين، ثم انحرفنا من الصنمين غربا باتجاه قيطة تل عنتر – تلول المال – تل الشعار، وكان اللواء الثاني عشر المدرع بقيادة المقدم ركن سليم شاكر الامام ولواؤنا قد ضربا مركز قيادة العدو يقيادة الجنرال لاتر، حيث توقف الاندفاع المدرع المعادي باتجاه الكسوة – دمشق، حيث احتواه الهجوم العراقي الصاعق من الجناح الايمن، فقد كانت تدور هناك معركة دبابات كبيرة... وكان أول واجب لكتيبتنا ناقص السرية الاولى المشتركة في المعركة هو مهاجمة الجناح الايسر باتجاه تل الحارة لمنع الالتفاف على قواتنا من ذلك الاتجاه، في الوقت الذي شاهدنا فيه تراجعا غير منظم من قبل القوات السورية التي قاتلت ولاشك ببسالة في الايام الاولى من الحرب حيث تمكنت من خرق معظم مواضع الاسرائيليين بأعماق مختلفة، وتمكن لواء مدرع منها من الوصول الى بحيرة طبريا، وبعض المستعمرات الشمالية، إلا أن التعرض المقابل أرجع القوات الى الخلف......

 

واستمرت ألوية مدرعة اسرائيلية باندفاعها على محور القنيطرة – تل الشعار – مفرق سعسع – الكسوة – دمشق مستهدفة تهديد العاصمة وعزل القطاع الجنوبي من الجبهة السورية بكامله اذا ما استطاعت بعض القوات الاسرائيلية المتقدمة على المحور أعلاه من قطع طريق دمشق – شيخ مسكين – درعا في منطقة غباغب، إلا أن هجومنا الذي ضرب الجناح الايمن للاسرائيليين في منطقة تل الشعار – تل العدسية – تل الحارة أوقف التعرض الاسرائيلي المقابل في الوقت الذي وصلت فيه قطعات الاستطلاع الاسرائيلية مفرق سعسع وكناكر...... فجرت معركة تصادفية (خصم يصادف خصمة وهما في حالة الحركة) لقواتنا مع الاسرائيليين في هذه المنطقة تكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة، إلا أن خسائر الجانب العراقي كانت بسبب الطيران الاسرائيلي الذي لعب دورا في المعركة، لكنه في المقابل تكبد خسائر أيضا، وخسائر جسيمة نتيجة فعالية أسلحة الدفاع الجوي السوري، وعلى الاخص منها منظومة صواريخ (كافدرات).

 

في يوم 14/10/1973 كثف العدو من غاراته الجوية، وبدأ بفتح ثغرات بجدار الدفاع السوري المدعوم بعناصر من الاختصاصيين السوفيات الذين كانوا يرتدون ملابس الجيش السوري... وقد تمكن العدو بفعل الغارات الكثيفة من استعادة جبل الشيخ من القوات الخاصة السورية وعلى ما يبدو كان العدو قد صمم على تدمير القوات العراقية لخطورة تأثيرها على الجبهة..... حينها علمنا باستشهاد آمر كتيبة دبابات قتيبة الرائد الركن عبد الهادي الراوي..... الذي تقدم غاضبا بدبابته مسرعا نحو دروع العدو ليثبت لآمر لوائه سليم شاكر الامام أن عزيمته لم تخر حينما اشتدت عليه نيران العدو الذي تسبب في تدمير عدد من دباباته ومن دبابات كتيبة المعتصم بقيادة الرائد الركن زهير قاسم شكري، ومن دروع الفوج الآلي بقيادة المقدم الركن حازم الجنابي....... كذلك تكبد لواؤنا خسائر غير قليلة..... وكان الفوج الاول منه بقيادة المقدم الركن عبد الكريم الحمداني، بينما كان الفوج الثاني بقيادة الرائد الركن كريم شاكر الامام، أما الفوج الثالث فكان بقيادة الرائد الركن حكمت عبد القادر، ومع الخسائر في الدبابات التي تكبدتها قواتنا إلا أن الروح المعنوية لكل قواتنا كانت عالية جدا....... وقد لفت انتباهنا هدوء ورباطة جأش القوات السورية رغم خسارتها لكل مكتسباتها الاولى في بداية الحرب.

 

ليلة 15 - 14/10/1973 أعدت قرفتنا خطة للهجوم على قوات العدو لتدميرها ودفعها خلف خط تلول المال – كفر ناسج – تل الحارة، أكملنا استطلاعاتنا واستحضاراتنا قبل الساعة 13:00 يوم 15/10/1973 على أن نشرع بالهجوم عند الساعة 15:00 من نفس اليوم، إلا أن هجومنا تأخر لأكثر من ساعة لعدم اكتمال حشد بعض وحداتنا على الحافة الشرقية لعارضة تل عنتر ذات الاهمية التعبوية حيث أمن لنا ارتفاع هذا التل والبالغ 92 م رصدا جيدا لساحة المعركة خلال فترة الاستطلاع.... ولقد لفت انتباهي على بعد أمتار منا ضابط الرصد المدفعي المخول للفرقة المقدم سالم الحاج عيسى وهو يقوم بتسجيل أهداف الهجوم برصد قنابل الدخان يقابله ضابط رصد اسرائيلي وهو يقوم بنفس المهمة ضدنا.....

 

ثم فجأة انقضت طائرة اسرائيلية من نوع سكاي هوك بيضاء اللون علينا ورشقتنا بصليات متتالية من مدافع رشاشاتها، فقفزت أنا ورفاقي من عجلة الاستطلاع نوع ( بي أر دي ام) التي كانت تقلنا وهي تسير بسرعة، ونجونا من موت محقق إلا أننا أصبنا بكدمات نتيجة تدحرجنا العنيف على السفح، ثم واصلنا سيرنا نحو وحداتنا، وقبيل شروعنا بالهجوم سألت صاحبي الملازم عصام وكنا جالسين على كوم من الصخور السوداء الصغيرة لماذا لم تستطلع معنا؟ أجابني وهو مطرق الرأس: فيكم البركة... ثم استدرك قائلا: أنا أوصيت الدكتور منير – وقد كان والدكتور من سكنة الحلة – إذا استشهدت فعليه اعادة جثتي الى اهلي وأن يقبل بدلا عني ولدي رائد، فقلت له: دعك من هذا.. الاعمار بيد الله...

 

ثم يتحدث الفريق عن معركة حامية الوطيس بالدبابات دارت بين الجيش العراقي والقوات الاسرائيلية، ابلى فيها رجال الجيش العراقي بلاءا حسنا رغم ان الصهاينة هاجموا بالطائرات أيضا... وقد استمرت المعركة حتى منتصف الليل... كان كل واحد من رجال الجيش العراقي يعتقد أنه الناجي الوحيد لشدة ضراوة تلك المعركة..... ثم بدأ الجيش العراقي يعيد تنظيم وحداته الفرعية (الفصائل والسرايا) رويدا رويدا منذ ساعات الفجر الاولى في جو قارس البرودة.... وقد حدثت اشتباك قريب جدا بين الدبابات العراقية والدبابات الصهيونية...

 

ويذكر الفريق رعد موقفا حساسا جدا نتيجة الظلام أثناء المعركة، وهو أن الملازم علي زيدان من السرية الثانية كاد أن يدمر دبابابة أمر السرية الثالثة رياض جمال قبل الفجر، وذلك لصعوبة التمييز، وكانت المسافة بينهما قريبة جدا لولا ظهور هدف صديق بينهما تم تمييزه بسهولة من قبلهما..... كذلك أن العريف حميد شهيد كان يحاول اطفاء النيران في دبابته المحترقة نتيجة اصابتها بالمعركة وذراعه اليمنى قد تدلت مقطوعة الى جانبه بفعل شظية من القذائف المعادية التي أصابت دبابته.... فقد كانت معركة اشتباك قريب وعنيف.... كذلك من المواقف المحرجة خلال هذا الاشتباك القريب مع دروع العدو أن تعطل مدفع دبابة الفريق رعد، فاضطر مع الرامي العريف هندي عبود أن يعالجا العطل بسرعة فائقة ويستمرا بالاشتباك... ثم وفي الليلة التالية نسب اليهم الرائد الركن عدنان دحام كآمر جديد.... وحين تركهم بعد ساعات لمنصب آخر... تحمل مساعد الكتيبة موفق صالح العالي عبئا كبيرا بغياب آمر الكتيبة.

 

وفي الساعة 09:00 يوم 16/10/1973 حاول اللواء السادس المدرع من فرقتنا الذي وصل للتو بقيادة المقدم ركن غازي محمود العمر أن يستعيد تل عنتر من خلال قاعدة قوية مشكلة من اللواء الثاني عشر المدرع، ولواء المشاة الآلي الثامن، وقد استطاع هذا اللواء من احتلال قمة التل وسفوحه الشرقية الواسعة والشديدة الانحدار بقتال بطولي استبسالي راح فيه عدد من الشهداء....

 

وفي يوم 17/10/1973 شن اللواء 40 المدرع الاردني بقيادة العميد الركن خالد الذي وصل قبل ليلة هجوما مدبرا بإسناد ناري محدود لاستعادة تل الحارة... إلا أنه فشل بذلك رغم الأداء الجيد لدباباته السنتوريون المشابهة للدبابات الاسرائيلية...

 

وقد استمرت المناوشات بالمدفعية بيننا وبين العدو لأكثر من 36 ساعة متواصلة وعلى ما يبدو أن العدو لم يعد بإمكانه لا التقدم باتجاه مفرق سعسع – دمشق ولا مواصلة هجومه باتجاهنا، فانتقل الى الدفاع وركز على استخدام الاسلحة الحديثة المقاومة للدبابات نوع تاو التي فاجأتنا (لم نكن نعرف يومها أن الصهاينة يمتلكون هذا النوع)......

 

ثم اقترح علي زميلي الملازم أحمد عبد الرشيد أن نبحث عن مفقودينا لليومين السابقين ومنهم الملازم عصام العذاري، فليس من الشهامة أن يبقى مصيرهم غامضا، فتسللنا عبر واد صخري نحو مواضع العدو، وقد شاهدنا دروعنا المدمرة في المعارك السابقة وكذلك شهداءنا المحترقين بها (لاحظوا أن الصهاينة من يومهم يستخدمون الاسلحة المحرمة) وتعرفنا على دبابة الملازم عصام الذي كان قد استشهد رحمه الله... سبحان الله لقد تنبأ باستشهاده... ولم يتبق من جثته إلا القسم الاسفل منها.... ثم رصدنا منظومة الصواريخ الامريكية الجديدة من نوع تاو الامريكية الصنع التي كان يستخدمها الصهاينة... وقد عرفنا عليها آمر اللواء الاردني الذي شاهدها على أرض الواقع حين اتبع دورة تدريبية في أمريكا.... وكذلك رأينا عددا لا يستهان به من دبابات السنتورين الاسرائيلية.... ثم عدنا أدراجنا الى موضع سريتنا وقدمنا تقريرنا الى أمر سريتنا رياض جمال الذي كان ينتظرنا بفارغ الصبر...

 

ليلة 18– 19/10/1973 كلفنا بهجوم على قطاع الاختراق المعادي (للواءان المدرعان 19 و 20 الاسرائيليان) بكامل فرقتنا الثالثة بقيادة العميد الركن محمد فتحي أمين لتدمير العدو في تل عنتر وسفوحه الواسعة والصخور الناتئنة لدفعه باتجاه كفر ناسج – تلو المال، وجرى قصف تمهيدي كبير بكتائب مدفعية الفرقة 15 – 19 و21 على أن تقوم سرية الدبابات زائد مقر الكتيبة (المتبقي منها 8 دبابات فقط) بالتسلل ليلا على الجناح الايسر بنحو 5 كم بدلالة دورية قتال فلسطينية، فدارت معركة كبيرة ايضا، وكنا في موضع قريب وقد موهنا دباباتنا بالطين، فكنا نرى المعركة جيدا، وقد طلب مقدم اللواء قصي صبري من قوتنا الصغيرة ضرب العدو خلف تل عنتر.... فاندفعنا نحو دروع العدو التي كانت على مسافة ما يقارب 800 متر.. وعلى ما أظن فوجئوا بنا فدارت بيننا معركة شديدة... حيث كانت نسبتنا الى العدو 1/10 تقريبا.... وكان من شهدائنا الملازم صكبان ذو الشعر الاشقر.. وهو منطقة السعدية...تخرج في الكلية العسكرية قبل ثلاثة أشهر... وقد استطعت أنا رصد ثلاث دبابات اسرائيلية محترقة بمن فيها.... ثم دخلنا الى قرية كفر شمس الكائنة في أسفل التل فشاهدنا آثار معركة دامية ومدمرة وقد انتهت للتو... وقد حاول آمر الفوج الثاني من لوائنا (شقيق لآمر اللواء الثاني عشر المدرع) قبيل الانسحاب اخلاء بعض الجرحى القريبين من دبابتي، إلا أن الامر تعذر عليه حين قتل الجنود الصهاينة وبطريقة غادرة الجنود المسعفين والجرحى على السواء بنيرانهم المصوبة من أعلى التل... وقد علمنا فيما بعد أن الفوج الاول من اللواء السادس المدرع بقيادة الرائد الركن جواد أسعد شيتنه قد أبلى بلاء حسنا في هذه المعركة.

 

.... ثم وجدنا أنفسنا ثلاث دبابات بثلاثة ضباط مع ناقلة القيادة لمقدم لوائنا (أي رئيس أركان اللواء) الذي كان يحاول اقناع أمر اللواء بضرورة معادوة الهجوم بالاستفادة من وجود دباباتنا الثلاث (واحدة بقيادتي وهي مصابة بطلقة غير نافذة، والثانية بقيادة الملازم موفق صالح مساعد الآمر، والثالثة بقيادة الملازم عدنان المحياوي) في منطقة الهدف، إلا أن آمر اللواء وجد قواته غير قادرة على ذلك إلا بعد مرور اثنتي عشرة ساعة على أقل تقدير، وخاصة ان مدفعية اللواء قد استنفذت ذخائرها، وبعد محاولة يائسة للصمود، وقبيل تطويقنا انسحبنا مع الضياء الاخير نحو الشرق... (كان قد تبقى في دبابابتي ست طلقات فقط تم رميها لحماية ناقلة مقدم اللواء نوع (بي تي أر/50) والدبابتين الاخيرتين وقد نفذت ذخائرهما) وخلال عدة مواقف صعبة تمكنا من الوصول الى وحدتنا صباح اليوم التالي، والحقيقة كان موقف اللواء رائعا من حيث الشجاعة والاحساس بالمسؤولية لأنه من المفروض أن يكون أول المنسحبين وفقا لطبيعة واجباته، إلا أنه كان آخر من انسحبوا... ومن المفارقات انه اثناء الانسحاب سقطت دبابتي في حفرة احدثتها احدى قنابل الطائرات المعادية مما ادى الى اصابة مخابر الدبابة عسكر شلال الذي استشهد فيما بعد....

 

ثم رأينا دورية قتال سورية قامت باستضافتنا وقدموا لنا شاي ساخن في احدى المواضع السورية، وقد ودعونا بعبارات تشجيعية بعد ان دلونا الى الاتجاه الصحيح.. حيث سرنا بواسطة عجلة جيب عراقية يقودها الرائد محمود الدليمي من اللواء المدرع الثلاثين الذي وصل توا الى الجبهة السورية كمقدمة للفرقة المدرعة السادسة العراقية التي لم يتسنى لها فرصة القتال.... ثم وصلنا الى منطقة تحشد لوائنا...

 

وفي يوم 20/10/1973 قصف العدو الاسرائيلي ولأول مرة قواتنا بكثافة نارية بعد أن حشد اعدادا كبيرة من مدفعيته... وكانت طائرات العدو تقصف بعنف ما بين فترات رمي المدفعية... وبعد اعادة تنظيم سريع لقواتنا وصلتنا الاوامر للاستعداد لتعرض مقابل كبير مشترك مع القوات السورية في الساعة 06:00 يوم 23/10/1973 (الفرقتان المدرعتان الثالثة والسادسة وبعض التشكيلات القتالية العراقية زائد عدد مماثل من القوات السورية) إلا أن هذا الهجوم لم ينفذ لقبول سوريا قرار مجلس الامن القاضي بوقف إطلاق النار مع الاسرائيليين بدءا من اليوم التالي (24/10/1973)، وذلك بالاتفاق مع مصر التي كادت أن تفقد ما حققته من تقدم لقواتها نتيجة اندفاع قوات مدرعة اسرائيلية تقدر بسبعة ألوية بقيادة الجنرال المغامر شارون عبر ثغرة الدفرسوار الشهيرة نحو الضفة الغربية لقناة السويس حتى وصلت الى الكيلومتر 101 عن القاهرة...

 

ثم صدرت الاوامر لنا بالعودة الى بغداد بعد أن شعرت القيادة العراقية أنها أدت دورها في المعركة بكل إخلاص ووفاء على الجبهة السورية وأنها قدمت عددا من الشهداء العراقيين... فعاد الى بغداد (فرقتنا المدرعة ولواءان جبليان وأخر مشاة علاوة على الفرقة المدرعة السادسة، زائد أربعة أسراب طائرات مقاتلة من نوع ميغ 21 وسوخوي 7) أما على الجبهة المصرية فقد شارك العراق بسربين من طائرات الهوكر هنتر وكان يقودها أفضل الطيارين العراقيين.... ثم قمنا بمراسم دفن الشهداء العراقيين في منطقة السيدة زينب الكائنة جنوب دمشق... ثم شرعنا بالحركة صباح اليوم التالي باتجاه العراق وخلال اجتيازنا الطريق الدولي الجنوبي للعاصمة دمشق عبر الغوطة الجميلة تراءى لنا جبل قاسيون المشرف على هذه المدينة الموغة بالقدم وحاضرة الدولة الاموية... حيث أسفرت دمشق عن وجهها الحزين لتطبع قبلة شكر ووداع على جبين المقاتل العراقي الذي دافع عن شرفها، وكانت دماء 323 شهيدا عراقيا من الفرقة المدرعة الثالثة قد طرزت جلبابها بخيوط حمراء زاهية... كما عكس ضياء الشمس خلفنا وعلى روابي الجولان شواهد النخوة العراقية الاصيلة... فتلك هي أشلاء 137 دبابة وناقلة جنود و26 طائرة عراقية ستظل تحكي للأجيال القادمة قصة عظيمة عن روح الاخاء العربي... وعن نخوة العراقي الذي هب يدافع عن اخيه العربي...

 

وفي يوم 1/11/1973 دخلنا الحدود العراقية، وفي اليوم التالي انطلقنا نحو معسكرنا في الورار قرب مدينة الرمادي، وكان استقبال الجماهير لنا لايوصف، فقد غمرتنا بعواطفها الجياشة... حيث عبرت لنا عن فخرها بنا... فعلاوة على الواجب القومي والاخلاقي، فقد اكتسبنا خبرة رائعة من هذه المعركة، وخاصة في قتال الدروع...

 

الحقيقة التي يجب أن تقال ان الجيش الاسرائيلي كان منظما، ويمتلك مهارات قتالية عالية، وكان هناك تنسيق عالي ما بين قواته البرية والبحرية والجوية... وكل هذا يعود الى ما زودته به أمريكا من معدات ووسائل اتصال سهلت عليهم التنسيق فيما بينهم... عدا عن أن الولايات المتحدة أقامت جسرا جويا عسكريا من بعض مطاراتها الى أرض المعركة مباشرة!!! وهذا ما جعلهم يعوضون خسائرهم من المعدات العسكرية بسرعة فائقة... لقد تركت هذه التجربة في نفسي آثارا ايجابية عديدة أفادتني كثيرا في حياتي المهنية فيما بعد.

 

 

يتبع....

السابع من نيسان اشراقة فجر جديد على الامة العربية... مشاركة الجيش العراقي العظيم المغوار في الدفاع عن الاشقاء العرب هي احدى ثمار السابع من نيسان...

 

 

 

 

حول طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                           الاثنين  /  01  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  07 / نيســـــــان / 2008 م