بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ماكين في العراق - طريق الخسارة

 

 

 

 

شبكة المنصور

جريدة القدس العربي

 

يبدأ جون ماكين المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة زيارة الي بغداد بعد ان ضمن ترشيح حزبه له، وفي محاولة لكسب المزيد من اصوات الناخبين عبر الظهور بمظهر الزعيم القوي الحريص علي مصالح بلاده.

ماكين كان المرشح الابرز الذي ايد سياسات الرئيس الحالي جورج بوش في غزو العراق واحتلاله، وقال في اكثر من خطاب انه سيبقي القوات الامريكية في العراق لعقود مقبلة اذا تطلب الامر، وخالف بذلك الغالبية الساحقة من المرشحين، ديمقراطيين كانوا او جمهوريين الذين وعدوا بسحب هذه القوات دفعة واحدة او بشكل تدريجي.

موقف ماكين يبدو نشازا ومستعصيا علي الفهم، فالرجل الذي حارب في فيتنام، وعاني من ويلات هذه الحرب، وتعرض للتعذيب في الاسر، من المفترض ان يكون من ابرز المعارضين لغزو بلاد الآخرين، ومن المروجين للسلام وحقن الدماء، خاصة ان الغزو الامريكي لفيتنام انتهي بهزيمة لم تفق من آثارها الولايات المتحدة حتي هذه اللحظة.

ربما تشجع ماكين في موقفه هذا بدعم الرئيس بوش له، ومن بعض الانجازات المؤقتة التي حققتها سياسة الادارة الامريكية بزيادة عدد القوات في العراق، مثل تخفيض عمليات العنف لمستوي اقل من المعدلات السابقة، ولكن مثل هذه الانجازات مؤقتة علاوة علي كونها مضللة.

ما حدث في العراق ان عمليات العنف توقفت قليلا في العاصمة، والسبب في ذلك يعود الي اكمال سياسات التطهير العرقي والطائفي أهدافها، فقد جري تقسيم بغداد الي مناطق سنية، يقطنها السنة بالكامل، واخري شيعية بالكامل، وهربت الطبقة الوسطي الي الخارج، واصبحت الاسوار الفاصلة والحواجز الامنية العسكرية المكثفة من العلامات الفارقة للعاصمة العراقية.

احداث العنف والقتل والتفجير انتقلت من العاصمة الي المدن الاخري، مثل البصرة والموصل، واللافت ان غياب مراسلي محطات التلفزة، وسياسة التعتيم وحجب الحقائق التي تمارسها الادارة العسكرية الامريكية الحاكمة حاليا في العراق نجحا في اعطاء احصاءات وصور غير دقيقة عما يحدث.

ومع ذلك يمكن القول ان فترة الهدوء النسبي التي سادت العاصمة العراقية في الاشهر القليلة الماضية بدأت تتراجع، وبدأنا نشاهد عودة للعمليات العسكرية والتفجيرات التي تستهدف القوات الامريكية وقوات الامن العراقية المتعاونة معها، وارتفع عدد ضحايا الهجمات من الامريكيين الي حاجز الاربعة آلاف قتيل.
ماكين تبني العديد من القضايا الجيدة في حملته الانتخابية مثل الحفاظ علي البيئة، وايجاد حلول للتلوث، ولكن تأييده لحرب فاشلة ومدمرة في العراق ربما تكلفه حلمه الكبير في رئاسة الولايات المتحدة الامريكية، فهذه الحرب لا يمكن كسبها علي الاطلاق، وكانت اكبر ضربة توجه الي قيم التسامح والعدالة والمساواة التي تبناها الكثير من الرؤساء الامريكيين قبل حرب فيتنام علي وجه الخصوص.

الشعب الامريكي كان اكثر الرافضين لهذه الحرب، وللرئيس الامريكي جورج بوش الذي كان سببا في اشعال اوارها . ولهذا انخفضت شعبيته الي الحد الادني في تاريخ الرؤساء الامريكيين.

لعله ليس من قبيل الصدفة ان تتزامن زيارة ماكين هذه مع اقترابنا من الذكري الخامسة لهذه الحرب التي ادت الي مقتل مليون عراقي وتشريد خمسة ملايين آخرين، ويكفي تذكير ماكين بحقيقة واضحة للعيان ان المرء لا يستطيع التجول في الشوارع بحرية في بلد يقول رئيسه وقدوته انه حرره من الدكتاتورية والخوف والمقابر الجماعية. فالعراق كله تحول الي مقبرة جماعية بكل المقاييس.

اذا خسر ماكين انتخابات الرئاسة المقبلة، واحتمالات الخسارة اكبر بكثير من احتمالات الفوز علي اي حال، فان زيارته هذه لبغداد وتأييده لحرب غير قانونية وغير اخلاقية، ووقوفه ومساندته لرئيس فاشل، هي من أبرز الاسباب التي ادت الي ذلك.

كنا نتوقع من اسير حرب سابق ان يتحول الي داعية للسلام والتعايش، ولكن ماكين خيب كل توقعاتنا، فهذه امريكا وعقيدتها الاستعمارية التي تفاجئنا بين الحين والآخر بمرشحين، او حتي رؤساء لا تنطبق عليهم المعايير الاخلاقية والانسانية التي نعرفها.

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                             الثلاثاء /  11  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  18 / أذار / 2008 م