بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الصدر عزل أم اعتزل أو هو في عزلة ؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

نزار السامرائي

 

في خطوة كانت متوقعة منذ زمن ، شهدت بعض المساجد التي يتخذ منها التيار الصدري ، منابر له في بغداد والكوفة ، توزيع بيان منسوب لمقتدى الصدر ، أعلن فيه قراره اختيار العزلة لغرض اكتساب المزيد من المعرفة الدينية ، بهدف التحرر من الحاجة إلى مرجع ديني ، يرسم له ولتياره المسار الفقهي ، على نحو كان يحدث خللا مؤكدا بقدرته على التحرك دون الرصيد القديم لوالده ، بعد أن استنزف ذلك الرصيد بل وصفّره تماما ، أو التعكز على مراجع لا يجد فيهم ما يلبي متطلبات نزعته المتوثبة لدور سياسي ، يقفز فوق حقائق الفقه الجعفري ، وهم بدورهم لا يجدون فيه ( أي في الصدر ) ما ينسجم مع قناعاتهم السياسية والفقهية ، بل يخشون من تقلباته الدراماتيكية ، والتي تأتي بصفة مستمرة على غير المتوقع من الأفعال أو الردود عليها .

وبصرف النظر عن دواعي قرار الصدر في اختيار قم ، لإقامة امتدت منذ آخر ظهور علني له في أيار / مايو من العام الماضي ، ولزمن قد لا ينتهي في الأفق المنظور ، فإن البيان المختوم بختم الصدر ، يستوقف المراقب بشدة فقد أكد بما يقطع أي شك ، أن التهم التي كانت توجه لقيادات متنفذة أو من الخط الأمامي في التيار الصدري ، وكان الصدر يدافع عنها بضراوة وينزهها من كل عيب أو مثلبة ، أنها أصبحت حقائق ثابتة بعد أن وجه لها ادانات قاسية لم يكن ليقبل بأقل منها فيما مضى ، فقد اتهمت زعامات داخل هذا التيار بالأنانية والوصولية وحب الذات وتفضيل المصالح الشخصية ، ولهذا قادت التيار وجيش المهدي إلى منزلقات خطيرة .

هذه الاتهامات لا بد أن تطرح بإلحاح إشكالية التيار الصدري وجيش المهدي ، من أعلى قيادة له وحتى أدنى مستوى منتم إليه ، وفيما إذا يمتلك الأهلية المطلوبة للحصول على شرعية العمل العلني ، على حين تلاحق جهات تحت طائلة مكافحة الإرهاب ، لم ترتكب عشر ما ارتكبه جيش المهدي من جرائم إبادة جماعية و قتل على الهوية وتهجير للسكان من مناطقهم .

لقد نشأ التيار الصدري في بداياته من مواد متحللة من مختلف الطبقات الاجتماعية والحركات السياسية ، ولعل الكثير من عناصره وحتى في المستويات القيادية ، هي التي احترفت على الدوام مهمات الوكالة الرخيصة للأجهزة الأمنية ، فأرادت باختيارها الانتماء لهذا التيار ، هذا الصنف من العمل المرفوض اجتماعيا ، مواصلة هواياتها المريضة ، أو حماية نفسها من الوسط الاجتماعي الذي تنتمي إليه ، أوتظن أنه يمكن أن يستهدفها في حال بقائها مكشوفة الظهر ، وتوسع حجم الكتلة الشعبية الهلامية للتيار الصدري ، على نحو لم يكن متوقعا حتى من أكثر المراهنين عليه ، وهذا ما أغرى قياداته بتجاهل كل دعوات الركون إلى الحكمة والعقل في قيادة الوسط الشعبي المنفلت ، ومضت في طريق تحدي الأطراف الداخلة في العملية السياسية ، ممن يمتلك ثقلا مليشياويا مماثلا في حجمه وأكثر تنظيما في أدائه ، وهنا برزت على السطح ظاهرتان متناقضتان تماما في العلاقة بين التيار الصدري والمليشيات الاخرى ، وخاصة مليشيا فيلق بدر التابع للمجلس الإسلامي الأعلى :-

الأولى : - صراع حاد على النفوذ بين القوتين ، في مناطق تمتد من بغداد لتصل إلى البصرة ، لعل أكثرها دموية ما حصل في معركة النجف عام 2004 ، والتي دخلت القوات الأمريكية المعركة لصالح حليفها المجلس الأعلى ، وكان من نتائجها أن أعلن مقتدى الصدر وبانكسار لافت ، عن تحويل جيش المهدي إلى منظمة سياسية ، بعد أن نزع أسلحته وسلمها للقوات الأمريكية مقابل أموال ، في مشاهد مهينة نقلتها معظم الفضائيات ، ولم تقف المواجهات عند هذا الحد حتى أرغم الصدر على دخول العملية السياسية وبالتقسيط ، ولكن هذا الدخول لم يشكل المظلة التي أراد بها الصدريون الإمساك بخيوط اللعبتين ، لعبة السياسة ولعبة العنف ، إذ اتسع نطاق صراع النفوذ في معظم محافظات الفرات الأوسط والجنوب ، فقد انطلقت عناصر جيش المهدي بكل ما تحمل من قوة وآمال بالسيطرة على الشارع الشيعي ، لتعصف بالاستقرار الظاهري الذي عاشته تلك المحافظات ، وعندما وقعت مواجهات كربلاء التي أدت إلى قتل العشرات وإشعال حرائق كبيرة قرب المراقد الدينية ، أضطر مقتدى الصدر لتجميد جيش المهدي لمدة ستة شهور ، وهو نفس الجيش الذي كان قد حله بعد معركة النجف وحوله إلى منظمة سياسية ، والتهبت المحافظات بصدامات دموية ، لم يكن جيش المهدي وفيلق بدر طرفيها فقط ، بل دخلت القوات الأمريكية مرة اخرى ضد جيش المهدي وكذلك أجهزة أمن حكومة المالكي ، والذي يمتلك هو الآخر مليشيا آخذة بالنمو وتتبع جناح حزب الدعوة الذي يتزعمه .

الثانية : - تجنيد لقطاعات واسعة من عناصر جيش المهدي من قبل فيلق بدر وأجهزة الأمن ، لتنفيذ جرائم ابادة جماعية طالت مناطق محددة في بغداد ومحيطها خاصة ، وذلك بهدف ( تطهير ) هذه المناطق والتخلص من طابع الازدواج السكاني من جهة ، وتلويث سمعة التيار الصدري وجيش المهدي لارتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية ، وعزله عن حالة التعاطف التي تكونت له بعد رفعه شعارات مضادة للاحتلال ، كما أن دخول إيران على خط الفعل المؤثر على مستوى أداء المليشيات الفاعلة في الساحة العراقية ، وزجها بالآلاف من عناصر قوة القدس والحرس الثوري ، لم يكن ليسرها رؤية أية قوة تخرج على خططها ، أو تنفذ مشروعا ذاتيا بعيدا عن المشروع الإقليمي الإيراني ، ولهذا كان من الطبيعي أن تدخل طهران على خط رسم المسارات بشكل دقيق ، لا يسمح بخروج أي خيط من يدها تحت أي ظرف من الظروف ، فكان الحديث عن عزلة مختارة أو مفروضة على مقتدى الصدر ، الذي بدأ يتحول إلى قوة سالبة لكل المكاسب التي توقعت إيران أنها حققتها في العراق أو هي على وشك تحقيقها .

فهل جاء القرار بإرادة إيرانية بدرية ؟ أم هو قرار إيراني لا يريد رؤية أهدافه تضيع بتصرفات نزقة لمراهقين في عالم السياسة ؟

وهل يؤدي ذلك إلى شرذمة التيار الصدري وتوزيع عناصره على القوى الأكثر تنظيما ؟
وأهم من كل هذا وذاك هل أن مقتدى الصدر ما زال موجودا على مقاعد الدراسة حقا ؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                           السبت  /  08  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  15 / أذار / 2008 م