الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

  ليس بعد البصرة خراب

 

 

 

 

شبكة المنصور

  نزار السامرائي

 

كلما بدأت بقراءة في ( سفر التكوين ) للمأساة العراقية ، قفز أمامي المثل العراقي ( بعد خراب البصرة ) ، فهو يجسد عمق المحنة التي تفرش جناحيها ، ليس على البصرة بل على كل مدن العراق ، دون أن يلوح في الأفق شيء يعطي أملا بفرج قريب ، أو ضوء في نهاية النفق الطويل الذي أدخلت إليه الأزمة العراقية .

أهي نبوءة عرافة اليمن الكاهنة ظريفة ؟ التي نصحت أبناء اليمن الذين أوشك موج سد مأرب أن يداهمهم ، في أن من ( كان يريد اللباس الرقاق وكنوز الأرزاق والخيل العتاق والدم المهراق فليتوجه إلى أرض العراق ) ، أم هي طباع البشر التي لونت حياة العراقيين بلون الدم القاني حتى من جاءهم فاتحا ؟ أو جاء للعيش الآمن طلبا للرزق حيث الثروة في باطن الأرض والمياه الغزيرة تجري فوقها ، وفوق هذا وذاك عقول أبدعت الحرف والعجلة ؟ أم هي الأرض التي تتقلب بين القداسة واللعنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ؟

وهل للبصرة خصوصية تميزها عن بابل وأكد وسومر وآشور و الوركاء وبغداد وكل مدن العراق قديمها وحديثها حتى نصل إلى مدينة الثورة ؟

أعرف كما يعرف معي كل عراقي ، أن البصرة شأنها شأن مدن الفرات الأوسط والجنوب ، كانت تمور في صراع مستميت على المفاتيح ، كل المفاتيح ، مفاتيح المزارات ، رغم أنها بعيدة عنها بمئات الكيلومترات ، لأن من يمتلكها فقد أمسك بخيوط اللعبة المزدوجة بين الدين والسياسة ، ومفاتيح السلطة ، لأن من يتحكم بها فقد ركب صهوة الدم المراق وامتشق سيف الغدر ليضرب به من مر في الطريق حتى لو كان مروره محض مصادفة ، ومفاتيح الثروة ، وكل المفاتيح السابقة في خدمة المفتاح الأخير ، تفرش له السجادة الحمراء ليمر فوقها ، فالبصرة مدينة النفط  الخام المهّرب دون عدادات ، والمشتقات النفطية المتنقلة بين الحدود دون جوازات أو تأشيرات ، وكي يمسك الفريق بما حصل عليه ، فيجب أن يقاوم حتى الموت من يريد انتزاع حق مكتسب دفع من أجل الحصول عليه ، دما غزيرا وبارودا عزيزا وكرامة مهدورة .

لأن البصرة هكذا فقد كان متوقعا أن يتفجّر الصراع فيها وعليها ، بين قوى استطاعت أن تحفر لنفسها خنادق فيها ، وتزيح من يعترض وتخاطبت بلغة الرصاص والهاون والصاروخ من أحدث ما أنتجته مصانع السلاح في إيران ، وعانت حكومة الاحتلال الرابعة من هوان الضعف أمام حلفاء العلن أعداء الغرف الموصدة ، المتقاتلين حد الموت على غنيمة مسروقة من جوف العراق وجلده .

حزب الفضيلة الذي كان أول المنسحبين من قائمة الائتلاف المتصدع لأنه لم يتمكن من الاحتفاظ بحقيبة النفط ، كان يمسك بمفتاح المحافظة ومجلسها ، وطالما جاهر بكشف الدور الإيراني في تفجير أوضاع مدينة النفط والنخيل والحدود والعتاد المهرب .

والتيار الصدري القوة المتحللة من تيارات سياسية واجتماعية مختلفة ، كان أكبر تاجر بالدم والنفط والسلاح والمخدرات والدواء الفاسد ، وكان قادته على استعداد للتضحية بآخر مقاتل من جيش المهدي ، من أجل الحفاظ على هذا المركز الذي يمتلك خاصية إغراء لا تقاوم ، واستطاع استدراج آلاف المتسكعين والمتعطلين بإرادتهم عن أي عمل ، بعد عن تركوا مقاعد الدراسة مختارين ، للانخراط في صفوفه بحثا عن أسرع رزق وأغلظه ، فجعل منهم أداته التي يضرب بها أعداءه وخصومه وأصدقاءه ويرهب النساء والأطفال على حد سواء ، بل لعل التلويح بالمقنعين المدججين بالسلاح لأصدقائه يتقدم المهمات المقدسة في قاموسه.

بالمقابل بقي المجلس الأعلى الذي يحمل أكبر رصيد من كراسي حكومات الاحتلال ، ضعيفا حد الخرافة ، في شوارع ظل يروج لفكرة أنها محسومة له عن طيب خاطر من حلفاء الزمن المتقلب ، وأضعف منه كان حزب الدعوة بشقيه ، برغم أن مالك الحكومة قاد فريقا من داخله كي يحصل على منصب الوزير الأول ، كما يرد في مصطلحات أشقائنا المغاربة ، وقد قدمت أطراف الائتلاف المتصدع أداء مخجلا على كل الأصعدة ، أثناء معارك الفرات الأوسط والجنوب الأخيرة ، فلا قواته صمدت أمام من أسماهم ( أسوأ من القاعدة ) ، ولا جماهيره ملأت شارعا واحدا في تظاهرة فرضها ما تبقى من أجهزة أمنهم المحمولة في العربات المصفحة الأمريكية ، مع أن فضائيتهم المجهزة أمريكيا ، بذلت كل ما اكتسب مصوروها من خبرات كي تملأ صور عشرات المتظاهرين ، شاشة التلفاز كي تبدو وكأنها تظاهرات مليونية ، على وفق ما ينسجم مع مصطلحات هذا الزمن .

فلماذا اندلعت المعارك في هذا الوقت ؟ وهل وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش ضحية خديعة وهم القوة ، التي زعم مالك الحكومة الرابعة أنه سيدك بها معاقل الخارجين على إرادته ، ولذلك تعّجل بوش حينما وصف معركة البصرة بأنها اللحظة التاريخية الحاسمة في تاريخ العراق وسيادته ، ولكن اللحظة تحولت إلى أسبوع وكاد الحدث أن يعصف به على أنغام أهزوجة الجنود وبعض من ألبسوه العقال العربي ، في الشوارع اليتيمة إلا من آثار الدماء العراقية التي سفكت مرة اخرى .

يعتقد بعض مراقبي المشهد العراقي أن تشريع قانون المحافظات ، دفع بالمجلس الأعلى ليزج بالمالكي في معركة إذا خسرها فسيقع وزرها عليه ، وسوف يتدخل منقذا من أزمة دم عراقي مسال ، وإذا ربحها فإن المكاسب سيحصدها وحده وحينها سيحمل المالكي والدعوة ويلقي بهما في أقرب برميل على الرصيف .

المجلس والدعوة يعرفان أن رصيدهما في الشارع العراقي ، وصل تحت الصفر ، وأن كل الفتاوى ، والتزوير لن تنفع في جمع الأصوات اللازمة لهما في أي معركة سياسية جديدة وخاصة ما يتصل بموضوع الفدرالية ، والتي يراد لها أن تكون الخطوة الأولى على طريق التقسيم .

ويبقى الدور الإيراني في التلاعب بدماء العراقيين ، ووحدة نسيجهم الاجتماعي ، حاضرا بقوة في الأحداث الأخيرة ، كما كان حاضرا في المرات السابقة ، وهو في الواقع يمد كل الأطراف بالدعم كي تتقاتل فيما بينها ، وبالتالي يبقى ماسكا بالعصا من الوسط حتى يفرض على كل طرف من أطرافها ما يشاء ، فإيران تدعم جيش المهدي بالسلاح والتدريب والعتاد الحديث ، وإيران تدعم سياسيا الحكومة وبخاصة المجلس الأعلى ، مما يترك المزيد من القناعات بأن إيران لا تريد خير العراقيين وإنما تريد إضعافهم حد الركوع .

ما جرى في حقيقة الأمر ليس معركة جيش المهدي بوجه الحكومة الراهنة ، وإنما هي هبة العراقيين جميعا  حين وقعت ، وكلمة لا كبيرة منطلقة من ضمير العراقيين للمحتلين ولكل من جاء معهم أو اصطف وراءهم وأكل السحت من أيديهم .

 

 

حول طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                           السبت  /  29  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  05 / نيســـــــان / 2008 م