بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

البرلمانيون العرب على خطى النظام العربي
حشد الجهود لضرب المقاومة ودعم مشروع الاحتلال

 

 

 

 

شبكة المنصور

محسن خليل

 

كل ما قيل في تفسير وتبرير عقد أجتماع البرلمانات العربية في أربيل لا يقنع ولا يستند الى حجة صلبة أو منطق سليم ،فلا هو لدعم شعب العراق ، ولا للمساعدة في مكافحة الارهاب .. بأختصار هو لدعم مشروع الاحتلال الامريكي المحبَط ،في مواجهة المقاومة الوطنية العراقية حصراً،بعد ان فشلت جميع أستراتيجيات المحتل العسكرية منها والسياسية في ضرب المقاومة والقضاء عليها ،وأخفقت سياسات الترويع والصدمة في تحفيف منابع رفدها بالرجال الابطال ، رغم وحشيتها وعنفها وانغماس القائمين على تنفيذها في أحط أنماط السلوك والتصرف البشري ، وكانت نتيجتها معروفة للجميع ثبات المقاومة العراقية وتجذرها بين أوساط الشعب وأنتشارها في كل مكان من العراق من شمال زاخو الى جنوب البصرة ..

والمؤسف في أجتماع البرلمانيين العرب ، أنهم يمثلون الشعب العربي في دولهم كما يقولون ،فلو صدقوا لما أضطروا الى ألتزام سياسات تتبناها حكوماتهم ،وهم يعرفون أن رأي الشعب العربي في الاحتلالات الصهيونية لفلسطين والامريكية للعراق لا يحتاج الى استفتاءات للتأكد من أن الشعب العربي في دولهم يدينها ويرفضها ،وأنه يبذل ما في طاقته لمقاومتها بكل الوسائل بما فيها التطوع والالتحاق بصفوف المقاومة أينما وجدت ، ويعرفون أيضا أنه لولا ان النظام العربي قد نصب نفسه وكيلا لحماية تلك الاحتلالات ويستخدم سلطاته الطاغية وأجهزته القمعية لمنع تطوع واعتقال من يلتحق بالمقاومة ، لأنتقل مئآت آلآف المواطنين العرب الى العراق وفلسطين ولبنان للقتال في صفوف مقاوماتها ..

وبقرارهم عقد أجتماعهم في أربيل ، الغى البرلمانيون العرب الفاصلة المفترضة بينهم وبين الانظمة وبرهنوا امراً معروفاً وهو أنهم سلطة تشريعية غير مستقلة وليس للأنتخابات التي اوصلتهم الى مقاعدهم النيابية أي قيمة تمثيلية حقيقية للجمهور الذي صوت لهم ،وبدل ان يكونوا حراس وحماة مصالح الشعب العليا في أقطارهم وفي الوطن العربي ،ارتضوا ان يخضعوا لنفس معايير الانظمة ويتحولوا الى كومبارس في مشروع الاحتلال الامريكي للعراق ..

يجادل البعض في أن المعايير التي تحكم سلوك الدولة تجعلها لا تستطيع ان تتصرف كما الاحزاب او القوى السياسية في المعارضة ، وان ثقل النظام الدولي وأختلال التوازن بين وحداته السياسية يلقي بضلاله على تصرف الحكومات العربية ويجبرها على الانحناء والتخلي عن بعض مسؤولياتها الوطنية والقومية ،ومسايرة الاملاءآت الخارجية المفروضة من قوة عظمى كالولايات المتحدة، وان كان هذا صحيحا نسبيا فانه لا يبرر أنخراط الانظمة في دعم أحتلال دولة عربية كالعراق أو دعم الاغتصاب الصهيوني لفلسطين .. ليس المطلوب من النظام العربي أن يجيَّش الجيوش ضد أمريكا وأسرائيل ، ولكن من واجبه على الاقل أن لا يضع أمكاناته تحت تصرف المحتل في حربه ضد الشعب المقاوم وان لا يساهم في محاصرة مقاومته ومنع وصول أي شكل من اشكال الدعم لها حتى لو كان مجرد خبرا في فضائية عربية . فما بال البرلمانات العربية التي تستند في مواقفها وسياساتها الى قواعد تمثيلها للارادة الشعبية وعدم خضوعها لمعايير الدولة او النظام السياسي الحاكم ولديها هامش واسع في رفض أية أملاءآت خارجية ،ما بال هذه البرلمانات تتسابق لحضور أجتماع في أربيل الخاضعة لهيمنة المحتل الامريكي وضباط الموساد الصهيوني وشركات الاستثمار الصهيونية .

البرلمانات العربية وقعت في سقطة كبيرة بموافقتها على عقد أجتماعها في أربيل ، فهذا الاجتماع عبارة عن مجموعة من الخطايا ، أولا ، لان اختيار حكومة الاحتلال العميلة ، اربيل وليس بغداد ،مكانا لعقد اجتماع البرلمانيين العرب، سببه أنعدام الأمن وعدم سيطرة القوات الامريكية على البلد بعد خمس سنوات من الاحتلال ، وليس لتأكيد اخوة العرب والاكراد كما زعموا ، والاخوة العربية الكردية لا تحتاج الى هذا النوع من العهر البرلماني لأنها قائمة أساسا،واحد مظاهرها القوية رفض قطاعات واسعة من الشعب الكردي للأحتلال ومساهمة أعداد كبيرة منهم في فصائل المقاومة الوطنية المسلحة الذين يجري التعتيم على مشاركتهم فيها بشدة ... ثانيا ،يتبنى جلال ومسعود سياسات أنفصالية ،ويتصرفان في أقليم كردستان كدولة مستقلة عن المركز في بغداد ، ولا يعتد بما يردداه في مناسبات معينة من انهم ضد الانفصال ،والعبرة في سلوكهما السياسي في الاقليم الذي فرض على المركز في بغداد، أن يكون للأقليم تمثيل مستقل مع دول العالم ، وسلطة عقد اتفاقات امنية وأقتصادية مع دول اجنبية دون ان تعرف عنها شيء حكومة الاحتلال العميلة ، وسلطة منح عقود أستثمار للشركات الاجنبية ، و جيش وأجهزة امنية لا يعرف المركز حتى عددها بالضبط .وثالثا أن مسعود البرازاني رفض في البداية رفع العلم العراقي في حالة أجتماع البرلمانيين العرب في أربيل واصر على رفع علم أقليم كردستان ، وحين أقنعوه بأن ذلك يحرج البرلمانيين العرب ويحرج حكومة الاحتلال في بغداد وافق على رفع علم العراق على شرط ان يتم تغييره ، وقد أستجابت حكومة الاحتلال في بغداد لهذا الطلب وغيّرت العلم على عجل ..ولو ان لدى البرلمانيين حداً أدنى من احترام الذات لرفضوا على الاقل عقد أجتماعهم في أربيل مالم يتم تحت علم العراق الموحد ،ولرفضوا ان يهربوا من الفلتان الامني في بغداد الى حماية الموساد في أربيل ،ولطالبوا بالغاء الفدرالية وانهاء الاحتلال يعلنوا تضامنهم مع شعب العراق على الطريقة الامريكية الصهيونية .. أجتماعكم أيها البرلمانيون في أربيل المحتلة وفي العراق المحتل يجعلكم شركاء المحتل، ويحملكم مسؤولية التغطية على جرائمه ، ويضعكم في موقع من يبارك الاحتلال وتقسيم العراق ومحو هويته العربية .

لابد من التاكيد أن العرب والاكراد يتمتعان بتاريخ مشترك وعلاقات تفاعل قل أن تمتع بمثلها شعبان آخران ،وأن العرب داخل العراق وفي الوطن العربي يحترمون هذه العلاقة ويحرصون عليها بالغالي والنفيس ولا يمكن ان يسمحوا لأية عوامل طارئة أن تضعفها أو تسيء اليها ، وهم ليسوا بحاجة الى موقف منحط كالذي أنحدر اليه البرلمانيون العرب ..

عبر التاريخ الحديث والمعاصر كان العرب في العراق وفي الوطن العربي حريصون على تمتع الشعب الكردي بحقوقه القومية والثقافية ، ولهم دون غيرهم من الشعوب التي يعيش الاكراد بينهم ، قصب السبق في التعبير عن هذا الحرص بمواثيق دستورية وفي سياسات تطبيقية ، فقبل أيام مرت الذكرى الثامنة والثلاثون لبيان الحادي عشر من آذار لسنة 1970 والذكرى الرابعة والثلاثون لصدور قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق لسنة 1974، ذكرى أمل ملأ قلوب العراقيين عرباً وأكراداً لطي صفحة التناحر التي غرسها المحتل البريطاني منذ عشرينات القرن الماضي ولاحقا الولايات المتحدة وبريطانيا وأيران الشاه والملالي منذ مطلع ستينات القرن الماضي بين قيادات مثل جلال ومسعود ومن قبله ابوه مصطفى البارزاني وبين الدولة العراقية ..

لقد كان العراق والعرب تحديدا أول من اعترف وآمن بحقوق الاكراد القومية وطبقوها في سياساتهم العملية ، بخلاف دول مثل تركيا وأيران ما تزال حتى اليوم تنكر على الاكراد فيها أي قدر من حقوقهم القومية والثقافية .

تركيا نفت منذ تأسيسها الحديث بعد الحرب العالمية الأولى وجود أية قومية غير تركية فيها وتعاملت مع الأكراد على أنهم أتراك الجبل ولم تسمح لهم باستخدام لغتهم الكردية أو ممارسة أية حقوق ثقافية إلا في الأعوام القليلة الأخيرة، ورغم ذلك فهناك من يصف ما يجري في العراق بأنه ثورة كردية ويتغنى بها ويدافع عنها (جهلاً أو بقصد مدفوع الثمن) وفي تركيا وفي أيران وعلى بعد كيلومترات قليلة في رأي هؤلاء يوجد أكراد إرهابيين، ويحق لتركيا ان تجتاح اراضي العراق لملاحقتهم ، ويحق لأيران ان تقصف كل يوم جبل قنديل والمناطق القريبة منه لملاحقة عناصر الحزب الديمقراطي الكردستاني في أيران ؟ فأي دجل ونفاق هذا؟!. كلا الدستوران التركي والايراني النافذان لا يعترفان بالحقوق القومية ولا بالاكراد كقومية . أما في العراق العربي فالموقف مختلف حتى في العهد الملكي ، فمنذ 1923 وقبل وضع الدستور العراقي أكد الملك فيصل الاول للشيخ محمود الحفيد ( انه مع سياسة منح الأكراد حكماً ذاتياً في إطار الدولة العراقية) .. وفي العهد الجمهوري (1958) أعتبر الدستور المؤقت ( العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية).

وفي عهد البعث نص أول دستور للحكومة بعد ثورة 17 تموز يوليو 1968 (المادة الحادية والعشرون) على الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ثم تطورت الى اقرار للحكم الذاتي في كردستان العراق من خلال اتفاقية 11آذار 1970 واتفاقية الحكم الذاتي 1974 كحل شامل ونهائي للمسألة الكردية..

بأيجاز .. جميع الحكومات العراقية الحديثة كانت متحمسة لأحترام ومنح الحقوق القومية للشعب الكردي في العراق ، ألا أن البريطانيين أولا ثم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وشاه ايران وخميني تاليا ، تمكنوا من تجنيد بعض قيادات الحركة القومية الكردية وفي مقدمتهم جلال الطالباني ومصطفى البارزاني وأبناءه وآخرهم مسعود لتوظيف القضية القومية الكردية في خدمة سياسات هذه الاطراف ضد العراق ، فعندما اقدم عبدالكريم قاسم رئيس وزراء العراق (1958 -1963) في سنة 1961على فتح مفاوضات مع شركات النفط الامريكية والبريطانية والفرنسية المهيمنة على النفط العراقي حينذاك لأستعادة حقوق العراق منها ، وعندما طالب بأعادة الكويت للعراق في السنة نفسها ،أوعز البريطانيون لمصطفى البارزاني باعلان التمرد المسلح ضد حكومته، مع ان عبدالكريم قاسم أرتبط باوثق العلاقات مع البارزاني وأدخل الحقوق القومية الكردية في الدستور، وعندما أمم القيادة العراقية شركات النفط الامريكية والبريطانية والفرنسية عام 1972 وكان قد اتفقت مع البارزاني على تنفيذ الحكم الذاتي ، أعلن البارزاني التمرد المسلح ورفض الحكم الذاتي ..وليس صدفة أن يتم توقيت أول لقاء بين جلال الطالباني وشمعون بيريز في باريس عام 1961 فور تفجر الخلاف بين عبدالكريم قاسم وشركات النفط الغربية ،وقيام جلال في ضوء هذا اللقاء بزيارة الكيان الصهيوني على رأس وفد من خمسة أشخاص احدهم ما يزال شاهدا حيا هو محمود عثمان .وليس صدفة أيضا ان يرفض مصطفى البرزاني الحكم الذاتي ويعلن التمرد بعد تاميم العراق للشركات الامريكية .

أن من المهم التمييز بين الحركة القومية الكردية كحركة وطنية تحررية مشروعة تحظى بدعم العراق العربي والامة العربية وبين عناصر داخل هذه الحركة أرتبطت بالقوى الاستعمارية ووظفت القضية الكردية لأستزاف الدولة العراقية كلما تحركت ضد المصالح الامبريالية غير المشروعة في العراق او في الوطن العربي .

فهل من مصلحة العراق أن يأتي البرلمانيون العرب الى أربيل المحتلة صهيونيا وأمريكيا والعراق المحتل صهيونيا وامريكيا ليؤكدوا اعترافهم بالاحتلال ، وبحكومة منشأة تحت الاحتلال ، ومحمية من قوات االاحتلال .. ثم يقرروا قرارات سيئة لصالح دعم المحتل وحكوماته وأحزابه العميلة .. مالذي قرره البرلمانيون العرب في أربيل لشعب العراق ..لا شيء غير دعم الاحتلال وحكومة الاحتلال .. البند الخاص بالعراق تضمن ثماني فقرات جميعها تتفق بصياغات مختلفة ومتعددة على حشد الجهد العربي لمعاونة حكومة الاحتلال في ضرب الارهاب والمقصود المقاومة الوطنية من دون اية أشارة الى وقوع العراق تحت الاحتلال ، وأستخدموا صياغة امريكية لوصف الاحتلال تقول دعم العراق ( للخروج من وصاية الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ) وكأن الامم المتحدة هي التي تحتل العراق أو كأن الاحتلال الامريكي تم بقرار من الامم المتحدة .. لا بارك الله في البرلمانيون العرب الذي حضروا في أربيل .. ولا بارك الله في كل من تسلم مسؤولية شعب وفرط بأمانة المسؤولية كما يقررها الله والشعب والمواثيق الدولية على علاتها ..

 

صحيفة الموقف العربي  / القاهرة
18/3/2008

 

 

 

شبكة المنصور

                                           السبت  /  08  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  15 / أذار / 2008 م