الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

حرب باردة في أروقة القمة وأخرى ساخنة على الارض

 

 

 

 

شبكة المنصور

محسن خليل

 

قبل يوم من انعقاد القمة العربية في دمشق أعلن عن تغَّيب 8 زعماء عرب، ولم تحسم ثلاث دول مستوى تمثيلها، في محاولة للادعاء بفشل قمة دمشق قبل ان تنعقد ... هذا الاسلوب في التعامل مع قمة دمشق يعيد الى الاذهان كما حصل في مرات كثيرة سابقة أجواء حرب باردة تخوضها أنظمة معينة ضد أخرى ، ضاربة بعرض الحائط قرارات مؤتمراتها الداعية الى تغليب المصلحة القومية العليا وتعزيز العمل العربي المشترك بين الدول العربية ، ودافعة بخلافاتها السياسية والاختراق الخارجي لسياسات بعضها الى الواجهة .. في كل المنظمات الاقليمية تنعقد القمم وبين اعضائها من الخلافات والاختلافات الكثير ، ومع ذلك ، لا ينزلق أعضاؤها في دائرة العمل الكيدي ، بل يجتمعون حسب المواعيد المقررة ويتفقون على ما يتوافقوا عليه ويؤجلوا ما اختلفوا عليه ،ألا القمة العربية فهي الوحيدة من بين المنظمات الاقليمية الدولية التي تتحول أجتماعاتها الى حرب باردة وجبهات متصارعة تصل الى حد تعطيلها اوأرجاء عقدها أو أفشالها..

هناك وهم كبير يهيمن على عقلية معظم الانظمة العربية ، ويعتبر أحد العوامل الاساسية المسؤولة عن شلل القمة العربية ، الا وهو الفصل الكامل بين أمن الانظمة والامن الوطني (القطري ) والامن القومي العربي ( الامن الجماعي )،والاعتقاد بأمكانية تحقيق أمن النظام بمعزل عن الامنَّين الآخرين والاستعاضة عن الامن العربي الجماعي بعلاقات تحالف أو صداقة أو تبعية مع دول كبرى كالولايات المتحدة وبريطانية وحتى (أسرائيل ) بالنسبة للبعض ،وثمن هذه العلاقة معروف ونتائجها معروفة .. تخسر هذه الانظمة أمنها وتفرط بالامن الجماعي العربي ،وتنعزل عن شعوبها وتصبح أكثر هشاشة ازاء الضغوط الخارجية فتسقط في الحلقة المفرغة .. مزيد من التبعية يؤدي الى مزيد من خلخلة أمن الانظمة ، وهذه الاخيرة تدفع الى مزيد من التبعية ..

في الخمسينات والستينات عندما كانت بنية النظام العربي تميل لصالح قوى التحرروالثورة العربية كانت الجامعة أقرب الى نبض الشارع العربي وأكثر تمسكاً بالحقوق العربية ولم تكن انظمة التبعية آنذاك تتجرأ على ممارسة تصرفات مشبوهة أو اتخاذ مواقف يشم منها رائحة النفوذ الاجنبي ، أما اليوم فقد تغيرت بنية النظام العربي لصالح انظمة مرتبطة بقوى اجنبية تمكنت أن تفرض سياساتها ومواقفها على العمل العربي المشترك في ظل غياب مركز عربي قوي ومؤثر اقليميا ودوليا، مثلته مصر في الخمسينات والستينات، والعراق في الثمانينات .

ان قمة دمشق هي قمة الحرب الباردة بين تيارين سائدين في المنطقة .. تيار المقاومة والاستقلالية والمشروع القومي العربي ، وتيار الاعتدال كما يسمى .. تيار الاعتدال يريد افشال القمة العربية لتعميق عزلة سوريا عن النظام العربي الرسمي وتفعيل القرارات الامريكية المتخذة ضد ها مثل قانون محاسبة سوريا ، وتمكين سلطة محمود عباس في رام الله وقوى 14 آذار في لبنان من الامساك بمقاليد السلطة فيهما تمهيداً لفرض تسويات يريد الكيان الصهيوني لها ان تنهي المقاومة بصورة نهائية لكي ينفتح الطريق أمامه لتصفية القضية الفلسطينية والجولان السوري المحتل كليا .

الموقف السوري المعلن ليس ضد التسوية وهو مؤيد لمبادرة السلام العربية ، ويسعى لأستئناف المفاوضات مع الكيان الصهيوني بشأن الجولان ،ولكنه يتمسك بتسوية تعيد ارضه المحتلة وتقيم دولة فلسطينية في الضفة والقطاع ،ويحرص على تفعيل دور الجامعة العربية لحل الازمة اللبنانية ، غير أن مسار المواقف السياسية لتيار الاعتدال حمل سوريا مسؤولية تعثر الحل في لبنان واشترط عليها أن تحسم مسألة أنتخاب رئيس لبنان كشرط لمشاركة فاعلة في قمة دمشق ،وبخلافه سوف تنعقد قمة ينقصها الوفاق ويغيب عنها الاتفاق وتفشل في إخراج لبنان من أزمته وقد تفجر الخلافات العربية ـ العربية بعد القمة...

موقف تيار الاعتدال من قمة دمشق تحكمه اعتبارات الحرب الباردة ضد سوريا ، وهي حرب تحرض عليها الولايات المتحدة و(أسرائيل) ،رغم أن سوريا لم تشذ عن الاجماع العربي في قمة الرياض2007 سواء أزاء قضية (السلام ) والمبادرة العربية للسلام أو ازاء القضايا الفلسطينية والعراقية والسودانية ، وكانت مع التوافق في قراراتها .

ومن المتوقع جداً ان قمة دمشق لن تخرج بأكثر مما خرجت به قمة الرياض أو القمم التي سبقتهما بشأن جدول الاعمال ، كما ان قراراتها سيكون شأنها شأن قرارات القمم السابقة ، قرارات ورقية لن تجد سبيلها الى التنفيذ ... هكذا هي آلية العمل العربي المشترك تحت هيمنة تيار (الاعتدال) .. واي متابع للقمم العربية يستغرب لماذا كل هذا التهويل والاهتمام بالقمم العربية والجميع يعرف أنها تؤخر ولا تقدم في أي ملف أو قضية تتناولها . مبادرة السلام العربية ، مبادرة صنعاء لحل الازمة بين فتح وحماس ، مبادرة الجامعة العربية لحل الازمة اللبنانية ، اللامبادرة لمعالجة الاحتلال الامريكي للعراق ، صورية قرارات القمة أزاء قضايا السودان والصومال .. هذه ملفات أساسية يتم تداولها في السياسة العربية الرسمية بوصفها ملفات مفجرة للتناقضات والخلافات بين تياري الدول العربية (تيار الاعتدال) و(تيارالاستقلال) ،ولكنها في القمم السابقة حظيت بتوافق الجميع عليها ولم ينفذ منها شيء ، حتى مبادرة صنعاء لحل أزمة حماس وسلطة عباس والتي تعول قيادة اليمن على تبنيها من قمة دمشق ،ثمة من يعمل خارج القمة على قبرها ومصمم على تصفية حماس ونزع سلاحها بأي ثمن ،والاتفاقيات الاخرى مثل أتفاق مكة تستخدم لكسب الوقت للأنقضاض على حماس متى حانت الفرصة.. الحل العربي غير مسموح به لا بالنسبة لحماس ولا بالنسبة للبنان وسبق أن اعتمدت هذه الصيغة أو الشعار في معالجة دخول العراق الى الكويت عام 1990 وانتهت بفضل القمة العربية الى تأييد وتوفير اغطية العدوان الامريكي على العراق في 1991 و 2003 مع ان فرصة الحل العربي والتسوية السياسية آنذاك كانت كبيرة جدا ورحب بها العراق .

حماس يجب أن تضرب هذه هي المبادرة الوحيدة المسموح بها في غزة والضفة .. وكل ما سيصدر عن قمة دمشق حتى لو تمت صياغته بيد خالد مشعل نفسه ،سيبقى حبيس الورق الذي كتب عليه أما على الارض فالمطلوب رأس حماس ؟

أذن لماذا كل هذا الاهتمام من الدول العربية بقمة دمشق والقمم التي سبقتها ؟؟ قد يكون الاعتبار المعنوي هو ما تفكر فيه القيادة السورية وكذلك تيار الاعتدال ...حرب باردة في أروقة القمة ، وتناقضات وتوافقات على الورق ، ومواقف معبر عنها في قرارات قمة لا تلامس الارض بصرف النظر عن قوتها وضعفها .. كل هذا يجري والجميع يعرف أن الحرب الباردة الحقيقية والحرب الساخنة تخاض على الارض .وأن نتائج الارض هي التي تقرر من الذي سيفوز ومن الذي سيخسر .. والفوز والخسارة معيارهما الاقتراب أو الابتعاد من جماهير الامة العربية وقواها الحية الفاعلة والفوز بثقتها ..

القمة العربية الحقيقية ستكون في الميدان .. وهي ليست في حل الازمة اللبنانية وتتويج السنيورة زعيما مطلقا للبنان أوفي تتويج حزب الله زعيما مطلقا للبنان ،فسواءً مرر هذا الخيار أو ذاك لن تتغير بنية الوضع الجيبوليتيكي في المنطقة ،ولن يتهشم الكيان الصهيوني والهيمنة الامريكية على المنطقة العربية .

أن ما يحسم الملفات ويهيء لقمة عربية حقيقية هو صمود ونجاح المقاومة الفلسطينية في كل فلسطين ، وما يحسم الملفات هو نجاح المقاومة العراقية في أستنزاف قوات الاحتلال الامريكية والحكومة التي أنشأتها في العراق .. الحرب الباردة في قمة دمشق هي حرب بالوكالة نيابة عن اطراف معروفة وهي لا تحسم شيء ، لأن الحسم يجب أن يكون في ميادين المعارك الساخنة في العراق وفلسطين .. ومن المستحيل أن يجد الملف اللبناني حله بأي أتجاه قبل حل الملف العراقي ، وكل المؤشرات تقول أن المقاومة العراقية أنهكت أمريكا في العراق ، وأوصلت الحالة المعنوية لقواتها الى حافة الانهيار ،أما حكومة الاحتلال وعمليتها السياسية فقد انهارت اصلا ولم يبق منها الا ظلال لا تلبث أن تذوي هي الاخرى عاجلا أو آجلا .. الحسم في العراق قادم على أيدي المقاومة العراقية ، وعندها فقط يمكن حسم الملفات الاخرى المطروحة على القمم العربية ..

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                            الثلاثاء  /  25  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  01 / نيســـــــان / 2008 م