الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

الطائفية والمليشيات: ديمقراطية الخناجر الأمريكية لذبح عروبة العراق

 

 

شبكة المنصور

الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي - العراق - بغداد

 

ليس من باب التندر أن نسوق نموذجا" لانجازات أميركا بعد خمس سنوات من احتلال العراق، هو فوز فتاة مغاربية من أصل عراقي في برنامج ستار أكاديمي الصهيوني، ونموذجا" آخر هو فوز الفريق العراقي لكرة القدم ببطولة قارية، وقد صار هذان النوذجان سلاحا" يدعم حجج موظفي الادارة الامريكية في مقابلاتهم ومداخلاتهم الاعلامية. ولا نمتلك نحن هنا أية نية للنيل من هذين المنجزين في حياة (العراق والامة العربية)، الاّ اننا لا نظن بضرورتهما لحصول الاحتلال، الى جانب ان من العرب من أنجز خلال هذه السنوات ماهو أعظم وأهم دونما احتلال مباشر لأراضيه مثل حصول المصري احمد زويل على جائزة نوبل للكيمياء، وفوز مصر ببطولات قارية بكرة القدم، وانتشار العشرات من مبدعي فن الغناء من مختلف الاقطار العربية، كما ان حانات الليل العربية تحفل بعشرات الراقصات المبدعات واللواتي يُجدن الرقص أفضل بكثير من بعض الغجريات النازحات من العراق واللواتي جادت بهن يد الاحتلال لتشجيع السياحة في سوريا والاردن، دون ان تكون تلكم البلدان قد غزاها المارينز وأساطيل البر والجو والبحر.

واذا غادرنا هذه الانجازات الامريكية التاريخية فاننا سنجد انفسنا في غابة من الانجازات الحقيقية لا يتجادل اثنان في اهميتها التي تشبه اهمية (الحشرات الاقتصادية)، التي قرأت عنها في أحد كتب الأحياء قبل اكثر من عشرين عاما" ومازلت الى الآن أتساءل عن جدوى استخدام مصطلح (الأهمية) لحشرات تأكل الزرع وتنشر الدمار بين الاخضر واليابس، واخرى تتلف تمرنا العزيز، ولا أعرف سببا" حقيقيا" لصعود الاهمية الاقتصادية للحشرات هذا، الى قمة ذاكرتي كلما سمعت أو قرأت شيئا" يتعلق بانجازات الاحتلال في العراق خلال خمس سنوات خلت. ولكنني سأستعير هذا التشبية وأنا أحاول حصر (أهم وأهمية) الانجازات التي سأحاول تكثيفها فيما يأتي:

أولا": تدمير الصناعة العراقية وازالة منشآت عملاقة من الوجود، كانت ميزانيات تشغيلها تضاهي أو تزيد على ميزانيات دول، وكانت لحين وقوع الغزو تنتج مواد مدنية وعسكرية يحتاجها أي بلد في العالم مستعبدا" كان أم حراط وسأسوق بعضا" من هذه المنشآت التي تقع في مناطق (مظلومية الشيعة) كمثال لما أقول، مثل منشآت القعقاع وحطين والرشيد والقادسية والميلاد والفرات والصناعات الميكانيكية والأثير (للطاقة الذرية) وأاسمنت كربلاء وأسمنت السدة ومصانع نسيج الحلة والكوت وسكر ميسان وبتروكيمياويات البصرة والحديد والصلب ومصانع الورق في البصرة ومصانع الألبسة الجاهزة في النجف والكوت والشركة العامة لصناعة الاطارات في النجف والديوانية ... وسأترك للقارئ الكريم البحث عن عشرات المصانع والمنشآت الأخرى التي دمرت كلا" أو جزءا" في عرض العراق وطوله، وتم نقل الاجهزة والمعدات الثقيلة منها الى بعض دول الجوار، حيث أُهديت أو بيعت، والى اسرائيل. لقد كان عدد العاملين في هذه المنشآت التي ذكرت فقط من حملة الشهادات العليا وصولا" الى عمال الصيانة والتنظيف يزيد عن نصف مليون عامل، قُتل منهم مَن قُتل وأُعتقل مَن أُعتقل وهُجر مَن هُجر وجلس الباقون في بيوتهم ينعمون بالديمقراطية ويحلمون بأطياف العراق الجديد.

ثانيا": تدمير المؤسسات التي ترتكز عليها أية دولة في الدنيا (ماعدى دولة بريمر الجديدة) في انتاج الخدمات لشعبها ومن بينها خدمات الأمن العام والماء والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها, وان تبقى شئ منها فلقد أُصيب بشلل مستديم يعرفه القاصي والداني ولا يمكن ان نستبعد انه ربما قد أُستبقي عمدا" ليكون مصدرا" مفتوحا" لانفاق ملايين الدولارات دون ان يتحرك به نبض واحد لحياة جديدة.!! وقد تعرضت كوادر الدولة التي كانت تدير عجلة هذه الخدمات هي الأخرى، الى التصفيات الجسدية والاعتقال والتهجير والامر يحتاج الى بحث متخصص، نتمنى أن يُجريه باحثون متخصصون لنعرف بالضبط كلفة الوحدة الواحدة التي تبقت من هذه الخدمات وظلت تُقدَم مع انفاق الملايين والمليارات عليها، ويقينا" اننا سنحصل على نتائج كارثية ستُضاف الى منجزات اميركا في الفن والرياضة العراقية، وستدخل حتما" الى سجلات غينس للارقام القياسية، كأن نحصل على قيمة500 دولار للأمبير الواحد من الكهرباء على سبيل المثال لا الحصر، وقيمة مليون دولار لأعداد شرطي في الداخل العراقي ومليون ونصف المليون قيمة أعداد الشرطي في دول الجوار أو احدى الدول الحليفة لاميركا في اسقاط النظام الوطني العراقي.

ثالثا": ابتكار وسائل فوضى (خلاقة) في ادارة موارد وثروات البلد لكي تصبح عملية نهبها من الغزاة بنسبة 90% وعملاءهم بنسبة 5% ونهب المتبقي بعد أن يوضع في ميزانية دولة لا يوجد منها حقا" وفعلا" غير الاسم. إنّ الفساد المالي الذي يتحدث عنه الغزاة وعملاءهم في مفاصل أشباح الدولة العراقية ما هو الاّ جزء من بدعة الفوضى الخلاّقة وهو في حقيقته المرة تغطية على أضخم عملية نهب لموارد دولة شهدها التأريخ القديم والحديث وتسويغ لاستمراره تحت غطاء البحث عن وسائل (خلاقة) لايقافه وكأن سُبل مكافحة الفساد المالي قد صارت عصية على اعظم قوى العالم في الادارة والسيطرة وتكنولوجياتها المختلفة. ويقينا" ان الارتفاع في اسعار النفط التي حصلت تصاعديا" مع تصاعد الفوضى الخلاّقة في العراق لتصل ارقاما" فلكية غير مسبوقة هي جزء لا يتجزء من عملية النهب الامريكي المنظم لثروات العراق. ان المليشيات والطائفية التي خلقتها و شكلتها ايران واميركا قبيل احتلال العراق كانت جزءا" من خطة ادخال العراق في فوضى عارمة تسهل عملية ذبح وجوده الوطني والعروبي تحت ستار اعادة تشكيل الدولة الى جانب عملية نهبه وسرقة ثرواته، كما ان دعاوى اعادة تشكيل الدولة هي الاخرى باطلة ومزيفة وكاذبة وغرضها توفير اغطية اهلاك الكيان الوطني العروبي لدولة العراق في اثناء سرقة ثرواته ونهب كل ما يملك من موارد هائلة في أجواء يضيع فيها القياس والرصد والملاحقة الادارية والقانونية والتشخيص والتدقيق ويسجل كل جرم يقترف في أي مفصل من مفاصل الحياة ضد مجهولين، سواءا" ما يتعلق بالملايين من العراقيين الذين سلبت حياتهم خلال السنوات الخمس الماضية أو لثروات العراق وممتلكاته المنهوبة.

رابعا": لقد أدخلت الطائفية وميليشيات الاحزاب الطائفية في إعادة تأسيس هياكل الحكومة بطريقة واسلوب أقل ما يُقال عنهما انهما مريضان بالسل أو بمرض خبيث لا يعرف له الطب علاجا" أبدا". فكان الناتج الحاصل مريضا" عليلا" لا يرجى له شفاء. والعجب العجاب ان نرى ونسمع بأم أعيننا وآذاننا عن هياكل للشرطة والجيش والحرس ومؤسسات الدولة ووزاراتها وبرلمانها ومجلس رئاستها وقد وزعت بطريقة الكانتونات الاقطاعية إن صح التعبير. ومن البديهي ان تتقاتل الطوائف والملل والنحل النامية تحت سرف الدبابات ويصم آذانها أنين الطائرات فوق سماء بغداد والنجف والبصرة والسليمانية واربيل والموصل والانبار من اجل زيادة حصصها الموزعة ديمقراطيا" وان تتسابق في امتلاك السلاح المستورد سرا" وعلنا" من شريك الامريكان بالاحتلال وكل ما فرخه من أمراض ودمار ونقصد بها الجارة (المسلمة) (الشيعية) ايران، للدفاع عن ممتلكاتها من الوزارات والمديريات والمحافظات والجامعات واراضي المصانع المدمرة والمزالة من الوجود وما تحتاجه ايضا من المعتقلات والمستشفيات ومراقد الائمة المقدسة والحوزات الطائفية وغير ذلك مما يستدعية تاسيس الديمقراطية في بلد علي بابا وعشائر الحرامية، وان يكون العراك الكلامي الممجوج بين أطراف الاحزاب الطائفية والميليشيات هو العنوان الآخر للديمقراطية الامريكية المبتكرة في العراق والذي يمكن تشبيهه بشجرة الصفصاف أو فحل التوت، لا طائلة من وجوده ولا خسارة من عدمه. نحن نكتب هذه الحقائق من بلد يعيشها ولسنا نتهكم او نتجنى او نقتبس من وسيلة اعلام سمعناها او قراناها، وكتبناها ونحن شهود عشنا زمن الترف العراقي, زمن بنينا فيه بلدا شهدت له الدنيا كلها عظمة الانجازات في الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والخدمات رغم ان جسده قد كان يمزقه رصاص العدوان المتواصل من يوم أُمم نفطه حتى يوم احتلاله. نحن شهود بين زمن البناء العملاق الذي شهدت له في كل روافد الحياة وكل مؤسسات التنمية البشرية مؤسسات دولية بوثائق يمكن لأي كان ان يعود لها في ارشيف الامم المتحدة ودوائرها المختلفة، وبين الزمن الذي جاءت خناجر الطائفية وسيوف المليشيات محمية باساطيل اميركا لتذبح العراق وتُدمر ما انجزه شعبه العظيم عبر اكثر من ثلاثين عاما مكللة بجهد عملاق فريد.

ان النظام الديمقراطي الشفاف الذي يبنى على الطائفية والمليشيات هو اكبر كذبة انتجها الاحتلال واعوانه لذبح العراق والقضاء على كيانه الحر الموحد وهويته الانسانية التي عَرفت عبر الاف السنين التعايش الاجتماعي السمح الكريم، وعقيدته القومية العروبية ومناهجها السياسية المؤمنة بوحدة الامة ووحدة قدرها ومصيرها. ولم يعرف العراق في كل تأريخه الممتد الى آلاف من السنوات، الطائفية وأدوات قتلها للناس الاّ بعد ان احتلته اميركا وشلة الاقزام الذين جاءت بهم تحت عنوان مخادع هو المعارضة العراقية رغم ان البلد قد عرف المذاهب الاسلامية كنتاج فكري للاسلام الحنيف. ولم يعرف العراق ولم يجرب وجودا" سالفا" لأية ميليشيا في تأريخه، ونؤكد هنا ان البعض من المرضى حين يسمون الجيش الشعبي بالميليشيا فانهم بذلك يتجنون على صيغة عمل عسكري شبه نظامي تشكّل لاسناد جيش العراق العظيم في زمن الحرب التي واجهت خطط ايران التمددية التي وضعت تحت برامج تصدير الثورة المعروفة للجميع وان هذا الجيش كان ينتظم به جميع العراقيين من اقصاه الى اقصاه وان سلاحه كله كان ملكا" للدولة وتحت سيطرتها المطلقة.

ويخطئ من يظن ان هذا النتاج الامريكي قد جاء بفعل صدفة أو عشوائية.انه امر قد خطط له بعناية ليكون عنوانا" للديمقراطية. أوَ لا تعني الديمقراطية في بعض معانيها التعددية في كل شيء؟!!! وفي بلد عشقته الديمقراطية الامريكية – الصهيونية – الفارسية. أَلا يستحق ان تمنحه الديمقراطية الشفافة حقوق الموت والدمار تحت يافطات تعدد الاحزاب الطائفية وميليشيات القتل والنهب والتصفيات الجسدية وحماية الممتلكات من الوزارات والدوائر التي تم توزيعها ضمن اطار المحاصصة الديمقراطية المستوردة فوق رؤوس الصواريخ والقنابل التي فتكت بالعراق كدولة وكأول تجربة في تأريخ الدول تصير فيها الوزارات ومؤسسات الدولة اقطاعيات ملكية للطوائف والمليشيات وهي اول تجربة بهذا المنحى ضمن تجارب العالم الديمقراطية، انها ابداع عقلية المحتل الامريكي الصهيوني الايراني لذبح العراق العربي المسلم.

ان ديمقراطيات الطائفية والمليشيات قد أُريد لها ان تكون كيما تقضي على العراق البلد القوي المتماسك, العراق المنتج المتقدم الى أمام, العراق المتماسك بشعب يسوده التجانس والمحبة رغم ازدهار الوان حياته بالتعددية الدينية والعرقية والمذهبية, العراق ذو الفعل الوطني القومي العروبي, العراق الذي يهدد ببناء أمة واحدة وبانهاء الكيان السرطاني اسرائيل. ودعونا نعترف .. ان اميركا قد نجحت بتدمير العراق تحت غطاء دعاوى الديمقراطية التي ارادت اميركا ان تلبسها غطاءا" مهلهلا" لحجب حقيقة الاحتلال بعد ان سقطت بقية ادعاءاتها التي سوقتها لتسويغ الاحتلال الاجرامي وكذبتها هي قبل غيرها مثل دعاوى الاسلحة الفتاكة والعلاقة بالقاعدة. وعلى العرب كما أهل العراق ان يدركوا ان حب بعضهم للديمقراطية واعتراف البعض بحق الطوائف في التحزب وحماية الذات قد ادى الى تدمير العراق ... ومن الحب ما يذبح دولا" في زمن العولمة وضياع الاخلاق .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                         الخميس  /  04  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  10 / نيســـــــان / 2008 م