بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

هل يدفع العرب ثمن الصراعات ؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

احتدم الصراع داخل المؤسسة الفارسية الحاكمة بين تيارين مختلفين في برنامجهما القومي الفارسي السياسي وطريقة أداء ذلك البرنامج وهما التيار الإصلاحي والتيار المحافظ الذي ارتفع نجمه في الانتخابات البرلمانية التي جرت مطلع الأسبوع الحالي ولكنهما متفقان حد اللا نهاية في الأهداف القومية الفارسية , فمن خلال ما يطرح يظهر بجلاء كم إن هذين التياران متفقان جدا في الخضوع المطلق لنظرية الوالي الفقيه والالتزام بأوامره وبالخط العام ( للثورة الإسلامية الفارسية ) ونشر الفكر الفارسي من خلال سقطات اللسان أثناء الحديث والتي تكشف ما تكنه القلوب , وأيا كان الطرح فهذا شأن فارسي وما يتعلق من الأمر بنا كأمة عربية نجاور الفرس منذ الأزل الى قيام الساعة فهذا أمر لا خيار لنا به ( وكم استحضر مقولته رضي الله عنه حين تمنى إن يكون بين العرب والفرس جبل من نار ) فلا تأتينا منهم إلا الفتنة ومحاولات السيطرة وفرض النفوذ الفارسي على شعبنا .

إن ما يلفت الانتباه التزام جميع المتحاورين الفرس بالمشروع القومي الفارسي , فما هو هذا المشروع وما هي أهدافه ؟

مشروع الفرس القومي لا يتعدى عن حلمهم بإقامة إمبراطوريتهم الامبريالية التوسعية بالتمدد وقضم وابتلاع ما استطاعوا من أراضي وشعوب جيرانهم وهذا ما يؤكده تاريخهم بغض النظر عن القومية او الدين تحت ذريعة واحدة هي نشر الإسلام الشيعي وفرضه على عباد الله اليوم عن طريق الالتزام بولاية الفقيه الذي يحكم بأمر الله في الارض وتسخير شعوب الارض عبيدا بين يديه ومن ثم الى قومه الفرس , وهذا المشروع لم يكن وليد ساعته بل على امتداد التاريخ الفارسي منذ قيام دولتهم وغزو ملكهم كورش ( او قورش) لبابل وإسقاط أسرتها سنة 539 قبل الميلاد يتظاهرون بتمسكهم بالديانات سواء سماوية كاليهودية قديما والإسلامية لاحقا بعد إن فرض عليهم قسرا او وضعية كالمجوسية الى عصرنا الحديث لما تملك من تأثير على عواطف الشعوب فهم يدركون مدى تمسكهم بعنصريتهم الشوفينية ويصرون على تبنيها وممارستها كما يدركها من يجاورهم وهذا سر العداء الفارسي لمن جاورهم وخصوصا العرب ومصداق ذلك تمسكهم لحد الآن بالجزر العربية الثلاث والتلويح بين الحين والآخر تمسكهم بفارسية الدويلات القائمة على ضفة الخليج العربي الغربية لاعتبارات امتازت بها هذه المنطقة دون غيرها تؤثر على المواقف السياسية والاقتصادية العالمية ويعطي تفسيرا واضحا لتطوير برامج التسليح الفارسية على الرغم من تدهور اقتصادها وانخفاض المستوى ألمعاشي لمواطنيها وتكرار الأزمات الخانقة للحكومات الفارسية المتعاقبة , خصوصا بعد إن قامت الولايات المتحدة الامريكية ضمن تطبيق برنامج تحالفها مع الصهاينة والفرس بإسقاط الحكم الوطني في العراق وتدمير بناه التحتية وتحطيم قدراته العسكرية القتالية بعد إن كان الشوكة التي تردع أطماعهم في المنطقة .

في عودة سريعة لبدايات القرن الماضي حيث بدأت الدولة العثمانية التي كانت تفرض هيمنتها على اغلب أراضي الوطن العربي وانتشار حدة الفكر الشوفيني العنصري التركي ونشوء الجمعيات القومية التركية وهيمنتها على مفاصل الدولة العثمانية الهزيلة وما رافق تلك الظروف من فرض سلطات تعسفية على الولايات العربية لم تتوقف على سوء أحوال المواطن العربي المعشية بل تعدتها الى الإعدامات التي أصبحت في الشوارع وبدون محاكمات بإرادة الوالي العثماني لكل معارض او وطني , في تلك الظروف القاسية بدأ التغلغل الاستعماري الأوربي يأخذ مداه في المنطقة التي تعارف على تسميتها بالشرق الأوسط , ومع دخول القوات البريطانية الغازية الى جنوب العراق بعد إن أتمت ربط منطقة الخليج العربي باتفاقيات تؤكد هيمنتها على المنطقة , وبعد اندلاع الحرب العالمية الاول عام 1914 وقرار غزوها العراق , ورغم التباين الواضح بين القوتين البريطانية وما جندته من جيوش من جهة والعثمانية التي ينخرط ضمنها أبناء الولايات العربية , انبثق صراع بين تيارين, الاول يحمل الطابع الإسلامي يطالب بالدفاع عن الدولة العثمانية باعتبارها راعية لشؤون المسلمين ضد الغزو الصليبي انخرط ضمنه العديد من الشخصيات الدينية المعروفة آنذاك بغض النظر عن انتمائها الطائفي والتي مثلت خط المقاومة العراقية الوطنية والتي اشتبكت مع قوات الغزو البريطانية في معارك مهمة مثل تلك التي دارت في منطقة الشعبية والكوت جنوب القطر التي انكسرت فيها بريطانيا مما دعاها الى إعادة حساباتها وتقيمها لمجمل العمليات العسكرية القتالية , والتيار الثاني الذي يدعو الى الخلاص من الظلم العثماني والانفتاح الى العالم الغربي رغم النتائج التي تحصل جراء ذلك .

في خضم تلك الأحداث كان تيارا ثالثا قد اشتد عوده وقوى عزمه استطاع إن يفرض وجوده على مسرح الأحداث ونال تأييد ودعم غالبية المسلمين والعرب على امتداد وطنهم وانخرط فيه كل الوطنيين هو التيار القومي العربي الذي انبثقت منه بدعم القوى الإسلامية الثورة العربية الكبرى عام 1916 بقيادة الشريف حسين بن على ليظم بين قياداته كل التنظيمات القومية في سوريا والعراق ولبنان والأردن وفلسطين وجزيرة العرب التي كان لها الفخر بان تتزعم الحركات والثورات التحررية العربية في أقطارها التي آلت نتيجتها الى طرد المحتل على اثر الغدر الغربي للثوار في معاهدة سايكس – بيكو ورغم الأساليب الخبيثة الملتوية التي اتبعها في التعامل مع الثوار .

وليس سرا إن المنطقة العربية كانت ولا زالت هدفا تتكالب عليه القوى العالمية الكبرى لفرض المشروع الامريكي الصهيوني الرامي الى اقامة دولة يهودية في فلسطين ليس حبا او مجاملة لليهود فقط بل لتكون ذراعها وأداتها الأولى لتنفيذ ما بعدها ومن بين استحقاقات تنفيذ هذا المشروع فرض الهيمنة الصهيونية على أقطار المنطقة العربية بعد تفتيتها الى دويلات طائفية وعرقية هزيلة وذلك ما نتج عنه ومنذ منتصف القرن الماضي عدم تمكين الشعب العربي في هذه الأقطار من الحصول على استقلالها التام وربطها بتطور صناعة القرار الامريكي سياسيا واقتصاديا والاستسلام لتنفيذ إرادته , ورغم إن ما يبدو للوهلة الأولى إن هناك تقاطع بين المشروع الفارسي والمشروع الامريكي خلافا لحقيقة الأمر التي تؤكد غير ذلك , فقد احتلت قوات الغزو الهمجي الامريكي بتحالف اغلب الدول الغربية والصهيونية العالمية معها العراق صاحب المشروع النهضوي القومي العربي القوي بعد أن أنجزت أهدافها لتسلمه للإدارة الفارسية لإكمال دورها من خلال المليشيات وأدوات الحكومة العميلة وعناصرها الذين غذتهم بأساليب المعرفة والسلاح والقوة القادرة على تنفيذهم لأدوارهم بكل دقة .

لقد تمكنت القوى المعادية للقومية العربية وبأساليب مختلفة من احتواء زعماء الحكومات العربية التي تعتبر أدواتها المهمة المكملة لدورها مستغلة فيها نهمها في سرقة أموال الشعب العربي وثرواته الطبيعية وتهالكها باتجاه الحفاظ على مناصبها السلطوية فغذتها بعناصر القوة ودعمتها بما يرسخ القطرية وإجهاض أي مشروع وحدوي او قومي بما يوحي للمواطن العربي إن هدف الوحدة العربية حتى في ظل نظام فدرالي أمر مستحيل بعد إن شغلته بهموم معاناته من حياته اليومية , وتأسيسا على ذلك ضاعت فلسطين وتشرد شعبنا العربي فيها فبدلا من التآم وحدة فصائلها الجهادية وتوحد قياداتها تشتت زعاماتها واختلفت مصدر القرار , وهكذا الحال بالنسبة الى لبنان الذي أصبح ساحة نموذجية للصراع الدولي ناهيك عن الصراع العربي – العربي خصوصا بعد الهجمة الامريكية الفارسية على العراق .

إن الإنهاك والتعب الذي واجهته امريكا في العراق على جميع الصعد سواء البشرية او الاقتصادية وفشل آلتها العسكرية المتطورة نتيجة لعنف وشراسة ضربات المقاومة العراقية الباسلة دفعها الى التفكير الجدي بمن يمكن إن يكمل مهمة تفتيت المنطقة العربية بعد انفراط عقد التحالف الذي حشدت له في بداية عدوانها بما فيها حليفها الاول بريطانيا التي تعاني من معارضة داخلية شعبية شديدة لسياستها المساندة للولايات المتحدة الامريكية وذلك ما أعلنه بلير رئيس وزرائها السابق في هذا الأسبوع , فبعد إن فشلت في إيجاد البديل العربي باستثناء البعض الذي يكن الحقد لشعب العراق لمواقف سابقة معينة مثل حكام الكويت وبعد إن فشلت في الحصول على الدعم الإسلامي عملت على تسليم العراق على طبق من ذهب الى الفرس الذين لا يضمرون الى الشعب العربي والعراقي بشكل خاص الذي جرعهم السم الزعاف حين صد ريحهم الصفراء طيلة ثماني سنوات وهم لا يكنون للعرب إلا الحقد والكراهية ولتوفر كل الظروف المناسبة التي تؤدي بالفرس الى تحقيق مشروعهم القومي التوسعي فقد تم إدخال الملايين من الأجهزة الأمنية من عناصر اطلاعات وحرس ( الثورة ) الى العراق إضافة رعاياهم في العراق من حاملي الجنسية العربية او غير العربية ممن يمارسون اليوم العنف الطائفي وقتل الأبرياء وهذا ما يفسر لنا التنسيق المستمر بين الطرفين والذي كان آخره ما وفرته القوات الامريكية لمحمود احمدي نجاد الذي نزل في بغداد غير مرحب به شعبيا ليعلن تحديه للمشروع القومي العربي وليؤكد خاسئا نجاح المشروع القومي الفارسي الذي بدأ في مؤتمر قمة دول الخليج العربية وتأكيد سوريا دعوة الحكومة الفارسية التي ستمثل في القمة العربية الذي سيعقد أواخر شهر آذار الحالي بمستوى وزير الخارجية .

رغم ما حصل ويحصل في العراق والوطن العربي فان الادارة الامريكية تبقى على حذر شديد لأنها على يقين تام إن الشعب العربي حر وأبي وحي ولا يمكن لها او لغيرها مهما تعددت وتنوعت أساليبها إن تقهره لذلك تحاول إن تعطي دور إضافي الى عملائها يمنحها غطاءا عربيا شرعيا جسده دكتشيني نائب الرئيس الامريكي في بغداد يوم أمس 17 آذار حين دعا الحكام العرب للمساهمة في الاحتلال ضمن مبدأ التظليل بإثارة فتنة بين العرب والفرس في الصراع الدائر في العراق منذ خمس سنوات .

إن الفكر العربي الذي يحمل الهوية الإسلامية الخالية من أي تشويهات هو الفكر الوحيد القادر على الصمود بوجه كل التحديات والتحالفات المشبوهة التي تستهدف وجود امتنا العربية , وهو الذي ينتقل بها الى شاطئ الأمان والذي تتبناه كنموذجا قوميا عربيا اليوم القيادة العليا للجهاد والتحرير في العراق والتي ترويها بدماء الأبطال المجاهدين يشد من أزرهم كل العرب والمسلمين الخيرين الشرفاء .

Iraq_almutery@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                             الثلاثاء /  11  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  18 / أذار / 2008 م