بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

البرزاني في مهب الريح نحن نرتاح وهو يستريح

 

 

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

كانت الأيام القليلة الماضية حبلى بالأحداث المهمة على الصعيد العام وكان للبرزاني الحصة الكبرى منها رغم أنها جاءت متوافقة من المثل الشائع" ليس كل ما يتمناه البرزاني يدركه" حيث جرت الرياح بما لا يشتهيه الزعيم القبلي!

فبعد زيارته الفاشلة إلى الكويت لغرض تنسيق مواقف العمالة والإجهاض على ما تبقى من العراق, كانت النتائج مثيرة للحيرة ففي الوقت الذي أعلن فيه مكتبه بأن زيارته الرسمية إلى الكويت ستستمر لمدة يومين يلتقي خلالها بأمير دولة الكويت صباح الأحمد ومباحثات مع كبار المسئولين, فأن هذا الزعيم المسكين تفاجأ عندما وجد في استقباله وزير العدل الكويتي جمال الشهاب ووكيل وزارة الخارجية, وبلع الزعيم ريقه مطيبا خاطره بأنه سبق للرئيس الطالباني أن أستقبل خلال زيارته لفرنسا العام الماضي من قبل وزير الرياضة الفرنسي, فما وجه الغرابة في ذلك؟ وفعلا كان لهذا الأفيون المهدأ تأثيره بالحفاظ على رباط جأشه, وكانت خاتمة الزيارة أبشع من بدايتها حيث انه لم يحظى بلقاء الأمير وإنما ولي العهد الشيخ نواف الأحمد, وكان في وداعه في المطار مستشارين في بديوان ولي العهد! كانت تلك صفعة كبيرة تلقاها على خده الأيسر بعد أن وجه له رئيس وزراء الصين صفعة على خده الأيمن برفضه اللقاء به العام الماضي, يمكن أن يعتبر البعض أن المسألة طبيعية ولا حاجة إلى تأويلها ولكن الحقيقة أن هذا الزعيم ما زال يحلم بأن يطل على العالم كزعيم يستقبله رؤساء دول ولكنه لم ولن يحظى بمثل هذه الفرصة, ويؤكد علماء النفس أن الذي يعاني من عقدة "مركب النقص" وهو ما ندعوه بالتقزم فأن هذه العقدة ستلازمه طيلة حياته.

ولأن المصائب لا تأت فردا فأن البرزاني صحا على مصيبة ثانية عندما القي القبض على أبنه مسرور في فيينا الذي يترأس منظومة استخبارات الإقليم مع خمسة أفراد من طاقم حمايته بعد شروعهم باغتيال الكاتب الكردي المعروف د. كمال السيد قادر وهو مجنس بالجنسية النمساوية وأصيب بجراح بالغة, وتعتقد مصادر طبية بأن الكاتب بعد أصابته بالرأس فأنه من المتوقع أن يفقد القدرة على النطق, والذي يعرف الكاتب لا يستغرب هذه المحاولة الجبانة التي تكشف طبيعة الحكم العشائري في الإقليم المزعوم, والديمقراطية الجوفاء التي يتباهى بها عملاء الاحتلال من القادة الأكراد وهم يستنفرون عصاباتهم لإسكات المعارضين داخل وخارج الإقليم, فالسيد قادر من المعارضين لنظام الحكم القبلي وسبق أن اعتقل خلال زيارته الأخيرة في كردستان حيث حكم بالسجن لمدة(30) عاما بسبب كتاباته ولنتصور مدى شراسة هذه الطغمة المجرمة وهي تنفذ مثل هذا الحكم الجائر الذي يفرض عادة على كبار القتلة وعتاة المجرمين وليس على صحفي تجرأ لينتقد حاكم, ولولا الضغط العالمي والجنسية النمساوية لما تمكن السيد قادر الخروج من السجن ليعود إلى النمسا بعد أن طوى ملف زيارته للإقليم للأبد, ولم يتبادر إلى ذهنه بأن هؤلاء السفاحين سيغتالونه في عقر داره في فيينا, فالمسافات لا تعيق الاغتيالات كما يحدثنا التأريخ. ولم يكن من المستغرب أن تكون للسفارة العراقية يد بهذه الجريمة سيما أن السفير طارق العقراوي من الأكراد المعروفين بتعصبهم العنصري وعنجهيته الزائفة وانتهازيته المزمنة وفضائحه المخجلة.

وليس إسكات الأقلام المعرضة سوى تعبير عن أزمة النظام العشائري الاستبدادي في الإقليم وهي نهج دأب النظام على ممارسته لمصادرة الرأي الآخر والذي يمثل انتهاكا صارخا لحقوق المواطن, فبعد منتصف الشهر الحالي اعتقلت قوات البرزاني الكاتب جوني خوشابا التريكاني في مدينة تلكيف بدون مذكرة رسمية وتم اقتياده عنوة إلى معتقل في مدينة دهوك بانتظار الحكم عليه ومن المعروف عن الكاتب أن علماني الاتجاه ويرفض تدخل رجال الدين في السياسة كما يرفض التمييز العنصري والتوجهات العشائرية في نظام الحكم, وسبق أن انتقد سياسة الإقليم انتقادا لاذعا مما جعل البرزاني يوعز لعصابته باعتقاله لإسكات صوت الحق بعد أن عجز عن شراء قلمه بأمواله المغموسة بدماء العراقيين من العرب والأكراد والتركمان.

المحطة الثالثة في مشوار البرزاني كانت مع الاكتساح الشامل للقوات التركية للإقليم لملاحقة حزب العمال الإرهابي الذي يدعمه الزعيمان الكرديان, فبعد أن جلس عدد من الجنود الأتراك يحتسون لبن دهوك الشهير في منطقة العمادية ويتنزهون في شوارعها رغم إن العملية محدودة النطاق كما أشارت المصادر التركية والأجنبية, ويبدو أن زعيم الإقليم أراد أن يريح الجنود الأتراك فبدلا من تحقيق وعده بأن البيشمركة مستعدون لمقارعة الأتراك سيما إنهم حصلوا على الغنيمة من مجلس النواب بالموافقة على تخصيص 17% لهم من واردات العراق النفطية للصرف على البيشمركة, فأنه أوصى جحوشه بعدم إزعاج الأتراك في سياحتهم في العمادية واصدر أوامره المشددة بعدم إطلاق النار على الجنود الضيوف في الإقليم, متجاهلا تهديداته السابقة, ويبدو أن البرزاني قد فهم الدرس جيدا فهو بين نارين أما أن يفقد زعامة إقليمه أو يغض النظر عن الاجتياح التركي فقرر الاحتفاظ بمنصبه والمغامرة بالإقليم! ومن الطرائف أن القائد الهمام أمر البيشمركة بأخلاء مواقعهم والانسحاب إلى مدينة أربيل, وذكرت مصادر إعلامية أن الجبهة مع الأتراك لم تتغير أو ولت ظهرها للقوات التركية ولكن القائد المحنك رفض أي احتكاك معها خشية تطور الأمور إلى الأسوأ. ومن أجل مداواة خواطر الضيوف الأتراك فأن البرزاني لم يطلب هذه المرة من مجلس النواب أن يناقش موضوع الاجتياح , كما انه لم يستنجد بالقوات العراقية, فعلى العكس من ذلك, فأنه لأول مرة يستخدم عبارة" كردستان العراق" بدلاً من كلمة" كردستان" حاف.

وللحفاظ على ماء الوجه فأن البرزاني غير تهديده بزاوية مائة وثمانين درجة, معتبرا أن الاعتداء على أي مواطن أو منطقة مأهولة سيجابه بمقاومة شاملة، مؤكدا بأن الاستعدادات قد اتخذت, ويبدو انه لم يطلع على استغاثة القرى الحدودية التي أصابها التدمير بفعل الاجتياح التركي أو هجرة الآلاف لقرائهم والتوجه إلى مدن آمنه! الغريب إن البرزاني عندما طلب من بيش مركة عدم إطلاق النار على الضيوف الأتراك فأنه هدد باستخدام السلاح ضد أبناء جلدته الذين يرفضون تنفيذ الفقرة (140) لضم كركوك عنوة إلى إقليمه؟ وفي الوقت الذي يعتبر نفسه حاكما فعليا لدولة موهومة فأنه لا يخجل من مخاطبة الرئيس بوش بكلمة( سيدي) وليس سيادة الرئيس, فكأنما هو جندي في قوات الاحتلال وان كان هو فعلا جنديا قزما في طابور العمالة, ولا يتوانى أن يستجدي كالشحاذين عطف الرئيس الأمريكي للتوسط لدى اردوغان كي ينظر بعين العطف لفتح حوار معه, معلنا استعداده لقبول كل ما يرتأى سيده بوش من حلول حتى لو كانت مهينة, بعد أن ذكر بوش بفاجعة أكثر مرارة من العلقم "أنه لم يسقط جندي أمريكي قتيلا في كردستان منذ الغزو, في حين سقط العديد منهم في بقية إرجاء العراق" متجاهلاً أن تلك الفقرة بحد ذاتها إنما هي وصمة عار في جبينه وجبين إقليمه المزعوم مختزلا الشعب الكردي كله بقالب العمالة , رغم إن معظم الشعب الكردي رافضا لسياسة هذا الزعيم العشائري و تأريخه الأسود المملوء بالمؤامرات على العراق, تلك العمالة التي ورثها بحب وشغف من أبيه وأورثها حيا إلى أبنه العتيد (مسرور) والذي تحول إلى (مسعور ) بعد تورطه في عملية اغتيال كمال السيد قادر.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتنصل فيها البرزاني عن تصريحاته وتهديداته السمجة وليست المرة الأولى التي يشحذ فيها العون من الرئيس الأمريكي فالسياسة في مفهومه هي فن التقدم والتراجع, وفن المناورة والاختباء, وفن الحفاظ على الامتيازات وفن الانقلاب على المبادئ, أي أنها بالاختصار " فن العمالة". ولاشك أن المستقبل سيتحفنا بالكثير من هذه المواقف المخزية التي أمست من الصفات المميزة لهذا المهرج الذي حول إقليمه إلى سيرك للسخرية والتفكه.

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                           الثلاثاء /  18  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  25 / أذار / 2008 م