بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

نساء شامخات كشموخ نخيل بلادي

 

 

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

اليوم العالمي للمرأة مرت ذكراه في العراق المحتل مرور السحاب كما يصف الشاعر لا ريث ولا عجل.. انه ليس مرورا عابرا كما يخيل للبعض انه بالأحرى هروبا شائنا تاركا ورائه آثارا موغلة في العمق هي دلائل يمكن أن نتبع أثرها لنصل إلى الحقيقة المرة لواقع المرأة العراقية في ظل الاحتلال, براثن دموية لكائنات ممسوخة لا تشبع من لحم بشري ولا ترتوي من دماء غزيرة كائنات غربية تسخر من تعاليم السماء وتدوس بحوافرها تعاليم الأرض تلعن كل ما هو مقدس وتقدس كل ما هو ملعون, الأخلاق, الدين, العادات, القيم, التقاليد و المثل جميعها مفردات عارية لا معنى لها أمحيت من قاموسها لأنها لا تتناسب ومفاهيم العصر العولمي الذي بشرتنا به الألفية الثالثة وما زلنا على عتبتها بعد.

هذه الكائنات اللعينة تعاني من ظاهرة الانفصام في شخصيتها فهي تحمل في يد زهرة وفي الثانية سكين, قد تحتضنك بقوة متصورا باعثها الحب وقد يكون فيها نهايتك فقد تتكسر أضلعك كما تتكسر قطع الخبز اليابس في فم طفل جائع, تتشدق بالثقة والولاء والقناعة والرضا والحب لتقترب منك ومتى ما تقربت محتها لتحل محلها الزيف والخديعة والكذب والخيانة والكراهية كائنات غريبة فعلا كلما ابتعدت عنها اقتربت منك وكلما اقتربت منها اقتربت أكثر فأنت في النهاية الضحية. إنها تطوق بنا من جميع الجوانب فالتقدم خطر والتراجع خطر والوقوف خطر والمجازفة أخطر فالمصير واحد.

مع غروب شمس الحرية والاستقلال والسيادة والأمن والاستقرار والتوافق الجمعي انتقل بلدنا العظيم من عصره الذهبي إلى عصره الحجري على الغزاة القادمون من العالم المتحضر وليس من مجاهل أفريقيا, بالرغم من كلا الصنفين من البرابرة لا يختلف عن الآخر في طريقة تفكيره وسلوكه, فغزاة العراق من المغول والتتار عام 1258 لا يختلفون عن مغول الألفية الثالثة من حيث المواصفات الجينية والوراثية, هناك اختلافات بسيطة فالمغول من الجنس الأصفر النقي وغير المهجن في حين المغول الجدد من الجنس المتطرف الألوان ما بين الأبيض والأسود والصفر المغول القدامى جاءوا من شرق قارتنا والمغول الجدد جاءوا من قارة أخرى في نهاية العالم, المغول القدامى استعانوا بابن علقمي واحد وطوسي واحد والمغول الجدد جاء بمعيتهم آلاف العلقميين والطوسيين على ظهور دباباتهم اللعينة.

القاسم المشترك بينهما هو الرغبة في الانتقام والقتل والدمار والتخريب والنهب والسلب ولكن المغول القدامى لم يرفعوا شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فقد جاءوا كمدمرين وليس فاتحين ولم يخفوا أهدافهم على عكس المغول الجدد. المغول القدامى أفصحوا عن تعطشهم للدماء وهوسهم في القتل والنهب وسبي النساء وحرق الكتب وتدمير أركان الدولة ومحق الإسلام في العراق, في حين أن المغول الجدد لم يفصحوا عن حقيقة مآربهم رغم أن الحقائق لا تحتاج إلى من يثبتها. وإذا كان المغول القدامى قد أباحوا لأنفسهم قتل الرجال وسبي النساء وسرق الدولة والناس فأباحوا بغداد لمدة عشرة أيام وبعدها توقفوا, فأن المغول الجدد لم يكتفوا بهذه الانتهاكات مع دخولنا العام الخامس.

المرأة العراقية في الغزوتين المغولية والأمريكية كانت ضحية شانها شأن الرجل رغم أن الظلم الذي وقع عليها كان أشد مما وقع على الرجل, فقد وأدت في عصر العولمة كما كانت تؤد الفتيات الصغيرات في عصور الجاهلية, فعلى يد المغول الجدد تعرضت إلى الاعتقال والنفي والتهجير و السبي والاغتصاب والقتل إضافة إلى خسارتها الزوج والابن والأخ. ومع كل المراحل التاريخية الصعبة كانت المرأة العراقية تقدم قربانا لآلهة التخلف والفقر, تحت طقوس التقاليد البالية والعادات القبلية والعشائرية التي سلختها من المجتمع وسجنتها داخل الجدران الأربعة لتشل طاقتها الإبداعية وتحرمهما من المساهمة في عملية البناء والتطور.

ولكن من بين تراكمات القهر والظلم تنفض المرأة العراقية عن نفسها رماد الماضي وأشجانه وتحطم جدران السجون الكلسية لتفرض نفسها على المجتمع بقوة متجددة مؤكدة حقيقة كونها نصف المجتمع ولتأخذ مكانها الصحيح في مسيرته من خلال رفده بطاقات حيوية خلاقة, مؤكدة بأن العراقيات لا يحدن عن الطريق الصحيح مهما عصفت قوة الريح وأرتفع صوت الفحيح, حرائر ماجدات يستحققن الثناء والمديح.

المرأة العراقية عالية الهمة والإرادة شامخة تفرض نفسها أينما حلت ذات كبرياء وعزيمة ترفض أن تستفيء في ظل الخزي والعار والمهانة منطلقة في رؤياها من حقيقة ثابتة وهي ما فائدة الإنسان من أن يربح كل شيء ويخسر ذاته, وأن دورة الحياة لا تكتمل عندما ترضى بالذل والهوان والاستسلام, لأن الحمقى والجهلة والأغبياء فقط هم من تكتمل سعادتهم بوجود من يستعبدهم, و الحرائر الماجدات لا يساومن على هويتهن وكرامتهن ووطنيتهن مهما اشتدت الظروف, لأنهن يدركن بأن القيد لا بد أن ينكسر والليل لا بد أن ينجلي عن فجر جديد وما أقربه قد بانت ملامحه.

تحية لصمود المرأة العراقية وثباتها على القيم والمبادئ والمثل العليا, وتحية للحرائر المعتقلات في سجون الاحتلال وحكومة الذل, وتحية لكل امرأة عراقية فقد زوجا أو أبا أو ابنا أو أخا وحبيبا وتحية للعراقيات الماجدات في الغربة ونقول لهن أصبرن فأن الله مع الصابرين وان رجال المقاومة بأذن الله لظافرين ومحررين وطننا من دنس الغزاة والحاقدين. ولنقرأ معا سورة الفاتحة على أرواح الشهيدات من حرائر العراق ونعاهدهن على المضي في مسيرة النضال والتحدي حتى النصر المؤزر.

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                           الخميس /  06  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  13 / أذار / 2008 م