الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

عرض كتاب
قبل أن يغادرنا التاريخ
للفريق الركن رعد مجيد الحمداني
قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الثاني (الفتح المبين)
الحلقة الثالثة
تمرد خونة الأكراد في شمال العراق
المدعومين إسرائيليا وفارسيا
عامي 1974 – 1975

 

 

شبكة المنصور

د. صباح محمد سعيد الراوي كييف – أوكرانيا

 

قبل ان نخوض في الفصل الثالث من الكتاب اشير الى انه في الصفحتين 34 35 يوجد خرائط توضح ساحة عمليات الجيش العراقي على الارض السورية... وهو ما تحدث عنه الفصل الماضي... 

الفريق رعد يطلق على هذا الفصل الثاني (صفحة 37) مسمى (حرب شمالي العراق) أما أنا فأطلق عليها الوصف الصحيح الذي كانت تصفه القيادة العراقية... وكل واحد حر برأيه... وأنا احترمه واحترم رأيه.... 

المهم... يقول ما يلي:......... " أشير إلى أن لي تعليقات وتغيير ببعض المسميات.... لا شك أن القاريء الذكي سيعرفها".... 

المشكلة الكردية في العراق مشكلة قديمة ظهرت منذ بداية التكوين السياسي الحديث للعراق على خلفية الوعود السياسية البريطانية العديدة للاقوام والطوائف التي كانت ضمن تركيبة الامبراطورية العثمانية قبل الحرب العالمية الاولى، وبعد زوال الخلافة العثمانية على أيدي بريطانيا والمتعاونين معها، لم تتمكن من الايفاء بكل وعودها لما يتعارض ومصالحها القومية.... فالاكراد كانوا يأملون بإنشاء وطن قومي في مناطق تواجدهم ضمن الشرق الاوسط...  

ففي العام 1919 قمعت القوات البريطانية أول عصيان كردي في منطقة السليمانية بقيادة محمود الحفيد.... ثم وبعد نشوء الدولة العراقية الحديثة تحت تاج الملك فيصل الاول التحقت المناطق الشمالية الشرقية من العراق الحالي بالكيان السياسي العراقي الوليد (أي تحت حكم فيصل)...  

وفي العام 1932 أخمد الجيش العراقي أول تمرد كردي ضد سلطة الدولة المركزية، وكان بقيادة أحمد البرزاني... ثم وخلال الحرب العالمية الثانية جرت ثاني محاولة تمرد بقيادة "الخائن " البرزاني ((والد مسعور... الذي لا يعرف كيف يكتب سطرين من اللغة العربية)) ولكن الجيش أخمدها بسرعة... فهرب البرزاني "مثل الفأر" الى الاتحاد السوفياتي....  

ثم وبعد قيام النظام الجمهوري في العراق على أثر ما حدث يوم 14/7/1958 واعتراف الدستور الجمهوري في دولة العراق بالحقوق القومية للاكراد، واعلان العفو العام عن المتمردين الاكراد في الداخل والخارج، عاد "الخائن" البرزاني الى العراق معززا مكرما من الدولة... إلا أنه ولطبيعته الحقيرة الني نشأ عليها وأنشأ أولاده عليها، عض اليد الكريمة التي مدت له، فعاد الى التمرد على السلطة المركزية للدولة العراقية عام 1961، فواجهه الجيش العراقي هذه المرة بعمليات مسلحة  ما لبثت أن توقفت بعد انقلاب عبد الكريم قاسم في 8/2/1963 (وفي نفس هذا العام ظهرت اول خلية موساد صهيونية في المنطقة الشمالية كان هدفها مساندة خونة الاكراد)...  

ثم وبعد وفاة الرئيس عبد السلام عارف بحادثة سقوط المروحية في البصرة في 13/4/1966 عادت عمليات تمرد خونة الاكراد، وفي نفس هذه السنة زود الموساد الصهيوني خونة الاكراد بأسلحة فعالة ومدربين ومظليين على رأسهم العقيد الصهيوني تسوري ساغي، وكان للاسلحة والمدربين دورا في الواقع في تحقيق بعض النصر على اللواء الرابع في الجيش العراقي، وذلك في جبال هندرين.... وشهد نفس العام تشكيل أول جهاز استخبارات لخونة الشعب الكردي عرف باسم جهاز (الباستان) معتمدا على الخبرة الصهيونية... 

((ثم يأتينا بعض الجهلة والشواذ والساقطين والمنحلين والخونة من الذين يظهرون على الفضائيات يريدون ان يقولوا للعالم ان البرزاني الاب كان ملا!!!! وانه كان شيخ طريقة!ّ! وكان لايقطع فريضة صلاة!!؟؟)) 

المهم... 

ثم توقفت عمليات خونة الاكراد اثر الاعلان الشهير لرئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز في 29/6/1966، وفي العام 1967 توثقت العلاقة أكثر بين الصهاينة وخونة الاكراد حين زار المقبور البرزاني اسرائيل، فأعقبت هذه الزيارة تسهيل هجرة 5000 كردي يهودي الى اسرائيل... ثم وبعد ثورة 17 تموز 1968 عاد التمرد مرة ثانية، إلى أن توصلت الاطراف السياسية لايقاف القتال وفقا لبيان 11/3/1970 الذي وعد بمنح الاكراد حكما ذاتيا بعد مرور اربع سنوات على اعلانه...... ولعب "شهيد الحج الاكبر" صدام، الذي كان نائبا للرئيس احمد حسن البكر – الله يرحمه - دورا بارزا وأساسيا في التوصل الى هذه الاتفاقية... حيث منحت الاكراد العراقيين حقوقا ثقافية وادارية ودستورية واسعة، هذا في الوقت الذي كان محرما على الاكراد في مناطق اخرى التحدث باللغة الكردية... وفرح الاكراد بهذا يومها واقاموا الاحتفالات الكبيرة في بغداد حضرها عن الخائن البرزاني ولداه ادريس والمسعور (الذي كان على نهج والده في عض اليد العراقية الكريمة التي مدت له)..  

والجدير بالذكر ان المباحثات التي أدت لتلك الاتفاقية كانت تجري في منطقة كلالة – حيث مقر البرزاني – وكان الشهيد صدام رحمة الله عليه المفاوض الحكومي فيها. 

ما إن وصل الجيش العراقي العائد من سوريا إلى أرض الوطن بعد المشاركة في حرب تشرين حتى باشر خلال شهري 11 12 من نفس العام (1973) بإعادة التنظيم، واستبدال الدبابات القديمة نوع T54 بدبابات أحدث نوعا نوع T55، وكالمعتاد في بداية كل سنة ينخرط معظم الضباط الحديثين بدورات المقر العام التدريبية. 

في 11/3/1974 صدر قانون الحكم الذاتي للمنطقة الشمالية تصديقا للبيان الذي صدر قبل أربع سنوات – الذي وقعه الشهيد مع الاكراد –..... (لاحظ أخي القاريء كيف أن الحكومة العراقية لم تخلف وعدها)... إلا أن توافق المصالح القومية "الفارسية المجوسية" مع الاسرائيلية في تحجيم الدور العراقي المتنامي، وانسجاما مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي رأت في العراق معرقلا لمشروع كيسنجر الداعي الى سلسلة من اتفاقيات السلام للاقطار العربية المجاورة لفلسطين، جعلت هؤلاء جميعا يرون أن التدخل بالشؤون العراقية الداخلية، وخاصة افشال مشروع الحكم الذاتي للاكراد – سيقوض ويحد كثيرا السياسة العراقية تلك... هذا عدا عن أسباب أخرى... ما جعل خونة الاكراد ممثلين بالمقبور البرزاني يرفضون هذا القانون، ما ادى الى تجدد التمرد المسلح ضد السلطة في بغداد... ولعبت "الدولة المجوسية" بقيادة الشاه المقبور دورا مباشرا في التمرد الكردي، فشاركت المدفعية الفارسية المجوسية الثقيلة في اسناد العمليات المسلحة، فقد كان اسنادها سابقا يقتصر على دعم لوجستي وسياسي، لكن الان تغير الوضع، فالدولة المجوسية لها أطماع في الاراضي والمياه العراقية...لقد دفع الشعب العراقي ثمنا باهظا لتلك التدخلات الاقليمية في شؤونهم الداخلية... 

ومن المعروف ان اسرائيل لعبت دورا مع بعض دول المنطقة لتنفيذ استراتيجية المحيط كاقتراب غير مباشر على الدول المساندة للقضية الفلسطينية... ومن خلال رد فعل الحكومات العراقية المتعاقبة، اصبحت المنطقة الكردية ذات ولاءات مختلفة، فمنها من يعمل ضمن تيار الدولة ومتعاون معها، ومنها من يعمل ضدها... فقد تحالف تيار جلال الطلباني مع تيار البرزاني ضد الحكومة العراقية... عندها أعلنت القيادة العراقية تكليف قواتنا المسلحة والمتطوعين من المواطنين الاكراد الموالين للحكومة (قبائل السورجية، الزيبارية، الجاف، والهركية وغيرهم) لانهاء التمرد الذي قاده الخائن البرزاني في شمال الوطن في 1/4/1974.  

((أخي القاريء... أرجوك اقرأ الفقرة السابقة أكثر من مرة وقارن مع ما يجري اليوم على أرض الرافدين)).... 

صدر الامر بإلغاء الدورات التدريبية للضباط الجدد، حيث التحقت بوحدتي (كتيبة الدبابات الثالثة) التي حشدت في كركوك، وكان واجبها التجحفل مع قوة يقودها المقدم الركن عبد الستار المعيني، آمر لواء المشاة الرابع، زائدا الفوج الثاني من نفس اللواء مع ثلاث سرايا من المغاوير وما يعادل فوج من الموالين الكرد بإسناد مدفعي وهندسي وجوي لفتح طريق كركوك – طقطق – كويسنجق بطول 72 كم، وكسر الطوق عن فوجي اللواء اعلاه المحاصرين (الفوج الاول في طقطق والثاني في كويسنجق)، وفي نفس الوقت كلفت سرية الدبابات الاولى وحدتنا مع القوة (الفرقة الرابعة) المكلفة فتح طريق كركوك – دهوك – زاخو وسرية الدبابات الثانية بالتجحفل مع القوة المكلفة بفتح طريق كركوك – جمجمال – السليمانية... وكانت معظم تشكيلات الجيش العراقي ذات خبرة قتالية عالية في مواجهة أعمال التمرد المسلحة وحرب العصابات وخاصة الفرقتين الثانية والرابعة الجبليتين. 

كنت في ذلك الوقت اشغل منصب معاون آمر سرية الدبابات الثالثة عندما كلفت سريتنا التجحفل (الدخول ضمن تشكيل مشاة سواء كان فوجا أو لواء) مع اللواء الرابع الجبلي، وهو من الالوية القوية ذات الخبرة الكبيرة، ولاجله اشار قائد المنطقة الشمالية الفريق سعيد حمو وقائد الفرقة الثانية العميد الركن طالب محمد كاظم لآمر اللواء الرابع على أهمية تحقيق نصر كبير في هذه العمليات الجديدة لتعويض هذا اللواء عن الخسارة المادية والمعنوية السابقة... لقد استلمنا مهمتنا كجزء من مهمة اللواء اعلاه بقيادة التقدم لفتح طريق كركوك – شوان – كويسنجق الذي أغلقته القوات المتمردة، وتم حشدنا ليلا في مفرق الطريق العام كركوك – التون كبري المتقاطع مع طريق كركوك – كويسنجق... وأذكر من كان معي من الضباط: عامر شياع وعبد الجليل عبد العزيز (استشهدا أثناء العدوان الخميني المجوسي على العراق) وتركي حروبي (اصبح قائدا لفرقة مدرعة وعميدا لكلية الحرب قبل أن يحال على التقاعد قبيل تدنيس العراق في عام 2003)... 

في الساعة السادسة من يوم 22/4/1974 اندفعنا بتقدم سريع باتجاه شوان التي حدث فيها أول اشتباك، فجرى التقدم بين اشتباك وآخر حتى انتهت المهمة يوم 30/4/1974... والحمد لله كانت الخسائر محدودة.... كذلك نجحت القوة المكلفة بفتح طريق كركوك – جمجمال – السليمانية، ونجحت قوة أخرى كذلك في فتح طريق الموصل – دهوك – زاخو... وكانت قوات الفرقة الثامنة بقيادة العميد الركن طه الشكرجي المكلفة بفتح طريقي (اربيل – صلاح الدين – شقلاوة – سبيلك – كلي علي بيك – راوندوز – كلالة حاج عمران) تتقدم ببطيء بسبب وعورة المنطقة وشدة مقاومة المتمردين... فبقيت في منطقة بين جبل نواخين واسفل جبل كورك (اي منطقة كلي علي بيك).......  

وفي 1/6/1974 اكملنا تحشدنا في منطقة قليسان جنوب السليمانية حيث تجحفلت سريتي مع لواء المشاة الرابع عشر الذي كان بقيادة العقيد الركن عبد الجبار الصافي حيث كلفنا بفتح طريق (السليمانية عربت دربندخان)... ثم وفي الساعة الخامسة والنصف من يوم 4/6/1974 شرعنا بالتعرض، حيث اصصدمنا بوقت مبكر بمقاومة متوسطة الشدة، فتم القضاء عليها خلال الساعة الاولى... واستشهد سائق دبابتي الجندي اول حسين غرقان.... بعدها انفتح الطريق نحو عربت، حيث استقبلنا اهلها بالرايات العراقية البيضاء، ومنها اندفعنا سريعا لازاحة باقي المقاومات في منطقة جسر دانجرو وزرايين، ومن ثم تدمير المقاومةالكبيرة في منطقة دربندخان، وتم الاتصال عند النفق بطلائع اللواء السادس عشر بقيادة العقيد الركن محمود وهيب المتقدم من جلولاء، وكان لدى العدو رشاشات ثقيلة من نوع دوشكا... فقررت الاندفاع رغم موضع الرمي الحصين والمسيطر عليه من قبل العدو... وكان يقود الدبابة العريف خالد بدلا من الشهيد حسين... وبصعوبة بالغة جثمت الدبابة على موضع الرشاشات المعادية... حينها تمكن المشاة من الاندفاع النهائي والوصول الى الهدف، وقد اثار صعود الدبابة دهشة آمر اللواء الذي منح العريف خالد مكافأة مالية.... 

في 9/6/1974 تعرضنا بالهجوم لمنطقة قره داغ الواقعة شرق السليمانية وتمكنا من طرد العدو منها بعد معركة استغرقت كل نهار ذلك اليوم، حيث انسحبت فلوله باتجاه سلسلة الجبال الفاصلة بين حوضي عربت ونهر ديالى..... ثم عدنا الى منطقة زرايين لاسناد الفوج الثاني من اللواء 90 الاحتياطي... وفي 11/6/1974 كرر العدو هجومه باتجاه مواضع الفوج المذكور دون تمكنه من كشف دباباتنا... إلا اننا تصدينا له بقوة ودمرناه.... 

في 17/6/1974 اكتمل تحشدنا مع قوة كبيرة غرب مدينة السليمانية وكان الهدف تحرير جبل أزمر المؤثر جدا على سلامة المدينة... كان عدد تشكيلات المشاة اربعة، زائد لواء قوات خاصة، وبعض الوحدات المدرعة بالاضافة الى اسناد ناري جيد، وكان واجبنا قيادة التقدم على طريق السليمانية – أزمر – جوارته... وتنتهي المهمة باحتلال قمة الجبل مع اللواء الرابع مشاة... وفي يوم 18/6/1974 شرعنا بالحركة وبدأنا بتسلق الطريق الضيق آنذاك....... وعند الساعة الثانية والنصف ظهرا توقفنا عند كلي أزمر وهو طريق شديد الالتواءات مع حافة شديدة الانهيار... ذلك أن فصيل الهندسة اكتشف عدد من الالغام المضادة للدبابات وعدد من موانع الطريق على شكل حفر... فصدر الامر بالانسحاب لتعذر وصول جميع الارتال الى اهدافها....  

وفي يوم 19/6/1974 وقبل الشروع بالتقدم مجددا وصل الينا العميد الركن عبد الرحمن سوسة من مقر القيادة الشمالية، وهو ضابط كردي، وكان منفعلا جدا، فألقى القبض على آمر سريتنا متهما اياه بالانسحاب بدون أمر... وهذا ما أثار دهشتنا.. عندها جادلت هذا الضابط الكبير للدفاع عن آمر سريتي....... إلا أنه لم يستمع الي، واصر على أخذه معه بالمدرعة التي كان يستقلها.... ودفعا لشبهة تقصير سريتنا طلبت الاذن بالانطلاق، فأخبرني بأنه سيوعز الى اللواء الرابع بمواصلة التقدم خلف سريتي... فقدت السرية بأقصى سرعة نحو طريق الجبل وبدأنا بالصعود على ذات الطريق الذي انسحبنا منه في اليوم السابق... وبعناية الهية عبرت بجميع دباباتي في منطقة الكلي في ظل رمي شديد من الحافة العلوية للجبل دون تمكن اسلحة دبابتنا من الرد ومشاغلة نار العدو حيث تعذر على مدافع الدبابات الوصول الى زاوية الارتفاع المطلوبة لان حافة الجبل كانت على شكل قطع يساوي (90 درجة)...  

أما الجهة اليسرى فتشكل فضاء الهاوية نحو الوادي.... لكننا استطعنا تدمير عدة مواضع لرشاشات معادية... وحين وصلنا الى حافة القمة كان فيها المخفر القديم الذي دمرناه بسهولة وقضينا على القوة المدافعة فيه علاوة على تدمير مدفع مقاوم للطائرات عيار (37 ملم)... بعدها اتسع المجال لانفتاح عدد من الدبابات، فتم احتلال القمة المشجرة.. فشاهدنا في فضائها تشكيلا من طائراتنا السوخوي المقاتلة، وعلمت فيما بعد أن طيار احدى تلك الطائرات اخبر القيادة الشمالية بوصولنا الى القمة التي كانت بارتفاع 1709 م... فاتصلوا بي باللاسلكي من القيادة الشمالية يحيوني مع عبارات التشجيع والاعجاب... فطلبت منهم قوة مشاة لمعالجة المقاومات المعادية...  

وفي خلال أقل من ساعة شاهدت قوة مشاة الية محمولة بناقلات مدرعة من نوع (BTR 60)... ثم وصلتني مجموعة من القوات الخاصة كادت تموت من العطش، فأسعفناها بالماء المحمول في دباباتنا... وقبل الانسحاب مساء تم تبديلنا بدبابات من نوع M-24 من كتيبة الدبابات الثانية... وطلب منا قصف المواضع المعادية باتجاه جوارتة بحضور قائد المنطقة الشمالية الفريق سعيد حمو الذي ادهشه الاداء الجيد لمدفع الدبابة عيار 100 ملم وبمداه الطويل 16800 متر... عندها حانت لي الفرصة لاطلب من الفريق اطلاق سراح آمر سريتنا كمكا فأة لما أنجزناه مع اصراري على براءته... فتم لي ذلك وأطلق سراحه ومنحوني نوط الشجاعة مع مسدس هدية.... 

بعدها نفذنا عددا من الغارات باتجاهات مختلفة لتحقيق مبدأ (طارد العدو بدل أن يطاردك).... ثم وبجهد ممتاز من سرية الدبابات الخفيفة نوع BTR -76 بقيادة الملازم اول برجس سليمان (استشهد ايام العدوان الخميني المجوسي حين كان يقود لواءا مدرعا) وبمساعدة جهد هندسي كفؤ تمكن من اعتلاء قمة جبل كورك ومنها جاء تخطي المضيق وانفتح الطريق الى راوندوز وبعدها تم احتلال الجبل الكبير زوزك توأم جبل هندرين.... 

في 5/7/1974 وبعد تحرير جبل هيبت سلطان، كلفنا مع لوائنا المشاة الالي الثامن بقيادة العقيد الركن عبد الكريم الحمداني بهجوم ليلي مباغت من مفرق بستانة نحو خوشناو ثم شقلاوة (سفح جبل سفين الشمالي)وكانت غارة كبيرة استهدفت تدمير المناطق الادارية للمتمردين... فكانت غارة ناجحة جدا اسرنا فيها 32 متمردا... ودمرنا مئات الاطنان من مواد تموين القتال مع اكداس مكدسة من المشروبات الكحولية الغالية الثمن اثارت دهشتنا... واستطعنا رفع حمولة 70 عجلة من الارزاق للاستفادة منها... وكان يوم 7/7/1974 ممطر جدا... وتلك كانت من المفارقات... 

وفي يوم 2/8/1974 نفذنا غارة كبيرة لتطهير المرتفعات المطلة على الطريق الواصل بين عربت ودربندخان... ونتيجة لعدم دقة موقف الفوج الاول (قوات خاصة) كادت ان تسقط الطائرةالتي تقل قائد المنطقة الشمالية ومعه قائد الفرقة الثانية بنيران العدو... 

وفي يوم 7/8/1974 تحركنا الى قاطع (رانية – حوض بلكان) فتم تحريره بسهولة بعد سلسلة من المعارك التي اشترك فيها اللواء الاول الميكانيكي.... ثم تحركنا نحو قلعة دزة حيث حررناها بعد سلسلة من هجمات المشاة والقصف المدفعي الثقيل وكان ذلك يوم 18/8/1974... وقد سبق عملية تحريرها عبور بحيرة دوكان بالاطواف من قبل الفوج الثالث التابع للواء الثاني عشر المدرع وبعض وحدات لواء المشاة الالي بقيادة المقدم الركن محمد جواد البدر المعروف بهدوئه وكفاءته.... ثم عدنا الى مأوى قرب المقر الجوال للفرقة الثانية (جوار قرنة)... وكان عناصر الهندسة العسكرية يفجرون بعض الالغام المعادية المرفوعة من قلبهم في مضيق سنكسر على حافة بحيرة دوكان ما أدى الى نفوق بعض الاسماك التي تعرف باسم الشبوط التي قاربت المترين طولا... 

وفي ليلة 30 31/8/1974 شن العدو هجوما كبيرا على قطعاتنا الموجودة في قاطع قلعة دزة، وكان ذلك بإسناد المدفعية "المجوسية الفارسية" من عيار 175 ملم، مع قصف مضيقي سنكسر ورانية، وقد ترافق ذلك مع قصف تجاه بطارية مدفعية تابعة لنا كانت هناك من عيار 130 ملم... فكان التدخل المجوسي الفارسي السافر "الوقح" مدهشا للجميع... ثم وعلى عجل شكلنا قوة مرتبة بإمرتي من الدروع والمشاة حيث اوجزني قائد المنطقة بمهمتي القاضية بنجدة القطعات في قاطع قلعة دزة وابتداء من قرية سنكسر لأن موقف الفوج الثالث من اللواء الثاني عشر المدرع المدافع في قلعة دزة كان غامضا...  

لكن القصف الشديد على فتحة المضيق حال دون عبور المشاة المحمولين بالعجلات.. فقدت دبابتي بفاصلات طويلة لتفادي اصابتها وبسرعة عالية عبرنا النقطة الحرجة وتبين بأن موقف الفوج الاول من اللواء بقيادة المقدم عبد الكريم العيثاوي في سنكسر لا بأس به... وبعد تدمير مقاومة في منتصف المسافة عند قرية (جيراوة) وصلنا الى موقع قلعة دزة حيث تحمل الفوج الثالث من اللواء الثاني عشر بقيادة المقدم ركن حازم الجنابي شدة الهجوم والقصف الثقيل وقدم عددا من الشهداء.. وكان صمودهم مبعث دهشة للفرس المجوس، الذين كانوا يراقبون المعركة من جبل أسوس... وقد علمنا ذلك من خلال استراقنا السمع لمكالماتهم اللاسلكية... 

وفي يوم 27/9/1974 كلفت بالتجحفل مع اللواء الثاني مشاة الذي كان بقيادة المقدم الركن قيدار محمد صالح.... وذلك بهدف تحرير المرتفعات الجبلية وتأمين قاعدة الانطلاق على محور ضيق جدا ضمن منطقة شديدة الوعورة لتخطي جبال هندرين نحو كلالة ولتفادي المقاومات في منطقة الجسور.... شرعنا بالتعرض بثلاث أرتال، الرتل الايمن الفوج الاول من اللواء الثاني عبر السلسلة الجبلية بهدف احتلال الراقم (يعني رقم ارتفاع القمة الجبلية بالامتار) 1821 وكنت اتقدم الرتل الوسطي بدباباتي واساسه الفوج الثاني من اللواء الثاني وهدفه  قمة تدعى النجمة، والرتل الايسر الخفيف الطيار اي المتقدم على  سلسلة القمم الجبلية من الكرد الموالين...  

وبعد 8 كم من التقدم ضاقت علينا الارض وانحشرت دباباتي بين الصخور الكبيرة التي تجاوز حجمها وارتفاعها ارتفاع الدبابات... فتوقفت الارتال مساء يوم 28/9/1974، الرتل الايمن عند ا لراقم 1821 والرتل المركزي اسفل قمة النجمة، وظلت المعركة سجال واستنزاف لمدة 17 يوما تم على اثرها سحب قوتي بعد تدخل مقر الكتيبة لان المشاة في الحروب الجبلية لايفضلون ابدا الاستغناء عن الدبابات... وقد افادتني هذه الفترة الصعبة.. وكانت تجربة جيدة في موضوع القيادة والمحافظة على الروح المعنوية للجنود المحاصرين والمتعرضين لخطر القصف والتطويق واحتمالات الاسر... حيث كانت عناصر العدو تناديهم ليلا للاستسلام... وكانت مدافع دباباتنا افضل سلاح لتدمير المغارات والكهوف الموجودة على سفوح الجبال.... لقد كنا شبه محاصرين... وقد اضطررنا للمكوث طويلا داخل الدبابات حيث استثمرت الوقت بالقراءة... فقد استفدت كثيرا من مكتبة بشدر في قلعة دزة، فقد حصلت منها على كتب ثمينة كادت تحترق عندما تعرضت المكتبة للتدمير خلال القصف الايراني في الشهر السابق... 

في 23/11/1974 كلفنا بالتجحفل مع اللواء الاول مشاة آلي بعد اتخاذنا من قلعة دزة قاعدة للانطلاق بسلسلة من الغارات وبالتعاون مع الكرد الموالين باتجاهات مختلفة... إلا أن أهمها كان عددا من الغارات باتجاه الحدود "الفارسية المجوسية" (هولشو – هيرو) وباتجاه منطقة شهيدان ومرة نحو منطقة (قادر كرم) ولكن مع اللواء الرابع بقيادة العقيد الركن طارق محمود شكري... واستمرت تلك الغارات الى موسم الثلوج حيث تحولنا الى الدفاع مع انحسار تأثير المدفعية المجوسية الثقيلة... فقد اهتممنا بتحصين المواضع... وقد أضاف لنا العمل في موسم الثلوج خبرة جديدة.... 

في 6/3/1975 أعلن عن اتفاقية المصالحة بين العراق ودولة "السموم الفارسية المجوسية النجسة" لتحسين العلاقات بين الطرفين... وتم في الجزائر توقيع اتفاقية المشهورة باسم اتفاق الجزائر الذي ينص على الملاحة في الخليج العربي... وقد وقعها عن الجانب العراقي نائب الرئيس في ذلك الوقت "الشهيد" صدام حسين... وفي نفس الاتفاقية تعهد الفرس بوقف دعم خونة الاكراد الذين شعروا بصدمة قوية نتيجتها... فقد استدعى الشاه الخائن الاكبر البرزاني وابلغه بكل برود ان الاتفاقية نافذة المفعول.... فما ان تحسن الطقس حتى نفذ لواؤنا الثامن اندفاعات سريعة باتجاه أوكارهم في كلالة وجومان انهار بعدها المتمردين بشكل مذهل... لكن بعضهم وبكل دناءة قبل هروبهم قام بقتل بعض الطيارين العراقيين الاسرى!!! وما ان اعلنت الدولة العفو العام عن المواطنين الكرد المتمردين حتى جاؤوا كسيل منحدر من الجبال للاستسلام وتسليم الاسلحة واستلام التعويضات!!! وقد افادت سجلات قاطعنا بأنه استسلم اكثر من 14 الف مسلح.... 

وفي 30/4/1975 انتهت عمليات القضاء على التمرد في شمال الوطن وعم السلام تلك الربوع الجميلة.... وفي يوم 5/5/1975 تركنا القاطع وتحشدنا في كركوك... وقد آلمني منظر المعارك والخسائر في كلا الطرفين... ففي النهاية كلهم عراقيون... لقد اكتسبت خبرة ودروس كثيرة من هذه الحرب في المناطق الجبلية واساليب مجابهة اعمال التمرد وحرب العصابات... ثم عدنا بالقطار الى بغداد، وبواسطة ناقلات الدبابات وصلنا على معكسرنا الدائم في الورار غرب الرمادي.. ولاشك اننا قدمنا الكثير من الشهداء لأجل قمع ذلك التمرد وفرض سيطرة الدولة... وعلى كل فقد سطر رجال جيشنا الاشاوس ملحمة أخرى في سبيل وحدة الوطن والشعب... 

((خريطة العمليات في الصفحة 53 من الكتاب)).... 

يتبع....

 

 

حول طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                          الاربعاء  /  03  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  09 / نيســـــــان / 2008 م