بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ليس لدى مقتدى من ينصحه
التحرر من الاحتلال من أسمى الدراسات

 

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

سبق أن تحدثنا في مقال سابق عن لغز اختفاء السيد مقتدى الصدر, وسنحاول أن نلقي نظرة سريعة عن دعوته بتنفيذ وصية " السيد الوالد" حول إكمال دراسته في مدينة قم الإيرانية, على اعتبار أنه بحاجة إلى درجة الإفتاء لغرض الاستغناء عن فتاوى بقية المراجع, وهذا الأمر لا يقل غرابة عن غيره فالسيد مقتدى لا يتمتع بدرجة دينية متعارف عليها, بل أن السيد الوالد كان يعتبره افسد من ابن النبي نوح, وتأتي مرتبته الدينية من عمامة السيد الوالد, التي أضفت عليه كسب هذا العدد الكبير من الأنصار, وبدون الشهيد فأنه قيمته ومكانته ما كانت تتجاوز عتبة داره  ..

كما أنه لم يكلف نفسه عناء دراسة كتب الوالد الشهيد التي يمكن أن تصقل فكره وتهذب لسانه وتتحاشى زلاته وتشحذ ذاكرته وتقوي عزيمته وتفتح عينه على آفاق المعرفة والبحث والتقصي, فالشهيد معروف بكفايته العلمية مكانته الرصينة ودراساته القيمة التي أغنت الفكر الشيعي, ولكنه أركنها جانبا ليتفرغ لألعابه المفضلة قبل الغزو ومن ثم أنصرف الى قيادة جيشه بعد الغزو.

التيار الصدري يقلد السيد الحائري المعروف بمواقفه الطيبة برفض الانتخابات التي جرت تحت سقف الاحتلال, كما انه يرفض وجود هذه القوات على ارض العراق ويسميها قوات احتلال, وهي مواقف محسوبة ومحسومة لا غبار عليها وتتفق نصا وروحا مع طروحات التيار الصدري, على عكس موقف السيد السيستاني الموالية للاحتلال والتي لا تنسجم مع الرؤية الصدرية, وبالتالي فليست هناك ضرورة تستدعي من الصدر في الوقت العصيب هذا بأن يشد الرحال طلبا للإفتاء طالما انه يقلد السيد الحائري الذي يدعم طروحاته وليس السيد السيستاني.

ومسألة الإفتاء توقع السيد مقتدى في فخ يصعب الخروج من شباكه, فقد خرجت الكثير من الفتاوى مختومة بتوقيعه فإن كان لم يصل بعد الى درجة الإفتاء! فعلى أي أساس كان يفتي؟ أليست تلك مسئولية أمام الله قبل أن تكون أمام الناس؟ ثم كيف سيكون الموقف تجاه بعض الفتاوى الغريبة التي لم ينكرها السيد ومنها " زواج المتعة الجماعي" وعلى من يقع وزرها؟ وحتى على سبيل الافتراض بأن الفتوى أن صلحت كان للمجتهد اجرين وان اخطأ كان له أجر واحدا, فأن هذه القاعدة تنطبق على المجتهدين والسيد مقتدى ليس مجتهدا.

من جهة أخرى من حقنا أن نتساءل عن سبب تأجيل الصدر لتنفيذ وصية السيد الوالد لمدة تزيد عن عشر سنوات, وقد كانت الظروف قبل الغزو مواتية للدراسة وطلب العلم, ومن المعروف إن الصدر كانت له حظوة ومكانة في النظام السابق وطلباته مستجابة, فقد أغدق عليه النظام بعد اغتيال الشهيد الثاني من قبل عناصر إيرانية بالمكرمات, وكان طلب إكماله الدراسة من أبسط الطلبات التي يمكن أن تحققها له القيادة داخل العراق وخارجه, رغم علمنا أن التحصيل الدراسي والذي يحاول التيار أن يستغفل به الجماهير لا يساعد على الإيفاء بمتطلبات الدراسة الجامعية!

بلا شك أن طلب العلم فريضة دينية ودنيوية ولكنها تكون مرهونة بظروفها الموضوعية, ولنتصور مثلا أن قادة الثورات الكبرى مثل جيفارا و كاسترو وغاندي وجمال عبد الناصر استأذنوا الثوار في طلب استراحة لإكمال دراساتهم من ثم العودة إلى القتال بدرجة علمية مرموقة كيف سيكون موقف الثوار منهم! بالتأكيد سينظر إليهم كمتخاذلين وانتهازيين وعملاء يقدمون خدمات جليلة لأعدائهم, ومن المؤكد أن الأعداء سيقدرون هذا العمالة الفريدة ويجازون أصحابها خير جزاء.

البطولة والوطنية لا تحتاج الى مؤهلات علمية كبيرة رغم أهميتها, بقدر ما تحتاج الى أفكار ثورية والتزام بالمبادئ الوطنية والمثل العليا وتغليب مصلحة المجموع على المصلحة الذاتية فنكران الذات من سمات القيادة الناجحة. كما أن البطولة تستدعي من القائد أن يقف أمام جموعه في الجبهات الأمامية وليس الخلفية فالقيادة من المقعد الخلفي من شأنها الوقوع في مطبات وطرق متعرجة قد تهلك السائق والركاب معا! فكيف سيكون الأمر وهو يعيش في بلد آخر؟

البطولة والتضحية هي أن تحسب الخسارة ربح والربح خسارة فهكذا حسبها سيد شباب أهل الجنة الأمام الحسين (ع) وهو يعلم إن فرصة الفوز بالمعركة معدومة وأن الخسارة محسومة, ولكنه اعتبرها ربح, ربح للنفس الزكية وربح للثورة وربح للمبادئ والمثل العليا وربح لتعاليم السماء وربح للأجيال القادمة, الم يقل غاندي " تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما وأنتصر". وكما حسب أبطال الثورة الفرنسية ربحهم خسارة فتخلوا عن كرسي الحكم لمن هم أجدى منهم في إدارة شؤون الدولة الفتية, فقد أكملوا مهمتهم الوطنية وانسحبوا بكل كبرياء وشموخ الى أعمالهم فقد ربحوا الثورة وخسروا امتيازاتها فكانت تلك تضحية كبيرة وعلامة فخر في تأريخ فرنسا, ولو تولوا دفة الحكم لخسروا تلك المكانة المميزة التي حفظها لهم التأريخ البشري. أن البطولة هي " أن تموت من الظمأ وليس البطولة أن تعب الماء" هكذا قال الشاعر, وهكذا يسرد التاريخ حقائقه وهكذا علمنا الأوائل والأواخر.

النضال والدفاع عن الدين والمبادئ لا يستلزم ترك ساحة الوغى والانصراف إلى العلم, فيمكن أن يجتمعا معا دون أن يعيق أحدهما مسيرة الآخر, وفي نضال نبينا الكريم محمد(ص) أسوة حسنة فقد كان يقود المسلمين في الدفاع عن الإسلام ضد الكفار, ولم يمنعه هذا من تلقي العلم من جبريل(ع) وشروح نصوص القرآن الكريم وتعاليمه بين المسلمين! فمقاييس الرب هي الكاملة والثابتة مدى الدهور, وهي التي ترشدنا لاتخاذ قرارات صحيحة وسليمة في جميع المسائل لدينية والدنيوية التي تؤثر في حاضرنا ومستقبلنا.أليست حربنا هي ضد الكفر وجهادنا هو ضد الكفار الذين عاثوا في وطننا الحبيب الموت والدمار؟

والآن لنتطرق الى أمر آخر علنا نجد له تفسير يقنع الناس برغبة السيد مقتدى بإكمال الدرس, وهو اختياره مدينة قم لإكمال دراسته!

أليس المراجع الكبرى قد جاءت من بلاد فارس وافغاستان وباكستان وبقية الأمم لتنهل من علوم النجف! التبريزي ومحسن الحكيم الطبطبائي الاصفهاني والسبزواري والخميني والخوئي والسيستاني والقزويني والفيضي والآلاف غيرهم تركوا بلادهم ليتوجهوا الى العراق مهد النبوات والحضارات الإنسانية ومنطلق اضاءات الفكر الإبداعي؟ أليست نينوى وأور والكوفة والبصرة والنجف وبغداد هي الروافد الأساسية للحضارة البشرية والتي تدفقت مياهها العذبة على بقية الحضارات لتزيدها ثراء وغنى وتصقل تراثها الإنساني؟ أليست مدينة النجف المقدسة فاتحة العطاء الروحي والفكري وملهمة المفكرين والشعراء والفلاسفة لعصور خلت ولم ينضب عطائها بعد؟ أليست النجف قبلة العالم الشيعي وملتقى العلماء والأدباء يتوافدون عليها من أصقاع الدنيا كي ينهلوا من علومها ومعارفها الثرية, وان مناخها مفعما بكل حوافز الإثارة الفكرية والإبداع الحسي؟ أليس النجف بحق مدينة العلوم الدينية يدرس في أروقتها الشامخة النحو والفقه والتاريخ والأدب وبقية المعارف؟ فعلام ترك الأصل والتوجه للفرع؟ وعلام السباحة ضد التيار وأنت أعرف من غيرك بقسوة هذا التيار ومخاطره؟ انه تيار غدار جارف من الصعب الخروج منه بسلامة, تيار لا يؤتمن! وكان والدك الشهيد من ضحاياه؟ فذكر عسى أن تنفع الذكرى؟

لقد كنت كما وصفك اللعين بول بريمر في مذكراته " بعصا في الدولاب الشيعي" فمن الأجدر أن تبقى تلك العصا ولا تعصي أمرا كان مقدرا! أن تكن في الدولاب أفضل من أن تكون تحته لأنه سيسحقك! ويعز علينا أن تخرج من وصف بريمر لتدخل في وصف المحلل السياسي جافيد " لم يعد الناس يعتبرون قادتهم أمثلة جديرة بالاقتداء من الناحية الأخلاقية فرجال السياسة والقادة الدينيين أمسوا يفتقرون الى الخلق الحسن".
لا اعرف ولا يعرف الغير مصيرك سيما إننا كنا نتوقع أن تخرج من عزلتك على الناس وأنصارك وتتحدث لهم مباشرة بصراحة عن سبب اعتزالك دون الحاجة الى ورقة تتحدث بالنيابة عنك, فقد سئمنا هذه الطرق الغريبة في التعامل مع الشعوب بأن يركن أولي الأمر في الكهوف ويتحدث باسمهم أشخاص أو وثائق مختومة, لا نميز فيها الحق من الباطل! سيما بعد اتخاذك مثل هذه القرارات الخطيرة التي تحتاج الى الكثير من التوضيحات والتفسيرات لأنصارك من جهة وللشعب العراقي والرأي العام من جهة ثانية؟

علامات استفهام مرورية كثيرة في درب مسيرتك القصير تستدعي التوقف والتعامل معها بتمهل وحذر ولا يمكن إهمالها وعدم مراعاتها لأن غرامتها ستكون وخيمة على الصعيد الشخصي والجمعي!

وفي هذا لوقت العصيب أهمس في إذنك بأن حكومة الاحتلال الرابعة ومجلس النواب وقادة الأحزاب السياسية يحتاجون أيضا الى دروس ولكنها في " التربية الوطنية" وليس في بقية العلوم وهذه الدروس تلقى في مدارس الوطن وليس خارجها؟ فأن كنت قرأت أو سمعت ما كتبت وكتب غيري فأننا ننتظر خروجك العلني وليست أوراقا مختومة بختمك السحري لتحل لنا هذه الطلاسم والرموز المعقدة وإلا فأننا سنردد ما قال شاعرنا المتنبي" لقد أسمعت لو ناديت حيا*** ولكن لا حياة لمن تنادي" ولنا عودة بإذن الله.

 
Alialkash2005@hotmail.com

 

العصا في الدولاب الشيعي ، هكذا كان يقول عنه بريمر ، كما أنه كان يخشاه كثيرا ، ويعتقد أن السيد مقتدى تحركه إيران بطريقة غير مباشرة عن طريق حزب الله اللبناني وحتى بدون أن يعلم هو ذلك لمعرفته المسبقة أن آل الصدر يختلفون مع التوجه الإيراني في العراق ..

ومع نشاط الصدر السياسي بدأ بريمر يعلق إسمه على لوحة في مكتبه يطلق عليها ( اللوحة السوداء ) ويعتقد بريمر أن التخلص من الصدر سيولد نقمة شعبية لما له من قاعدة جماهيرية .

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                              الاحد /  16  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  23 / أذار / 2008 م