الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 الرياضيات الأحتلالية والرياضيات التحليلية
ألغاز الأرقام في العراق المحتل

 

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش/ كاتب ومفكر عراقي

 

يحكى أن الرئيس بوش وبرفقته رئيس الوزراء السابق بلير لعنهما الله جلسا معا في مؤتمر صحفي, وهمس بوش في إذن بلير بأنه سيعمل مزحة, فصرح للصحفيين بأنه الحرب القادمة للولايات المتحدة سيموت فيها مليون جندي وطبيب واحد, وتساءل الصحفيون بعجب لماذا يموت طبيب واحد؟ عندئذ قال بوش لبلير: ألم أقول لك بأنهم سيهملون المليون جندي ويهتمون بالطبيب الواحد!

واعتقد أن هذه الطريفةة السمجة حري بأن تأخذ قسطاً وافرا من تفكير العراقيين حيث أصبحت لغة الملايين هي السائدة منذ الاحتلال ولغاية غروبه بأذن الله, لغة الملايين في العراق تختلف اصطلاحا ومفهوما عما هي عليه في بقية الأمم, إنها لا تتحدث عن ملايين النقود أو ملايين الزهور والكتب والسلع والطوائف والقوميات والأجناس وغيرها مما يحسب بالملايين, إنها بشكل مختصر تتحدث عن ملايين المآسي والجرائم والسرقات والقنابل التي سقطت على ممتلكات الشعب العراقي و رؤوس أبنائه بلا هوادة أو وازع ضمير.

حديث الملايين ذو سقطات قتلة وآلام موجعة وشجون مدمرة ودموع لا يمكن أن تكفكف لأنها نتيجة قتل وتخريب وحرائق وتدمير, إنها محصلة فوضى غير خلاقة جلبتها قوات الاحتلال من آخر العالم لتزرعها شتلة شائكة في العراق.

ولنلقي نظرة عن مفهوم المليون ألاحتلالي في العراق وفق احدث النظريات المعاصرة, فقد كشفت مركز استطلاعات الرأي(ORB) في لندن بأن حصيلة العراق منذ الاحتلال تجاوز المليون قتيل جراء أعمال العنف! وحسب ما ذكره المعهد فأن 17% من العراقيين فقدوا عضوا من عوائلهم نتيجة أعمال العنف منذ عام 2003, وهذا يعني أن حوالي (1) مليون عراقي قد قتلوا خلال اربع سنوات.ويتحدث المحلل السياسي روبرت فيسك بأن عدد الضحايا العراقيين يقترب من الضحايا المدنيين في الحرب العالمية الثانية ، فإنه وحتى لو اعتمدنا الإحصاءات الرسمية وبحدها الأدنى ، نجد أن الرقم يتراوح بين350 ألف إلى مليون ضحية " وللمقارنة فقط علينا أن نتذكر أن ضحايا القصف الألماني لبريطانيا خلال سنوات الحرب بلغ 6000 ضحية في لندن( و 60,595) ضحية في بريطانيا خلال خمس سنوات 1940 ـ 1945 ، مقابل( 80,182) جريح وهذا يظهر أن ضحايا المدنيين في العراق قد تجاوز ما قدمه الغرب من ضحايا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية, وإذا ما قارنا ذلك بإحصائية أخرى، نجد الأرقام مخيفة ، حيث أن الضحايا المدنيين في العراق قد تجاوز 6 إلى 7 أضعاف، الهجوم الذري الأمريكي على اليابان" .

ورغم هول الرقم فقد مر بدون جاذبية كما مرت مليون بوش في مزاحه دون أن تلفت إليها أنظار الحكومة العراقية ومجلس النواب, هذا أمر طبيعي وغير مستغرب, ودون أن تثير فتنة المراجع الدينية بكل طوائفها ودون أن تثير الشعب العراقي نفسه وهذا أمر شاذ وغير طبيعي في كل لغات العالم وقيمها.

مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والنقابات المهنية تعاملت مع الخبر الصاعق كما تعاملت مع ملايين بوش, لم نسمع أصوات الاحتجاج والاستنكار من أي كان اللهم إلا بعض الأقلام الشريفة التي هزها هذا الرقم المخيف وأثار نخوتها فانعكس على بضعة مقالات لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة, لم نسمع وقع الحدث في خطب وعاظ السلاطين على منابرهم البريئة منهم والتي سبق أن صدحوا فيها بخطاباتهم الطائفية والتحريضية الرنانة التي فقست الفتنة الطائفية.

الجماهير غريبة في تصرفها وتثير الكثير من المخاوف والشكوك لقلة وعيها وسذاجة ردود أفعالها, ففي الوقت التي ذهبت بحجمها المليوني إلى كربلاء مشياً على ألأقدام معزية نفسها بذكرى موت سيد شباب الجنة ألإمام الحسين (ع), لم تساعدها أقدامها على المشي ساعة واحدة في تظاهرة شعبية احتجاجية لتعزي نفسها بوطنها بلد المليون شهيد, أو تستلهم الدروس الرائعة من مأساة الإمام الشهيد وتطبقه على حاضرها المؤلم! إنها ترفض الظلم الذي وقع منذ حوالي(1330) عام ولكنها لا ترفض الظلم الذي يقع عليها في الوقت الحاضر! تلعن القوى العربية والمسلمة التي قاتلت الأمام وقتلته لكنها لا تلعن قوى الاحتلال الأجنبية والصهاينة الذين يسمونها العذاب كل دقيقة! تحيي ثورة الحسين وترفض الثورة على الاحتلال! تطلب الثأر من الجناة الأموات وتغض النظر عن الجناة الأحياء! تبكي على أهل الحسين(ع) من النساء والسبايا وتسكت عن السبايا العراقيات اللواتي يغتصبن على أيدي قوات الاحتلال وأذنابه من رجال الشرطة, كأنما سبايانا ليست حفيدات نساء الحسين(ع)! ما يصدق على المراجع الشيعية يصدق على المراجع الدينية من السنة والمسيحيين وبقية الطوائف فقد ألجمت قوات الاحتلال ألسنتهم فأصبحوا شياطين مردة وليس رجال دين! أليس الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ علام تثيرهم حالات فردية ولا تثيرهم حالات مليونية؟ فأي رجال دين هؤلاء؟ وأي عصبة شدت على أعينهم لتمنع عنهم وضوح الرؤيا؟

رجال السياسة في العراق ورؤساء الكتل السياسية بمختلف أطيافها وأطيانها الموحلة عافت نفوسها الموغلة في العمالة الخبر كما تعاف العين منظر النجاسة, وكأنما هي في تنافس محموم مع الجزائر التي احتكرت لقب " بلد المليون شهيد" فقرروا بهمة وعزيمة أن يكون العراق أيضا بلد المليون شهيد" ! أليس كلا البلدين عربي ومسلم ليكن احدهما في غرب الوطن العربي والثاني في شرق الوطن العرب وبذلك تكتمل حدود ملايين الشهداء!

الصفر في العراق وفق منطوق الرياضيات الأحتلالية ليست له قيمة بغض النظر عن موقعه, فأن كانت الرياضيات التحليلية تنفي قيمته بوقوعه يسار أي رقم, وتضاعف قيمته بوقوعه يمين أي رقم, فأن هذه النظرية غير ذات قيمة حاليا حيث أن( 1000000=0000001) لذلك تمر الملاين بسهولة كما يمر البعير في خرم إبرة!

ولننظر إلى تطبيقات هذه النظرية عسى أن نتمكن من إثباتها بالمنطق لمن غفي داخل الصف أو تغافل عن قصد أو بدون قصد, وسنستثني من اللوم والتقريع حكومتنا ومجلس النواب المنتخبين فالأمر خارج نطاق مسئوليتهما الوطنية والأخلاقية والدينية سيما أنهم قد حجوا أخيرا بشكل جماعي وبتأديتهم هذه الفريضة فأنهم طهروا أنفسهم من كل الذنوب والكبائر السابقة واللاحقة, ولكننا هذه المرة سنوجه لومنا إلى شعبنا الكريم وليعذرنا على جرأتنا فوقت المجاملات انتهى بلا رجعة وكذلك إلى رجال الدين نستميحهم عذرا لأن تعاليم الأرض لا تلغي تعاليم السماء! والأصول احكم من الفروع وان مواقفهم طفحت بالمهازل والمهانة والتخاذل! وكذلك ومؤسسات المجتمع المدني التي لم تكشف لنا لحد الآن أوجه نشاطاتها ولو نشاط واحد تدرع نفسها به ضد النقد الموجه لها!

تشير الإحصائيات الدولية إلى وجود (4) مليون عراقي لاجئ نصفهم داخل العراق والنصف الآخر خارج العراق, وهو أعلى رقم تجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في نكبة عام 1948.

ذكرت منظمة الشفافية العالمية - وهي ليست لها علاقة بشفافية رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري- بأن العراق في المرتبة الثالثة في مستوى الفساد المالي والإداري, حيث تجاوزت قيمة الفساد(18) مليار دولار منذ الغزو اللعين.

و تشير إحصائية وزارة التخطيط العراقية الصادرة في مايس 2007 بأن هناك(9) ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر.

كما تشير نفس الإحصائيات إلى أن نسبة البطالة في العراق بلغت 60% من مجموع اليد العاملة العراقية, بما يعني (1) مليون عاطل.

كشفت هيئة النزاهة العراقية في 15-12-2007، عن وجود خمسة ملايين طفل عراقي يتيم حسب الإحصائيات الحكومية، وهي تتناسب مع إحصائيات منظمة الصحة العالمية الصادرة في نيسان 2007 التي أشارت إلى وجود 4-5 ملايين يتيم في العراق. كما أن مكتب المنسق الإنساني للأمم المتحدة ذكر في تقريره في نيسان 2007 بأن (400) طفل يصبح يتيما كل يوم في بغداد وحدها بسبب أعمال العنف.

بالرغم من توجه(6) مليون طالب هذا العام للمدارس حسب إحصائيات وزارة التربية العراقية, إلا أن نصفهم أي حوالي(3) مليون يتسرب من الدراسة!

كما أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن عدد الأرامل والمطلقات في العراق بلغ(2) مليون امرأة.

بلغ عدد الأطفال المعوقين في العراق وفقا لإحصائيات المنظمة نفسها(900) ألف معوق!

قدرت منظمة(IR) بأن أكثر من 60% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر, أي حوالي(13) مليون عراقي.

تشير إحصائيات الأمم المتحدة بأن 70%من العراقيين لا يحصلون على مياه صالحة للشرب أي حوالي(17) مليون عراقي.

ناهيك عن الكثير من الملايين الأخرى سواء تلك المتعلقة بملايين القنابل التي أمطرها الأمريكان على رؤوس العراقيين, أو ملايين الدولارات التي سرقت ونهبت أو حولت إلى أهالي المسئولين خارج العراق, وملايين البراميل التي سرقت من نفطنا على أيدي الميليشيات والعصابات الإجرامية والملايين من حبوب الهلوسة والمخدرات المعلبات الفاسدة التي دخلت العراق عبر تسهيلات حكومية وملايين أخرى لا حصر لها في عراقنا الجديد.

أظن أن الفرق أصبح واضحا بين الرياضيات التحليلية والرياضيات الأحتلالية أما الذي ما يزال مصراً على عدم فهمه الفرق متذرعا بشتى الأسباب فليس لنا سوى أن نردد المثل القائل " لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة فقد أعيت من يداويها".

Alialkash2005@hotmail.com

 

 

ملاحظة حول طباعة المقال
 

شبكة المنصور

                                           الخميس  /  27  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  03 / نيســـــــان / 2008 م