بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

البرزاني والعنتريات التي ما قتلت ذبابة

 

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كتب ومفكر عراقي

 

يذكرني مسعود البرزاني بحكاية تقول أن رجلا ترك قريته وتوجه إلى قرية أخرى بعيدة وهو يصطحب زوجته على حمار وبقية متاعه على حمار آخر, وفي طريقه صادفتهم عصابة من قطاع طرق فضربوه حتى أدموه واغتصبوا زوجته ونهبوا متاعه وامتطوا حميره وتركوه مسجى بدمائه على الأرض, وبعد أن استعاد عافيته واصلا الطريق إلى القرية الجديدة, وحكى لرجالها عما صادفه من متاعب ومصائب, وكان ما يزال محزما بخنجره, فقال له البعض: وماذا فعلت بهم وأنت تتأبط سيفك ؟ فرد عليهم " أبقيته ليوم الشدة!

أشبه موقف هذا الرجل بموقف البرزاني فبد أن انتهكت حرمة أراضي الإقليم باكتساحه المهين من قبل القوات التركية لتلاحق عناصر حزب العمل الكردي الإرهابي الذي يؤويه ويدعمه البرزاني, وإعطائه التوجيهات إلى البيشمركة بتجنب أي تماس مع القوات التركية, وفي ظل القصف الإيراني الجديد على قرى الإقليم في ظل صمت مثير للدهشة من قبل البرزاني وعصابته, مما كشف زيف ادعاءاته السابقة بالرد على أي عدوان يستهدف الإقليم, ويفند دعواه و توعده بأن يعصف بالأمن الداخلي التركي وأمن بقية الدول من خلال تشجيع الأكراد فيها على الحذو حذوه وتشكيل إقليم أسوة بإقليم كردستان, فأنه لم يرتدع من مواقفه المخزية السابقة التي أثارت سخرية الأكراد أنفسهم قبل غيرهم, ولم يأخذ العبرة منها, فأنه هذه المرة انبرى ليوجه تهديداته إلى الشقيقة سوريا بسبب مقتل ثلاث من المشاغبين الأكراد على أيدي قوات الأمن السورية في منطقة القامشلي, ولم يكتف بإدانة الواقعة وإنما تمادى بصلف مثير للغرابة ليطالب سيادة الرئيس السوري بشار الاسد بإجراء تحقيق بالحادث والتدخل لمنع تكرار مثل هذه الجريمة, وجاء في بيان لرئاسة الإقليم " ندين بشدة جريمة أطلاق النار على الأبرياء المحتفلين الذين لم تكن جريمتهم غير التعبير عن فرحتهم باستقبال العام الكردي الجديد".

وفي سابقة فريدة من نوعها في التعامل الدبلوماسي طالب البرزاني الرئيس الاسد بالتدخل كي لا تتكرر هذه الجريمة وأن يجري تحقيقا لمعرفة الجناة ومعاقبتهم", وبصيغة تهديديه بعيدة عن ليس عن البروتوكول فحسب بل الأخلاق والذوق والكياسة يمضي البيان في عنترياته الساذجة" لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي تجاه هذا العمل الوحشي الذي ينتهك حقوق الإنسان ويدخل في خانة القتل على أساس الهوية القومية".

البيان يحتاج إلى عدة محطات توقف, أولها يتعلق بموضوع سيادة سوريا على أراضيها, فمن المعروف انه ليس للبرزاني كزعيم إقليم أن يحشر أنفه في شئون سوريا الداخلية سواء كان القتلى أكراد أم عرب أم من قوميات أخرى فهم مواطنون سوريون قبل كل شيء, ويخضعون للقانون السوري وليس لقوانين إقليم البرزاني. وان هذه السيادة تفترض وفقا للقوانين الدولية بعدم جواز الغير سواء كانت دول أو منظمات أو أفراد بالتدخل في شئون سوريا الداخلية, والبرزاني بالتأكيد لا يجهل هذه القواعد فقد سبق أن صرح أكثر من مرة بأنه لا يسمح للغير بالتدخل في شئون إقليمه المزعوم ولم يقصر تحذيره على بقية الدول فحسب بل الحكومة العراقية نفسها التي يشارك فيها وببرلمانها, وكلنا نستذكر اتفاقيات النفط التي عقدها خارج حدود الحكومة المركزية.

من جهة أخرى فأن محاولة البرزاني بأن يكون زعيما أمميا لا يتناسب مع طبيعة وضعه المتقزم كزعيم إقليم فرض بموجب الاحتلال وبإكرامية سخية على عمالته لأمريكا والكيان الصهيوني, وربما هذه الفاتحة ستكون مقدمة لتوجيه توبيخ من البرزاني إلى الرئيس الروسي أو الإيراني بسبب تعرض بعض الأكراد إلى سوء معاملة أو انتهاك ما, ولا عجب فعندما يجهل الإنسان قدر نفسه ويتناسى حجمه الحقيقي يتصرف كطاووس رغم أنه لا يعدو في حقيقته عن غراب.

من المعروف في العلاقات الدولية إن التعامل يكون على أساس التكافؤ بين الجهات المتفاوضة فليس في ظل وجود حكومة مركزية ورئيس دولة متمثلا بالطالباني أن يخاطب البرزاني الرئيس السوري مباشرة, وإنما يتم ذلك عبر القنوات الرئاسية,أما أن يتبع البرزاني سياسة قفز الموانع متجاهلا الرئيس الطالباني فأنه أمر يدعو إلى السخرية ويكشف عن ضحالة وجهل البرزاني بأبسط القواعد المتعارف بها. كما أن العلاقات بين الدول تنظمها وزارة خارجية البلدين, ولا يجوز أن تهمل القنوات الدبلوماسية لمعالجة المشاكل بين الدول, وسبق أن أصدرت الحكومة العراقية بيانا بهذا الشأن علما إن الخارجية بحد ذاتها تلبس الشروال الكردي وهي تحت أبط البرزاني, بالرغم من تأكيدنا بأن هذه ليست بحد ذاتها مشكلة بين بلدين وإنما هي شأن سوري داخلي محض.

هناك أسلوب للمخاطبات بين الرؤساء تراعى فيه الكياسة والدقة والأدب واللياقة والرصانة وطريقة العرض, وهو أمر متعارف عليه, والخروج عن هذا الأسلوب إنما يعني أما جهلا به أو تجاهلا له وكلاهما عيب لا يتواءم مع من يدعي نفسه برئيس إقليم, فمن العار أن يطالب البرزاني الرئيس السوري بفتح تحقيق عن مقتل ثلاثة من أبناء شعبه, والأكثر عارا عندما يطلب منه بعدم تكرار مثل هذه الجريمة, فالرئيس الاسد رئيس دولة خبر الرئاسة منذ نعومة أظافره ولا يحتاج إلى توصية أو وصاية من البرزاني أو غيره لمعالجة مشكلة بسيطة يمكن أن يعالجها ضابط تحقيق صغير. وهو ليس بحاجة إلى علم البرزاني وإرشاداته للتعامل مع أفراد شعبه وحل مشاكلهم, ومن الصفاقة أن يطلب البرزاني من الرئيس الاسد معاقبة الجناة, وكأنما من مهمات الرئيس أن يتجاوز حدوده الدستورية ويمارس السلطة القضائية كيفما يشاء, ربما تصلح هذه الطريقة في إقليم كوردستان حيث يجمع البرزاني كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بيده, ولكن ما يصلح في إقليم يقوم على حكم عشائري لا يصلح البتة على دولة لها دستور واضح تفصل فيه حدود السلطات وتثبت فيه مسئولية رئيس الدولة.

الغريب أن يتجاهل البرزاني القتلى الأكراد العراقيين بسبب الاجتياح الكردي والقصف الإيراني للاقليم والذي راح ضحيته المئات ليستذكر ثلاثة قتلى سوريين, والأغرب أن يتجاهل مقتل حوالي مليون عرقي في ظل الاحتلال دون أن يجرؤ على فتح فمه ويخرج لسانه. فأي حرص هذا وأية مهزلة تلك, أليس الأجدر به أن يدافع عن حقوق أكراد الإقليم قبل أن يعلن نفسه وصيا على أكراد العالم؟

يبدو أن البرزاني قد نسى أو تناسى دور سوريا عندما كان هو وغيره من الأكراد سابقا في المعارضة خلال الحكم الوطني والدعم الذي تلقوه من سوريا, ونسى بأن الرئيس الطالباني كان إلى عهد قريب يحمل جواز السفر السوري! وربما تجاهل الدور السوري الشهم في احتضان أكثر من مليون عراقي تشردوا بسبب الاحتلال وحفنة من العملاء أبرزهم البرزاني والطلباني! وكيف تتعامل سوريا رغم شحة مواردها بدفء مع العراقيين في الوقت الذي رفض فيه البرزاني أن يؤويهم في إقليمه إلا بعد ضمانات من أكراد ووفق شروط قاسية ففضل العراقيون اللجوء إلى سوريا على إقليمه! السوريون شاطروا العراقيين مسكنهم ومأكلهم وملبسهم طوال سنوات الاحتلال العجاف بينما أمتنع الأكراد عن ذلك وهذا الواقع المؤلم لن ينساه العراقيون على مر السنين.

أما أن يصنف البرزاني عملية القتل على أساس أنها تستهدف الهوية القومية فأن هذا تدخلا سافرا في شئون سوريا واتهام خطير من شأنه أن يترك المجال للقيادة السورية لمقاضاة البرزاني فهو يحاول أن يسيء إلى سمعة دولة تجاه رعاياها ويخلق فتنة داخلية ويؤجج النزعة العنصرية عند أكراد سوريا, ولاشك أن هذا الأمر يعتبر ذو علاقة بمسألة الأمن الوطني السوري ومن شأنه أن يخلق أزمة بين البلدين, ولكن من المؤكد أن القيادة السورية تدرك جيدا وتعي حقيقة هذه الزعامات المتهرئة التي فقسها الاحتلال في العراق, وهي كما تعودناها تلتزم بالحكمة إزاء مثل هذه المواقف!

أما تهديدات البرزاني بأنه سوف لا يقف مكتوف اليد تجاه هذه الجرائم فأنها تدخل من باب" كلام مثقوب كأحذية قديمة" فهذه العنتريات سبق أن شهدناها خلال الاجتياح التركي المتكرر والقصف الإيراني بين آونة وأخرى للإقليم, إنها من الصنف الذي سماه الشاعر نزار قباني" العنتريات التي ما قتلت ذبابة", كما أنه ليس من حق البرزاني أو غيره أن يصف حادثة القتل بالجريمة فالحادث لم تمضي عليه بعد سوى أربع وعشرين ساعة والتحقيقات لم تستكمل بعد, والقضاء السوري لم يقل كلمته الفيصل في الحادثة, ولا يجوز التعجل بإطلاق صفة الجريمة على الحادثة.

ربما يكمن وراء هذه التصريحات شيطان إسرائيلي يعطي أوامر وتوجيهات ملزمة للبرزاني وزمرته الضالة لتصعيد الموقف ضد سوريا, وربما هي محاولة لتبرير عدم مشاركة العراق في مؤتمر القمة القادم الذي سيعقد في سوريا بعد أن استكملت تحضيراته, وربما هي محاولة يائسة لتعكير العلاقات بين البلدين والضغط على سوريا لإرجاع اللاجئين العراقيين, مهما كانت الأسباب وتعددت فأن القيادة السورية الحكيمة أبعد من أن تقع في فخ البرزاني بعد أن يئست الولايات المتحدة بخططها الجهنمية من استدراجها إلى فخاخها.

ومسك الختام معذرة للرئيس السوري بشار الأسد عن هذه الصفاقة, ومعذرة للشعب السوري الشقيق من هذه السهام الطائشة التي يرميها عملاء الاحتلال على أشقائنا بين آونة أخرى, ربما هي فرصة كي يدركوا حجم مأساتنا وبمن أبتلينا, ومعذرة من سوريا حاضنة العراقيين وجامعة شملهم بعد أن تخلت حكومتهم عنهم, ونقول لأشقائنا لتستمر قافلتكم في مسيرتها الظافرة آمنة مؤمنة محروسة لا يعرقلها قطاع الطرق و لا يهمها نباح الكلاب. ولا نزيد في تقييمنا للبرزاني عن تقييم مايكل روبين في معهد أمريكان انترابرايس " أن تصرفات البرزاني تفيد بأنه بعيد عن أن يكون أهلا للثقة"

نبتهل إلى الله سبحانه وتعالى سائلين ومتضرعين" ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء بنا" ربنا أرفع عن امتنا هذه الغمة والجم ألسنة من يريد الشر بنا, والإيقاع بيننا وبين أشقائنا, ربنا أضعف شوكتهم وأذلهم وافضحهم وافشل خططهم وبعثر خطاهم فأنت السميع المجيب.

 

Alialkash2005@hotmail.cpm

 

 

 

شبكة المنصور

                                           الثلاثاء /  18  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  25 / أذار / 2008 م