الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

أحداث البصرة أكدت
الموت السريري لحكومة المالكي

 

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

انتهت معركة الأيام الستة في البصرة بنفس طريقة حرب الأيام الستة بين الدول العربية وإسرائيل خسارة كبيرة للعرب وربح لإسرائيل وربيبتها أمريكا, وكذلك صولة الفرسان انتهت بربح لأعداء العراق,وخسارة كبيرة للشعب العراقي الذي فقد أكثر من ألفين من أبنائه بين قتيل وجريح, انتهت الحرب مثلما أبتدات بطريقة مثيرة للعجب تاركة ورائها علامات استفهام مبعثرة هنا وهناك لم تجد أجوبة واضحة من طرفي المعركة, وحاول كل من الطرفين المتحاربين أن يبرر المعركة على هواه سيما أن الاتهامات كانت متبادلة كما حاول كل منهما أن يسخر الماكينة الإعلامية بطريقة غير ناضجة لترويج وجهة نظره الغريبة والبعيدة عن الواقع والممارسات الفعلية.

ابتدأت المعركة بدون مقدمات وانتهت بدون نتائج كأنها حكاية نجيب محفوظ بلا بداية ولا نهاية! بدأت بدون إستحضارات وقد وصفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها كانت عملية ارتجالية, وكانت كل العيون مشدوهة إلى الموصل في ترقب حذر, بعد أن أكدت الحكومة العراقية وإدارة الاحتلال عزمهما على شن معارك ضد تنظيم القاعدة كما أدعتا, وهي صورة غير حقيقية لواقع الحال, فالموصل هي التي تسلمت راية الجهاد بعد الفلوجة وديالى, والموصل كما هو معروف في تأريخها كعبة الجهاد يطوف حولها المجاهدون الأبطال, وهي سجل حافل بالمآثر الخالدة على مر السنين, وان رفعت راياتها فلا احد يمكن أن يعلوها أو يجرؤ على منافستها, وليس هناك تنظيم للقاعدة في أم الربيعيين وإنما هناك أوكار للبيشمركة تحاول أن تعيث الفساد الدمار والخراب في أرجائها, والحكومة اعرف من غيرها بذلك وواقعة الزنجيلي ما زال حديثة العهد وعالقة في الذهن.

لكن كما يبدو أن الحكومة العراقية قد ولت شطرها نحو الجنوب تحت حجة محاربة الفساد والميليشيات العابثة فيه, وقد ارتكب قائد "صولة الفرسان" المالكي عدة خروقات دستورية وعسكرية خلال قيادته العملية التي زلزلت أركان حكومته الواهية, فمن الناحية الدستورية كما هو معروف لا يخول الدستور رئيس الحكومة أن يعلن حالة الطوارئ في البلاد إلا بموافقة مجلس النواب وهذا ما لم يحصل, كما إن الدستور كفل حق التظاهر والعصيان المدني للمواطنين وهذا ما كان الأمر عليه بالنسبة للتيار الصدري فهو من وجهة النظر الدستورية لم يخرق الدستور لكي يجابه بحملة عسكرية واسعة النطاق, كما أن اعتبار المالكي كل من يمارس العصيان ولا يلتحق بوظيفته يعتبر مفصولاُ يشكل خرقا آخر للدستور, علاوة على إن العملية تمت دون الرجوع إلى مجلس النواب, سيما إن للتيار الصدري( 30) نائبا ويمكن معالجة الأزمة عن طريق الحوار بدلا من سفك الدماء. وكان لاختفاء ممثلي حزب الدعوة والمجلس الأعلى من جلسة البرلمان لمناقشة الوضع المتأزم في البصرة دليلا على وجود نيات مبيته لدعم تحرك المالكي العسكري, و انتهك المالكي الدستور أيضا بنقله قطعات عسكرية من بغداد والنجف وكربلاء إلى منطقة القتال دون الرجوع إلى مجلس النواب. وكذلك بطلبه من قوات بدر وأفواج الصحوة في الانبار أن تشاركه بعملياته المسلحة, وكان رفض عناصر الصحوة هذه المشاركة قد بدد أحلام المالكي.

من جهة ثانية فأن المالكي ركل رئاسة الجمهورية و مجلس الأمن القومي عند شن حملته هذه مستندا فقط على إرادة المحتل وحلفائه من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, وحتى قوات الاحتلال تنصلت عن المسئولية بعد أن أعلن السفير كروكر بأن المالكي اعلمه بحملته قبل (24) ساعة فقط من تنفيذها! كما أن رئيس الجمهورية الطالباني لم يعرف بالصولة فقد كان في رحلة استجمام في منتجعه في دوكان ورفض أن يقطع نزهته الممتعة بعد أن سمع بها من وسائل الأعلام, طالما أن المعارك تجري بين العرب وليس للأكراد علاقة بالموضوع عن قريب أو بعيد, ولكن لحراجة الموقف وتأزمه أعلن استعداده عن استضافة الأطراف المتنازعة في شمال العراق! واعترف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بان المالكي لم يحيطه علما بصولة فرسانه, مع إن الهاشمي باركها بطريقة غريبة ومخجلة, فعندما يقوم احدهم باستغفالك من العجب أن تباركه على فعلته هذه؟ وعندما يتعدى احدهم على أخيك متجاهلا وجودك فلا يصح أن تشرعن اعتدائه؟ كما ان المالكي لم يرجع إلى مجالس المحافظات التي يفترض أن توافق مسبقا على الحملة العسكرية, وان استعانته بميليشيات حزبه وقوات بدر وفيلق القدس يرفع غطاء الشرعية عن صولة الفرسان ويحولها إلى(صولة العدوان).

والغريب أن يصف المالكي جيش المهدي بأنه أسوأ من تنظيم القاعدة وكلاهما يحاول أن يقوض العملية السياسية, معلنا أسفه وندمه على طول صبره وانتظاره متناسيا انه بهذا المنطق يتجاهل فضل التيار الصدري الذي حمله على اكتافه إلى موقعه الرئاسي, والأحرى أن يلعن جيش المهدي تلك اللحظة التي سوغ فيها لنفسه دعم المالكي ورفعه من الحجلة ليسير على قدميه الرخوتين! والحقيقة إن المالكي في حكمه هذا لم يخرج عن النظرة الأمريكية لجيش المهدي فقد صرح أكثر من مسئول بنفس هذه العبارة ولا جديد في ذلك, ولكن من الغريب أن يقبل رئيس الحكومة رئاسة حكومة تضم خمسة وزراء من تنظيم إرهابي! وأن يقبل حزبه أن يأتلف مع تنظيم إرهابي أو يجتمع نواب من حزبه مع نواب تنظيم إرهابي تحت خيمة واحدة!

مع بداية الحملة اختطف الناطق باسم خطة حفظ القانون تحسين الشيخلي وبدأت تظهر على السطح فقاعات حكومية سرعان ما تنفجر, فقد وجه مقتدى الصدر بيانا للمالكي يطلب منه أن يغادر البصرة بعدها يمكن أن يوقف العمليات العسكرية, في حين تصلب موقف المالكي مدعيا بأنه لا يخرج من البصرة حتى تكتمل مهمة صولة الفرسان, وإذا بالصورة تنقلب رأسا على عقب فالصدر أوقف العمليات قبل خروج المالكي من البصرة, والمالكي بدوره خرج من البصرة قبل أن تكتمل صولة فرسانه.

من الجهة الأخرى يؤكد المالكي بأنه سيستمر في العملية العسكرية مهما طالت حتى ولو أشهر وأنه لا تفاوض مع العصابات والمجرمين, ومع هذا فأن يرسل وفدا من حزبه والمجلس الأعلى بدلا عن الوفد الذي شكله مجلس النواب إلى إيران للتفاوض مع الصدر لوقف القتال, ويرحب بمبادرة الصدر ويعتبرها" خطوة في الاتجاه الصحيح" ويرصد مكافئات لمن يسلم سلاحه ويصدر عفوا عنهم! ويصدر في نفس الوقت أمرا بإحالة الضباط والجنود الذين رفضوا قتال أخوانهم من جيش المهدي إلى المحاكم! والصدر بعد أن رفض تسليم الأسلحة قلب الصورة بموافقته على تسليم الأسلحة الخفيفة المتوسط! ويتعهد المالكي حسب اتفاق إيران بعدم ملاحقة عناصر جيش المهدي وفي نفس اليوم تتم اعتقالات جديدة يصعب تفسيرها حدت بالنائب بهاء الاعرجي من الكتلة الصدرية بأن يهدد المالكي بخوض معركة وصفها بالحاسمة في حال عدم التزامه ببنود اللجنة الخماسية والكف عن اعتقال عناصر من التيار الصدري واتهم المالكي بأنه يريد التصعيد, وطالب بقية الكتل بالضغط على المالكي وان لا يستجيب للضغوطات الدولية والتوصيات الحزبية. كما أن جيش المهدي بعد إيقاف عملياته قام عدد من عناصره بهجمات على قوات من الجيش والشرطة العراقية! ضاعت علينا الحقائق بسبب هذه الفوضى الإعلامية وضعنا في دوامتها.

وفي الوقت الذي اجمع فيه الجميع بمن فيهم الأمريكان بفشل صولة الفرسان فأن المالكي اعتبرها ناجحة! وبطريقة مثيرة للغثيان طالب بتعميم هذه التجربة الفاشلة على بقية محافظات العراق, فقد صرح بأنه توجد في بغداد مناطق تحتاج إلى صولة للفرسان لتطهيرها من العصابات المجرمة, داعيا الخارجين عن القانون للعودة إلى رشدهم ويتركوا المواطنين في مدينة الصدر والشعلة والكاظمية ليعيشوا أحرارا! وكما يلاحظ انه بيان مثير للغرابة فمن المعروف إن الخارجين عن القانون ليسوا بحاجة إلى وعظ من المالكي ليعودوا إلى رشدهم وإنما هم بحاجة إلى محاكمة وعقوبات بحق الجرائم التي ارتكبوها, وان كانت عودة الرشد هي المهمة في فكر رئيس الوزراء فكيف يفسر وجود مئات الألوف من العراقيين في سجونه وسجون الاحتلال دون تهم محددة؟ أليس الأولى به أن يدعوهم ليعودوا إلى رشدهم ويطلق سراحهم طالما إن عودة الرشد هي الغاية المنشودة في عرف المالكي لإطلاق سراج المجرمين فكيف بالأبرياء!

وفي مسرحية غير محبوكة ينصح المالكي الخارجين عن القانون بأن يدركوا حقيقة" لا أحد فوق القانون ولا جيش فوق الجيش العراقي" متجاهلا المئات من جيشه المهزوز سلموا أسلحتهم طوعيا إلى جيش المهدي, وانه أمر بفصلهم من الخدمة وإحالتهم إلى المحاكم! وقد ذكرت صحيفة الغارديان بأن قوات المالكي تعرضت لطرقات وضربات شديدة من جيش المهدي, وشهدت تحول وحدات عسكرية كاملة إلى جيش المهدي مما يعني اعترافا بهزيمتها! وفي تقيمها لنتيجة المعارك تخلص إلى أن" مقتدى الصدر، المستهدف من هذه العملية العسكرية، خرج منها أكثر قوة وتماسكا، فجيش المهدي لم يخسر شيئا يذكر، واظهر نفوذا كبيرا على رجاله عندما أعلن سحب مسلحيه من الشوارع، على الرغم من أن بعض قياداته ليست سوى مجموعة من رجال العصابات، لكنهم مع ذلك أطاعوا توجيهات زعيمهم السياسي بالتزام وضبط" وفي تعليق حول عرض السيد مقتدى الصدر لوقف العمليات, اعتبرت الصحيفة بأن العرض كان سخيا للغاية كي لا تظهر حكومة المالكي بأنها مهزومة! وهذا ما أكدته قيادة القوات الأمريكية في العراق بإعلانها إن قوات الجيش والأمن في العراق بعد معركة الأيام الستة تبين إنها بحاجة إلى المزيد من التعزيز وان وحدات الجيش ليس مؤهلة لتحمل المسئولية, وأشار كيفن بيرغنر الناطق بأسم الجيش الأمريكي بأن" القوات العراقية بحاجة إلى المزيد من الجهد والتطوير"!

فما الذي خرج من جعبة المالكي في صولته هذه؟ تقول الغارديان بأن المالكي الذي قاد وأشرف على العملية العسكرية بنفسه, قد وضع سمعته السياسية على المحك وهو ما تسبب في إضعاف سلطته كرئيس وزراء على نحو بالغ". ونقل عن محللين سياسيين بأن إدارة الرئيس بوش فشلت في محاولتها لتصوير العملية على أنها دليل على امتلاك حكومة المالكي الإرادة والوسيلة الناجعة للقضاء على الميليشيات, وان المالكي بالغ في تقدير إمكانات قواته وأستخف بقوات وقدرات جيش المهدي وكان ذلك خطا جسيما.

أما فيما يتعلق بنفر من رؤساء العشائر الذين اجتمع بهم المالكي على هامش وجوده في البصرة وكانوا أشبه بمجموعة من الأصنام فلم يتحدث أي منهم أو يعلق على خطبة رئيس الوزراء, فقد كانت أشبه بمحاولة غريق بان يستنجد بقشة, فقد اعترف السفير الأمريكي كروكر بأنه حث المالكي على استخدام أقوى أسلحته وهو المال لجذب رؤساء العشائر في البصرة! فسقط الستار وانكشفت الحقيقة كما سقطت العقل التي كان يرتديها المشايخ الذين حضروا الاجتماع.

من المؤكد إن معركة الأيام الستة ليست سوى هدنة مؤقتة أو صفحة واحدة وان الأيام القادمة ستشهد الكثير من الصفحات بعد أنة ارتفع رصيد جيش المهدي بالتزام عناصره أوامر قائدهم في الوقت الذي تخاذل فيه جيش المالكي وعصى أوامره وزاد من طعم المرارة في أفواه من اشرف على تدريبه وتجهيزه ووجدوا إن جهودهم ذهبت أدراج الرياح.

المالكي ربما خانته ذاكرته كما خانه أعوانه فقد نسي عبارته الشهيرة بأن " المساس بجيش المهدي يعتبر انتحارا سياسياً".

لقد انتحر المالكي وأن حكومته ميتة سريريا وهي لا تحتاج إلى رصاصة رحمة لأنها لا تستحق كلمة الرحمة.

 

Alialkash2005@hotmail.com

 

 

 

حول طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                            السبت  /  29  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  05 / نيســـــــان / 2008 م