بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

الفصل الاقتصادي شعار للفصل السياسي مع مصر

 

 

 شبكة المنصور

 سامي الأخرس

 

تمرد قلمي عن الكتابة منذ أن زفت وسائل الإعلام نبأ وفاة المناضل الكبير جورج حبش فجال بخيالي مقولة جميلة " نكسوا الإعلام ، لم يتبق إلا الأقزام" .

ذهب المناضل الكبير جورج حبش والساحة الفلسطينية تعيش أخطر مراحلها وأحداثها ، والقضية الفلسطينية تعيش غموض لم تشهده خلال مراحلها السابقة مثل هذه الضبابية ، والغموض الذي يكتنف حاضرها ومستقبلها ، سواء من الأطراف المحلية الوطنية المتمثلة بالرئاسة في رام الله ، والحكومة في غزة أو من الأحزاب الفلسطينية التي تقف موقف المتفرج ، وكأن حال لسانها يقول " مولد وصاحبه غايب" وكذلك الأطراف العربية والقوي الدولية .

فالجميع ينتظر ويتروي وأصبح يتعامل بسياسة كاتم الصوت ، والترقب حتى لا يقع في المحظور والمغالطات السياسية حسب الفهم المرسوم في مخيلتهم وتوقعاتهم السياسية ، و حسب الأجواء التي نعيش فيها والملبدة بغيوم الضباب .

فالمتأمل لواقع الحال منذ عام ونصف وربما أكثر يلمس حالة الضبابية التي تعيشها القضية الفلسطينية ، ولخبطة الأوراق بعضها ببعض ، حيث لم يعد أحداً قادر على القراءة أو التنبؤ بما تحمله الأيام القادمة ، أو المستقبل الفلسطيني السياسي على المدى المنظور .

فإن كان مؤتمر أنابوليس لم يحمل في أوراقه الخريفية شيئا وحملتها رياح الخريف وألقت بها بعيداً ، وأنتهي بحفلة خطابية كعشرات الحفلات والمهرجانات التي سبقته ، فإن التطورات الأخيرة والتي تمثلت بفتح الجدار الحدودي مع مصر قد زاد من هاجس الخوف مما هو آت وقادم ، هذا الهاجس ليس نتاج غزو أهل غزة لمصر وكسرهم الحصار الاقتصادي والذي يعتبر مشروعا لشعب يموت جوعا وحصارا ، وإنما جملة التصريحات السياسية التي ترافقت مع هذا الحدث سواء المحلية أو الخارجية والتي أعلن الجانب الإسرائيلي علي الفور إخلاء مسئوليتهم الكاملة عن غزة وعلى مصر تحمل مسئولياتها ، وهذا يعني نفض إسرائيل يدها من مسئوليتها عن المذبحة التي ترتكبها بحق شعب بأكمله في غزة نتاج سياسة الحصار الهمجي التي تتبعها إسرائيل منذ زمن بعيد ، وكذلك تصريحات الساسة المصريين بضرورة إعادة النظر في النظام الحدودي مع غزة دون توضيح كيف إعادة النظر في هذا النظام ، وهل يقصد إعادة النظر في اتفاقيات كامب ديفيد ؟ أم إعادة النظر بالتوافق بين الجانب الفلسطيني – المصري ؟

وتصريحات إسرائيل بضرورة إعادة صياغة اتفاقيات كامب ديفيد مع الجانب المصري ، إلي العراك السياسي بين حماس والرئاسة في مفاوضات إدارة المعابر وفتحها ، ورفض حماس لهذه الاتفاقيات التي تعيد فتح المعابر ، إلي التصريح الأخير للسيد محمود الزهار القيادي بحركة حماس بمطالبته بوحدة اقتصادية مع مصر ، وبرأي أن هذا التصريح الأخير هو الأخطر من جملة التصريحات السابقة وهو الأحق بالتوقف عنده طويلا ، كونه يحمل في طياته ملامح جديدة .

عند الحديث عن الثوابت الوطنية فالحديث يدور عن جملة الثوابت التي لا يمكن تجزئتها أو تفصيلها كقطع كلا علي حده . فالتجزئة والتفصيل هما اللذان أوصلانا لما نحن فيه من حالة إذابة للقضية الفلسطينية ، والثوابت الوطنية التي تستند إلي عدة مرتكزات ومبادئ لا يمكن التنازل عن أحداها مقابل الأخرى ، فنحن نخوض معركة سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية متكاملة متوحدة تستند إلي أرض محتلة ، وشعب مشتت ، وكرامة مهدورة ، واقتصاد ينهب ، وحياة اجتماعية ممزقة بين الحدود والدول ، لا زالت خيمة اللجوء عنوان لها ولهذا الشعب الذي يقاتل ويناضل من أجل : الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ، وحق العودة ، وتقرير المصير .

كما أن الحصار الاقتصادي المفروض على غزة هو ذو أهداف سياسية وليس لغايات ومرامي اقتصادية بحته ، والدليل خطاب السيد رئيس الوزراء إسماعيل هنية عندما ردد بأننا سنأكل زيت وزعتر ولن نخضع ، وهو تأكيد بأن الحصار سياسي ولأغراض سياسية . وأن القضية قضية سياسية والحرب حرب سياسية تستعمل بها كل الوسائل الأخرى ، وعليه فعند الحديث عن الجانب الاقتصادي علينا أن نتحدث عن الجوانب الأخرى المكملة للجانب الاقتصادي ، وهل انفصالنا الاقتصادي هو الحل؟

إن كان الجانب الاقتصادي سيحل جزء بسيط من المشكلة المعقدة ، فماذا سنفعل بجملة الجوانب الأخرى .؟ أم أن الفصل الاقتصادي هو الخطوة الأولي في مشروع سياسي متكامل يبدأ من الأمعاء ويمر بالشرايين وينتهي بالدماغ ، وحينها نقول علي فلسطين السلام .

إن كان أوسلو قد جزأ القضية الوطنية وحولها لقضية حكم ذاتي مهين ، فإن ما يطرح حاليا من حلول جزئية تأتي في مصاف التجزئة والإذابة للقضية عامة ، فالاقتصاد والجوع والعطش عاشة شعب فلسطين لأجل وطن حر وحقوق مشروعه ، عنوانها تضحيات من أجل تحرير الأرض والإنسان ، وإقامة فلسطين الدولة وعاصمتها القدس ، وعودة اللاجئين ، وتقرير المصير ، وما دون ذلك فإنه يأتي من باب البحث عن الذات ، والمصالح الحزبية التي أصبحت كأولوية على المصالح الوطنية .

وعليه على شعبنا وقاه الحية الحذر ثم الحذر مما يدور حاليا ، فإن فلسطين أصبحت مضغة في أفواه الساسة يتقاذفونها كيفما أتجه مؤشر البوصلة المصلحيه والذاتية .

فالمؤامرة تلي بظلالها علينا ، وبدأت بنسج خيوطها الحريرية الجذابة المغلفة بالاقتصاد والحصار ..الخ وتريد أن تحرف مؤشر نضالنا لاتجاه الحصار والاقتصاد الذي أصبح عنوان معركتنا متجاهلا العنوان الرئيس فلسطين ووحدة شعبها وأرضها .

فنحن نخوض نضالنا لأهداف متكاملة لا تخضع للتجزئة ، ومن هنا فكل المشاريع والخطوات الاندماجية سواء الاقتصادية منها أو أي جانب دون الأخر فإنها مرفوضة مهما كانت الغاية والمبررات ، وإن ارتضينا بالوحدة الاقتصادية سنرضخ للوحدة السياسية ومن ثم الاندماج كليا ، ونتحول لمحافظة تابعة لمصر ، والضفة لمحافظة تابعة للأردن ، وكفي الله المؤمنين شر القتال .

" قد يستمر نضالنا مائة عام وأكثر فمن تعب عليه التنحي جانباً" هل لي أن أتذكر هذا المناضل الوطني التاريخي جورج حبش الذي قبض على فلسطين حتى لفظ أنفاسه الأخيرة متحدياً ، ثائراً ، لم تنال منه الرياح والعواصف والمؤامرات ، عاش جبلاً تتكسر عليه المؤامرات ومات جبلا شامخا لا زال يتحدي .. ولا يسعني أقول سوي " نكسوا الأعلام ، لم يتبقٍ إلا الأقزام" .

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت  / 24 محـــــرم 1429 هـ الموافق  02 / شبـــاط / 2008 م