بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

هياكل التضليل : كيف تذبح الضحية بريشة فنان ؟

مغزى طروحات هيكل حول العراق وايران

( انه يذبح بالريشة )

مثل عراقي

( 2  - 3 )

 

 

 شبكة المنصور

  صلاح المختار

 

كل هذه الحقائق ، والتي لا تحتاج الى المزيد من التوضيح ، تثبت بالادلة القاطعة بان امريكا واسرائيل دعمتا ايران في حربها ضد العراق ، بكل ما تنطوي عليه هذه الحقيقة من معان ، ومنها :

أ - ان ايران ، ومهما اختلفت مع امريكا واسرائيل ، تبقى قوة اساسية تعتمد عليها امريكا واسرائيل في استنزاف العرب وتدميرهم ، لان العرب ، وليس ايران ، العدو الاول لاسرائيل ، ولان العرب ، وليس ايران ، العدو الاول للاحتكارات الامبريالية .

        ب - ان ايران ، وليس العراق ، من اراد حرب عام 1980 وفرضها وفجرها ، لان تلك الحرب كانت مقدمة امريكية – اسرائيلية – ايرانية لتفتيت العرب والمسلمين ، وهذا الهدف يفسر لم دعم الغرب والصهيونية ايران واستمر النظام الملالي يحكم حوالي 30 عاما ولم تخطط امريكا او اسرائيل لاسقاطه رغم مشاكساته وقرعه للطبول ، بعكس ما حصل للعراق .

        ج - ان وصول خميني للسلطة ، وتأسيسا على النتائج التي نواجهها الان كعرب ، كان هدفا امريكيا – اسرائيليا – اوربيا ، كما اكدت الاحداث اللاحقة ، واهمها استنزاف واضعاف ثم غزو العراق ، وهي احداث ذات طبيعة ستراتيجية تخدم مباشرة اهم اهداف اسرائيل وهو تقسيم الاقطار العربية وفي مقدمتها حارس البوابة الشرقية للوطن العربي : العراق . لقد كانت ايران هي اللاعب الرئيس في تنفيذ هذا الهدف الستراتيجي ، وهذه الحقيقة تفسر اسرار الدعم الامريكي – الاسرائيلي المستمر لايران ، رغم كل شعارات ايران المعادية للغرب واسرائيل .

كل تلك الحقائق والوثائق  تجاهلها السيد هيكل لذلك ارتكب خطا اعطاء انطباع مضلل وخطير ويتناقض مع مسار الاحداث  الفعلي وهو ان مساحة التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي تخلو من ضرورة التعاون مع ايران ، او على الاقل تستبعد التلاقي ستراتيجيا معها ، رغم ان

هذا حصل تجاه العراق منذ الحرب العراقية الايرانية و حتى الغزو ومابعده .

نظرية الامن القومي الايراني

لقد خلت الحلقة التي تحدث فيها هيكل عن ايران من تناول نظرية الامن القومي  الايرانية ، رغم الاهمية القصوى لذلك ، فغيّب السيد هيكل عن ذهن المتابع لبرنامجه الخطط الايرانية ، مع انه وضح الخطط الامريكية بشكل جيد ! والسؤال المهم هو : هل تغييب السيد هيكل لخطط ايران ناجم عن جهله بها ؟ من المؤكد انه ليس الجهل ، لان لهيكل كتاب عن ايران صدر من الخمسينيات من القرن الماضي ، كما انه قد لا يكون التجاهل ، وحينما نستخدم ( قد ) الاحتمالية فلأننا نعرف ان النخب القومية الفارسية التي لجأت الى اعتماد التقية اليهودية ( التقية اصلها يهودي وليس فارسي) بعد تحطم الامبراطورية الفارسية مباشرة بواسطة الفتح العربي – الاسلامي ، ومن بين اهم مظاهر هذه التقية السرية المطلقة المضروبه حول خطط ونوايا ايران وتبني تكتيكات ودية تجاه الضحية لطمأنته لجعله يتراخى ولا يستعد لمواجهة خطر واضح .

ان من يقرا تاريخ علاقات بلاد فارس بالامة العربية منذ فرض الاسلام عليها بالسيف ، سيرى بوضوح ان تاريخ المؤامرات و الدسائس الفارسية قديم ومعقد ، والتي اتخذت خطين استخباريين سريين ومدروسين وواضحين : خط  محاربة الدولة العربية – الاسلامية بالسلاح ورفض الخضوع لها ، و اهم الامثلة هو تمرد بابك الخرمي ضد الدولة العباسية والذي استمر حوالي عشرين عاما ، وخط الاندساس داخل صفوف الدولة والوصول الى اعلى المواقع ، وهو دار الخليفة ، كما حصل مع البرامكة ، للقيام بالتخريب من الداخل .

وقبل هذا وذاك يلاحظ الدارس للتاريخ العربي الاسلامي ان العناصر الفارسية التي  دخلت الاسلام كانت هي ، واليهود الذين دخلوا الاسلام تقية كيهود الدونمة ، كانت تقف وراء الفتن والازمات  والصراعات ، تصطنعها او تحركها او تديمها وتوفر لها الهياكل الايديولوجية ، واهمها تحويل الصراع حول السلطة بعد وفاة النبي ، وهو صراع سياسي ، الى صراع طائفي ومذهبي ، بلور ايديولوجيا متكاملة تقوم على اساطير تجد جذورها الحقيقية في اليهوديه  والزرادشتية ، وهي ايديولوجيا التشيع الصفوي التي نواجهها الان . ان الاختراق الفارسي - اليهودي للاسلام ادى ، من بين اخطر ما ادى اليه ، الى نشوء أخبث سرطان داخل جسد الاسلام وهو الانشقاق السني - الشيعي ، وتنامي الملل والنحل المتطرفة والمخربة ! هل كانت الشوفينية الفارسية تعمل بصورة عفوية ؟ ام انها تبنت استراتيجية بعيدة المدى ؟ ان من يظن بان النخب الفارسية الشوفينية كانت تتصرف ، منذ فرض الاسلام بحد السيف على بلاد فارس ، بعفوية وانها مدفوعة باحقاد دفينة على العرب فقط مخطأ ، لان للنخب الفارسية ، منذ دمرت امبراطورية فارس ، استراتيجية اصبحت واضحة المعالم الان بعد غزو العراق ، لدرجة ان انكارها يشكل قتلا للصدقية والموضوعية .  

ماهي اهم خطوط الستراتيجيات الفارسية التي وضعت في ضوء مضامين نظرية الامن الايراني ، وهي نظرية قديمة جدا تتجاوز الانظمة والحكومات ؟

         1- لفهم اليات الصراع العتيق بين بلاد فارس ( التي سميت ايران منذ عشرينيات القرن العشرين ) ، وبلادالرافدين ( العراق الان ) ، لابد من القاء ومضة ضوء على دور قوانين  الجيوبولتيك في تقرير علاقات بلاد فارس ببلاد الرافدين ، فبلاد فارس تتميز بالسعة الجغرافية المفتقرة الى اثنين من اهم متطلبات الحياة و القوة ، وهما الماء والارض الزراعية .

ان نسبة الاراضي الصالحة للزراعة في ايران لا تتجاوز 13% من مجموع الاراضي ، وهي نسبة ضئيلة لا تستطيع توفير احتياجات العدد الكبير من السكان الذي يعيش فيها . والاخطر هو ان هذه النسبة من الاراضي الصالحة للزراعة لم تكن تستغل كلها لان المياه قليلة ولاتكفي لارواء نسبة الـ 13% الصالحة للزراعة ، لذلك كانت ايران عبر التاريخ كله وحتى الان ، تواجه مشاكل خطيرة حينما لايسقط المطر سنتيين متتابعتين ، كما قال الشاه محمد رضا بهلوي في كتابه الذي ألفه بعد طرده من ايران بعنوان ( رد للتاريخ ) . ومن اهم مشاكل ايران الناجمة عن شحة المياه وقلة الاراضي الزراعية المجاعات و الكوارث الاجتماعية والتي كانت تحل ، في حالة ضعف الدولة فيها ، بالهجرة نحو الغرب من اجل الرزق ، أي نحو بلاد الرافدين ، لانها بلاد توصف ارضها بانها ( ارض السواد ) ، أي الارض الصالحة للزراعة وفيها مياه وفيرة . اما اذا كانت الدولة في بلاد فارس قوية فانها تتجه نحو غزو بلاد الرافدين للسيطرة على ارضها الزراعية ومياهها . وحتى قبل نشوء الدولة في بلاد فارس كانت القبائل البدائية تتطلع نحو بلاد الرافدين بصورة تلقائية ترجمة لقوانين الجيوبولتيك ، فتحل مشكلة نقص الموارد الزراعية والمياه بغزو بلاد الرافدين .

في ضوء هذه الومضة الجيوبولتيكية نستطيع ان نفهم الدوافع الجغرافية والطبيعية لتوجه ايران ماضيا وحاضرا نحو الغرب بالدرجة الاولى ، واهم دافع هو عقدة النخب الفارسية القائلة بان خضوع بلادهم لقوانين الطبيعة كليا وعدم كفاية الارض ومواردها يحرمهم من التوازن المستقر والاستمرارية  ويعرضهم للكوارث ولانهيارات مفاجئة ، وهم احيانا في ذروة قوتهم ، نتيجة محدودية المياه والاراضي الزراعية . وكان الحل التاريخي الغالب هو التوجه نحو الغزو وبالأخص نحو الغرب أي العراق . من هنا نفهم لم قامت امبراطوريات فارس عبر التاريخ على قاعدة الانفتاح والتوسع الخارجيين وعد ذلك احد اهم شروط قيام وتوسع واستمرارية الامبراطورية . ولذلك فان ستراتيجية الامن لقومي الايرانية وبغض النظر عن النظم الايرانية تنطلق من فكرة التوسع الخارجي وليس الاستقرار في النطاق الجغرافي لايران الرسمية ، والمجال الجيوبولتيكي الحيوي والاهم لايران هو غرب ايران .

2- بما ان ايران بلد يفتقر الى مقومات الحياة الطبيعية ، بسبب ضعف الزراعة ونقص  المياه ، فان غزواتها من اجل تعويض هذا النقص طورت ايديولوجيا امبريالية ( المعنى الاصلي للامبريالية لغويا هو التوسع وروح العظمة ) منذ القدم ، ونجحت في القيام بغزوات شملت اغلب الوطن العربي ووصلت حافات اوربا ، فنجم عن ذلك :

          أ – وجود عدة قوميات واديان واعراق داخل ايران بعد انحسار امبراطوريتها الامبرياليه ، لان التوسع والتقلص الجغرافيين أديا الى انتقال كتل سكانية من اطراف الامبراطورية الى مركزها في فارس ، واستقر في العصر الحديث عند حدود ايران الحالية ، وهي تضم  عشرات المكونات القومية و الدينيه : واهمها الفرس ( يشكلون 45% من السكان )  والاذريين والعرب والاكراد والبلوش . وهذا التركيب السكاني غير مستقر ، خصوصا وان القومية الفارسية كانت ومازالت ، وعبر سجلها التاريخي ، تحاول صهر وتفريس القوميات الاخرى بوسائل عديدة منها القوة . لذلك فان نزعة التوسع لها صلة بصراعات اقليمية او دينية او طائفية غالبا ، هي احدى اليات احتواء حركات التحرر داخل ايران ، من خلال التلويح بالخطر الخارجي والتركيز على مصالح ايران (  المهددة ) . ومن هذا المنطلق ظهر اقتران شرطي بين استيقاظ حركات التحرر والانفصال داخل ايران وبين توتير العلاقات الخارجية الايرانية . بتعبير آخر ان متطلبات الامن القومي الايراني الداخلية تفرض اشعال معارك خارجية لاجل حماية الاستقرار الداخلي .

          ب – هناك اقليات وجاليات ايرانية بقيت في اماكن الامبراطورية الفارسية القديمة التي اضطرت للانسحاب منها ، ومنها العراق ، ورغم مرور الزمن فان قسما منها لم يندمج في النسيج الوطني العراقي وبقيت مرتبطة بايران بطرق مختلفة . كما ان هناك المهاجرين الايرانيين من اجل الرزق في حالات القحط و انهيار الوضع الاقتصادي ، والذين استقروا في مناطق الرخاء والثراء قديما وحديثا ، مثل العراق ، او في مناطق الثراء حديثا مثل الخليج العربي . واخيرا ، وليس اخرا ، فان التخطيط للسيطرة على اقطار عربية اتخذ شكل الانتقال الى العراق بحجة الزيارات الدينية للمراقد المقدسة او الدراسة في المدارس الدينية فتستقر مجاميع الزوار ولا ترجع الى بلاد فارس . وبوجود جاليات ايرانية في الخارج تكونت طوابير خامسة لايران تدافع عنها بغض النظر عن نظام الحكم في ايران ، مثلا حزب الدعوة انشاته مخابرات الشاه محمد رضا بهلوي ، ( وليس محمد باقر الصدر  كما يدعون ) لخدمة ستراتيجية ايران ، وحالما سقط الشاه حول ولاءه الى خميني ، وهذا ينطبق على الجاليات الايرانية غير المنتمية لحزب .

          ج - بتطوير ايران نظاما ايديولوجيا تحت غطاء طائفي  هو ( التشيع الصفوي ) ، نجحت في اجتذاب بعض العرب الى نطاقها الستراتيجي ، تحت غطاء ، وتمهيد ، الاطار الايديولوجي ، فاضعف ذلك الامن القومي العربي وعزز قدرات الامن القومي الايراني .

د – بوجود الجاليات و التشيع الصفوي داخل الاقطار العربية ، خصوصا في الخليج العربي والعراق ، اصبح لايران شماعة تعلق عليها ثيابها ، وهي ادعاء حماية الايرانيين او الشيعة الصفويين في الاقطار العربية . وهكذا اصبح التركيب الداخلي للاقطار العربية احد اهم عناصر التوتر ، او التوتير المتعمد ، للعلاقات بين العرب وايران . لقد اصبح الايرانيون                 والصفويون العرب في الوطن العربي اذرعا ايرانية حقيقية ، ( خيول طروادة ) او ( طوابير خامسة ) ، بكل ماتعنيه هذه التعابير من معان ، تخدم ستراتيجية التوسع الايراني . لقد سخرت ايران الايديولوجية لاصطناع ديانة جديدة هي التشيع الصفوي  ، الذي يختلف جذريا عن التشيع العربي ، وبفضل هذه الايديولوجية اقامت قواعد داخل الاقطار العربية تخدم استراتيجية التوسع القومي الفارسي . وهذه احد اهم مكونات الامن القومي الايراني .

          3 – ونتيجة لوجود اذرع ايرانية في الخارج ، وظهور شخصيات و تنظيمات عربية تدعم ايران ، بعد اسقاط الشاه ورفع شعارات معاداة امريكا واسرائيل ، من جهة ، وبدء ايران حملة تاريخية لاقامة امبراطوريه قومية فارسية جديدة ، ولكن تحت غطاء الاسلام ، و حصول افتراق وتلاق في ان واحد مع القوى الغربية واسرائيل ، من جهة ثانية ، فان ايران اعتمدت نظرية امن قومي تشابه نظرية الامن القومي الاسرائيلي من حيث الاعتماد على الدفاع عن نفسها وعن مكاسبها في مقترباتها الاستراتيجية وليس عند حدودها مباشرة ، معتمدة على دعم الجاليات و الاذرع الايرانية في الخارج و تنظيمات وشخصيات عربية تدعم ايران لاسباب مختلفة ، اهمها الدعم المالي الايراني بعد سقوط الغطاء التحرري الايراني وتأكد الاغلبية الساحقة من ان ايران دولة امبريالية واستعمارية .

ونظريه الدفاع عن ايران خارج حدودها تمثلت بوضوح في احداث لبنان ، حيث تولى  حزب الله ، وقوى وشخصيات يمولها مباشرة ، اثارة الازمات في لبنان ، تحت غطاء التصدي لاسرائيل ، لكنها كانت في الواقع للدفاع عن ايران او لتجميل وجهها بعد ان قبحته جرائمها البشعة في العراق . ان حرب عام 2006 لم تكن إلا ثمرة قرار ايراني – امريكي مشترك كان يستبطن اهدافا امريكية وايرانية ، فهدف ايران كان اعاده تجميل وجهها لان أي حرب مع اسرائيل توفر الدعم لمن قام بها ، وبما ان حزب الله هو وكيل لايران ، فان محاسن تلك الحرب جيرت لصالح ايران . وهكذا منحت الحرب دافعا جديدا لاتباع ايران لمواصلة دعمها رغم دورها الاستعماري في العراق واثارتها للفتن الطائفية في كافة الاقطار العربية . اما امريكا فانها ارادت تصعيد الفتن الطائفية في العراق والاقطار العربية ، عبر اعادة ترميم وجه ايران الطائفي وتحسين قدراتها على التاثير على العرب بعد ان تراجع هذا الدور وضعف نتيجة ماقامت به عصابات ايران في العراق وكتحصيل حاصل لمشاركة ايران في غزو العراق . والسؤال الذي قد يغيب عن اذهان البعض هو : لماذا تريد امريكا تجميل وجه ايران بنظر العرب ؟

من المعروف والثابت ان اهم متطلبات تقسيم العراق والاقطار العربية ، طبقا للخطة الامريكية -  الاسرائيلية ، هو اثارة حرب طائفية فيها ، وهذا الهدف فشلت امريكا واسرائيل في تحقيقه لانهما عدوان رسميان وفعليان مكشوفان حتى للاميين العرب . لكن ايران ، بفضل كونها رسميا بلد اسلامي ، ونتيجة لوجود اذرعها الصفوية وخيول طروادة التابعين لها داخل الوطن العربي ، نجحت في تحقيق توترات طائفية في العراق واقطار الوطن العربي . فما معنى ذلك واقعيا ؟ ان المعنى الاخطر الذي تنطوي عليه تلك الحقيقة المعاشة هو ان ايران ، خصوصا تحت غطاء التشيع الصفوي ، هي الطرف الاقدر على أثارة الفتن وتنفيذ اهم متطلبات الامن القومي الاسرائيلي التقليدية وهي شرذمة العرب . وهذه الحقيقة التي تفقأ عيوننا الان بحدة ووضوح تامين هي التي جعلت امريكا واسرائيل تريان في ايران الاحتياطي الستراتيجي الاهم في خطة تدمير العراق والامة العربية . وبمقارنة عناصر اللقاء والاختلاف بين امريكا واسرائيل من جهة وايران من جهة ثانية ، يبدو اكيدا ان وجود اختلاف وتنافس بين امريكا وايران على اقتسام الغنائم ( وهي اشلاء العراق والخليج العربي ) لم يطغي على الهدف المشترك الاهم ستراتيجيا وهو تقسيم الاقطار العربية وشرذمة شعبها على اسس طائفية وعرقية واقامة كيانات جديدة قزمة وهجينة على اشلاء الامة العربية ، كما قالت الكاتبة الامريكية الصهيونية فلورا لويس في الثمانينيات من القرن الماضي .

             ان توقيت تفجير الحرب اللبنانية – الاسرائيلية في عام 2006، وهي حرب بالنيابة بين امريكا وايران ، يؤكد ان امريكا وايران هما المستفيدان الرئيسيان منها ، لانها خدمتهما كليهما والحقت اضرارا بالغة بلبنان والعراق بشكل خاص . بالاضافة لما تقدم فان عام 2006 كان عاما حاسما في العراق ، حيث وصلت الثورة الوطنية المسلحة مرحلة الحسم وهزمت امريكا وفقدت خياراتها الاساسية وسادت لغة الانسحاب والضغط من اجله في الكونغرس الامريكي     والمجتمع الامريكي ، وعلى الجهة الايرانية لم يعد الوجه الايراني جميلا ومزوقا بالوان ( الثورة والاسلام ومناهضة امريكا ) ، بل اصبح وجهها وجه دولة استعمارية معادية للأمة العربية كانت اهم من ساعد على نجاح غزو امريكا للعراق وافغانستان ، كما اعترف محمد خاتمي وغيره ، وكانت اهم ادوات ، او للدقة شركاء ، امريكا في تدمير العراق ، دولة ومجتمعا ، وفي العمل المشترك الامريكي – الايراني – الصهيوني لتغيير هوية العراق العربية ، بتهجير ستة ملايين عربي عراقي وجلب ملايين الايرانيين والاكراد من تركيا وايران وسوريا ، وغيرها ، الى العراق ومنحهم الجنسية العراقية .

 وهذا الدور الايراني ادى الى افتضاح ايران وظهورها بوجهها الحقيقي كدولة استعمارية معادية للعرب وطامعة في اراضيهم ، الامر الذي هدد بايقاف مسلسل تعاقب خطوات تقسيم العراق من جهة ، وبعزل اذرع ايران في الوطن العربي من جهة ثانية ، فتسقط المؤامرة الكبرى الامريكية – الايرانية – الصهيونية . من هنا كانت حرب عام 2006 محاولة لاعادة الحيوية للدور الايراني الاقليمي ، وهو دور شرذمة العرب ، وعملية نقل مركز التوتر الظاهري من العراق الى جبهات اخرى لاخفاء فشل امريكا في العراق امام الراي العام الامريكي، وتوسيع نطاق الازمات العربية ( لم تكن صدفة ابدا ظهور فتنة مخيم نهر البارد بغطاء طائفي مضاد لطائفية حزب الله ) ، ورغبة امريكا في دفع اوساط عراقية وعربية للنظر الى الخطر الايراني على انه الخطر الاكبر و التعاون مع امريكا ضده .

ولم تكن صدفة على الاطلاق ان يسبق الحرب اللبنانية عمل اجرامي بشع ارتكبته ايران  في العراق ، عبر جيش المهدي بشكل خاص ، بعدما فجرت جهات معادية للعراق مرقد الامام علي الهادي في سامراء في بداية عام 2006 ، فقام جيش المهدي فورا بحملة دموية رهيبة ضد عراقيين عرب سنة في بغداد لاجل تفريغ بغداد منهم وتحويلها الى مدينة من لون طائفي واحد ، فقتل عشرات الالاف من البغداديين وهجر مئات الالاف منهم ! لقد جاءت حرب لبنان بعد ارتكاب جرائم جيش المهدي في العراق وتحميل ايران مسؤوليتها للتغطية على تلك الجرائم ولمنع الراي العام العربي و الاسلامي من التضامن مع شعب العراق ضد ايران ، واخيرا وليس اخرا لمنح ايران واذرعها فرصا اخرى لمواصلة نشر الفتن .

هل رايتم معنى ان تخوض ايران حروبها في المقتربات الاستراتيجية ، بعيدا عن حدودها  ؟ اليست هذه النظرية مشابهة لاحد اهم مكونات نظرية الامن الاسرائيلي ، وهي خوض اسرائيل حروبها في الاراضي التابعة لاقطارعربية وليس على اراضي فلسطين المحتلة ؟

ان كل حروب وازمات حزب الله في لبنان مصممة لخدمة الاهداف الاستراتيجية  الايرانية ، ولو بحثنا بدقة فسوف لن نجد أي مسوغ لبناني لاثارة ازمات في لبنان ومن لبنان . اما في العراق فان اذرع ايران ، التي كانت وما زالت اهم ادوات غزو وتدمير العراق ، كالمجلس الاعلى وحزب الدعوة ثم جيش المهدي فيما بعد ، لم ترفع صوتها بوجه امريكا الا بعد صدور اوامر لها من طهران في عام 2006 لمواجهة التهديدات الامريكية الدعائية ضد ايران وهذا الموقف اكد بصورة حاسمة ان الاحزاب الصفوية في العراق وغيره ماهي الا خيول طروادة تخدم ايران رسميا وعمليا ، وهذه الحقيقة تنطبق على تنظيمات وشخصيات سنية في اقطار عربية امتهنت حرفة خدمة ايران لقاء مال حرام كما هو معروف . 

4 – تقوم نظريه الامن القومي الايراني رسميا على التوسع في الخارج بصفته الاداة  الرئيسية لضمان استمرار وتوسع نواة الامبراطورية الفارسية ، وهي التي يطلق عليها اسم مضلل وهو ( جمهورية ايران الاسلامية ) .  فالنخب الفارسية التي تحكم الان ، وهي نخب معممة من الملالي ، بعد ازاحة النخب المتغربة التي فشلت في اقامة امبراطورية بشعارات قومية صريحة في زمن الشاه ، تؤمن رسميا بان ( نشر الثورة الاسلامية ) في الخارج هو الضمانة الاساسية لبقاء الثورة حية في الداخل ، وان توقفها عند حدود ايران هو حكم باعدامها ، ولذلك فان التوسع الخارجي هو ، اولا وقبل كل شيء ، حتميه جيوبوليتيكية وستراتيجية في ان واحد ، ثم هو تحقيق لحلم النخب الفارسية باعادة بناء امبراطورية فارس التي دمرها الفاتحون العرب .  

يخطا من يظن بان شعار ( نشر الثورة الاسلامية ) كان شعارا دينيا ، فبالإضافة لاسباب  عديدة سبق ذكر بعضها ، فان تغيير او استبدال شعار وهدف ( نشر الثورة الاسلامية ) بشعار وهدف ( نشر التشيع الصفوي ) ، منذ تولى خامنئي السلطة ، يؤكد ان الهدف الحقيقي ليس دينيا . كما يخطا من يظن ان الهدف الحالي ( نشر التشيع الصفوي ) هو الهدف الطائفي البديل للهدف الاسلامي السابق ، لان الايدلوجية الطائفية ماهي الا غطاء للنزعة القومية الفارسية وقوة اسناد لها . ومن الواضح جدا الان انه بتبني شعار ( نشر الثورة ) ، ثم أستبداله بشعار ( نشر التشيع ) ، تريد ايران حشد قوى من خارجها لدعم غزواتها والمشاركة فيها ، ثم تكريس الوجود الايراني و تعزيزه وتوسعيه ، وماجرى في العراق ولبنان مثالان حيان يؤكدان ذلك .

مامعنى ذلك ؟  المثقفون العرب يتذكرون فكرة ( الثورة الدائمة ) التي طرحها تروتسكي في روسيا بعد الثورة البولشفية ، والتي قالت بان الثورة لن تستمر اذا بنيت الاشتراكية في روسيا فقط ، لذلك يجب مواصلة نشر الثورة لتشمل العالم وتقضي على الراسمالية كلها ، وعند ذاك ستتمكن من بناء نظام اشتراكي حقيقي لايتعرض لمؤثرات الحروب الراسمالية . مقابل ذلك تبنى ستالين نظريه  ( الاشتراكية في بلد واحد ) ، وهي نظريه تقول يجب بناء نظام اشتراكي يكون جاذبا لشعوب العالم بانجازاته وداعما لنضالاتها ضد الراسمالية العالمية . والان نلاحظ ان هناك اجماعا عاما بين النخب الفارسية المتناقضة ايديولوجيا ، منذ ظهور الشاه رضا بهلوي في مطلع القرن العشرين وحتى الان ، على ان لا مستقبل لايران الا بالتوسع الخارجي . وحينما واجه الشاه محمد رضا بهلوي تحديات هائلة ، في مقدمتها ان العراق تحت قيادة البعث ، كان عقبة فشل في ازالتها للقيام بعمليات التوسع ، استبدلت النخب الفارسية ، بدعم امريكي - اوربي - اسرائيلي ، الشاه محمد رضا وصعّدت الى السلطة العمامة التي البست التوسع الفارسي بدلة دينية بدل بدلة الشاه الغربية ، ثم نزعتها ولبست بدلة طائفية لتخفي عورتها القومية ، والتي استفزت الشعوب الاسلامية وفي مقدمتها الشعب العربي .

ان هذه الملاحظة البارزة تؤكد ان هناك اجماعا وطنيا في ايران على ان التوسع هو  جوهر نظرية الامن القومي الايرانية ، وان هذا التوسع يجب ان يرتدي الزي الذي يناسب كل مرحلة تاريخية لضمان نجاحه .

يتبع ...

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة / 23 محـــــرم 1429 هـ الموافق  01 / شبـــاط / 2008 م