بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

زيارات مفاجئة في زمن بلا مفاجئات

 

 

 

 

  شبكة المنصور

  نزار السامرائي

 

كثيرة هي المرات التي أستبيحت به أجواء العراق وأراضيه ، منذ الاحتلال وحتى الآن ، وذلك حينما كان كبار المسؤولين الأمريكان ، يحطون رحالهم في مدنه دون استئذان ، وعلى نحو يفاجئ من يعتبر نفسه مسؤولا حكوميا ، في عراق ما بعد 9 / 4 / 2003 ، فيهبون دون إبطاء للالتحاق بركب المستقبلين ، قبل أن تحل عليهم نقمة من جاء بهم ، ووزع عليهم الكراسي .

دونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق ، ومهندس غزو العراق ، طالما هبطت طائرته دون إشعار مسبق ، ثم يقضي سويعات ويرحل دون أن يتمكن من تعديل الحمل المائل حد السقوط ، وكذلك فعل رئيسه جورج بوش الثاني ، وصديقتهما كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية .

ولكن الزيارة الأخيرة لخليفة رامسفيلد ، روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي الحالي ، والتي حملته من أفغانستان إلى بغداد مباشرة ، حملت مدلولات كثيرة ومتباينة معا ، إذ حذر في كابل من أن حلف شمال الأطلسي ( الذي فقد مبرر استمراره بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية السابقة ) ، يوشك أن يتصدع نتيجة عدم التزام أعضائه ، بما تمليه عليهم متطلبات الحرب في أفغانستان ، ويبدو أن كل دولة عضو في الحلف ، تمرر أي قرار لدعم وجودها العسكري في أفغانستان ، بأكثر من فلتر سياسي واقتصادي ، خاصة بعد أن برهنت حركة طالبان ، على قدرتها على إفشال الخطط العسكرية للحلف ، وما يمكن أن ينجم عن أي زيادة في حجم تواجدها العسكري من تزايد لحجم الخسائر البشرية والمادية .

فالدول المشاركة في الجهد الحربي للحلف هناك ، لديها تحفظات جدية على السياسة الأمريكية التي ورطت التحالف الغربي في حربين عبثيتين في وقت واحد ، جعل من المستحيل كسبهما ، فالمأزق العميق في العراق ، أدى إلى تشتيت الجهد ، وإضاعة البوصلة وجعلت القوات الأمريكية تنتقل من مستنقع إلى مستنقع أكبر من مزيج الدم والوحل ، ولما كان العراق مركز استقطاب عالي الإغراء لنوايا الهيمنة الأمريكية ، ورأس جسر إستراتيجي للعبور إلى الأهداف الاخرى في منطقة الشرق الأوسط ، ومنطلقا للقفز نحو تنفيذ الصفحات المتبقية من المشروع الأمريكي الكوني ، فقد ظنت الولايات المتحدة أن نجاحها السريع في أفغانستان ، سيكون ملحا من أجل إدامة الزخم ، في فرض حالة من الهلع والرعب على مستوى شعوب الأرض ، ضمن خطة الصدمة والرعب التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية في عهد بوش الثاني ، ثم أن العراق وعلى وفق تقديرات الولايات المتحدة ، وعاء ملئ بالثروات القادرة على تأمين متطلبات الحرب عليه ، وسائر الحروب الأمريكية اللاحقة ، فمغناطيسية العراق أشرته منذ زمن بعيد هدفا ، ليس عند الولايات المتحدة فقط ، وإنما عند كل الإمبراطوريات السابقة والتي يمكن أن تقوم لاحقا .

وترى دول حلف الأطلسي ، أن الولايات المتحدة لم يعد بوسعها أن تضيف إلى جهدها الحربي في أفغانستان شيئا ذا قيمة ، وبالتالي تريد من حلفائها النهوض بهذه المهمة ، لأنها أصلا كانت ترنو ببصرها نحوهم لدعم مجهودها الحربي في العراق ، ولكن أقرب حلفائها قرروا إنقاذ جنودهم من المصير المحتوم قبل فوات الأوان كما حصل لأكثر من دولة ، وآخرها استراليا وبريطانيا ، وهذا ما فاقم من المأزق الأمريكي في العراق ، في وقت كانت تتحدث فيه عن قرب الشروع بسحب جزئي لقواتها من العراق ، وحتى في هذا الادعاء فإن البنتاغون تمارس تضليلا صاخبا ، إذ أن الولايات المتحدة كانت قد عززت وجودها العسكري في العراق ، في شباط الماضي ، بثلاثين ألف جندي ، تم جلبهم بعد وعود قاطعة لهم بإمتيازات مادية وضمانات اجتماعية واسعة ، والحديث عن انسحاب أمريكي ينصب على هؤلاء فقط ولا يتعداهم إلى أصل القوة الأمريكية العاملة في العراق ، فالوزير الأمريكي ومعه قائد القوات الأمريكية الجنرال بترايوس ، مقتنعان تماما بأن الاستقرار المزعوم ، هو حالة وهمية لن تستمر في حال انسحاب القوات الأمريكية من مواضعها الحالية ، وهذا ما يعرض مصداقية الإدارة الأمريكية لامتحان فرص النجاح فيه معدومة ، ولذلك يتمسك بترايوس بما نسب إليه من إنجازات ويريد توظيفها لمستقبله العسكري .

ولهذا فقد صرح غيتس أنه يؤيد التوقف بعد خطوة إعادة العدد الإضافي من الجنود الأمريكان إلى بلدهم ، وهذا معناه أن هناك رأيا لبترايوس بالتريث في التعامل من ملف الانسحابات ، وعدم ترك سنة الانتخابات الرئاسية تحدد مصير معركة عسكرية ، وهذا يتناغم أيضا مع رأي بوش في نية الولايات المتحدة بالاحتفاظ بوجود عسكري طويل الأمد .

لكن الصيد ثمين والتضحية من أجل الحصول عليه باهظة التكاليف ، أما الاحتفاظ به فهو قضية اخرى ولها رصيدها العالي من الخسائر والتضحيات ، فهل يحمل بوش بملف العراق ويسلمه مختوما بالشمع الأحمر لخليفته ؟ وحينذاك يقول لمن يكتب التاريخ لقد جلبت لكم العراق ، وعليكم الاحتفاظ به ، أو أنه سيسعى لكسب المعركة الانتخابية لصالح الحزب الجمهوري ؟

اللافت أن زيارة غيتس التي أعقبت أحاديث عالية الوتيرة عن استقرار الوضع الأمني ، تزامنت بانفجارات شديدة في بغداد بالذات والتي تصلح مؤشرا لكل العراق ، استهدفت حلفاء واشنطن الجدد ، أي عناصر صحوة الانبار ، وفي منطقة أمنية مغلقة تماما ، على نحو يترك باب الاحتمالات مفتوحا على مصراعيه ، بأن خلافات عناصر الصحوة مع حكومة المالكي والكتل الفاعلة فيها ، ربما وصلت إلى بداية طريق التصفيات ، خاصة وأن منطقة الجادرية التي وقعت فيها الانفجارات ، تضم مقر المجلس الإسلامي الأعلى الذي يرأسه عبد العزيز الحكيم ، ومقر إقامة جلال الطالباني ، وقد تكون رسالة موجهة لواشنطن والصحوات التي بدأت تتململ من موقف الائتلاف الموحد والتحالف الكردستاني ، بأن أي اتفاق خارج صالونهما يمكن أن يواجه المزيد من العثرات في طريق .

فهل نجح غيتس في حل أي من هذه المشاكل المستعصية التي تطلبت زيارة مفاجئة ؟ أم أنه أضاف إلى المتراكم من الإخفاقات سببا لإخفاقات جديدة ؟ ذلك غاطس ننتظر رحيل غيتس وكتابته لمذكراته كي نعرف جانبا منها .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد  /  10  صفر 1429 هـ الموافق  17 / شبـــاط / 2008 م