بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

في الذكرى الخامسة للاحتلال زئير المقاومة يعلو ولا يعلى عليه

 

 

 

 

  شبكة المنصور

  ضحى عبد الرحمن

 

في الأشهر القريبة القادمة ستمر علينا الذكرى الخامسة للغزو الأمريكي لعراقنا الجريح مثلما مرت السنوات الماضية ونحن نراوح في مكاننا ذاته ننتظر الحرية الغائبة والديمقراطية المفقودة وحقوق الإنسان التائهة .. ننتظر الفرح المصلوب على أسوار بغداد وجدرانها العازلة التي صارت سمة بارزة للتفرقة والتشتيت, كنا كمن ينتظر غودو في مسرحية بيكت ولكن غودو لم يحضر فقد كان انتظارنا عبثا ومجيئه عبث, كانت أسطورة اخترعناها لنقنع أنفسنا بسذاجة وتفاهة بأن المخلص سيأتي من اللاشيء لينقذنا من هذه المتاهات وما أكثر ما نخترع.

كان الأولى بنا أن نقرأ قصة " الأمريكي القبيح" قبل مسرحية " في انتظار غودو" ونتبعها بقصة البير كامو" الشيخ والبحر" لنفهم الماضي والحاضر والمستقبل, وبالرغم من أنها قصص أجنبية وبعيدة عن واقعنا لكن بسبب الظروف الحالية ولوجود قوات أجنبية على أرضنا فأن الظرف يحتم علينا الاستعانة بتجارب الآخرين وفهمهم لمسيرة ألإحداث. الأمريكي القبيح تكشف لنا الصورة البشعة للمجتمع الأمريكي, والثانية تكشف لنا تعب الإنسان وجهده غير المثمر, وكلاهما يمثلان حقيقة نعيشها منذ الاحتلال البغيض.

كنا بناة الحضارة وأصبحنا لطخة عار في جبينها وفي جبين الإنسانية, صرنا مهزلة للتأريخ وأضحوكة للعالمين, رغم أن تأريخنا العريق كان شعلة وهاجة من العلوم والمعارف والتحضر لكن واقعنا الحالي همجية لم يشهدها العراق حتى عصوره البدائية, وهمجية لم تشهدها الشعوب حتى تلك الغائرة في مجاهل أفريقيا, فتلك الشعوب البربرية نهضت ونفضت عنها وحشيتها وهي على عتبة الألفية الثالثة لتعوض عن نفسها ما فاتها في سباتها الطويل, لكننا أعدنا عقارب الساعة إلى الصفر فليس للزمن أهمية واعتبار في حياتنا.

مارسنا السادية بأبشع صورها ضد أنفسنا وضد الآخرين .. هكذا نحن نرتكب الكبائر ونبقى مئات السنين نبكي وننحب ونتأسف على ما ارتكبناه, لكن هذا لا يمنعنا من تكرار نفس الخطيئة بحمق وغباء رتيبين, لا نستخلص العبر ولا الدروس من تأريخنا الطويل, فالتأريخ مادة مملة يكرهها الطلاب وما أن ينتهي الفصل الدراسي حتى تركن جانباً, معرفتنا بتأريخ غيرنا أكثر عشرات المرات من معرفتنا بتأريخ بلدنا, علمائنا وفلاسفتنا ومفكرينا رموز وطلاسم للجيل الجديد.

جلبوا لنا الوباء والبلاء وكنا مستعدين للإصابة بها فطرياً,رحبنا بالموت واستقبلناه بالورود والشربات, وتحول ألمنا وصراخنا إلى سيمفونية جميلة بنظر حفنة من المدسوسين كما عبر عنها كنعان مكية وهو يستمع إلى القصف الهادر فوق بغداد فيطربه منتشيا" الله الله الله كأني أسمع صوت سيمفونية جميلة" رحبنا بالجلادين الجدد متوقعين أن سياطهم ستكون أكثر رحمة بنا, وهللنا للصوص الجدد وسمحنا لهم بنهب مؤسسات الدولة دون أن نتنبه إلى أن هذه الأموال تخصنا جميعا, صوروهم لنا أمناء العهد الجديد,كما عبر مكية" كأني بأحمد الجلبي نلسون مانديلا العراق", انتشينا فرحا بعودة المعارضين إلى العراق ونسينا أنهم قد باعوا ضمائرهم لأعدائنا وحتى الشرفاء منهم فقد قضوا عشرات السنوات خارج الوطن وأن الخيط الذي يربطهم بنا أوهى من خيط العنكبوت, فرشنا الأرض حريرا لاستقبال أعداء الأمس القادمون من الشرق وتناسينا آثار سياطهم الطرية على أجساد أسرانا التي لن تلتئم بعد, رددنا شعارات تافهة دون أن نفهم مغزاها وأبعادها تلعن القومية والعروبة ونسينا بأننا عرب أقحاح وان القرآن عربيا والنبي عربيا وان اللغة العربية هي لغة الجنة, تجاهلنا أن هذا الانسلاخ فكرة قديمة وثأر وحقد دفين مارسه أعداء العروبة من شعوبيين لمحاربة ديننا وتفتيت بلدنا وأمتنا.

ببلاهة وسابقة في التأريخ رحبنا بقوات الاحتلال وسهلنا لهم مهامهم الأحتلالية وإنقدنا بطاعة عمياء إلى العملاء والخونة وارتضينا بترقيتهم إلى مناضلين وزعماء ونصبوهم أولياء لأمورنا, انطلت على عقولنا الساذجة شعارات المحتل الفارغة وتعاملنا معها كشعارات دسمة, لأول مرة في التأريخ نسمع بديمقراطية عابرة القوات, ولأول مرة نسمع بديمقراطية تفرض بالقوة على الشعوب, ولأول مرة نسمع بديمقراطية تبنى بالذخيرة والعتاد, ولأول مرة نسمع بديمقراطية سفاحة لا تشبع من الدماء, ولأول مرة نسمع بديمقراطية تنبع من الفوضى الخلاقة, ولأول مرة نسمع بديمقراطية الاحتلال ومع كل هذه السخافات كانت القناعة ظلنا الذي لم يفارقنا لحد هذه اللحظة.

لقد بذروا في أرضنا بذور الموت والدمار والتخريب والتهجير وسقوها بدماء أبنائنا وسمدوها بأسمدة فارسية عالية الجودة وعناية أمريكية مركزة! فما الذي سنحصده؟

كما دخلوا علينا بفوضى غير خلاقة دخلت علينا مجموعة من المصطلحات غير الخلاقة التي لم يكن لنا سابق معرفة وأخرى كانت تثقل أسماعنا فنعزف عانها, القتل على الهوية, فرق الموت, الخطف والمطالبة بفدية, التهجير الطائفي, الأقلية والأكثرية, نهب وحرق بيوت الله, الاستيلاء على الجوامع, الميليشيات المسلحة, العبوات والأحزمة الناسفة, الإرهاب وقوى الظلام, التكفيريين, الروافض والنواصب, قطع أصبع الشهادة, جثث المغدورين, الجثث الطافية وجثث المزابل, الذبح والثقب بالدريل,إضافة إلى منظومة متكاملة من المفردات المحلية الدخيلة كالعلس والغطس والبحارة وغيرها من مفردات تجارة الموت التي يتعامل بها أمراء الحرب.

قبل الغزو اللعين كان للدولة هيبتها عند المواطن قبل أي شيء آخر, وكانت لمؤسسات الدولة هيبة ولمسئوليها مهابة واحترام عند المواطنين وتزين الوزارات والمؤسسات بصورة رئيس الجمهورية كما هو متعارف عليه بين الأمم, ولكن في العهد ألاحتلالي ليس لرئيس الجمهورية هيبة لدى البرلمان والوزارات وبقية المؤسسات فكل يتصرف حسب أهوائه واتجاهاته العنصرية والطائفية فيعلق صور رؤساء الاحزاب والمراجع الدينية بطريقة كيفية, بل تمادت بعض الوزارات في استفزاز كبير لمشاعر العراقيين بتعليق صور مراجع أجنبية كانت بالأمس تعادي العراق وشبهت حقن دماء المسلمين بجرع كأس من السم الزعاف.

بنوا لنا دولة من ورق وحكومة من دمى وبرلمان من بهلوانات ومنجزات حافية, كله مبني على الزيف والكذب, تركونا نقاتل بعضنا وهم يتفرجون علينا من سياج المنطقة الخضراء يضحكون منا وعلينا, وكلما خف وهج النار دفعوا مزيدا من الحطب لتتوهج ثانية, فحروقنا تشفيهم وتمدهم بالعافية والسلامة, وجوه ذئاب مفترسة جدباء متنكرة في وجوه بشر, تنكروا لقيم السماء وركلوا قيم الأرض بأحذيتهم الموحلة. أجرموا بحق الخالق والمخلوق وعاثوا فسادا أينما حلوا, شياطين مردة دخلوا على حاضرنا بطريقة هلامية كأنهم كائنات غير مرئية.

بدأت أحلامنا الوردية تتلاشى رويدا رويدا مثل أوراق الأشجار الساقطة في الخريف تعبث بها الرياح وتذرها بعيدا, غرقنا في نوم عميق بعد أن أعيتنا الصحوة المملة, وضجرنا من الانتظار ..

ولكن الله يمهل ولا يهمل, وأن كان للباطل فاه فأن للحق أفواه, وأن كان للكفر أعوان فأن للإيمان فرسان, وأن كان هناك من يستذوق حياة الدنيا وملذاتها فأن هناك من يستذوق طعم الموت والشهادة, وإن طال خريف الاحتلال فأنه لا بد أن يعقبه ربيع المقاومة, فأي مهرب لإبرهة وجيشه وقد أرسل الله عليهم طير ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل.

الاحتلال ظلم والظلم كفر والجهاد حق والحق دين. الكفر والإيمان, والحق والباطل لا يجتمعان تحت مظلة واحدة, كانت تلك نظرتهم الثاقبة تجاه ما يحدث, وكانت قناعتهم بعمق إيمانهم وعدالة قضيتهم, رجال من طراز خاص يعيشون صدر الإسلام مستلهمين العزيمة من أجدادهم في معركة بدر الكبرى, آمنوا بالله فأيدهم بروح منه " أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه" صدق الله العظيم, أنهم على يقين من عدالة قضيتهم ومؤمنين بأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة. فقد عقدوا مهرهم على الشهادة واتخذوا من الأكفان بدلات أنيقة يسيرون إلى حتفهم المعلوم بفخر واعتزاز كأنهم في زفة عرس.

أبطال باعوا الدنيا واشتروا بثمنها الآخرة وقدموا أنفسهم قرابين للسماء متشرفين بأداء الفريضة السادسة فريضة الجهاد, مدركين بأنه لا جدوى للحياة في ظل الخزي والعار والمهانة . ما فائدة الإنسان أن يربح كل شيء ويخسر ذاته, وما فائدة الحياة عندما يخسر المرء ودينه ووطنه وشرفه وهل تكتمل دورة الحياة و الإنسان يعيش ذليلا مهانا انبطاحيا يستجدي الرحمة من عتاة المجرمين والخونة؟

إن رجال المقاومة الشجعان هم رجال الحق ومن يناوئهم هم الضالين في متاهات الاحتلال والمتشبثين بخيوطه العنكبوتية الواهنة .

سينبثق الفجر الجديد على أنغام سيمفونية ذات إيقاع وطني خالص, وبقدر ما ستزعج مكية والنفر الضال من الضأن فأنها ستطرب أسماع المواطنين الشرفاء والشرفاء فقط.. إنها سيمفونية النصر القريب والقريب جدا بإذن الله.

Dhuha_alazawe@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاثنين /  11  صفر 1429 هـ الموافق  18 / شبـــاط / 2008 م