بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تجارة السياسة .. مهنة فاشلة في العراق

 

 

 

 

  شبكة المنصور

  المقاتل الدكتور محمود عزام

 

يتصور البعض ان النجاح في التجارة والمقاولات والصفقات والمضاربة بالعملة والفوز بالعديد من المناقصات من خلال القدرة الفنية او من خلال علاقات مشبوهة وجمع الثروة الطائلة بشكل مشروع أو على حساب الشعب وقضاياه ومعاناته وآلامه ..وكونه ورث اسما او ارثا أو مشيخة عشيرة أو رئاسة قبيلة أو شركات عملاقة.. انما هو معيار لنجاحه في معارك الحياة الاخرى وخاصة اذا كان لديه من المستمعين والمؤيدين والمصفقين والمروجين لحركاته وتصريحاته ومواقفه سواء كانت صائبة او خاطئة ..ويتصور كما هو شائع اليوم انه بقوة المال يمكنه تحقيق أي شيء .. 

وسرت موجة من التشكيلات السياسية التي تفتقد الى الجذور القوية ويقف ورائها المتنفذون في سوق المال ..أو اولائك الذين يدعمهم الاحتلال بالمال لتحقيق برامج ظاهرها خدمة الشعب وباطنها ادامة وتكريس واقع الحال المؤلم للشعب بمختلف أطيافه..  

وعلى الرغم من وضوح السبيل الوحيد لانقاذ العراق والذي يتركز بدعم المقاومة الوطنية العراقية والالتفاف حولها بصدق واخلاص ..الا ان هذا البعض آثر ان يصنع له مركبا خاصا به يحوي كل آماله وأحلامه (السياسية والتجارية !) .. 

من الممكن ان ينجح هذا البعض في كثير من الجوانب ..يثري بشكل فاحش أو يحصل على كل مبتغاه ..ماحلم او ماسيحلم به..ولكن تبقى أمور مهمة لا يمكنه تحقيق أي تقدم فيها رغم كل ما يملكه من ثروة وجاه .. 

ومن الجوانب التي يستحيل تحقيقها هو طموحاته باستثمار اسمه وموقعه وثروته للدخول في الجانب السياسي وخاصة حلمه أن يصبح حاكما للعراق ! وخصوصا في هذه المرحلة الحاسمة من تأريخ شعبنا العظيم..وفي خضم هذه التحديات ووجود طغمة باطلة استولت على مقاليد السلطة ولايمكن ان تفكر بمجرد وجود من يزاحمها عليها.. 

ولقد سبق هذا البعض العديد من المسميات والشخصيات الذين كانت لديهم هذه الاحلام منهم من سقط من الذاكرة ومنهم من ارتضى لنفسه في النهاية ان يمثله وزير أو عضو في مجلس النواب او مدير عام ومنهم من تيقن استحالة تحقيق هذا الحلم فآثر الانسحاب بهدوء..  

فالعراق..فيه شعب ذكي وصعب المراس ..لايعطي ولاءه بسهولة ..ولايذعن ولايستسلم في معاركه التي تمس سيادته وأمنه ومستقبله ..والعراق لايليق بمن يحكمه الا ان يكون قد نذر نفسه وماله وأهله للعراق بكل ما تعنيه الكلمة من معاني ..أن يكون حاكما من وسط الشعب عانى ما عاناه الشعب ..عاش معه ىفي مآسيه ..ودافع عنه ضد أعدائه..وضحك معه لفرحه ..وتغنى لانتصاراته ..وكان دوما مشروعا للشهادة من أجله ومستعد للتضحية بالنفس والمال والبنين من اجل عزته وكرامته.. 

والعراق اليوم بلد محتل مسلوب الارادة والسيادة ..ومضى على احتلاله ونهب ثرواته وقتل ابناءه وتشريد وتهجير عوائله والسعي لتقسيمه وتفتيت وحدته الوطنية وبنيته الاجتماعية وكياناته المتآخية والمتعايشة منذ آلاف السنين..بلد تتحكم في مقدراته وامكاناته وثروته زمرة جاهلة وطائفية حاقدة ويقف على شفا حرب اهلية طاحنة..بلد تتقاذفه الأمواج ويطحن شعبه بين مطرقة الاحتلال الامريكي باختلاف وتنوع عدته وعتاده وامكاناته وسندان الطغمة الحاكمة المزورة والسارقة لثروة العراق وميليشياتها التي تزرع الموت في كل مكان جنبا الى جنب مع ميليشيات بيشمركة الانفصاليين الاكراد وتنظيم القاعدة.. 

فعلى من يريد ان يحكم العراق ان يعمل بجد ( ولا نقول يعلن بجد) على انهاء الاحتلال الامريكي الغير شرعي والغاء كل ماترتب على هذا الاحتلال من قرارات وتشريعات واوامر ..وان يعمل على اعتبار كل العملية السياسية الناشئة تحت حراب المحتل بما فيها الانتخابات وتشكيل مجلس النواب والوزارات وتشكيل هيئات وتجمعات وتعيين المسؤولين ومنح الرتب العسكرية جزافا عملية غير قانونية وغير شرعية وان كل قراراتها يجب ان تعامل وفق هذا المفهوم ..وأن يعمل على اطلاق سراح الاسرى العراقيين في سجون الاحتلال والحكومة وتعويض العراق عما فقده في هذه السنوات من خسائر بشرية ومادية ومعنوية .. 

وان يعمل بجدية واخلاص وتفاني ووضوح مع المقاومة الوطنية العراقية من اجل تحرير العراق وان يتم دعمها بكل الميادين باعتبارها الممثل الشرعي للشعب وان تجري معاملة من تعاون مع الاحتلال وقدم له العون بأي شكل من الاشكال معاملة خونة شعب وتربة وتأريخ وحضارة  العراق ..وان يعيد الحق المغتصب الى أصحابه أينما وجد ذلك..وان يسعى لأقامة دولة القانون الذي يكون فوق كل شيء ..   

وعلى من يريد أن يحكم العراق ان يكون قائدا .. 

والقيادة ليست بالقدرة على صرف الفائض من المال بل بالقدرة على توظيف المال لخدمة الشعب ..ومن تصور انه يستطيع ان يروض الاسود والنمور العراقية بمجرد انه وظف عددا من العاملين على راحته وخدمته والركض امامه ومن حوله يستطيع ان يفعل ذلك فهو واهم ..ومن اتكأ على وراثة المشيخة من والده وتصور انه أحق بقيادة العراق من غيره من الشيوخ سيعرض نفسه للفشل فورا من قبل من على شاكلته وقبل ان يجربه الشعب ..ومن يعتقد ان من يقف معه اليوم لمصلحة ما سيقف معه الى الابد فهو يقف على ارض رخوة وستبتلعه قبل ان يتحرك خطوة واحدة للامام .. 

والقائد عليه ان يكون قدوة للآخرين ..أولائك الذين يريدون ان يزاحموه ويضعوا أنفسهم في دوائر المقارنة معه ..فهو أحرص منهم وأكثر ايثارا وتضحية وعمل دؤوب واخلاص وتفاني ودقة وفكر ستراتيجي وصلابة وصبر ..وايمان بالعراق شعبا وقدرة وامكانات .. 

والقائد عليه ان يضع مصلحة شعبه والآخرين امام عينيه قبل مصلحته الشخصية ومصلحة اقاربه ..عليه أن يكون حنونا ومحبا لشعبه أكثر من الام على طفلها الرضيع ..وحازما وسيفا قاطعا على الخونة والجواسيس والمتلاعبين باسم وقوت ومال وسمعة الشعب..عليه ان يكون قاضيا عادلا ومعلما مضحيا بوقته وجهده ..ووجها لشعبه امام العالم .. 

على من يريد ان يكون قائدا للعراق ان يمثل في حضوره ووجوده وتأثيره حضورووجود وتأثير  التاريخ والامة والحضارة ..مؤثرا في الوسط الذي يكون فيه ..وان يكون مستمعا ممتازا ومتكلما يصغي اليه الآخرون ..أن يفرض نفسه بنزاهته واستقامته وعمله وعطاءه وشخصيته وتأريخه وماضيه .. 

فالقيادة ليست الا مزيج من الملكة الذاتية والصقل والتوظيف الحياتي لها ..وبدون ماضي مشرف سوف لن تنفع القدرة القيادية الا لخدمة الذات وليس لخدمة الشعب..ان يكون حريصا على وحدة العراق ولايجامل على ذلك ..كل شعبه باطيافه وقومياته ودياناته وطوائفه وانتماءاته هم أبناءه يعاملهم معاملة واحدة وعادلة ..يعمل من أجلهم بلا كلل وبلا ضجر ..متفاني في وقته وراحته ومستقبله من اجل الشعب .. 

وأن تكون صورته واطلالته وحضوره يبعث الامل في أحلك الظروف ..متسامح يشع دوما من عينيه النصر والثقة بالنفس ..حكيم في قراراته واوامره ..انساني يرى في القانون وسيلة ويتعامل بمنتهى الانسانية مع اي من مواطنيه ويفسر القانون والاوامر لمصلحتهم ..انه يعتبر السلطة وسيلة وليست غاية ..وسيلة لاسعاد شعبه ورفع رأسهم عاليا ..لايقرر الا بعد الاستشارة النصوح ولايقرب منه الا من يؤمن بالشعب ومصلحته قبل مصلحته ..لا يمل من مجالسة ومناقشة واستشارة ذوي العلم والمعرفة والخبرة والتأريخ المشرف..وقته ملك لشعبه ..أهله وماله فداء للشعب وللعراق..متواضع الى حد الخجل عندما يتعلق الامر بالأطراء والمديح وتعزيز قيمة الآخرين وشامخ بكبرياء لا يجاريه احد عندما يتعلق الامر بمصلحة العراق ومبادئه ومنهاجه .. 

عليه ان لايشبع وفي شعبه جائع ..وان لايشبع شعبه وجيرانه جياع ..ذو افق واسع ونظرة ثاقبة لكل الامور وهاديء ولاينفعل مطلقا الا عندما يتعلق الامر بحق شعبه ومواطنيه ..وان لايقرر وقت انفعاله ..لاينام على ظلم وضيم واجحاف ..يرعى العلم والعلماء والمفكرين ..يؤمن بمستقبل العراق ودوره الانساني والحضاري المستمد من عمق تاريخه وتجربته.. 

مؤمن بان العراق امانة بيد ابناءه ..هم من يدافعوا عنه ويحمون سيادته وارادته ويسعى لبناء قوة الردع العراقية اللازمة لدرء أي عدوان على العراق..وان تكون هذه القوة حديثة ومؤهلة وذاتية الاعتماد على النفس ..وان يعمل جاهدا ليكون العراق حرا وعزيزا ومستقلا يتخذ قراراته السيادية بعيدا عن ارادات الآخرين..منفتحا على العالم يؤثر فيه ويتأثر من تجاربه الايجابية ويستفاد من صداقاته وعلاقاته لمصلحة العراق .. 

هذه بعض من الصفات العامة لقائد العراق .. 

وقيادة العراق لم ولن تكون يوما جزءا من صفقة تجارية ..وتجارة السياسة مهنة فاشلة في العراق.. 

وعلى من يرغب بخدمة العراق من خلال هذا المنصب ان يعرف ذلك وان لايضيع وقته وجهده وماله ليصل بالنهاية الى نفس الطريق المغلق الذي وصل قبله كثيرون.. 

واذا اراد بعض من هذا البعض أن يخدم العراق من موقع آخر فسيرحب به الشعب .. 

أما اذا اصر الآخرون على الظهور في الواجهة وبدون ان يعتمدوا على هذه الثوابت لأعتمادهم على صحبة سيئة وحاشية الموائد ..فننصحهم ان يصرفوا ثروتهم ( التي لايحتاجها الشعب ) على (بريستيجهم ) هذا اذا كانوا من أصحاب هذا التوجه أو على دعواتهم وقصورهم ومشاريعهم وتضخيم ثروتهم لهم ولعوائلهم ولاولادهم الذين تعلموا على حياة البذخ الرفاهية اللاابالية  ..

وليتركوا الساحة لمن يؤمن بهذه الثوابت ويعمل بها  وهي وسيلته للتحرير والبناء..

 

mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد  /  03  صفر 1429 هـ الموافق  10 / شبـــاط / 2008 م