بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

المواجهة التأريخية بين العراق والولايات المتحدة

المحطة الثالثة : تطور المواجهة

الحلقة الثالثة

 

 

 شبكة المنصور

 المقاتل الدكتور محمود عزام

 

انطلقت في الولايات المتحدة الامريكية الآن عملية اختيار المرشحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الى رئاسة البيت الابيض خلفا للمجرم العالمي والارهابي الاول في العالم  جورج بوش الصغير. 

وبغض النظر عمن سيخلف هذا المجرم في قيادة سياسة الكره المتأصل للعرب والاسلام سنقوم ببعض الاسهامات التحليلية والتأريخية السريعة للرابطة القوية بين صفحات المجابهة التأريخية بين العراق والولايات المتحدة  ودور الحزب والشعب والمقاومة الوطنية العراقية في رسم مستقبل العراق. 

كان عنوان المحطة الاولى هو خيوط المؤامرة التي بدات منذ العهد الاستعماري البريطاني القديم للعراق وما نتج عن تلك الفترة الاستعمارية منذ اتفاقية سايكس-بيكو في العام 1917 وكيف تطورت بعد بعد  حرب حزيران عام 1967 وكيف مثل العراق أحد الأهداف الأكثر تميزا للولايات المتحدة في التعامل كوحدة جيو- سياسية واقتصادية للمنطقة الممتدة من شمال إفريقيا وحتى أواسط أسيا والتي تمثل(مناطق منابع وممرات النفط)..خاصة بعد ثورة 17 تموز 1968 وتطور شكل التآمر وتنوع أساليبه التي امتدت لتصل الى غزو واحتلال العراق الغير شرعي والغير قانوني في آذار 2003. 

المحطة الثانية كانت بعنوان العدوان الثلاثيني وتجلي النصر العراقي ..وكيف كانت هجمة الاعداء الموغلة بالحقد والأذى..وبرغم ذلك على العراقيون ان يتذكروا وعليهم ان يفخروا ولاينسوا صمودهم وانتصاراتهم في هذه المواجهة التاريخية..عندما تصدت مقاتلاتنا وصقور الجو الابطال للموجات الكبيرة من الطائرات الامريكية المتطورة وكيف دارت معارك الاشتباكات الجوية على حدود وسماء العراق..وكيف اسقط الصقور العراقيون المئات من هذه الطائرات قبل وصولها الى اهدافها .. وكيف نفذ سلاح الصواريخ ارض-أرض  ضربات الحق والدمار في عمق اسرائيل وتل ابيب وعلى قطعات وتجمعات ومراكز قيادة ومعسكرات العدو الامريكي في عمق الاراضي الكويتية والسعودية.. ولنذكر معركة الخفجي..وابداع وبطولة رجال الدفاع الجوي الابطال و بطولات قواتنا المدرعة والمشاة والقوات الخاصة والمدفعية في الجيش العراقي والحرس الجمهوري والحرس الخاص وقواتنا البحرية الشجاعة.. وعلينا ان لا ننسى كيف التحم الشعب مع القيادة وساندها ودعمها في هذا الظرف الصعب عندما انتصرنا على الفتنة.. واعدنا بناء العراق.

تطور المواجهة

بتسلسل مراجعة أوليات خيوط التآمر على العراق نرى طبيعة المخططات التي كانت تنسج للنيل من النظام السياسي للعراق وكانت الولايات المتحدة في فترات طويلة سابقة تخطط وتوجه وتنفذ وتدعم هذه المحاولات وتغذيها من خلف الستار..وفي كل مرة تنتصر فيها الارادة العراقية على احدى الازمات المفتعلة .. يتم فورا اختلاق أزمة جديدة وذات ابعاد تختلف في توجهاتها عن سابقاتها ..وهكذا اتخذت المواجهة السياسية اولى اشكال المواجهة بين العراق والولايات المتحدة الصفة التاريخية..

كانت هذه المواجهة في الماضي ومن حيث المدى الزمني مواجهة مستمرة وديناميكية ولم تتوقف رغم البرود الذي يطغي احيانا عليها ..كانت في الماضي البعيد غير قطعية النتائج ولا تتخذ تدابير فورية مفاجئة وتعتمد على نوع وقدرة رد الفعل لطرف باتجاه الفعل الناجم من الطرف الآخر ..واستمرت هذه المواجهة بهذه الصيغة الى اليوم الذي انتهت فيه الحرب العراقية الايرانية في 8/8/ 1988 .

بعد هذا التأريخ ظهرت القوة والارادة العراقية الوطنية الجديدة في المنطقة بشكل واضح ..نظام وطني يلتف حوله الشعب ..وجيش قوي صنف كأقوى خامس جيش في العالم ..ونظرية لا تؤمن بالتبعية ولا بالتسلطية ولا بالقطرية ..وفكر يؤمن بانبعث الامة من سباتها لتأخذ دورها الحضاري والتأريخي ..وقيادة شابة عزومة وستراتيجية التفكير والتدبير ..في بلد غني بالنفط والماء والمعادن والرجال ..هذا البلد الذي اريد له بهذه الحرب ان يرجع الى الوراء فاذا به يقفز خطوات الى الأمام في كل المجالات ومن أخطرها ماحققه في مجال التصنيع العسكري واثبات الجدارة العراقية في تطوير وتحديث وتصنيع أحدث حلقات العلم والتكنولوجيا العسكرية وخصوصا في مجال الصواريخ والاتصالات والحرب الالكترونية وعلوم الطيران والطاقة الذرية والصناعة النفطية .

وهكذا بدأت بيوت الخبرة الاسرائيلية والامريكية وأجهزة المخابرات تدرس وتحلل وتضع الخطط والبدائل لتحجيم وانهاك هذا النظام تمهيدا للانقضاض عليه ..

وهنا غيرت الإمبريالية الأمريكية طبيعة المواجهة بينها وبين القيادة العراقية من مواجهة مؤجلة الفعل المؤثر الى مواجهة الفعل المباشر عندما دخل العراق الى الكويت في يوم النداء الأغر في 2/8/1990 ..وما أعقبه من سلسلة من المؤامرات التي اعاقت قرار القيادة بالانسحاب المبكر من الكويت قبل ان تتوسع دائرة الموضوع بقيادة الولايات المتحدة واشراك مجلس الأمن الدولي بقراراته التي كانت تبدو جاهزة للاصدار حتى قبل بدء الاجتماع وما رافق ذلك من أدوار مشبوهة للنظام العربي الرسمي المهادن والضعيف.

وتشكلت على الفور فيالق العدوان والغزو بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة دولية للخائفين والطامعين وفي اول ظهور علني للمواجهة العسكرية المباشرة بين العراق وامريكا في كانون ثاني 1991 والتي وضعت مؤشر جديد للمواجهة ..انها أصبحت مواجهة سياسية وعسكرية مباشرة..

مواجهة جمعت فيها الولايات المتحدة سلسلة من الاهداف كان في مقدمتها اسقاط النظام الوطني في العراق بعد ان دمرت كل البنى التحتية الاقتصادية والعمرانية والخدمية العراقية في محاولة لاعادة العراق الى القرون الوسطى حسب تحذير بيكر المعروف.

في هذه المواجهة حدث تطور خطير جدا ..عندما قامت القوات الصاروخية العراقية بدك تل أبيب بالصواريخ بعيدة المدى عراقية الصنع والتطوير لتدق هذه المرة نواقيس الخطر التأريخية التي لن تهدأ ابدأ..والتي نقلت طبيعة الصراع هذه المرة الى الحقيقة التأريخية من ان هذا الصراع اشتركت وتشترك فيه اسرائيل..ويعرف العسكريون ذوي الخبرة كيف ان البصمات الاسرائيلية لم تكن خافية عن طبيعة التدمير الذي طال عدد من المنشآت والدوائر والمصانع والقواعد .

ودخل العراق شعبا وأرضا وسماءا ومياه وثروات نفق الحصار المظلم الطويل الذي احكمت مداخله ومخارجه الولايات المتحدة وحلفاءها وكل من يكره العراق والامة العربية حتى فقد العراق أكثر من 2 مليون عراقي ومن جراء نقص الدواء والغذاء تحت قوانين دولية غاية بالصرامة والتعقيد واستحالية التنفيذ ومنه ان الحصار المفروض على العراق لا يرفع الا بعد تدمير اسلحة الدمار الشامل والتي لايملكها العراق لكي يقوموا بتدميرها ..ويجري هذا في ظرف تناقص الاحتياطي اللازم لادامة الاسلحة والمعدات وتنامي السيادة الجوية الامريكية وهجومها على كل بطريات الصواريخ والدفاعات الجوية والرادارات العراقية واستهدافها لمراكز القيادة والسيطرة في خطة متدرجة لانهاك العراق واضعافه ..كانت صفحة المواجهة لانهاك العراق ..

واستمرت هذه الصفحة من المواجهة الى اليوم الذي تم التعرض فيه للامن الوطني الامريكي في أحداث 11 أيلول سبتمبر عام 2001 في اول مرة تضرب الولايات المتحدة في عقر دارها .

لقد شكلت أحداث 11 أيلول نقطة التحول في طبيعة المواجهة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية على الرغم من ان العراق بعيد جدا عن هذا الموضوع ..وانطلاقا من أجندة تصفية

الحسابات كلها مرة واحدة بعد ان تهيات الظروف الموضوعية لذلك طرحت الولايات المتحدة المفهوم الجديد للمواجهة مع العراق وسمته بمواجهة العصر.

مواجهة العصر.. مواجهة وضعت الولايات المتحدة معاييرها الخاصة التي تخدم مصالحها فقط ..وعلى دول العالم ان توافق عليها وخيرتهم بين الوقوف الى جانبها أو الذهاب للخندق المقابل ..خندق العراق ..او أي دولة تختارها هي وحسب تقييمها ومصالحها بدون اعتماد أي مقياس لتحديدها تحت شعار واهي وهو خندق الارهاب .وعلى ان تكون الولايات المتحدة هي التي تدير وتقود هذه المواجهة ..

لقد اسبغت الولايات المتحدة مواجهتها مع العراق بصفة كونية وعلى الجميع ان يصطف معها ترغيبا او ترهيبا..ولهذا فهي لاتعير أهمية لمصالح حلفائها بل في كثير من الاحيان تتعرض لها وتعمل بالضد منها..وكانت كل المعطيات المتوفرة لدى القيادة توحي بأن المواجهة الكبرى قادمة فعلا..وليس هنالك أي شك في ذلك ..بل لايوجد أي سبيل لمنعها .

وهكذا نشات وبحكم طبيعة الصراع التآمري على العراق آلية تطور نوعي للمواجهة التأريخية والوطنية والقومية بين الولايات المتحدة والعراق تمثل بولادة المقاومة الوطنية العراقية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي قبل العدوان والتي تعتمد على حقيقة ان المواجهة قائمة بالفعل وان هذه المواجهة سوف تتحقق تأريخيا وفق تسلسل يبدأ بقيام الولايات المتحدة الامريكية بتصعيد المجابهة السياسية والسعي الجاد والمستميت لاحباط كل محاولات القيادة العراقية للتحرك السياسي والاقتصادي لرفع الحصار الجائر المفروض على العراق وليصل الى خلق انحياز عربي رسمي للموقف الامريكي بهدف اسقاط النظام السياسي الشرعي العراقي ثم خلق ارضية للقبول بكل الذرائع الامريكية للشروع بفعل التعرض العسكري الذي ستقوم به الولايات المتحدة الامريكية بقيادته وادارته وتطويره والتحكم بمساراته ونتائجه لغرض فرض النظام السياسي وتمكين الارادة الامريكية من التحكم بالارادة العراقية بشكل كمل لخدمة اهدافها الستراتيجية .

لقد كانت القيادة السياسية العراقية على علم كامل بان المواجهة مع الولايات المتحدة قائمة حتما وان صفحة المواجهة السياسية سوف لن تستمر طويلا بفعل النجاحات التي حققها العراق على الجانب السياسي بعزل الولايات المتحدة للاستفراد بقرار الحرب لوحدها مع بريطانيا..وان امريكا سوف لن تجنح للسلم ولا للمفاوضات والنظام الرسمي السياسي العربي العاجز عن لعب دور الوسيط سيسهم في ذلك اضافة الى تشبثهم ذو المكيالين بما كان يعرف بضرورة تطبيق الشرعية الدولية والذي استخدم لاحقا كذريعة للعدوان .

وتطورت صيغة المواجهة عندما وزعت الولايات المتحدة الادوار على بعض العرب وخاصة الدول الصغيرة في الخليج العربي والتي جردت الدول العربية الكبيرة من أدوارها من خلال تضامنها الكامل مع العدوان واقامة العلاقات المتطورة مع اسرائيل ..خاصة بعد انزواء مصر في حيز ضيق لا يتناسب مع امكاناتها البشرية والتأريخية والسياسية والعسكرسة ودورها القطري والعربي والاقليمي والعالمي منذ عهد السادات.  

وقد أدخلت القيادة السياسية في العراق عامل جديد في تطوير المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة عندما طرحت الترابط الجدلي بين الصراع العربي الفلسطسيني والصراع الامريكي العراقي ..عندما ربطت بين نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي مع نضال الشعب العراقي لفك الحصار الجائر المفروض على العراق ..حيث بادرت الولايات المتحدة وبعض الزعامات العربية قصيرة النظر الى ترويج مشروع الحل المسموح به للقضية الفلسطينية من جهة مع ضرورة التزام العراق بتطبيق قرارات مجلس الامن الدولي والشرعية الدولية ..وهذه القرارات تشبه موضوع البيضة والدجاجة التي تشترط نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية ومن ثم نزع اسلحة الدمار الشامل لكل دول المنطقة بما فيها اسرائيل كبداية لمرحلة فك الحصار على العراق .. ولأن العراق لا يمتلك اسلحة دمار شامل ولأن الولايات المتحدة لا تريد ان تصدق اكذوبتها التي روجتها فليس هنالك من حل لمشكلة العراق الا وفق الخطة الامريكية..والآن وبعد تحقق عدم امتلاك العراق لهذه الاسلحة نسال الانظمة العربية التي طبلت وزملت لتطبيق هذه المشروعية ونذكرها بنص المادة الفقرة 14 من القرار768 الصادر عن مجلس الامن والذي يقضي الآن تجريد كل دول المنطقة من اسلحة الدمار الشامل بما فيها اسرائيل..فلماذا السكوت الآن على عدم تنفيذ قرارات مجلس الامن والشرعية الدولية ؟.

وانطلاقا من هذه الحقائق والمعطيات التي تؤكد على ان المواجهة العسكرية قائمة حتما بين أقوى دول العالم مجتمعة ضد العراق وحده فقد قامت القيادة في العراق بالتهيؤ لحرب المقاومة الشعبية وتبني خط المقاومة المسلحة وتطويرها لحرب تحرير وطنية تمتلك منهاجها السياسي والستراتيجي ..وقد ركزت القيادة في حينها على ان يكون هدف المقاومة العراقية المسلحة التي يقودها ويديرها حزب البعث العربي الاشتراكي كحركة تحرير وطنية (طرد قوات الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه موحدا ووطنا لكل العراقيين)

وبدات القيادة العراقية منذ فترة طويلة قبل الحرب ببناء المقاومة الوطنية العراقية التي يقودها ويشرف عليها حزب البعث العربي الاشتراكي ..

المجد والخلود المشرف للشهيد القائد الخالد صدام حسين الذي بنى ستراتيجة المواجهة التاريخية مع الولايات المتحدة منذ بدايات المواجهة السياسية وتطورها ورسم آليات تحرك الحزب والمقاومة الوطنية العراقية وقتالها وتصديها البطولي للعدو على ارض العراق قبل مدة طويلة من بداية الحرب ..

وهذا هو الرد الذي انتظره الجميع من أصدقاء وأعداء عن الاسباب الكامنة وراء سرعة ظهور المقاومة العراقية وقتالها للامريكان ..

انها يد القائد العظيم..

وعهدا علينا .. ان نقطع كل الايادي التي طالته بعد الشهادة .. بعد ان عجزت ان تناله حتى وهو في عرينه في الأسر ..

والى المحطة الرابعة..

mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت  / 24 محـــــرم 1429 هـ الموافق  02 / شبـــاط / 2008 م