بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الفن والبعث

 

 

 

 

  شبكة المنصور

 د. الحارث

 

لقد كانت ولادة البعث استجابة ضرورية لحاجة الأمة العربية التاريخية والحضارية ، وهي تمر في مرحلة ثورة وانقلاب وكانت فكرة معبرة ومترجمة لدوافع عربية عميقة ضاربة الجذور في الواقع العربي وحاملة شروط النضال والمعاناة التي حملها شباب البعث العربي الاشتراكي حيث حدد المرحوم الرفيق القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق تلك الدوافع من حيث رؤية الواقع العربي بتخلفه وقلقه ، وتذكر ماضي الأمة العربية المجيدة ورؤية العالم المعاصر المتحضر ، الذي يبرز الفكر في منظور العث كقوة تأريخية ، قوة لا تقدر سواء من حيث فعلها الفكري في العملية التاريخية ، وتدفع الجماهير ببصيرة تستوعب المرحلة التاريخية التي تمثل قاعدة الانطلاق لبناء الحاضر والتخطيط للمستقبل والمساهمة في بناء الشخصية الداخلية للأنسان .

فالفن يقول وينبأ بمسائل كثيرة وخاصة إذا ما بنى على نوع من المعاناة النظرية والعملية ، لذلك فأن البعث العربي الاشتراكي انتبه منذ البدء ، وأكد على جدلية العلاقة بين المعاناة النضالية بين تجربة الفرد وتجربة الأمة ، الفن تعبير جمالي عن معاناة انسانية ، والفنان هو انسان وشخصية متميزة بجوهرها وإبعادها وتصوراتها وقدراتها التعبيرية ، وهو إذ يندفع الى التعبير الفني إنما يندفع الى التعبير عن نفسه وعما يخالجها من ألوان المعاناة وبالتالي فأن الفن الجميل لا ينفصل عن الطبيعة والمجتمع لانهما تشكلان مصدرين مهمين للتعبير الفني .

الفنان هو في جوهره إنسان يستوعب الأشياء الموضوعية حوله فيحيلها مصوغات ذاتية وجدانية ، ثم لا يلبث ان يعيدها ثانية الى الوجود عن طريق الفن ولأجل ان يحافظ الفنان على موضوعيتها يتطلب الأمر منه الاقتراب من الواقع وقراءته واستيعابه ، وعن مثل هذه العلاقة يشير المرحوم القائد صدام حسين ( أرجوا ان تتذكروا الموضوع واكرر القول إنني لم أتحدث في هذا الموضوع منطلقاً من قراءة الكتب وإنما من قراءة الواقع ) فأن العلاقة بين الفن وتاريخ الأمة العربية الفكري والحضاري والانساني يأخذ شكل العلاقة المتميزة المتطورة المتفاعلة ، وعلاقة من هذا النوع التفاعلي هي مشابهة تماماً للعلاقة بين العلم والحضارة التي هي الأخرى علاقة ثابتة تحدد دور العلم في التطور الانساني ، لذلك تبرز الضرورة الى تأكيد العقلية العلمية الثورية المبدعة لتقود وتطور هذه العلاقة الحية بين الفن والفكر والحياة ومفرادتها التطبيقية ، والمفردات التطبيقية للحياة إنما ترشحت من ذلك الفكر الثوري أو التي تتطلب من الفنان فهمها وإدراكها والتقاطها ليحولها الى عمل فني مقروء او مسموع او مرئي ،ولا غرابة في ان يكون التأكيد على العلاقة بين الفن والفكر والحضارة ، فحزب البعث العربي الاشتراكي يعمل ويناضل من اجل إيجاد ثقافة للعراق والوطن العربي وطنية وقومية شاملة وعميقة وإنسانية .

والفن هو عصارة الثقافة والحضارة ويخلق عالماً يكفي بذاته ويغني عن التحقيق ، ومن المعروف ان موقف البعث في حقل الابداع يتلخص في كوننا لا نستطيع اذا أردنا ان نكون مبدعين الا ان نبدأ من منطلق أساسي مهم هو المنطلق التراثي أي من خلال الهوية الاجتماعية التاريخية في تفاعلها مع الحاضر والمستقبل .. فالثقافة والفن في منظور البعث هما أبداع بل اكتشاف لهذه الصلة بين الانسان العربي وأمته في هذه المرحلة اكتشاف الصلة بين الامة العربية والعالم المعاصر .

ان مفهوم البعث للفن هو مفهوماً وحدوياً وتحررياً واشتراكياً بمعنى أخر ربط الفن ربطاً نوعياً بمشكلات الأمة وهموم الوطن وقضايا الانسان العراقي والعربي ولان الفنان كالسياسي كما حددت ذلك مقولة المرحوم القائد صدام حسين وأصبح من الطبيعي ان يكون مفهوم الالتقاء الطوعي الداخلي بين نظرة الأديب ونظرة الفنان ونظرة السياسي ، ذلك الالتقاء هو الذي يجعل الشخصية متكاملة تكاملاً حقيقياً ، لا أن يكون مقلداً فتجربته السياسية تتفاعل مع تجربته الفنية ، مع تجربته الجماهيرية أي تتداخل جملة العوامل المكونة للثقافة ، فالثورة هي فن مادة بناء المجتمع وكما ان الثائر والمناضل ينطوي على الفنان في داخله والثورة تتضمن نظرة فنية الى الحياة ، لذا فأن كل فنا ينطويعلى بذرة التغيير والتطوير فهو مشروع إنساني ، لا يتجاوز ذاته إلا اذا التحم بحركة الواقع وبنيته كشرط أساس لاتحاد الفنان بالثائر في ضميره ووجدانه وعقله .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  12  صفر 1429 هـ الموافق  19 / شبـــاط / 2008 م