بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

فرسان الشطحات في العراق المحتل

 

 

  شبكة المنصور

 ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

الشطحات نوع من الخروج غير الواعي أو اللاإرادي عن الفكرة وهي لا تقتصر على نوع محدد من المعارف فهناك شطحات الفلاسفة والرياضيين والفيزياويين ورجال الدين والمتصوفة الذين تحدث عنها عبد الرحمن بدوي في كتابه المشهور "شطحات الصوفية" ورغم تداعيات هذه الشطحات وتأثيراتها إلا أنها تكاد لا تشكل شيئا أمام الشطحات السياسية فهذه تختلف عن غيرها من حيث وقعها ونتائجها وهناك الكثير من الأمثال التي يذكرها التأريخ البعيد والقريب حول مثل هذه الشطحات والتي كلفت الشعوب العديد من الخسائر البشرية والمادية ويبدو أن قوات الغزو قد راقت لهم هذه المفردة لذلك كان أول تعامل ديمقراطي لهم مع الشعب العراقي استخدام كلمة" اشطح".

السياسيون العراقيون منذ عام 2003 ينطبق عليهم بجدارة وصف" قادة الشطحات" وإذا ألقيت نظرة على تصريحاتهم منذ دخولهم العراق على ظهر الدبابات الأمريكية ستجد العجب العجاب في الشطحات التي وقعوا فيها فأصبحوا مهزلة العقل البشري كما جاء في عنوان كتاب مشهور للعالم الكبير علي الوردي رحمه الله ونأسف لغيابه الذي حرمه من رؤية المهزلة الحقيقة التي تجري على أرض الرافدين, وللتأريخ يمكن الجزم بأن ابرع قادة الشطحات في العراق المحتل ممن يقفون في الصف الأول هما السيدان رئيس مجلس النواب محمود المشهداني والرئيس جلال الطالباني.

ومن أبرز شطحات المشهداني بعد العاصفة التي خلقها نواب الائتلاف بشأن اعتداء حرسه الشخصي على احد نوابهم والمطالبة بإقالته, أنه طالب أيضا بتنحية الرئيس الطالباني أيضا لأنه على حد قوله " لا يحل ولا يربط".

الرئيس الطالباني في آخر شطحاته تحدث عن إلغاء اتفاقية عام1975 بين الجانبين العراقي والإيراني بشأن شط العرب والحدود المتشاطئة والملاحة فيه, ومن المعروف إن هذه الاتفاقية سبق أن ألغتها إيران وتبعها العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية وتم اعتمادها ثانية بعد انتهاء الحرب عام 1988, ونحن نعلم علم اليقين بأن هذه الاتفاقية تثير الحساسية في جلد الزعماء الأكراد شأنها شأن أي عامل يحقق الأمن والسلام والاستقرار في العراق, فبموجب هذه الاتفاقية رفع عنهم الدعم الإيراني وتم القضاء على حركة التمرد والعصيان التي كانوا يقومون بها ضد الجيش العراقي الباسل, وبالرغم من كون الاتفاقية قدمت لإيران مزايا تحلم بها لكن ظروف الأمن والاستقرار هي التي فرضت نفسها على العراق حينها ليقدم تلك التنازلات المؤلمة, وعندما ألغاها ضخامة الطالباني لم يكن السبب وراء ذلك لإحساسه بالغبن والظلم الذي أوجبته الظروف آنذاك, وإنما لإحساسه بأن هذه الاتفاقية تثير اكزيما السخط والاستياء عند البيشمركة وتذكرهم بهزيمتهم التاريخية الذليلة خلال تمردهم على الحكومة المركزية, ويبدو أن الإلغاء جاء في نزوة طلبانية عارمة وهو ينتشي متبخترا بين البرزاني والهاشمي متصورا بأنه رئيس جمهورية فعلا فأرتجل الإلغاء بحنكة مميزة أدهشت الخلق, وقد جاء ذلك في رده على سؤال صحفي حول الاتفاقية وكان نص الردً " لا هذه الاتفاقية ملغية من قبل قوى المعارضة والتي تشكل الآن الحكومة الحالية وكذلك من قبل هذه الإطراف الحالية.. هذه كانت اتفاقية صدام - شاه وليست اتفاقية العراق مع إيران نحن نريد علاقات جيدة وممتازة مع الجارة إيران وسبق لنا أن رفضنا الاعتراف به ( يقصد الاتفاقية) في زياراتنا الرسمية وحتى لم نوقع على بعض البيانات المشتركة بسبب طلب الإخوة الإيرانيين على فقرة تشير إلى أن اتفاقية الجزائر ملغية " طبعاُ لا نلوم سيادته قواعديا في تركيب جمله الركيكة المستوحاة من لغة " أكلوني البراغيث" ولا أيضا تأنيث المذكر وتذكير المؤنث فهذه شطحات يمكن أن نغفرها له.

لكن الملف للنظر هو أن من وصفهم (الأخوة الإيرانيين) كانوا أول من تهجم على سيادته فقد وصفته الصحيفة (اعتماد) وهي ذات توجه إصلاحي بأنه" يلعب دور الرئيس العراقي صدام حسين في القضايا الخلافية بين البلدين" واعتبرت تصريحه مثيرا للريب بالقول أنه" تصريح غير مسئول" وهذه بحد ذاتها إهانة لاذعة لصخامته عندما تصف تصريح أكبر مسئول في الدولة العراقية بأنه غير مسئول وأضاف الأستاذ في القانون الدولي يوسف مولائي بأن هذه التصريحات تعمل على زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة. وعلى المستوى الرسمي رفض " الإخوة الإيرانيون " تصريحاته غير الأخوية وذكر محمد علي حسيني الناطق بأسم وزارة الخارجية الإيرانية أنها تفتقد إلى الأسس القانونية معتبراً أن الاتفاقية تشكل حجر الأساس في علاقات الصداقة بين البلدين, معبراً عن أمله بأن يلتزم الطالباني بتعهدات بلده وكذلك مبدأ حسن الجوار, وكان السفير الإيراني اقل دبلوماسية وأكثر حدة من حسيني مصراً على أن الاتفاقية وثيقة رسمية لا يمكن تغييرها. أما عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان حشمة الله فلاحت فقد بطن تصريحه بتهديد واضح مدعيا " إن الإيرانيين ومنذ القدم لا يجاملون أحدا في الدفاع عن وحدة أراضيهم وسلامتها وان المسئولين العراقيين و لاسيما الطالباني يعرفون ذلك حق المعرفة " .

وكان التوبيخ الأخير من عضو البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي ملزماً سيادة الرئيس " أن ينفي جلال الطالباني الخبر الذي نسب إليه بشأن إلغاء الاتفاقية " مع ملاحظة أن بروجردي لم يستخدم الألقاب لمتعارف عليها مثل سيادة أو الرئيس أو حتى السيد وإنما جلال الطالباني حاف.

ولأن رئيسنا الهمام يؤمن بعصر السرعة ويحلف بالصواريخ العابرة للقارات ويعترف بأن الأرض كروية لذلك تراجع عن تصريحه خلال (24) ساعة فقط لا غيرها! فقد أصدر مكتبه الرائع السفسطة التالية لتبرير فعلته الشنعاء :-

أولاً: عندما عقد الشاه وصدام اتفاقية الجزائر عارضتها المعارضة العراقية بجميع فصائلها القومية والإسلامية والديمقراطية باعتبارها حبل نجاة للدكتاتورية الصدامية التي كانت تترنح تحت ضربات الثورة الكردية لذلك اعتبرتها ملغية وغير شرعية.

ثانياً: لكن واقع الحال هو أن اتفاقية الجزائر اتفاقية قائمة غير ملغية وفق القوانين والأعراف الدولية.

ثالثاً: هناك ملاحظات حول بعض البنود ولكنها خاضعة للحوار والاتفاق المشترك بين الجانبين الصديقين الإيراني والعراقي.

رابعاً: إذن فان الاتفاقية الحالية- اتفاقية الجزائر- قائمة وليست ملغية بل نافذة ولا يجوز لطرف واحد أن يلغي أو ينسف هذه الاتفاقية.

لذلك فهذه حقيقة يعرفها فخامة الرئيس ولم يقصد بتعليقه العابر والارتجالي إلغاء الاتفاقية القائمة.

من المؤكد إن الموضع ليس كما يقول إخواننا المصريون" لعب عيال" فمن المفروض بعد ثلاث سنوات من الغزو والعمالة إن تكون " العيال كبرت " وتبدأ بتجاوز حالات التسيب والانفلات, فأي رئيس جمهورية هذا يدلي بتصريح خطي ويلغيه خلال 24 ساعة؟ وأي تبرير سخيف من مكتب الرئيس عندما يعتبر كلام الرئيس" تعليق عابر وارتجالي" فقد زاد الطين بله! وأي بلد هذا وأي جهل بالاتفاقيات الدولية والقانون الدولي؟ إن كان الأمر كما يرى الطالباني فأن أمم الله معظمها قد غبنت بموجب الكثير من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الإطراف فهل آن لها الأوان ضمن المنطق الطالباني أن تتنصل منها؟ أين مصداقية الرئيس والحكومة العراقية وأين مجلس النواب الذي ضربه الطالباني عرض الحائط سيما أن الدستور الهجين نفسه يمنح مجلس النواب صلاحية البت في الاتفاقيات الدولية فإذا كان سيادته يجهل القانون الدولي فمن الممكن أن نغفر له هذه الشطحة أيضا أما أن لا يعرف مضامين الدستور فتلك شطحة لا تغتفر.

وكما يقال "من الحب ما قتل" فأن من الشطحات ما قتل.

أما إدعاء الطالباني بأن الاتفاقية موقعة بين الرئيس صدام حسين وشاه إيران فتلك قمة الغفلة السياسية وجهل مطلق بالسياسة الخارجية لأنه من المتعارف عليه إن الاتفاقيات الثنائية بين دولتين أو أكثر سيما الخطرة والهامة منها غالبا ما توقع من قبل رؤساء الدول أو الحكومات.

نقول لصخامة رئيسنا العتيد إذا كان التصريح قد جاء بوحي من الاحتلال فنحن نظن بأن لعبة "جر الحبل" بين الطرفين الأمريكي والإيراني لا تحتاج إلى طرف عراقي يقف في الوسط سيما أن يديه مدميتان بما فيه الكفاية من الاحتكاك بفعل اللعب على الحبلين الذي يمارسه الطرفان عليه.. فكفى مذلة وضحك على الذقون ولعب بمصائر هذا الشعب الجريح. إذا كانت الشطحة من بنات أفكارك فارحمنا من شطحاتك فإنها أمست شر البلية وأنت تعرف أن شر البلية ما يضحك.

وننهي كلامنا بالأقوال المأثورة التالية عسى أن تنفع ضخامة الرئيس وحكومته الغارقة في عسل الديمقراطية المغشوش " خير الناس من عرف قدر نفسه وتصرف على هذا الأساس " و" إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ".

و احذر ثلاثة فقد يكون في إحداهم هلاكك الشطح والبطح والنطح.

Dhuha_alazawe@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  /  28 محـــــرم 1429 هـ الموافق  05 / شبـــاط / 2008 م