بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ليبلوكم أيكم أكثر لطماً !

 

 

 

 

شبكة المنصور

ظافر أبو الحارث

 

الأستعارة قرآنية، و اللفظ كلمةُ باطل يراد بها حقاً.. لأنها تحاكي الواقع في شعب لا يراد له إلا أن يحسن صنعتين: اللطمُ، و القتلُ!

للإمام علي بن أبي طالب تعبيرٌ فريد يصف فيه ما يراه من صمت الناس المطبق على الكارثة التي تحل بهم، و كيف تنقلب المفاهيم و يتهم الحق، يقول فيه (لو أن أمرءاً مات كمداً لما كان عندي ملوما).. و لولا أن لكل أجل كتاب لمتنا كمداً لما نرى إلى ما وصل الحال إليه!

فأينما تلفتنا من حولنا نرى الأمم تبني لمستقبلها و تحرس أجيالها و تتسابق إلى الأمام لتكون أغزر انتاجاً و أعلى سؤدداً.. الصين الملحدة أضحت مارداً اقتصادياً يهدد بابتلاع العالم بصمت، تحذو حذوها الهند ذات الأربعمائة ديانة رسمية مسجلة، أمم أخرى لا تأريخ لها و لا مسيرة لكنها تتسابق في الرقي.. أما نحن فنتسابق أيضاً.. لكن إلى الوراء.. لا نجيد سوى النحيب الكاذب و الأجرام العشوائي... ولا يتصدر أنباءنا إلا أخبار الجثث... أو المسيرات المليونية.. بين لاطم و مطبر!

أبشر... يزيد بن معاوية! إن عجز جيشك عن أن يمح ذكر آل محمد فقد تكفل بهذه المهمة جيش من الرواديد و المستعممين من زنادقة الدين و صنّاع الوهم!

مرة أخرى توجه طعنة نجلاء الى رمز من رموز الكرامة و العزة عند المسلمين.. الحسين بن علي، و لأسبوعين كاملين.. انحدرت المسيرات المليونية، رجالاً و نساء و أطفالاً و شيوخاً من المضحوك عليهم، تركوا بيوتهم و أشغالهم و شدوا الرحال لكن سيراً على الأقدام في كرنفال سنوي يتقدمه جيش من الرواديد من المغيبة عقولهم.. فتعطلت الدوائر على شحة موظفيها، و انكفأت مصالح الناس المعطلة أصلاً، و توقفت الخدمات المتردية أصلاً فزادت من عناء الناس عناءً، و استنفرت قوى الجيش و الشرطة في أكبر عملية أمنية تسندها المدرعات و الطائرات.. حيث تركوا ثغورهم بين الناس و نفروا الى كربلاء... لا للحد من الجريمة و لا للدفاع عن البلد ضد المحتل.. بل لحراسة مواكب الزوار! هكذا أصبحت مهمة الجيش و الشرطة.. فخلاص العباد و البلاد مرهون بنجاح الزيارة الأربعينية! لا حرمة للإنسان و لا للوقت.. و لا للعمل.. و لا للانتاج .. و لا للدين.

هل رأيتم؟ ستة ملايين زائر ينادون هيهات منا الذلة.. ولم يرفع أحد منهم راية واحدة تندد بالاحتلال و جرائمه!

خمسة أعوام من الاحتلال الذي دمر البلاد طولاً و عرضاً، و جاسها نهباً و قتلاً، وأوغل فيها سفكاً للدماء و انتهاكاً للأعراض، لم تحرك عند أهل "هيهات منا الذلة" غيرة و لا نخوة! أكثر من مليون قتيل و أكثر من مليونين و نصف المليون أرملة، و قرابة السبعة ملايين يتيم، و أكثر من ستة ملايين مهجر.. كلها حصيلة الأحتلال.. كل هذا لم يعترض عليه الزوار ولا جيش الرواديد!

خمسة أعوام من الاحتلال.. و لا نحسن أن نرفع أصواتنا لنقول للاحتلال اخرج من أرضنا، لكننا نحسن نبش خمسة عشر قرناً من التأريخ لنبكي بكاءً كاذباً و لننشغل بأخبار أمة لها ما كسبت و لنا ما كسبنا ولا نسأل عما كانوا يعملون.

خمسة أعوام من الاحتلال.. خرج علينا بعدها رئيس السفهاء و اللصوص نوري المالكي خطيباً في الزائرين في زيارة خاطفة من إحدى رحلاته العلاجية، وليبشرهم بنية الدولة (أي دولة؟) إعادة اعمار العتبات المقدسة و تأمين طريق سامراء! الناس بحاجة إلى الأمان في بيوتها قبل أن تؤمنوا طريق كربلاء و سامراء، و بحاجة إلى اعمار المستشفيات أكثر من حاجتها لأعمار القبور و الأضرحة! لا ماء في بلاد النهرين.. و لا كهرباء أو غاز في بلاد البترول...

ستة ملايين زائر ينادون (هيهات منا الذلة) و أرضهم مستلبة و خيراتهم منتهبة و أعراضهم منتهكة؟ أي عزة تتحدثون عنها و هل يوجد أذل منكم و علي ابن أبي طالب الذي تزعمون أنه امامكم يقول (ما غزي قوم في عقر دارهم قط إلا ذلوا) و ها أنتم تستمرئون الاحتلال في عامه الخامس؟

هيهات منكم الذلة؟ اغتصبت عبير العراقية ذات الخمسة عشر ربيعاً و أحرقت جثتها مع أبويها و أخيها، فما خرج منكم واحدٌ في مظاهرة يطالب فيها بقصاص القتلة، و لا تجرأ ذلك اللص المتطبب في لندن أن يتمتم بكلمة يطالب فيها بدم عبير و شرفها!

(يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً).. و الله لو كنتم معه لذبحتم من بقي من عياله! أين أنتم من كرامة الحسين و شجاعته و إقدامه و أنتم الذين ما أن صاح بكم صائح الجسر حتى دب الرعب فيكم فوليتم مدبرين و سقطتم صرعى غرقى ليتسلق على جماجمكم مجرم آل الحكيم!

من يتحمل مسؤولية ايقاض هذه الحشود من غيبوبتها العقلية ليقول لهم أن الله خلق الإنسان ليكون في الأرض خليفة، ليعبد الله وحده، ليعيش بكرامة، ليعيش بحرية، ليكون منتجاً، عاملاً، كادحاً، عالماً و متعلماً يفيد مجتمعه، و لم يخلقه ليكون لطاماً و لا رادوداً و لا إمعة لقاطع طريق مستعمم! ثقافة التخلف و الجهل هذه يراد لها و باتقان مقصود أن تحل محل ثقافة القرآن! و سيرة عظماءنا التي يراد لها أن تتشوه بممارسات الوثنيين التي خرجت من تحت عباءة المستعممين أنفسهم الذين يريدون أن يحولوا هذا البلد إلى ضريح و شعبه إلى رواديد!

من يأخذ على عاتقه أن يبلغ هؤلاء المضحوك عليهم أن العمل هو الوسيلة الحقة الى الله و أن الله انما قال ليبلوكم أيكم أحسن عملاً و لم يقل ليبلوكم أيكم أكثر لطماً!

 

كتابات

 

 

 

شبكة المنصور

                                           الاربعاء /  05  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  12 / أذار / 2008 م