بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

بمناسبة يوم المرأة العالمي
المرأة العراقية والإدمان على الأحزان

 

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

المرأة العراقية تختلف عن نساء العالم أجمعين بمواصفات وميزات خاصة, إنها عصارة مأساة إنسانية فاقت مثيلاتها وفاضت على ذاتها وتجاوزت أقرانها من النساء في القارات السبع من حيث نوع وطبيعة وفترة وتداعيات هذه التراجيديا التي تجري فصولها على المشهد العراقي منذ أكثر من ربع قرن.

إنها قربان وديع ذبح بيد برابرة العولمة ومحاكم تفتيش الألفية الثالثة ومفلسي جيوب الحريات الأساسية ومهرجي الشعارات الفارغة في سيرك حقوق الإنسان, سلخت في محراب الساجدين في مصلى الاحتلال والمسبحين بفضلات الاحتلال من ذوي الضمائر الميتة والمتمسحين باللحى الوسخة المعفرة برماد بقايا الجثث المحروقة.

نساء حملن من المصائب ما يعجز عن حمله الجبال والرجال, دموعهن سيلان بركان غاضب, آهاتهن رعود في سماء غاضبة, دعواتهن ترددها السماء السابعة, ورغم إرادتهن الحديدية فقد أتعبهن طول المسيرة واشتداد الظلام والجوع والعطش ونوائب الزمن المستمرة, ومخاطر الطريق المكتظ بالحيوانات المفترسة المتربصة في كل ركن للإيقاع بهن ولإشباع الغرائز الدفينة والشهوات المنفلتة من زمام العقل.

حرائر ضعنً في متاهات الحياة المتشعبة ودهاليزها المظلمة وأقبيتها الرطبة التي تنتشر فيها العفونة والرطوبة وتفوح منها رائحة الموت, كأنما كتب عليهن البؤس والشقاء طوال الحياة فتغيرت ملامح وجوههن وصبغت بلون الموت الباهت, يتنقلن من محنة لأخرى كأنهن يمشين في حقول الألغام وتحيط بهن أسلاك شائكة كأنهن أفاعي تفرغ سمومها بلدغات مميتة وإن سلمت من حقل فأنها ستفاجأ بعشرات الحقول أمامها, فلا مفر انه القدر المشئوم وهل يمكن الهروب من الأقدار؟ الم يقل الشاعر:

إن حظي كدقيـق بين شــــــوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريـــــح اجمعوه
صعب الأمر عليهم قال قومي أتركوه إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه

كل طرف تفنن بساديته ضد المرأة العراقية ومارس معها من العنف ما تعجز عن وصفه العقول أو تعبر عنه الأقلام. الضحية واحدة والمجرمون كثر, المجرمون ليسوا عصابات قتل فحسب بل إنهم دول أجنبية وأخرى عربية وإسلامية ومنظمات دولية تتربع على رأسهم الأمم المتحدة وعصابات مافيا وميليشيات مسلحة وفرق موت, أنهم مجرمين بنكهة خاصة تجمع بين طياتها مختلف المتناقضات المحصورة بين الدين والسياسة ولكن ليس الدين بمعناه السامي وكذلك ليس السياسة النظيفة, بل الصورة المشوهة لكل منهما.
وفي خضم هذا الموج المتصاعد مدت يدها لتطلب العون من أبناء جلدتها صارخة مرة بأسم الدين ومرة أخرى بأسم العروبة والوطنية والمواطنة لكن لا حياة لمن تنادي, فقد تآمر ضدها علاوة على قوات الاحتلال عليا القوم من رجال الدين والسياسية فأدركت مصيرها المأزوم. ولكنها مع كل هذا ترفض دائما الاستسلام فقابليتها على الصمود غريبة في هذا الباب وعزمها يحير الألباب ونشاطها يثير الإعجاب.

من هذه الأسطورة العجيبة التي تسمى المرأة العراقية, إنها بوتقة ضمت عطور مختلفة جمعت لتشكل شذى نادرا, فهي أم مفعمة بالحنان وزوجة مفرطة بالإخلاص وأخت مغالية بالحرص وابنة مغمسة بالدلال وحبيبة غارقة بالأشواق, إنها كتلة مشتعلة من العواطف ترسل شعاعها المضيء أينما سارت أو حطت, شروق يقظ وغروب نائم. فقد خزن الإلهام كنزه في عقلها وأودع الربيع نسائمه بين جدائلها واستأمنتها الزهور على أريجها, وأغدقت السماء صفوها على قلبها.

المرأة العراقية إرادة حديدية لا تلين مهما اشتدت قوة الطرق عليها, وتتحلى بكبرياء بعلو نخيل العراق لا يعرف الذل والخنوع يعيش واقفا ويموت واقفا مرفوعة الرأس والهامة, صافية عذبة كماء دجلة والفرات,دافئة بدفء أشعة الشمس في فصل الشتاء, حنانها يبسط يديه ليضم خصر الأرض ما بين القطبين, انه بعد خاص خارج البعدين ألزماني المكاني, صبرها يحسده عليه نبينا العظيم أيوب الذي صار مضربا للأمثال, وفائها يشابه وفاء آل ياسر لرسولنا الكريم محمد(ص). وتضحيتها قد استمدتها من نساء سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(ع) وهنً يرافقنه إلى المصير المهلك برضا وقناعة وسؤدد.

المرأة العراقية شعلة من العطاء لا تخفت أبدا, إنها مثل وعاء العلم كما شبهه باب مدينة العلم الإمام علي(رض) كلما أخذت منه أتسع وتجدد, أنها حالة فريدة ونادرة لا يمكن أن يماثلها شيء, ظاهرة جديرة بأن تكون نموذجا حيا لنساء العالم كي يقتدين بها, أعجوبة من عجائب الدنيا, تلهم الوجدان, وتثير مشاعر لا ريب فيها, تستحق من علماء النفس والاجتماع أن يدرسوها بعناية وجدية ويحللوا ذاتها, ومن المؤكد إنهم سيكتشفون كنوزا دفينة في هذه النفس البشرية السامية.

وان خفيت هذه الحقائق عن المخلوق فإنها لا تخفى على الخالق الذي وعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار فيها كل ما يشبع العين ويثير النفس, ولكن هذه الجنة التي عرضها السموات والأرض وضعها الله جل جلاله تحت أقدام الأمهات, فلنفكر قليلا في هذه المكرمة الإلهية العجيبة! تحت أقدام وليس تحت أيدي الأمهات, سبحانك ربي أية منزلة رفيعة هذه؟ وأية حظوة تلك؟ والتي تحظى بمثل هذه المكانة العالية عند الخالق عز وجل أليس حري بأن تحظى بمثلها عند المخلوق. وأن كان رضا الله من رضاها أليس كسب ودها دعوة ربانية تستلزم العمل بها.

حدثتني سيدة جليلة وهي قريبة لآية الله العظمى نور الدين الهاشمي, وكان يلقب ب( سيد نور) بأنه رأى في منامه قصرا جميلا في الجنة فقارنه بقصره فكان اقل رفعة من ذلك القصر, فقال مع نفسه سبحان الله فما الذي عمله صاحب هذا القصر ليكرمه الله هذا التكريم الجليل وينزله منزلة أعلى من منزلتي وكنت مثال العبد الصالح؟ سأل في حلمه عن صاحب القصر فقالوا له بأنه يعود إلى رجل يدعى(فاضل) ويسكن قرب منزل السيد نور و أوصافه كذا وكذا.

في الصباح سأل السيد نور عن فاضل الذي تراءى له في نومه ولما عرف بوجوده الحقيقي أرسل إليه رسولا لإحضاره, استغرب الرسول من طلب المرجع الكبير لفاضل فقد عرف عن هذا الشقاوة والعبث والمجون, فعلام طلب المرجع الكبير لقائه, جلب فاضل إلى المرجع وهو يلعن يومه الأسود مخافة مما سيلاقيه وأدخل على السيد نور فأجلسه بلطف إلى جانبه وقال له حدثني عن نفسك؟ فأوطأ فاضل رأسه خجلا وهو يقول" سيدنا التوبة والله من الآن بعد ماكو مشاكل ولا مجون وأعاهدك على هذا"؟ فأبتسم السيد نور وقال :حسنا هذا انتهينا منه" والآن حدثني عن أعمال الخير التي قمت بها؟ فرد فاضل محمر الوجه: والله سيدنا ما أعتقد عندي أعمال خير كلها شرور وآثام"! فرد سيد نور: حدثني عن اهلك؟ فقال فاضل: أما أبي فقد توفي وإنا طفل وعهدتني أمي بالتربية من كدها, ولكنها كبرت وفقدت نظرها وشلت قدمها وأنا الآن أتدبر أمرها من أكل وشرب واغسلها وأبدل عنها ملابسها وأنظفها بعد قضاء حاجتها واحملها على كتفي داخل البيت وخارجه.

فاضت دموع السيد نور وتحشرج صوته قائلا: الآن عرفت السبب فقد غفر الله لك كل آثامك لقاء عنايتك بأمك فأنظر إلى منزلة الأم يا بني, وحدث فاضل عن رؤيته في الجنة فبكى فاضل ووعد السيد بأنه سيكون منذ اللحظة مسلما حقيقيا منفذا لفروض الإسلام وملتزما بشرع الله.

هذه هي منزلة المرأة كأم, وكأخت فأننا نتذكر قصة المرأة التي سئلت من أحب إليها زوجها أم ابنها أو أخيها؟ فأجابت " أما الزوج فموجود والولد مولود لكن الأخ مفقود" أي يمكن تعويض الزوج والابن لكن الأخ لا يمكن تعويضه. وهناك الكثير من الحكايات والأمثال تخص المرأة كزوجة وحبيبة وابنه تؤكد جميعا أهمية المرأة وعلو منزلتها وإنها ليس نصف الدنيا فحسب بل نصف الدين أيضا. و لا يمكن أن تنهض الأمم إذا ما عطلت نصف طاقته, وربما أكثر في بعض الدول التي يغلب عدد النساء فيها عن عدد الذكور.

بلا شك أن حصيلة المرأة العراقية من الحروب والحصار الاقتصادي كانت حصيلة مميتة فقد فقدت الزوج والأخ والابن والحبيب ومع هذا فأن قلبها المؤمن لم يخفت نبضه وعطائها لم ينضب وعقلها لم يكسل, تكيفت بسرعة خارقة مع المعطيات الجديدة ودفنت الماضي المؤلم متهيئة للمستقبل عسى أن يعوضها عن كفاحها المرير وتضحياتها الجسام.

لكنها استفاقت ورأسها وهن من كوابيس غريبة, استفاقت لكن الكوابيس لم تفارقها فصوت جحافل الظلام وهي تزحف على بغداد على أصوات الطائرات ودوي المدافع وفرقعة الرصاص, إنها ليلة ليلاء لقد فعلها المجرمون ودنسوا عروس الرافدين.

وتكالبت قوى الشر معها معلنة عن بدء تأريخ جديد حمل بذور الموت والفناء بين طياته, ومع الأطروحات الجديدة من قبل قوات الاحتلال والحيوانات التي دجنتها وجلبتها معها في غزوها الدموي للعراق, كانت هناك شكوك حول هذه الأطروحات, فالتأريخ يحدثنا بخلاف ذلك, فلم نقرأ أو نسمع بأن قوات الاحتلال جلبت للدول التي استعمرتها حقوق ثابتة وحريات وديمقراطيات وانتخابات, ولم نقرأ أو نسمع بأنها صانت هوية وكرامة هذه الشعوب أو حافظت على تماسكها ووحدتها, ولم نسمع عنها بأنها احترمت عهودها ووعودها, ولم نسمع بأنها حفظت ثرواتها, بل العكس هو الذي جرى فقد زرعوا الموت والخراب في كل ركن من أركان مستعمراتهم, وأورثوها مشاكل وفتن عرقية وطائفية تتوارثها الأجيال ونهبوا ثرواتها ودمروا اقتصادها وفتكوا بأبنائها وشوهوا حضارتها وثقافتها, تسلموها متعافية وتركوها كسيحة تلعن حظها العاثر.

ومع هذا فقد كانت الشعارات براقة وساطعة في كل وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمقروءة حول مكانة المرأة في العراق الجديد, وادخل العنصر النسوي في مجلس الحكم وبدأت تروج فكرة أن 25% هي نسبة النساء في الوزارات والبرلمان وسيكون للمرأة مشاركة فاعلة في مختلف جوانب الحياة. وفعلا تم تسمية أكثر من ستين نائبة في البرلمان وسلمت بعض الحقائب الوزارية إلى سيدات بالرغم من قلة أهمية هذه الوزارات وتطلعت النسا ء إلى فجر جديد ولم يدر بخلدهن بأن هذه الإجراءات ليست سوى عاصفة في فنجان وان الليل بهيم وطويل ولا ملامح لفجر قريب.

كانت المفاجأة الأولى عندما تولى عبد العزيز الحكيم رئاسته الشهرية لمجلس الحكم فأمر بإلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي حفظ للمرأة العراقية كرامتها وصان حقوقها وبدلا من أن يكون سبب الإلغاء قانونا يحصن مكانة المرأة ويعزز حقوقها جاءت الأسباب على العكس من ذلك, وبفعل الضجة التي قادتها النساء والتظاهرات ومساندة بعض المسئولين الواعين لدورها قام خلفه في المجلس عدنان الباجةجي بإعادة القانون إلى وضعه السابق.

وبدأت سلسلة الفضائح تتوالى بعد أن ظهر وحش الديمقراطية ببراثنه الدموية في سجن أبو غريب ليكشف لنا عن اكبر جريمة ونحن على أعتاب الألفية الثالثة, ومثلت النساء حيزا كبيرا من هذه الفضائح التي يندى لها جبين الإنسانية والشرفاء, فقد ظهرت صور تقشعر منها الأبدان وتعافها النفوس وكأننا نعيش عصر البربرية الأولى وليس عصر العولمة والخصخصة والاستباقية. وأوضح محمد ادهام الأمين العام لاتحاد الأسرى والمساجين السياسيين في العراق أن عمليات الاغتصاب والتعذيب والممارسات السادية الخطيرة التي تمارسها قوات الاحتلال ضد الأسيرات العراقيات تعد نهجا منظما ومعتمدا من قبلها, وأن الغرض منها هو كسر روح المقامة للاحتلال, وكشفت التقارير عن وجود أعداد كبيرة من المعتقلات احتجزن لمدد طويلة وتعرضن إلى التعري التعذيب والاغتصاب والإذلال النفسي والجسدي من قبل الشرطة وإدارة السجون, ومنعت منظمة الصليب الأحمر ومنظمات أخرى من زيارتهن في المعتقلات وتبين أن البعض منهن يقتلن ويدفن دون علم أحد, وقد أشارت المعلومات مؤخرا إلى العثور على مقبرة جماعية لنساء مجهولات الهوية في مدينة(هاروجة) في محافظة ديالى , وكانت ممثلة اتحاد الأسرى والسجناء المحامية سحر الياسري قد اعتبرت سجن أبو غريب ارحم من بقية السجون بالرغم من فضائحه, وأشارت بأن عدد السجينات في السجون العراقية يزيد عن (10)آلاف امرأة تم اغتصاب 90% منهن! وذكر تقرير عن بعثة الأمم المتحدة لدعم العراق"يونامي" لعام 2007مستندا إلى استجواب عدد من المعتقلات في سجني الأحداث والعدالة بأن معظمهن تعرضن للضرب والاعتداء الجنسي. وسبق أن كتبنا عن هذا الموضوع بإسهاب في مقال سابق سميناه( قوات الاحتلال والهوس الجنسي وديمقراطية اغتصاب العراقيات) يمكن للقارئ الكريم الرجوع إليه.

من الملامح الديمقراطية للعراق الجديد بروز ظاهرة اختطاف النساء وتعرضهن للاغتصاب أو القتل أو كليهما وبسبب إخفاء الحكومة للبيانات المتعلقة بمثل هذه الجرائم لتورط أجهزتها بها من جهة وعزوف الناس عن التبليغ عن مثل هذه الحالات بسبب القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد, بات من الصعب توفر إحصائيات دقيقة عن مثل هذه الحالات, لكن بعض المنظمات غير الحكومية قدرتها عام2004 بحوالي(18000) حالة وقد تفاقمت هذه الظاهرة عام 2005 والذي تلاه ووصلت ذروتها عام 2007, وتمثل النساء حوالي 20% من الجثث التي تصل إلى الطب العدلي, وان نسبة كبيرة منهن تعرضن إلى التمثيل بأجسادهن. وما يعظم المصيبة أن أهالي الضحايا يعزفون على تسلم جثثهن بسبب الخوف من انتشار الفضيحة أو ملاحقتهم من قبل القتلة, وقد انتشرت ظاهرة القتل في البصرة علي أيدي بعض الميليشيات المتطرفة, ونقل عن قائد شرطة البصرة بأن نساء البصرة يعشن في كابوس بعد توالي الأخبار عن مقتل أكثر من(40) امرأة ورمي جثثهن في الشوارع, وان البعض قتلن مع أطفالهن وأعترف بأنه لا يعرف من يقف وراء هذه الجرائم رغم أن ابسط مواطن من البصرة يمكن أن يحدد هذه الجهات! ولم تقتصر هذه الجرائم في البصرة وإنما زحفت إلى شمال العراق فقد ذكرت إحصائية لوزارة حقوق الإنسان إلى تعرض(501) امرأة إلى عمليات اضطهاد, كما تعرضت(1108) امرأة في السليمانية عام 2005 إلى عمليات قتل وحرق وخطف.

وأقدمت (533) امرأة عام 2004على الانتحار و(289) امرأة عام 2005 و(533) امرأة عام 2006.
تواجه النساء في العراق عدة جبهات معادية, منها قوات الاحتلال و والميليشيات وأجهزة الشرطة من جهة والعصابات الإجرامية من جهة, فأن فلتت من فئة باغية تولتها الأخرى وهكذا بقين رهائن وحبيسات البيوت بما فيهن العاملات والطالبات, فهن يعشن في هلع دائم ولقد وصلت الصفاقة بلصق تهديدات في الساحات العامة والجامعات تهدد السافرات والمتبرجات, فوضع مسحوق على الوجه يعتبر جريمة تستحق القتل, والسفور يعد زنى وغيرها من الأحكام التي تطلق جزافا من قبل بعض البصائر العليلة, ومن المؤسف أن تكون الصروح العلمية نفسها ساحات لبث مثل هذه السخافات, فلنتصور أن وزير التربية يصدر تصريح رسمي مطالبا التلميذات من عمر 6 سنوات بارتداء الحجاب أو سيكون مصيرهن الطرد لكنه من جهة ثانية يحلل المتعة!

من المؤسف أن العديد من النساء اعتبرن دروعا بشرية للمجاهدين وإبطال المقاومة العراقية الباسلة من خلال تهم تلفقها قوات الاحتلال وأجهزة الدولة, فغالبا ما تؤخذ الأم أو الزوجة أو الأخت أو البنت عند فشل هذه القوات من القبض على المجاهدين أو المتهمين بالتعاون معهم, وهذا ابتزاز رخيص ودليل قاطع على المستنقع الإجرامي القذر الذي تعيش فيه هذه الطفيليات الأحتلالية, ومدى عقم محاولاتهم للنيل من أبطال المقاومة فلجئوا إلى مثل هذه المحاولات الدنيئة والتي تدل على الإحباط والفشل الذي يرافقهم أينما حلوا.

والبعض الآخر من المعتقلات اتهمن بتسهيل مهام المجاهدين والتعاون معهم أو التستر عليهم, إن مثل هذه الاعتقالات تعتبر جريمة بحق تعاليم السماء والقوانين الوضعية ومنها الدستور المسخ نفسه الذي منع مثل هذه الانتهاكات الصارخة, وتبتهل إحدى المعتقلات لهذا السبب شاكرة الله " لأنهم لم يعتدوا عليً ولكنهم لم يتوقفوا عن ضربي طيلة شهر" وبعد رجوع أخيها من السفر تبين إنها الشكوى كانت وشاية باطلة فأطلق سراحها. من المفيد أن نذكر هؤلاء الشراذم بإحدى الدراسات التي ذكرت بأن " اعتقال امرأة عراقية واحدة يعطي مبررا كبيرا لولادة ألف مسلح انتقاما لشرفه وكرامته". ومن المؤكد أن ظاهرة مشاركة النساء في العمليات الجهادية قد تكون أحدى إفرازات هذه المعاناة والعنف والاغتصاب الذي تعرضن له.

بالرغم من المناشدات التي قدمتها اللجنة البرلمانية للنساء والأطفال في العراق للإفراج العاجل عن المعتقلات في السجون الأمريكية والعراقية لكنها ذهبت أدراج الرياح بالرغم من اعتراف النائبة نادرة حبيب بأن معظم الموقوفات بريئات.

وأكدت رفض الجهات الأمريكية والعراقية لطلبات اللجنة البرلمانية لزيارة السجون خشية الاطلاع على أهوال ما يجري فيها من انتهاكات صارخة بحق نساء العراق, بل أن هذه الجهات رفضت تعيين محامين للمتهمات أو رفع قضاياهن إلى القضاء علما انه لم تثبت إدانتهن بأية قضية.

هذه هي المرأة العراقية تأريخ مفحم بالظلم والتجني. سجينة أمد الدهر ليس بتهمة ارتكاب جريمة ما خالفت فيها تعاليم السماء أو قوانين الأرض, أو تمردت على العادات والتقاليد, أو طلبت أكثر من عشر حقوقها فقد تنازلت أو أجبرت على التنازل عن نصف حقوقها الثابتة... جريمتها إنها امرأة وهذا يكفي لإدانتها من قبل المجتمع الضال.

وبعد!!!

ماذا أقول في عيدك أيتها المرأة! أيتها الأم والزوجة والأخت والابنة والحبيبة والصديقة؟ فإن الأفكار تتكسر مثل أمواج البحر على صخور سواحلها.

ربما كلمة أواسيك بها علها تشفع في تهدئة خواطرك وتذيب جبال من جليد القسوة التي مررت بها!
ولكن يا حسرتاه! أن آلاف الموسوعات والمجلدات وليس بضع كلمات كافية لمواساتك.

هل أهديك في عيدك باقة ورد؟ ولكن يا حسرتاه هل يصلح الورد ما أفسده الشوك؟
هل أهديك منديل لتكفكفي به نزيف دمعك المستمر؟ واخجلتاه! هل مناديل الكون قادرة على تجفيف ماء بحر؟
هل أردد على مسامعك بيت من قصيدة المتنبي:-

عيد بأي حال عدت يا عيد *** هل فيما مضى أم لأمر فيك تجديد
أم أجلس بقربك أشاركك الهموم مثلما ناجى أبو فراس الحمداني حمامة ناخت بقربه قربه في الأسر:-
أيا جارة ما أنصف الدهر بيننا *** تعال أقاسمك الهموم تعالي

وللحديث بقية...مع تفاقم القضية.

 

Alialkash2005@hotmail.com

 

 

 

شبكة المنصور

                                            الثلاثاء /  04  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  11 / أذار / 2008 م