بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

رجال المقاومة و مذاق الجرأة الشهي

 

 

  شبكة المنصور

  علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

هناك فرق كبير بين المواطن العادي والمواطن ألصميمي أو ما يسمونه في الوقت الحاضر الانتماء المجرد والانتماء ألصميمي، ففي الوقت الذي يتعلق الأول بمساحة جغرافية محددة يعيش فيها عدد من الناس ينتمون إلى جنس أ و عرق أو دين أو قومية واحدة، ويكون انتمائهم للأرض التي يعيشون فيها بحكم ظروف تاريخية أو التوارث باعتبار أن آبائهم وأجدادهم انتموا لهذه الأرض، فأن المواطنة الصميمية تتجاوز الحدود الجغرافية والقومية والدينية والعرقية والوراثية، إنها ترتفع فوق هذه الأسيجة لتسمو إلى مصاف المشاعر الإنسانية والروحية الحقيقية التي تربط المواطن بهذه الرقعة، بحيث يتحقق نوع من التجانس بين الأرض والمواطن، ويتحدا بشكل لا يمكن فك لحيمه، لأن هذه الانفكاك من الممكن أن يؤدي إلى هلاك احدهما أو هلاكهما معاً، المواطنة الصميمية مشاعر مشتركة وأحاسيس سامية متناغمة الإيقاع، تطغي على الإنسان وتحوله إلى ذلك السوبرمان الذي تحدث عنه الفيلسوف الألماني نيتشة والعديد من الفلاسفة، وتتجلى المواطنة الصميمية بأكمل صورها، عندما يتعرض الوطن إلى المحن أو العدوان الخارجي أو الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،حيث يشعر المواطن أن محنة الوطن والشعب هي محنته سواء كانت آثارها السيئة انعكست عليه بشكل مباشر أم لم تنعكس، وسواء كان يعيش داخل الوطن أو خارجه.

الوطن يستدعي المواطن الصميمي للذود عن حياضه والتضحية بالنفس والمال والولد وكل ثمين ليبقى الوطن سالماً من أجل الأجيال القادمة فيلبي النداء بكل قناعة وفخر وجرأة، فالنظرة إلى الوراء تقهقر والنظرة إلى الحال تحفز لكن النظرة إلى الأمام تطور ورقيً, وهناك حكاية صينية بهذا المعنى فيها عبرة رائعة، فقد رأى فتى صغير رجلا كهلا يزرع شجرة تعطي ثمارها بعد سنوات عديدة، فقال له:- لماذا تزرع هذه الشجرة وأنت كبير السن وسوف لا تعيش لتأكل من ثمارها؟ فأجابه الكهل:- لقد زرع أجدادنا ونحن نأكل من ثمار زرعهم، ونحن نزرع كي تأكل الأجيال القادمة من زرعنا يا ولدي, بمعنى أن كنت تفكر في نفسك وتترك غيرك فأنت أناني ونرجسي ولكن عندما تفكر بغيرك وتنكر ذاتك فأنت بالتأكيد مواطن صميمي، وعندما تزرع ليأكل غيرك فأنت مواطن صميمي، وعندما تضحي بنفسك من أجل الوطن والشعب فأنت مواطن صميمي، وعندما يتوفر عندك حسن متنبه يقظ بالانتماء إلى الجذور وتشعر بقوة إضافية تحول مشاعرك إلى إرادة صلبة وعزيمة ثابتة لإزهاق الباطل فأنت مواطن صميمي، وفي الوقت الذي تتجلى فيه هذه السمات الطيبة في رجال المقاومة الأبطال والمجاهدين سور الوطن الشاهق وعشاق تربته العطرة، تسقط في نفس الوقت الأقنعة الزائفة عن وجوه بعض النكرات الذين حسبوا على الوطن لظروف جغرافية أو وراثية وهم يكملوا نسيج خيوط المكيدة ويطرزوها بخيوط دموية ومع قدوم قوات الغزو اكتملت حلقاتها وظهرت بعد أن تبددت فلول الظلام المنسحبة, حيث تتفتح الحقائق كشقائق النعمان لتتميز عن الأشواك الجارحة التي تعيش معها وتتغذى من نفس تربتها.

من المؤكد أن قوات الاحتلال ومعها الغواصين في مستنقع العمالة حتى أعماق الجحيم وأولئك الذين ابتلوا برذيلة الحكم والمنتفعين من وجود الاحتلال يحاولون بشتى الطرق النيل من المقاومة الشريفة عبر دعايات شيطانية لتضليل الناس وتمويه الحقائق بشكل مشوش يفتقد الوضوح والتركيز وكلام يائس يطلق على عواهنه, وهذا الأمر ليس جديداً على الدول التي خضعت للاستعمار القديم أو الحديث ففي التجارب التحريرية في الجزائر وكوبا وفيتنام وكمبوديا وفلسطين كانت قوات الاحتلال تنتهج نفس الأسلوب الذي تتبعه حاليا في العراق في إلصاق تهم الإرهاب والعنف والإساءة بالمقاومة وتحميلها مسئولية انعدام الأمن والاستقرار ووضع عصا في دولاب عجلة التطور الاقتصادي والثقافي والخدمي, وتطبيقاً للقاعدة الاستعمارية المعروفة " فرق تسد" تم استخدام هذا الأسلوب والذي يسمى حاليا " طريقة فينكس" للتعامل مع شعوب الدول الخاضعة للاحتلال.

وكانت الوسائل مختلفة منها أن القوات المجاهدة تعمل على ضرب محطات الكهرباء وبالتالي تحرم الناس من هذه الطاقة وكانت تلك وسيلة تافهة لتبرير فشل الاحتلال وحكومة الذل من إصلاح المنظومة الكهربائية وفي الوقت الذي تم صرف مليارات الدولارات على إعادتها لكن الحقيقية كانت مرة والنتائج تسوء يوم بعد آخر فقد تبخري المليارات من أرض العراق لتهطل في لندن ونيويورك وباريس على شكل قصور وودائع مصرفية وشركات وفنادق لحفنة من العملاء كانوا قبل الغزو بأيام يعيشون على صدقات وكالات المخابرات الأجنبية, وفي الوقت الذي أدعى وزير الكهرباء بأنه مع إطلالة عام 2005 سيتم إصلاح المنظومة كاملة فأننا على مشارف عام 2008 والتيار الكهربائي يشحذ في الشوارع مستنجدا بصدقات المولدات والفوانيس والشموع , علما انه توقف الحديث عن استهداف المحطات الكهربائية من قبل المجاهدين بعد أن تبيت الحقيقة ونفس الشيء فيما يتعلق باستهداف بقية المنشئات, كان الله في عون المجاهدين يحاربون على كل الجبهات.

مع استمرار المقاومة وتصاعد وتائرها تزداد الاتهامات الموجهة لها فقد ألصقت بها تهمة اغتيال عدد المسئولين سواء من النظام السابق أو النظام الحالي, وكانت تلك أشبه بقصة غير محبوكة الوقائع لأن المستهدفين معظمهم كانوا من قادة ومسئولي النظام السابق وان حزب البعث من عناصر المقاومة نفسها, وكما يقول المثل " حدث العاقل بما لا يعقل فأن صدق فلا عقل له" فسقط الفرض وما بني عليه, أما اغتيالات المسئولين الجدد فأنها لم تكن سوى تصفية حسابات سياسية واختلاف في الأجندات والمصالح بين الأحزاب السياسية الوافدة على العراق, وتحدثنا وداد فرنسيس مستشارة بريمر عن الجهة التي تقف وراء هذه الأحداث ومنها احمد الجلبي حسب توصيفات بول بريمر فهو" ثعلب ولص ولائه لنفسه فقط, وهو مهندس مشاريع التفرقة وشق الصف, وقد ثبت ضلوعه بتصفيات جسدية من خلال وثائق عثرت في مكتبه بعد مداهمته من اغتيال الفنان داود القيسي ومحمد الراوي وغيرهم" . كما تحدثنا بأن " بريمر يثق بأن عبد العزيز الحكيم يدير أكبر حملة تصفية جسدية في العراق لصالح إيران وكان متأكدا بأن الحرس الثوري الإيراني هو الذي اغتال محمد باقر الحكيم وذلك موثق بتقرير استخبارات أمريكي" كما تتحدث عن قائد فيلق بدر هادي العامري بأنه" سفاح بغداد وقاتل بلا ضمير سيلعنه التأريخ وسيفتضح أمره عاجلا أم آجلاً وأن إيران ممتنة له ولصولاغ وستكافئهما"وكذلك الأمر لبقية الأحزاب السياسية على المشهد العراقي وأذرعها العسكرية بمختلف شرائحها وتنوعاتها.

وكانت أقسى التهم هو إلصاق الإرهاب بالمقاومة والتي قامت قوات الاحتلال بالتطبيل لها بمعاونة الوافدين على ظهور الدبابات الأمريكية وكانت تلك محاولة مفضوحة لتبرير الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال والميليشيات التي تمولها جهات خارجية معروفة ومن المؤسف أن أصحاب الثقافات البسيطة والسذج والسائرين في ركب العمالة انطلت عليهم هذه الألاعيب المكشوفة فبدئوا بترديدها كالببغاء عبر وسائل الأعلام, وكانت الفضيحة الكبرى عندما تم إلقاء القبض على اثنين من الملثمين في سيارة مدنية وكانوا يحملون عبوات تفجير وأسلحة متوسطة من قبل الشرطة العراقية, ومن ثم تبين أنهما جنديان بريطانيان, وقبل أن يبدأ التحقيق معهم قامت القوات البريطانية بمداهمة سجنهم بواسطة الدبابات وقتل وجرح عدد من حراس السجن العراقيين من ثم أفرجت عنهما وأرسلا فورا إلى بريطانيا!

الحكومة العراقية حاولت أن تتكتم على الموضوع وأن تعيد ورقة التين إلى عورة المحتل بعد أن انكشف عارياً وبصورة مخزية, لكن صيحات الشرفاء في البصرة وصلت إلى مسامع كل العراقيين, لكن السيادة الجديدة تحرم على الحكومة العراقية التحقيق مع جنود الاحتلال برغم كل الانتهاكات التي يرتكبوها بحق الشعب العراقي وفقاً للمرسوم الرقم (17) الذي وافقت عليه حكومة الذل في 28/6/2004. وأسدل الستار بقوة على الحادثة وطويت صفحتها في سجل النسيان. ومن المؤسف أنه بالرغم من أهمية الموضوع وخطورته وفائدته للمقاومة لكن لمعانه اختفى بسرعة ويفترض التذكير به والعودة إليه باستمرار وإحياء ذكراه السنوية ليعرف العراقيون والعالم حقيقة من يقف وراء هذا العنف والإرهاب في العراق المحتل. وهذا بالطبع لا يخلي سبيل بعض الميليشيات المتطرفة وتنظيمات طائفية وإرهابية وجدت في العراق ساحة سائبة لتصفية الحسابات فيما بينها أو بينها وبين الأمريكان على حساب العراق وطناً وشعباً.

بلا شك أن صوت المقاومة في الداخل والخارج صوتاً خافتا رغم تحسنه خلال السنة الأخيرة سيما بعد توحد عدد كبير من الفصائل في قيادة مركزية واحدة مجلس قيادة سميً " القيادة العليا للتحرير والجهاد" والذي ضم (22) فصيلاً من مختلف فسيفساء الشعب العراقي, إضافة إلى نشر بعض دورياتها ونشاطاتها في عدد من المواقع ذات التوجهات الوطنية, وهذا الضعف يرجع إلى عوامل داخلية تتعلق بتعدد فصائل المقاومة وعدم توحيد الجهود الإعلامية, وضعف الكوادر الإعلامية وقلتها في فصائل المقاومة وعدم توفر الإمكانات التقنية لنشر بياناتها على مساحة واسعة داخل وخارج الخارطة العراقية, إضافة إلى الطابع السري الذي تتخذه أي حركة لمقاومة قوات الاحتلال, و عدم توفر السرعة في إعداد البيانات والتباطؤ في الرد على الافتراءات التي توجه إليها, وكذلك الخشية من افتضاح شبكاتها التنظيمية, وكذلك سعة الجبهة الإعلامية التي تحاربها, وهناك .

وهناك عوامل خارجية أهمها الإعلام المحتل الذي يمتلك ماكينة إعلامية هائلة مزودة بأحدث القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المرئية والسمعية والمقروءة, منها وحدة إعلامية سميت ( وحدة المهمات والعمليات المعلوماتية) تشرف عليها مراكز بحوث ودراسات متخصصة بالشأن العراقي وتقوم بنشر مقالات تخدم الاحتلال وتترجم إلى العربية وتنشر بأقلام عراقية وهمية.

ومن هذه العوامل استقطاب الكوادر الصحفية المتخصصة والمحترفة التي تناغم قوات الاحتلال وأصبحت بوق لها العربية منها أو العراقية , وكذلك صرف ملايين الدولارات من قبل قوات الاحتلال لإجهاض الأعلام المقاوم, فقد نشرت صحيفة "أمريكا اليوم" أن وزارة الدفاع الأمريكية أعدت برنامجا سريا بكلفة ثلاثمائة مليون دولار لتحسين صورة الولايات المتحدة في العراق والعالم العربي.

وشراء الذمم عبر الحوافز المادية والمكافئات فقد اعترفت وكالة لنكولن الأمريكية المتخصصة بالأعلام بأنها تدفع لما يقارب(300) كاتب عراقي مقابل تلميع صورة الأمريكي المحتل. علاوة على تخوف الشبكات الإعلامية ومنها الفضائيات من ترويج الإعلام المقاوم وهناك العشرات من الصحفيين الذين اعتقلوا كتيسر علوني وسامي الحاج في سجن غوانتانامو ومن العراقيين الكاتبة كلشن البياتي وفاضل البدراني وعبد الامير يونس وماجد حميد وسمير محمد نور وآخرين بسبب تبنيهم الفكر المقاوم أو نقل الحقائق فقط, إضافة إلى تصفية عدد من الصحفيين والإعلاميين من قبل قوات الاحتلال والأجهزة الحكومية والميليشيات في العراق ومنهم طارق أيوب وأطوار بهجت وياسر الصالحي.

كذلك الهجمة الإعلامية الشرسة المختلفة الاتجاهات والمتضاربة الأجندات ومع ذلك فهي متفقة على توحيد جهودها الإعلامية لشن حملة ضد الإعلام المقاوم سواء كانت على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو العالمي, وأخيرا الإعلام العراقي الرسمي الذي يخدم أجندة الاحتلال ويروج لسياسته وأهدافه الذي يخيم على الساحة الإعلامية.

ومع هذا توجد بعض الشبكات الإعلامية التي تفضح همجية الاحتلال وممارساته العدوانية ضد الشعب العراقي سواء كانت الأجنبية أو العربية, كما تساهم العديد من المواقع والأقلام الوطنية برفد الإعلام المقاوم بالمقالات ونشر أخبار و نشاطات وفعاليات رجال المقاومة لدوافع وطنية بحتة و لا يتقاضون مردودات مالية عن خدماتهم, منطلقين في رؤياهم بأن الذي يقدم نفسه فداءا للوطن فمن الخزي والعار أن تطالب بمال لقاء ما تنشر أو تكتب عنه, بل أن ابسط شيء تقدمه هو أن تخدمه بقلمك فرشقات القلم غالبا ما تكون أشد إيلاما ووجعاً من رشقات الرصاص, وكما تحتاج المعركة إلى مقاتلين فأنها بنفس القدر تحتاج إلى صحفيين وإعلاميين لتغطية فعالياتها.

يوم بعد آخر تستقطب المقاومة العراقية الكثير من العناصر لتنظم إلى صفوفها وكذلك الكثير من المتعاطفين معها بعد أن انكشفت الحقائق كاملة أمام الشعب العراقي وبقية شعوب العالم, فقد دمرت قوات الاحتلال العراق وطناً وشعباً محقت فيه كل مؤسسات الدولة وقتلت مئات الألوف من شعبة وشردت الملايين داخل الوطن وخارجه وسرقت ثرواته وعبثت بمقدراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأشاعت ثقافة العنف وغذت الشعور الطائفي و سمحت بنمو الميليشيات المتطرفة وجذبت قوى الإرهاب الدولي إلى العراق لتحاربه وسهلت لبعض الاحزاب أن تنفذ أجندات خارجية وانتهكت حقوق المواطن العراقي وأهانت كرامته وجرحت كبريائه وعصفت بحضارته وقيمه العليا وداست على سيادته وشوهت المقاومة الشريفة واختزلت الشعب العراقي وصورته بأنه يقف جميعه مع قوات الاحتلال ويؤمن بمشروعيته.

لذا أنقلب السحر على الساحر الأمريكي وأزيح الستار عن حقيقة قطعان الاحتلال ممن يسرحون في مروج المنطقة الخضراء الذين تمادت في قلوبهم وسوسة الشيطان وهم يكيلون الاتهامات جزافا لرجال المقاومة ويروجون أفكارا خاطئة وإشارات مزيفة في ميكانيزم الفعاليات التي تقوم بها دون أن يعوا بأن الذي يقاتل عن الحق بطل ولو هزم والذي يقاتل على الباطل مهزوم حتى وإن أنتصر وفي مأساة سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(ع) أسوة حسنة.

ومعاذ الله أن تهزم المقاومة فأن الله جلً جلاله يرعى ويحرس رجالها الشجعان وهم يؤدون الفريضة السادسة بإيمان عميق وقناعة راسخة في الوجدان مجسدين الالتئام الحميم بين مبادئ السماء وقيم الأرض, سيما إن العراقيين النجباء يلتفون حولها يوم بعد يوم لمباركتها ولنصرتها برؤية ثاقبة وإرادة فولاذية لا تلين,وهل يتنصل الجلد عن العظم؟


Alialkash2005@hotmail.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس  /  30 محـــــرم 1429 هـ الموافق  07 / شبـــاط / 2008 م