بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

موقف القوى الوطنية والقومية الأحوازية
من المشروع الوحدوي بين مصر وسوريا
ترسيخ لحقائق التاريخ العربي والدخول لعالم المستقبل

 

 

 

 

  شبكة المنصور

 

 

أيها الحضور الكرام

سلام الله عليكم من شعبنا العربي الأحوازي نزجيه لكم . . . نزجيه لكم بهذه المناسبة العظيمة : إعلان الوحدة بين القطرين العربيين مصر وسوريا وولادة الجمهورية العربية المتحدة بتاريخ 22/2/ 1958 التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثالا ملموساً يتكرر بسبب عوامل التراخي مع أعداء الأمة وسياسة التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي والأنظمة الإقليمية الطامعة في أرضنا العربية، لقد كانت هذه الوحدة في تلك المرحلة الوعد الذي أملت نفوس كل الجماهير العربية من إنجاز الحقوق التاريخية التي رُفعت في أعقاب اِندحار الرؤية الطورانية المهيمنة سياسياً على بعض البلدان العربية في بدايات القرن المنصرم،والإرساء لمفاهيم الحضارة العربية الإسلامية،ومحاولة جريئة لإحداث تطابق الشروط التاريخية كطموح لأبناء المجتمع العربي مع الحقائق الجغرافية للوطن العربي التي تكامل عملها من خلال الممارسة السياسية الواعية،رغم عدم إدراك فاعليها لردود فعل الجماعات المعادية لوطننا،مهما اِختلفت أيديولوجياتها وتنوعت ممارساتها . . .

يهم أبناء شعبنا العربي الأحوازي إزجاء لكم ابلغ التحيات الكفاحية لهذا المنجز الكفاحي الأصيل الذي ينبغي له أن يشدَّ أبصارنا ويستحث بصيرتنا على المستقبل السياسي لأمتنا،من خلال تمثل دروس الماضي الذي اِنطوت عليه التجارب طوال سنوات القرن الماضي : سواء أكانت ناجحة أو مرت بكبوات وخيبات مريرة،ولا شك أنّ الوحدة العربية بين القطرين المصرى والسوري كانت أبرزها إذ أتت على خلفية انتصار الشعب العربي المصري في معركته ضد الغزو البريطاني الفرنسي الإسرائيلي،لذلك يمكننا القول أن الانتصارات السياسية التي تنامى فعلها طوال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية قد تتابعت والموجات الجماهيرية قد ازدهر فعلها:كانت هي الحقائق السياسية الملموسة تعبر المضمون القومي العربي لجماهير أمتنا العربية،وطموحاته السياسية المشتركة،وغياب الرؤية الوحدوية من الممارسات السياسية على صعيد الوطن كانت وراء النكسات الخطيرة التي مرت في هذا الوطن،وشكلت الهزائم السياسية عناوين بارزة لمراحلها المختلفة .

إنّ التطور الوحدوي العربي بين الإقليم الشمالي مصر والإقليم الجنوبي سوريا قد شكلت رداً موضوعياً على المخططات الاِستعمارية التي استهدفت حاضر الأمة ومستقبلها،التي كان تقرير بانرمان كرؤية تراكمت مفرداتها بعد دراسة عينية دامت ثلاث سنوات : 1904 ـ 1907 بذلتها الدول الأوربية كلها ما خلا الدولة الألمانية . . . كان مضمون ذلك التقرير هو الرؤية السياسية الإستراتيجية للغرب ضد الوطن العربي والمجتمع العربي،أولاً،واِتفاقية سايكس ـ بيكو 1916 بين بريطانيا وفرنسا في أعقاب اِنتصارهما السياسي في الحرب العالمية الأولى التي تركز فعلها الأساس على تجزئة المشرق العربي، وثانياً،وإصدار وعد بلفور المشؤوم الذي أصدرته بريطانيا في عام 1917 من أجل فصل المشرق العربي عن مغربه،من جهة،وتوفير الحماية الإستراتيجية للقواعد البريطانية على قناة السويس التي كانت الشريان الحيوي للنقل بين البحرين:الأبيض المتوسط والأحمر،والتي تكلل معها قيام كيان الاِغتصاب الصهيوني بالاِستيلاء على فلسطين العربية في العام 1948 ، من جهة أخرى . . .

لقد كان الفعل الإمبريالي الصهيوني وسيطرتهم التامة على التكوينات الأساسية للحكام العرب الذين تولوا شؤون الأمة جراء مخططات القادة السياسيين الغربيين الإستراتيجيين من حيث الوعي والرؤية لما ينبغي أنْ تكون عليه الأوضاع السياسية العربية. . .لقد كان ذلك الفعل السياسي عبارة عن حلقات متتالية،ومترابطة ومتوالية،ويرتكز كلها على رؤية سياسية غربية إستراتيجية أفرزت التجزئة السياسية للوطن العربي،وباتت السياسة القطرية على حساب الرؤية القومية هي المبرر لأولئك الحكام وقلـّصت، بالتالي،المديات التاريخية للكفاح القومي العربي .

لاشك أن قضيتنا العربية الأحوازية راحت ضحية هذه الهجمة الاِستعمارية الغربية، فقد تم الاِتفاق بين الرؤية السياسية البريطانية من خلال ممثليها السياسيين والدبلوماسيين في السفارات البريطانية في داخل الوطن العربي،من ناحية،ورضا شاه بهلوي الحاكم لإيران،من ناحية ثانية،من أجل غزو الأرض العربية الأحوازية واِعتقال ـ ومن ثم اِغتيال ـ الرمز المعنوي والتاريخي لشعبنا : الشيخ خزعل الكعبي، ولا نذيع سراً عندما نقول إن بعض الأسر الحاكمة في بلدان محددة نصبها الاِستعمار البريطاني على وجه الخصوص،قد لعبت دوراً ملموساً في إطار تلك المؤامرة التي أدت إلى تنفيذ الجهد البريطاني الإيراني المشترك . لذلك رأينا النهوض القومي العربي في الأحواز قد تواصل منذ اِستيلاء إيران على الأحواز طوال العقود السياسية التالية لذلك الاِحتلال الذي كان تاريخه 1925 حتى تبلورت رؤيته السياسة وكانت ذروة ممارساته الكفاحية في فترة الوحدة العربية التي قادتها الرؤية الناصرية على أرضية سياسية واضحة كان يافطتها العريضة : المناوئة للسياسية للرؤية الغربية وأفعال أتباعها على صعيد الوطن العربي : الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية .

إن التطورات السياسية العربية التي اِتسـّم فعلها بالممارسة الواعية المرتبطة بالمصلحة الإستراتيجية للوطن العربي وشعوب أقطاره. . . إنَّ تلك التطورات كان فعلها السياسي متفجراً في العقد الخمسيني والستيني من عقود القرن المنصرم،قد تلازمت بصورة لا سابقة لها مع القيادة العربية الوحدوية في مصر،ولا نبالغ إذا قلنا أن كل منجزات حركة التحرر العربية قد تجسدت وتفجرت في تلك الفترة على وجه التحديد،إذ تحرر العراق والجزائر واليمن وشهدت تفجر الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في اليمن الجنوبي واِنبثاق الكفاح الوطني الفلسطيني،وصدرت القرارات الاِقتصادية من أجل ضمان عدالة التوزيع في تلك الفترة،أيضاً،التي حاولت إيجاد رؤى العدالة الاِجتماعية وتطبيقها في بعض مناطق الوطن العربي،والتي جعلته أساساً نظرياً على مستوى الوضع الاِجتماعي العربي . . . الخ .

كان هذا التطور السياسي والذي بلورته حركة التحرر العربية هو الحافز الأساسي للجهد الإمبريالي الصهيوني الرجعي المشترك ضد حركة التحرر العربية وفي طليعتها الثورة العربية في مصر بقيادة الرئيس الفقيد جمال عبد الناصر،وكان التنسيق بين أمريكا وإسرائيل والشاه الإيراني وغيرهم قد تأسس على رؤية برنامجية إسرائيلية كما أوضحته التطورات اللاحقة، فضرب الوحدة في أيلول العام 1961م قد بدأت من خلال ذلك العام بدايات سنوات الرد المعادي على المشروع القومي العربي،وكانت أدوات المخابرات الدولية تنشط وراء قوات الملكية الرجعية،ولعب مجموعها خلف الرؤية الإستراتيجية الغربية : الأمريكية على وجه الأساس والخصوص الأدوار الكبيرة في محاربة التوجهات الوحدوية التي كان ذروتها : عدوان الخامس من حزيران في عام 1967 التي استغل فيها الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية التمزق العربي ومراوحة الوطنيين والتقدميين بين شعارات وحدة الصف ووحدة الهدف،وهذا حديث يطول تحليله على أي تناول ٍ يتطرق للتطورات الموضوعية .

لقد كانت قضية الوحدة والقضية الفلسطينية في أساسيات التطور العربي الوحدوي واقترن نجاح هذين البعدين في عملية التكتل ذاتها والتنسيق على كل الصعد،ولعل فاعلية مؤتمرات القمة كانت في صميمها ،مثلما كانت التغييرات الإيجابية في العراق والجزائر واليمن وغيرها هي المعالم الأساسية على الطريق الوحدوي العربي الذي ما يزال الطريق الضروري،وربما الوحيد ، لتجاوز المآزق العربية المعاصرة .

لعل كل واحد مخلص وحريص على المستقبل الوطن العربي ومصلحة شعوب أقطاره يلحظ ببصيرة سياسية واعية مدى ما بلغته الأزمة السياسية للوطن العربي جراء التبعثر السياسي وغياب التنسيق الفعلي والتبعية الشاملة لأغلب الأنظمة السياسية لرؤى ((دولية)) مضادة أو مناوئة للوطن العربي،وإذا كانت المعاناة الشاملة لأبناء الوطن العربي،فإنَّ معاناة أبناء شعبنا الأحوازي ستكون مضاعفة بالتأكيد، جرّاء ظلم ذوي القرابة لقضيتنا الأحوازية بذرائع ((التعاطف)) مع مدعي الإسلام ، والشواهد تدلل على دور إيران تجاه الوطن العربي في ساحات العراق والخليج العربي ، وضد شعبنا بالإضافة إلى ما تقدم، حيث الإعدامات متوالية ، والمطاردات متواصلة ، والمعتقلين في اِزدياد، والتوطين بعد طرد شعبنا في الأراضي الأحوازية ، مستمر ولم يتوقف . . . إلخ .

إنَّ المستقبل الاِجتماعي على الصعيد العربي مرهون بالتنسيق والتضامن والتعاون ، ولن يكون هناك طريق غير طريق الوعي الوحدوي لمسار تاريخ أمتنا وشعبنا ، فهي الكلمة الأولى في الفعل القومي العربي لمواجهة المآزق العربية المختلفة والأزمات السياسية المتواصلة ، فليكن فعلنا مقترن بوعينا ، وإخلاصنا راسخ على مداميك صيرورة الأمة العربية من حيز ((الفكرة)) إلى حيز ((الواقع)) ثم ((العمل)) كي تنال مكانتها السياسية المأمولة في التاريخ والحاضر .

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت  /  16  صفر 1429 هـ الموافق  23 / شبـــاط / 2008 م