بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

إيران وإسرائيل والأمَّة العربيَّة

 

 

شبكة المنصور

أحمد سامح أبوعلي / كندا

 

 كثيرًا ما نسمع هذه الأيَّام عن دور إيران البارز في دعمها للقضيَّة الفلسطينيَّة والمقاومة الإسلاميَّة في جنوب لبنان وسورية في مواجهة الكيان الصهيوني المجرم. هذا شئ جميل، لكنَّه في الوقت ذاته محيِّر للعقل العربي، عندما يضاف إلى هذا الدور الإيجابي و "المشكور" موقف إيران الخفي والمعلن من قضيَّة احتلال العراق، ودعمها المفضوح للدور الطائفي والإجرامي للقوى الشيعيَّة السياسيَّة في العراق. ناهيك عن دورها المتناغم مع الاحتلال في التصفيق الحار والدعم غير المسبوق للعملاء في حكومات "فيشي" العراقيَّة، أبتداءًا من مجالس الحكم أبَّان بريمر وانتهاءًا بالعميل المالكي تحت معزوفة "العمليَّة السياسيَّة" و "المصالحة الوطنيَّة". وليس خافيًا ما يدور في العراق من قتالٍ طائفيٍّ قذر بإشراف المخابرات الإبرانيَّة وحرس ما يسمَّى "الثورة الأيرانيَّة" بأيد عراقيَّة "خالصة" على شاكلة فيلق بدر و عصابات "جيش المهدي"!

بداية، يجب علينا أن نعرِّف ما هي إيران أو ما يسمَّى بـ "الجمهورية الإسلاميَّة"، وعلى أيَّة قاعدة أيديولوجيَّة ـ سياسيَّة يقوم عليه نظامها. قبل أن نفسِّر هذا الود مع أمريكا في العراق والعداء معها وإسرائيل في سورية الغربيَّة (فلسطين ـ لبنان ـ سورية). فمنذ ظهور الخميني وثورته، أو بالأحرى تجديده للفكر الشيعي الصفوي من خلال كتابه "الجمهوريَّة الإسلاميَّة" الذي لخَّص فيه الكثير من أفكاره المتشدِّدة في عدَّة أمور أهمُّها:

1- عداؤه المستشري للفكرة القوميَّة، وللفكر القومي العربي تخصيصًا، ليسهِّل بذلك تذويب كينونة الجماهير العربية وابتلاعها تحت مسوِّغات إسلاميَّة شموليَّة فضفاضة يختلط فيها الحابل بالنابل، ويسود فيها أخيرًا مسوِّغة "الأمَّة الإسلاميَّة" التي يجب أن تحكم من أيِّ إنسان مسلم. بالطبع، هو أو من يخلفه بصفته "الإمام والولي الفقيه على هذه الأمَّة".

2- تكفير كلِّ نظام غير إسلامي يحكم شعوب "الأمَّة الإسلاميَّة". طبعًا هذا النظام الإسلامي، حسب المذهب الجعفري ـ الصفوي الذي أتى به الخميني، بصفته "إمام" الأمَّة.

3- كأيِّ عالِم شيعي، فإنَّه يعتبر "طائفته" هي الوحيدة الناجية في "سفينة النجاة" في حين أنَّ الآخرين، أي أبناء السنَّة، هم في حكم الهالكين. وبصيغة غير مباشرة أو مكتوبة أو مُشار إليها، فإن هؤلاء (90% من العرب هم من أهل السنَّة) هم في حكم الفسوق والعصيان في أحسن الحالات، وحكمهم حكم من أتبعوا من "المنافقين والخارجين عن الطاعة"، أمثال عمر الخطَّاب وأبو بكر وعائشة زوجة الرسول، ناهيك عن العشرات إذا لم يكن المئات من الصحابة الذين فسَّقهم الشيعة، وعلى رأسهم، ناقل جلِّ أحاديث أهل السنَّة، أبو هريرة. أي بعبارة أخرى، العرب هم من أعداء الشيعة ونواصبهم. فإمَّا أن يُقاتلوا أو يشيَّعوا. وفي الحالتين يجب أن يخضعوا للسيِّد "الولي الفقيه".

4- بناء على النقطة الثالثة، فمن أهم الأمور السياسية ـ الدينيَّة في فكر الخميني، هو البدء في االتحضير لعودة "ظهور المهدي" الذي سيتربَّع على عرش الأمَّة و "يبسط الدنيا عدلا."طبعًا بعد أن يبيد أعداء الإسلام والذين "يناصبون" آل البيت العداء من فاسقين ومنافقين..الخ. (من المعزوفة العدائيَّة غير المباشرة ضدَّ للعرب)، ويحرِّر العتبات المقدَّسة و مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة من "الاحتلال"!

5- خصص جزءًا اساسًا ومهمًّا من مهمَّات الشيعة، ألا وهي الدعوة للتشيُّع في أوساط المسلمين. وشدَّد الخميني على هذا الموضوع لما فيه من أهمية في بناء فكره وثورته الصفوية ـ الجديدة وتصديرها تحت جلباب الدين.
فمنذ أن أتى الخميني إلى سدَّة الحكم، تمَّ فرض النموذج الجعفري على السّنة الإيرانيَّين، الذين يشكِّلون حوالي 30% من السكَّان، وفرض منع كامل على مزاولتهم شعائر دينهم. ومع أنَّ أكثر من 700,000 سكَّان إيران هم من أهل السنَّة، فإنَّه لا يوجد لهم مسجد واحد يقيمون فيه صلواتهم أو أمام يؤمُّ فيهم. ناهيك على مصادرة دولة الخميني أملاك الوقف السنُّي في عموم أرجاء إيران. واليوم ما يزال النظام نفسه الذي أسَّسه الخميني قائمًّا وبالحدَّة نفسها والكره الشديدين للعرب وأهل السنَّة. فليس غريبًا أن يكون في الريف الفارسي الشيعي مزارات رمزيَّة لرجم الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.

لذا، فالعلاقة الجدليَّة والمعقَّدة المفهومة لموقف حكَّام إيران من النظام العراقي العربي ـ السنِّي (كان نظام البعث علمانيًّا بكلِّ ما تعنيه الكلمة)، جاءت على هذه القاعدة السياسيَّة والأيديولوجيَّة/الدينيَّة لهذا النظام الشمولي المخيف الذي يتربَّص بالأمَّة العربيَّة وبتاريخها وثقافتها وعقائدها العريقة.

إنَّ النظام الإيراني، على الرغم من ظهوره عدائيًّا تجاه الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وإسرائيل، فإنَّ عداءه للقوميَّة العربيَّة وعقيدة المسلمين العرب، كانت وما تزال أكبر بكثير، بل كانت المحرِّك الرئيس لتواطؤ هذا النظام الشيعي بامتياز في احتلال الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وحلفائها لافغانستان والعراق، وذلك عبر:

1- تحريك كلٍّ من حزب الدعوة والمجلس الإسلامي وغيرهما من الأحزاب المدعومة والمسيطر عليها من إيران في التعاون والعمالة لحتلال قبل العدوان وخلاله وبعده من خلال الإيعاز للعراقيِّين بعدم مقاومة القوى الغربيَّة التي دخلت العراق واحتلَّته.

2- الإيعاز لما يسمَّى بالمرجعيَّات الدينيَّة الشيعيَّة بعدم الإفتاء بأيِّ جهاد ضدَّ القوَّات الغازية للعراق، بل الإفتاء بوجوب "التكليف الشرعي" للتصويت على الدستور الطائفي- التفتيتي الذي أتى به بريمر. وكذلك الإفتاء "بوجوب وتكليف" التصويت للتحالف (الشيعي) العراقي الذي رأسه و ما يزال رجل إيران الأول (حامل الجنسيَّة الإيرانيَّة) عبد العزيز الحكيم. ذلك الرجل الذي لا يوفِّر طاقة أو دقيقة إلاَّ ويطالب بتفتيت العراق لدويلات (شيعيَّة وسنيَّة عربيَّة وكرديَّة). ولا يخفى عن أحد أنَّه في اليوم الثاني من وصوله بغداد الرشيد، رفع هذا الحكيم صوته وطاالب العراق المدمَّر بدفع مبلغ 100 مليار دولار تعويضًا لإيران عن الحرب التي خاضتها مع العراق.

3- الدعم اللامسبوق إعلاميًّا وسياسيًّا ولوجستيًّا لحكومة "فيشي" العميلة في بغداد (مجالس الحكم وحكومات علاوي والجعفري والمالكي) وتسويق هؤلاء العملاء وكأنَّهم مجاهدون وطنيُّون مخلصون لوطنهم وشعبهم! ناهيك عن وصفهم المقاومة الشريفة الشجاعة بـ "الإرهاب"، والمناضلين بـ "التكفيريِّين البعثيِّين والمجرمين"، خالطين الأوراق بجدارة ما بين هؤلاء والقوى المناضلة ضد الاحتلال البغيض.

4- تسويق الإهانة المتعمَّدة للعرب وثقافتهم باستعمال كلمات ومفاهيم تاريخيَّة مقلوبة ومغلوطة، حسب تفسيرهم وثقافتهم الفارسيَّة المتعصبَّة. فمثلاً تأبى قناة "العالم" الناطقة بالعربيَّة من طهران إلاَّ أن ترمز إلى الخليج العربي بالفارسي، أسوة بالصهاينة والأمريكيِّين. ومع أنَّ معظم القنوات العربيَّة تحجم من استعمال كلمة "الخليح العربي" وعوضًا عن ذلك تستعمل كلمة "الخليج" فقط، احترامًا لحسن جوار هؤلاء المتعصِّبين الفرس.

5- وجود العشرات من الآلاف من أعضاء المخابرات وحرس الثورة الإيراني في عموم أنحاء العراق في مجال التدخُّل والسيطرة على مجريات الحرب الطائفيَّة والتطهير العرقي ـ الطائفي في جنوب العراق ووسطه من العرب السنَّة إعادًا لوجود أكثريَّة ساحقة من الشيعة في هذه المناطق تمهيدًا لإعلان دولة شيعيَّة مرتبطة بإيران في كلِّ المجالات.

6- التصريحات الرسميَّة الإيرانيَّة عن استعدادها لملء الفراغ السياسي والأمني في العراق في حالة انسحاب الولايات المتَّحدة وحلفائها، مؤشِّرة بذلك بوضوح لا يقبل التأويل مدى شهيَّة إيران التوسعيَّة غربًا.

كلُّ المؤشِّرات والتقارير والشواهد بالصوت والصورة تشير إلى تدخُّل وتورط إيراني في العراق منذ البداية، أي التواطؤ غير المباشر مع احتلال العراق والمساهمة في تدمير الدولة العربيَّة العراقيَّة الواحدة من خلال الدعم والدفع في "العملية السياسيَّة" الأمريكيَّة لمنع عودة العراق كما كان قويًّا عربيًّا موحَّدًا.

إنَّ الاستراتيجيَّة الإيرانيَّة في المنطقة العربيَّة تقوم على نقطتين مهمَّتين، الأولى أهمُّ من الثانية، والثانية عبارة عن غطاء محبِّب للوصول للأولى، وفي الوقت نفسه لا تتعارض مع العقيدة الشيعيَّة الصفويَّة وهما:

1- تحطيم وتدمير الهويَّة العربيَّة في الوطن العربي، وتغيير المفاهيم الثقافيَّة والحضاريَّة والتاريخيَّة للأمَّة العربيَّة. كلُّ ذلك توطئة للتشييع الذي يخدم مصلحة "الدولة الإسلاميَّة" حسب مفهوم "الإمام" (الخميني) لهذه الدولة العتيدة.

2- مقارعة العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان وعموم البلاد العربيَّة التي تحكمها الأنظمة "السنيَّة العميلة" كالسعودية والكويت ومصر وإظهار "الشيعة" بأنَّهم هم المخلّصون للأمَّة. وما حزب الله ومقاومته وانتصاراته على إسرائيل ليس إلاَّ مثالاً بارزًا على هذه الاستراتيجيَّة.

إلاَّ أنَّ المخطِّطين الفرس الصفويِّين وعملاءهم من عرب شيعة أخطأوا التقدير بمدى فهم الإنسان العربي لجدليَّة الترابط ما بين لبنان وفلسطين والعراق. فقد أعتقدوا أنَّ الإنسان العربي سوف يغضُّ الطرف أو غير مستعدٍّ للغوص في قضيَّة الفوضى العارمة في العراق ـ مَن يقتل مَن...الخ من تلك القضايا المحيِّرة. غير أنَّهم نسوا بكلٍّ غباء أنَّ عملاء أمريكا من السنَّة العرب سيربطون تلك الملفَّات بإيران ونظرتها التوسُّعيَّة التخريبيَّة للأمَّة العربيَّة، الأمر الذي نتج عنه تعاطف مع العرب المقاومين في العراق (السنَّة العرب)، ومع العرب المقاومين في لبنان (الشيعة العرب) وفلسطين، ونسيان أيِّ دور إيجابي (مخطَّط له أن يكون) لإيران، بل على العكس، فقد أفضت هذه ىلاستراتيجيَّات إلى:

1- إحراج حزب الله في لبنان وطنيًّا وعربيًّا بسبب سكوته المطبق عمَّا يحصل في العراق على الرغم من أنَّ عملاء أمريكا في العراق هم أيضًا حلفاء إيران كالمالكي والسيستاني والحكيم. وبالتالي إفراغ، ولو جزئيًّا، حالة الانتصار المذهل الذي حقَّقه حزب الله لكلِّ العرب في حرب تموُّز 2006 أمام العرب جميعًا.

2- إعطاء زمر العملاء المتحكِّمين في القرار الرسمي العربي فزَّاعة مهمَّة يستخدمونها ليبرِّروا مواقفهم العميلة الرذيلة. وما كلام مبارك عن ولاء الشيعة العرب لإيران إلاَّ حقيقة مستقاة من الوضع اللعراقي، وليس ضربًا من الخيال.

3- إيجاد حالة من الاحتقان والكره الشديدين نحو الشيعة بشكل عام، وأيران بشكل خاص من جرَّاء التوجُّهات الإيرانيَّة في العراق خاصَّة، والخليج العربي عامَّة - (التعنُّت في احتلال جزر الإمارات الثلاث. الكلام لمسؤوليين إيرانيِّين كبار من أنَّ البحرين منطقة فارسيَّة، إضافة إلى القمع الممنهج للعرب في خوزستان/عربستان).

4- إيجاد وتطوير وبعث من جديد، (من غير قصد طبعًا) القوى الظلاميَّة والإقصائيَّة التكفيريَّة على امتداد الوطن العربي بسبب هذه السياسات الخرقاء للفرس الإيرانيِّين في العراق ومناطق الخليج العربي. فدعمهم لعصابات الحوثيِّين في اليمن كشفت الكثير، ودفع الملايين للبعثات التشيعيَّة في مصر وسورية ولبنان كانت وما تزال بمثابة الركيزة الأساس لهذه القوى "للجهاد" ضدَّ الشيعة أينما كانوا حتَّى لو كان اسمهم "حزب الله".

ربَّما لم يجادل أحد في مدى حبِّ إيران للأقصى. وفي الوقت نفسه، فهذا الحبُّ لفلسطين والأقصى تسيطر عليه عقليَّة إقصائيَّة تكفيريَّة واستبداديَّة نحو أهل الأقصى، ومَن يسكن حوله من مصر والشام وجزيرة العرب. فالقتل والتهجير والتفتيت في العراق لا يستقيم مع نيَّة شريفة لمقاتلة مَن يحتلُّ الأقصى والعراق. المحتل واحد. فلماذا أذًا يا إيران تحلِّلين النوم في فراش واحد مع الصهاينة في العراق، وتحاربينهم في فلسطين؟ سؤال برسم الإجابة من "الفقيه" وليِّ الأمر.

أوتاوا: 5 تشرين أوَّل/ أكتوبر 2007
ahmadabouali@hotmail.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس /  29 رمضان 1428 هـ  الموافق  11 / تشــريــن الاول / 2007 م