بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ماهر الطاهر لا يباع ويشتري بسيارة

 

 

شبكة المنصور

سامي الأخرس

 

أحياناً يقرأ الإنسان عناوين إخبارية أو مقالات صحفية يتوقف أمامها قليلاً ، فإما أن يتجاوزها ويتجاوز ما تحمله من تحليل وأخبار ، وأحياناً أخرى يعقد العزم على الرد ، وعندما يعقد العزم للرد والدخول في سجال الحوار الراقي والمهذب ، لتصحيح بعض المفاهيم والخروج بصيغة تقنع الآخر بوجهة النظر للطرف الآخر، خاصة في ظل انحراف الإعلام والصحافة الفلسطينية خاصة والعربية عامة عن مسار الموضوعية الصحفية ، والغرق في فبركة الخبر وطبخه وفق ما يريد الأخر تذوقه ، وهو من ضمن حالة الاحتراب التي نعيش تحت صهيل خيولها ، وأزيز رصاصها ، وهدير صواريخها ، في أرض المعركة وما أكثر ضحاياها ، وجلهم من أبناء شعبنا الفلسطيني البسطاء ، أما قادة المعركة وأباطرتها كلا يتحصن ببرجه العاجي ، وتحت عيون حراسه التي تؤمن له كل سبل الراحة والطمأنينية والرفاهية والهدوء ، فلا صوت طفل يبكي يؤرق ضميره ، ولا صرخات جائع تعذب راحته ، ولا آهات أم ثكلي تفتح جراحه ، حتى الحشرات المتطفلة والطيارة لا تستطيع اقتحام نموسيته أو نوافذ منزله المكيف .

فمن يدفع الثمن هم البسطاء ، والمواطن الذي يلهث خلف لقمة العيش التي أصبحت مغمسة بالذل والوحل ، والمحافظة على كرامته وإنسانيته التي تداس تحت أقدام أولياء الأمر وعسكرهم ، في زمن تقاسمنا فيه كل شيء الوطن ، والكرامة ، وتحولنا لزمن الإنكسارات الحزبية والوطنية التي نعيش تحت حرابها وبساطيرها.

وأعود لصلب الموضوع وهو ما جاء في مقال الدكتور محمد عبد العال بعنوان " لماذا غرد ماهر الطاهر خارج السرب؟" ولكي أتمكن من الرد بمنطق ، وبعيداً عن فكر الحزب ، وثقافة التعصب الحزبية التي أصبحت منهجا وقانوناً ، لابد من توضيح أمر هام جداً يبدأ من إنني لا أنتمي لأي حزب فلسطيني واخترت الوطن قبلة وحيدة للانتماء ، وهو الحزب الوحيد الذي أؤمن به ولا إيمان بغيرة سوي بالله جل شأنه.
أما الرد علي ما جاء في المقال فهو من باب التوضيح لبعض الحقائق والأمور الهامة التي غابت عن الدكتور محمد عبد العال في مقاله الخاص بالدكتور ماهر الطاهر .

كثيراً ما أرفض شخصياً بعض التصريحات السياسية للدكتور ماهر ولغيره من قادة الجبهة الشعبية ولكن لدرايتي من خلال التجربة التنظيمية البسيطة لي بالجبهة الشعبية أدرك أن أي تصريح يصدر يكون وفق المتعارف عليه تنظيمياً وحزبياً ترجمة لموقف المكتب السياسي أو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية ولا يخرج عن نطاقها ، بعيداً عن الاجتهادات الشخصية للقادة التي لا مكان لها في ظل الانضباط الداخلي في الجبهة الشعبية ، والتي لا زالت تحتكم إليه في عملها الحزبي والسياسي ، وأي خروج عن هذا الانضباط يعرض صاحبه لأقسى العقوبات الحزبية والتي تصل في بعض الأحيان للفصل أو الطرد ، وهو ما حدث مع الشهيد وديع حداد الرجل الثاني بالجبهة الشعبية عندما لم يلتزم بقرار الجبهة الشعبية ورغم ذلك فصل من الحزب رغم موقعه ودوره الكفاحي والقيادي والثوري . وهو ما ولد مقولة " إما الانضباط وإما وديع ، فأنتصر الانضباط" وهذا يدحض عملياً ما جاء بمقال الدكتور محمد عبد العال بأن الدكتور ماهر الطاهر يغرد خارج السرب ، بل ويؤكد أن الطاهر يعبر عم موقف الجبهة الشعبية وهو الموقف الذي ليس محل نقاش في هذا المقال من ناحية صوابيته أو خطأه ، حيث لا يتسع المجال لذلك وليس هو محور مقالي هذا .

وكما جاء في مقال الدكتور محمد عبد العال أن الطاهر إرتمي بأحضان حماس وغيرها بعدما تلقي رشوة عبارة عن سيارة بيجو من نوع 407 ، وهنا قمة الاستخفاف بالعقول ، وأمر لا يمكن بأي حال أخذة بمحمل الجدية والمصداقية ، أو هضمه بسهولة وذلك للعديد من الأسباب الموضوعية والمنطقية ، حيث لا يتصور عاقل أن ماهر الطاهر الذي يمثل المكتب السياسي للجبهة الشعبية وهو اعلي المراكز القيادية وقمة الهرم ، في تنظيم تاريخي بحجم الجبهة الشعبية سيبيع نفسه وتاريخه وموقعه بسيارة مهما بلغ ثمنها ، وهذه أكذوبة لا تنطلي علي طفل رضيع لا يتجاوز العام من عمره ، ولو سلمنا جدلا وتجاوزنا عقولنا لنصدق تلك الأكذوبة فكان بالأحري بماهر الطاهر العمل بالمثل الشعبي " إن سرقت أسرق جمل ، وإن عشقت إعشق قمر " فلا يمكن سرقة بصلة ليبيع فيها تاريخه وتاريخ حزبه ، ولا يمكن لقادة أمثال نائب الأمين العام عبد الرحيم ملوح ، والأمين العام أحمد سعدات ، والمناضل أبو أحمد فؤاد أن يسمحوا لماهر الطاهر ببيع الجبهة ومواقفها بسيارة ، فلم تصل الأمور بالجبهة الشعبية وقيادتها لهذا المصاف من البلاهة . لبيع حزب ، وتاريخ ، وشهداء بسيارة .

أنا هنا لست بالمدافع عن ماهر الطاهر أو الجبهة الشعبية فهم لديهم القدرة على الدفاع وبقوة عن مواقفهم وقراراتهم الحزبية والسياسية ، ولكن هذا يأتي في معرض توضيح بعض الحقائق التي أعرفها من خلال تجربتي البسيطة في الجبهة الشعبية .

فقبل إمساك القلم والبدء بكتابة أي مقال علينا البحث عن أساليب حوارية مقنعة للقارئ ، والتمحيص جيداً والبحث في الحقائق قبل الإدلاء بمواقف ربما تساعد على بث الدعاية المسيئة والمشينة لبعض الأطراف ، وزيادة الفرقة والتشرذم ، وليس كل ما يقرأ هذه الأيام في وسائلنا الإعلامية يصدق ، فمعظم الأخبار ما هي سوي فبركات إعلامية تأتي ضمن حملات متبادلة في معركة كلنا مهزومون فيها.

فالجبهة الشعبية أعلنت موقفها الرسمي والواضح منذ زمن من خلال وجودها في منظمة التحرير الفلسطينية ، والمجلس الوطني ، والمجلس التشريعي ، حيث قالت لا لأوسلو ، ولا للتنازل عن حقوقنا وثوابتنا الوطنية ، ووقفت بحزم ضد الإنقلاب الذي قادته حماس في قطاع غزة كما وقفت ضد مراسيم الرئيس أبو مازن التي صدرت في أعقاب الانقلاب ، ولا زالت تتصدي للممارسات في غزة والضفة ، وهذا من حرصها النابعة من مصلحة الوطن العليا ، وليس لمحاباة طرف على الآخر .

ولو فعلاً أرادت الجبهة الانحياز وبيع مواقفها فهي كانت ستبيع للرئيس ابو مازن كونه يمثل منظمة التحرير ، والسلطة والمصلحة تقتضي وقوف الجبهة مع الرئيس ومنظمة التحرير .
فإن كنا نحن الصغار في الوطن نرفض الرشوة ونتمسك بكلمة الوطن ومعناه ونتثبت بمبادئنا ، فهل يعقل أن يبيع القادة مواقفهم برشوي مهينة مذلة؟

نتوافق ، نختلف ، نتحاور ، ولكن هناك منطق لا بد من الاحتكام إليه بعقلانية قبل إصدار الأحكام ، فهي المرحلة وشرذماتها وتخبطها ، وأمواجها التي تعرضنا جميعاً للغرق في عرض البحر بلا أي قوارب إنقاذ تنشلنا من غفواتنا وسقطاتنا ، ستؤدي بنا إلي قاع البحر لتفترسنا اسماك القرش المتربصة بفلسطين .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  28 رمضان 1428 هـ  الموافق  10 / تشــريــن الاول / 2007 م