بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

علي شرف الذكري الأربعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

 

 

شبكة المنصور

سامي الأخرس

 

صورة وحيدة ، وخبر وحيد هما اللذان توقفت لحظة أمامهما ، وتساءلت لماذا لا أكتب عن ذكري انطلاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟

ولكن بدأت من حيث انتهيت في مقال الذكري قبل السابقة ماذا تركت الجبهة الشعبية من إرث لتحتفل به ؟ وأكتب عنه ؟

سؤال بديهي قفز لذهني بلا أي تحضير وخاصة إنني تذكرت يوم الذكري بطريقة استذكار من أحد الأخوة ، فلم تسقط سوي من هموم الدنيا ومشاغلها ، وليس سقوط متعمد . هذا السؤال سيطلق الأحكام ويقودني للنبش في جثة التاريخ لكي اسرد تاريخ الجبهة ومسيرتها وحياتها ، والغوص في كل شمعة من الشموع التي أوقدتها من عمرها ، لكي امسك ببداية الكتابة بما يليق بهذه الجبهة وتاريخها ومسيرتها .

ولكنني قررت لا أفعل ولا أغوص بعمر الجبهة الشعبية أو تاريخها لأن هناك صورة وخبر لا زالا منذ عدة أيام أنتظر لأكتب عنهما .

الجبهة الشعبية ومنذ انطلاقتها في الحادي عشر من ديسمبر لعام 1967م وظهورها كقوة فلسطينية كفاحية استطاعت أن تحول مسار القضية الفلسطينية ، وتدخلها في سلم أولويات المجتمع الدولي عامة ، وتضفي زخماً كفاحيا وسياسيا نوعيا علي الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج عبر عملياتها الجريئة والنوعية والمميزة ، وصلابة مقاتليها الذين نالوا الاحترام من العدو قبل الصديق ، وخير دليل لا زالت خطة الجنرال الصهيوني شارون ماثلة والتي أطلقها في السبعينيات من القرن الماضي بشق الطرق وتوسيعها وسط المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة لكي يتمكن من ملاحقة الفدائي الجبهاوي خاصة والفلسطيني عامة ، ولا زال مخيم الشاطئ شاهدا وهو الحاضنة للشهيد محمد الأسود (جيفارا غزة) ، وكذلك المعسكرات الوسطي ، ومخيم جباليا وبيت حانون ورفح وكل بقعة في غزة هاشم .

وكذلك سيطرة نسور الجبهة الشعبية علي السماء أيضا من خلال مبدأ (ملاحقة العدو في كل مكان ) وسياسة خطف الطائرات التي أنتهجها الشهيد وديع حداد ، والمناضلة ليلي خالد ...الخ من نسور الجبهة .
شموع أضاءت الطريق لأجل فلسطين أولا وأخيرا فنالت الشهادة ونالت طهارة التاريخ ، ومسيرة طويلة من العطاء والتضحية عمدت بالآلاف الشهداء ، وآلاف الأسري والمعتقلون ، وآلاف الجرحى ، وبحر من التضحيات لا زالت تنزف من خاصرة الوطن لترسم بإيمانها اسم فلسطين .

كل هذا الإرث شاهد لمسيرة كفاح شعب وحزب ، وثورة لم يستطع أحد من شطبها أو الالتفاف عليها ، أو تحييدها عن هدفها ، رغم كل الانتكاسات التي تحدث هنا وهناك ، لأنه ميراث يتجلي بصورة هذا الشاب الذي إزتان في يوم زفافه ، وانتفض من حلمه ليحمل همومه وآلام شعبه ، ويتزنر بإيمانه المطلق بأن هذه الأرض لا تنضب عن الإنجاب ، وأن هذا الشعب لا يركع ، ولا يستسلم للألم ، ولا يخون قادته وثواره ، فحمل عزيمته سلاحاً ومضي يشق سكون الليل ليطلق غضبه ، ويصرخ بفلسطينيته (الرأس بالرأس ).

سألقي خلف صفحات التاريخ كل الموروث الكفاحي وانتصب بخشوع أما هذا الفارس ، أحد نسور فلسطين " حمدي قرعان" الذي أبي إلا أن يقول كلمته ، باسم وطنه ، وأهله ، وشعبه ، وينتقم لكل قطرة نزفت على أرض فلسطين ، لم يثأر لقائد لوحده ، بل ثأر لكل قطرة نزفت من شهيد ، وجريح ، وكل آه خرجت من أسير ومكلوم .

في الوقت الذي تتهيأ به الجبهة الشعبية للاحتفال بذكراها الأربعين كانت المحكمة الصهيونية تريد النيل من هذا النسر وتقر حكمها عليه بالمؤبد ومائة عام ، ومر الخبر كأي خبر ، ولم يهتز النسر بل زاد إيمانه بنفسه وثقته بوطنه لأنه تمرد من قمقم القهر ليقول ( فلسطين) .

الفدائي النسر حمدي قرعان الذي قاد أجرأ عملية فدائية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية حتى كتابة هذه السطور ، عملية تمكن من خلالها اقتحام معقل العدو ونال من أكثر وزرائه تطرفا "زئيفي" ، لم ينال منه جسدا وشخصا بل نال منه فكراً ، وأعدم زئيفي وفكر الترانسفير أيضا .

سأقفز عن فصول التاريخ ولن أحتفل مع صفحاتها المشرقة في مسيرة هذا الحزب وهذا الشعب ، لأن الاحتفال مؤجل ليوم النصر الأكبر ، يوم أن تعود فلسطين من رحلة الاغتصاب ، ويوم أن نستقبلها من لجوئها ، ويوم أن يلتئم الهم الفلسطيني ويتوحد من شرذمته ، ولكنني لن أقفز عن هذا النسر المحلق بضمير كل فلسطيني ، وسأحتفل معه وهو خلف القضبان ، في مهرجان تحتضنه شمس الشتاء الدافئة .

فلن أجد في هذه المناسبة اشرف منك (حمدي قرعان) لكي يكون رمزية الاحتفال بالذكري الأربعين ، ولن يكون ميراث يضاهي قيمتك لتورثه الجبهة الشعبية لنا في ذكراها الأربعين .

فعذرا للتاريخ ، عليك أن تدون أن هناك نسرا خلف القضبان اسمه حمدي قرعان .

وللجبهة الشعبية خالص التهاني بذكراها الأربعين ، من المؤسس الدكتور جورج حبش لأصغر رفيق ...

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت/28  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق 08 / كانون الأول / 2007 م