بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

خير الدين حسيب .. ومساعي الالتفاف على ثوابت المقاومة الوطنية العراقية

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

 

نشرت صحيفة "العرب اليوم" الأردنيَّة على حلقتين نص المقابلة التي أجرتها قناة "المستقلِّة/الديمقراطيّة " مع السيِّد خيرالدين حسيب، مديرعام مركز دراسات الوحدة العربيَّة. إجراء المقابلة ونشر نصِّها يشكِّلان جزءً من الحملة الإعلاميَّة التي يقودها السِّيد حسيب لتسويق مبادرته الخطرة، والترويج للتجمُّع السياسي الذي شكَّله في حزيران/يونيه من العام الماضي، واعلانًا ممهِّدًا للمؤتمرالمزمع عقده قريبًا لتأسيس ما يطلق عليها السيِّد حسيب "جبهة وطنيَّة لكلِّ القوى المناهضة للاحتلال والمؤمنة بالديمقراطيَّة". لم يطرح السيِّد حسيب في هذه الفسحة الإعلاميَّة أفكارًا جديدة، بل جدَّد عرض أفكار وصيغ عبَّرت عن نهج منحرف قاد مسيرته السيِّد حسيب منذ أكثرمن عامين ، وتبلورت ملامحه وأبعاده ونتائجه في ملفَّات "مؤتمر بيروت 2005"، وفي بنود مبادرته الالتفافيَّة المتناقضة مع ثوابت المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، والمفرِّطة في مصالح شعبنا.

في مضمون ما طرحه السيِّد حسيب في هذة المقابلة قدر كبير من المغالطات والانحراف المتمثِّل في تجزئة المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة إلى مقاومتين: "مقاومة مسلَّحة " و "مقاومة سياسيَّة"، أو ما أطلق عليها في إحدى تجلِّياته التنظيريَّة الأخيرة "المقاومة المدنيَّة المؤمنة بالديمقراطيَّة". هذا النهج الانقسامي شكَّل وما يزال خطورة بالغة على مسار قضيَّتنا الوطنيَّة، وعلى وحدة المقاومة وديمومتها، ولعب دورًا كبيرًا في إعاقة تكوين المرجعيَّة الوطنية الشاملة والمعبِّرة عن موقف شعب العراق ومقاومته الوطنيَّة، وساهم في خلق مناخ مشجِّع لبروز أصوات عبَّرت عن إصرار مريب على مصادرة حقوق المقاومين، وسعي محموم لمنح مجموعات هامشيَّة لا دور لها في الصراع الأساس مواقع تتقدَّم على مواقع المجاهدين الذين ألحقوا بالقوَّة الكونيَّة الأعظم الهزيمة والخذلان. طروحات ومساعٍ لن يلغي خطورتها ونتائجها الانقساميَّة تغليفها بشعارات توحيد القوى المناهضة للاحتلال، ودعم المقاومة وإسنادها، ولا علاقة حسيب وتجمُّعه السياسي في أحزاب وهيئات سياسيَّة مؤثِّرة.

ولكي نزيل احتمالات سوء التفسير، ونحجب عن محترفي ليِّ عنق الحقيقية فرصة التمتَّع بممارسة هوايتهم المفضَّلة، نثبت بأنَّنا لا نلغي دورالكلمة المقاومة، ولا نبخس قيمة الجهد السياسي المقاوم حقَّه بأي شكل أو صورة، ولا نقلِّل من أهميَّة جهود مقاومي الكلمة والمناهضين للاحتلال سياسيًّا. فهناك الكثيرمن الذين يحملون بجدارة صفة "مقاومي الكلمة" أو "مقاومين سياسيِّين"، نكنُّ لهم كلَّ الحب، ولجهودهم كلَّ التقدير، وعطائهم بكلِّ تأكيد يندرج ضمن هيكل المقاومة، وهم يختلفون عن اللذين يطلقون على انفسهم " مقاومين سياسيين" ، لكونهم لم يطرحوا يومًا أنفسهم بديلاً أو خطًّا موازيًا للمقاومة الوطنيَّة، بل جزءً من جهود داعمة لها، واداة من أدواتها، وهم في النهاية جزء من المقاومة.

ما الذي طرحه السيِّد حسيب في مقابلة "الديمقراطية"؟

سنتجاوزالعرض الذي قدمه السيِّد حسيب لبعض جوانب تقريري راين كروكر وديفيد بتريوس وتقارير أمريكيَّة أخرى. فالمعروض، ودون أن نبخس جهوده ، لا يتجاوز مقارنة إحصائيَّة بسيطة للآرقام والنسب الواردة في تلك التقارير، ومعلومات مستقاة من تقاريرالصحافة ودراسات المؤسَّسات الأجنبيَّة والعربيَّة. ولم يتضمَّن تحليلاً متميِّزًا عمَّا طرحته المئات من المقالات والدراسات التحليليَّة المنشورة قبل تقديم تلك التقارير وبعدها. وسنتجاوز الربط المرتبك بين استراتيجيَّة الاحتلال الأمريكي ومخطَّطات النظام الإيراني، وتهويل حجم "الفراغ" المترتِّب عن انسحاب أمريكي مفاجئ غير متَّفق عليه مع أطراف عراقيَّة، وكأنَّ العراق جزيرة نائية خالية من السكَّان، سرعان ما تغادرها قوَّات "الشيطان الاكبر" حتَّى تحلُّ محلَّها قوَّات "الفقيه الاكبر".

كما سندع جانبًا المقترب الذي اختاره السيِّد حسيب للتعامل مع "حكومة المالكي"، وتقيميه لها كحكومة فاشلة، وليست حكومة عميلة منصَّبة من سلطة احتلال غير شرعي! وسنتجاوز كذلك تفريقه بين العناصرالتي دخلت مع القوَّات الأجنبيَّة الغازية، وتلك التي التحقت بعمليَّة الاحتلال السياسيَّة، على الرغم من أنَّ الفئة الثانية لا تقلُّ ضررًا وعمالة عن الأولى. فإذا كانت الأولى قد ساهمت في تسهيل مهمَّة القوَّات المحتلَّة، فإنَّ الثانية قد ساهمت بإصرار وتعمد في تكريس الاحتلال من خلال تمرير الدستور المسخ والانتخابات المزَّورة. وسندع جانبًا أيضًا شغف السيِّد حسيب الجديد بالديمقراطيَّة وحشره لها بشكل مصطنع في طروحاته بشكل يعكس رغبة واضحة في تطمين إدارة بوش المهوسة بصناعة نشر الديمقراطيَّة الأمريكيَّة بأيِّ ثمن وكلفة! سنتجاوز كلَّ هذه الجوانب، ونركِّز على المغالطات والطروحات المنحرفة المتعلِّقة بالمقاومة وشرعيَّتها وآليَّات تحرير العراق، مستندين على ما ورد في نص المقابلة المنشور .

إشكاليَّة المقابلة ومغالطاتها، تبداء مع العنوان الذي اختاره السيِّد حسيب للنص المنشور: "رؤية عربيَّة من الداخل"، وهو بلا شكٍّ عنوان تسويقي واستعراضي. فباستخدام عبارة "الداخل"، يحاول السيِّد حسيب إعطاء القارئ انطباعًا بأنَّ طروحاته تعبِّر عن وجهات نظر القوى السياسيَّة الوطنيَّة العاملة داخل العراق، وكذلك عن مواقف فصائل المقاومة ورؤيتها بشكل خاص. وهذه محاولة غير نزيهة، فالسيِّد حسيب لا يعبِّرعن موقف أيٍّ من الحركات السياسيَّة الفاعلة داخل القطر، ولا عن موقف أيِّ فصيل من فصائل المقاومة. لا بل أنَّ مبادرته بكلِّ فقراتها، ومشروعه السياسي بكلِّ جوانبه وآليَّاته تتناقض كليًّا مع ثوابت المقاومة وشروطها وبرامجها المعلنه. وهذه الحقائق من القوَّة بمكان لا تخوِّل السِّيد حسيب المغامرة في تفنيدها. وباستطاعة مَن يختلف مع طرحنا مقايسة فقرات مبادرة السيِّد حسيب وطروحاته الواردة في المقابلة موضوع البحث مع فقرات البرامج السياسيَّة والمواقف المعلنة للمقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، ومنها ما تضمَّنه بيان "المؤتمر التأسيسي للقيادة العليا للجهاد والتحرير" ليقف على صواب طرح هذه المساهمة وعلى خطورة ما طرحه السيِّد حسيب.

الى جانب الأبعاد السياسيَّة المنحرفة والخاطئة التي طرحها السيِّد حسيب في مقابلة المستقلَّة/ الديمقراطيَّة، فإنَّه لم يبخل علينا في إبداء قدر كبير من التعالي والمغالاة في استعرض قدراته الفكريَّة وتميُّزه من الآخرين. وما كنَّا لنعير مثل هذه النرجسيَّة والغرور أيَّة أهميَّة لولا توجيهه ما نعتبره إهانة لشعبنا ومقاومته الأبيَّة.

من المسلَّم به أنَّ الغالبية العظمى من العراقيِّين والعرب مؤمنين بشكل مطلق بحتميَّة هزيمة مشروع الاحتلال، وانتصار شعب العراق ومقاومته الحكيمة والشجاعة. هذا الإيمان أو "التفاؤل" مستمد من إيمانهم بقدرات شعب العراق وتاريخه الحافل بتجارب الانتصار على الغزاة. والأهم، من ثقتهم وإيمانهم بجهود المقاومين وعزمهم وإدراكهم حجم الانتصارات السياسيَّة والعسكريَّة التي حقَّقتها المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة. غير أنَّ أسباب تفاؤل السِّيد حسيب تختلف عن أسباب تفاؤل الآخرين. فتفاؤله يستند على ما تورده التقارير الأمريكيَّة، و "مراكز الابحاث" ليس إلاَّ، ولا يستند على انتصارات المقاومة وقدرات شعب العراق وتاريخه. لماذا يختلف تفاؤل السيِّد حسيب عن تفاؤل الآخرين؟ لكونه، واستنادًا إلى ما طرحه في "المقابلة"، فهو، على عكس الآخرين، ينظر إلى الأمور بشموليَّة! وهو يتفهَّم مشكورًا "مشاعر العراقيِّين وغيرهم الذين يعانون الإحباط واليأس!" ولماذا يعانون من الإحباط واليأس؟ لأنَّهم، وفقًا لما طرحه: "كمن في غابة ينظر إلى الشجرة الكبيرة التي أمامه، ولا يستطيع النظر إلى الغابة ككل." هذا الطرح، لا يتضمَّن قدرًا كبيرًا من الغرور والتعالي السمج فحسب، بل يشكِّل إهانة للعراقيِّين وغيرهم. فالسيِّد حسيب لا يخصُّ بالإحباط واليأس وعدم امتلاك النظرة الشموليَّة التي لايمتلكها سواه، شريحة معيَّنة أو نسبة محدَّدة من العراقيِّين، بل العراقيِّين جميعًا دون اسثناء!. سنستغلُّ سعة صدر السيِّد مدير مركز دراسات الوحدة العربيَّة ونراهن على ديمقراطيَّته، ونوجه له سؤالاً حيَّرنا وحيَّرالكثيرين من أمثالنا "أهل الشجرة الكبيرة" بعد قراءة نص مقابلته.

إذا كان العراقيُّون محبطين ويائسين، ولا يملكون شموليَّة التفكير والتقييم، فهل يتكرَّم علينا "الوحيد الذي يمتلكها" ويخبرنا مَن الذي ألحق الهزيمة إذًا بالإدارة الأمريكيَّة التي يحاول السيِّد حسيب حفظ ماء وجهها، وتوفير شباك الهزيمة "المشرِّفة" لها ؟ هل بإمكانه تفسير كيف يتسنَّى لشعب محبط أن يلحق الهزيمة في أكبر قوَّة عسكريَّة عرفها التاريخ البشري؟ نعم، هنالك بين العراقيِّين مَن بداء يعاني من الإحباط واليأس، وهؤلاء بكلِّ تأكيد أولئك الحالمين بالجلوس إلى مائدة التفاوض مع مستبيحي شعب العراق، وما قد ينجم عن ذلك من مزايا ماليَّة وسياسيَّة. و "أولئك" باتوا يدركون استحالة تحقيق طموحاتهم لا سيَّما بعد التطوُّرات الأخيرة في ساحة المواجهة، وبداية العدِّ التنازلي للوصول إلى وحدة الفصائل المقاومة ووحدة البندقيَّة المقاتلة، وتأسيس المرجعيَّة الوطنيَّة الشاملة وانتهاء موسم التجارة السياسيَّة وكساد سوق المبادرات .

سيل الطروحات الخاطئة والمغالطة لا تتوقَّف عند أسباب تفاؤل السيِّد حسيب، وإلصاقه صفة الإحباط بشعب العراق وتميُّزه هو من غيره من العراقيِّين وتفرُّده بالنظرة الشموليَّة، بل تتجاوز هذا لتشمل الأسباب التي يُعزى إليها فشل المشروع الأمريكي، وكذلك العوامل الكفيلة بدفع الإدارة الأمريكيَّة لسحب قوَّاتها المحتلَّة من العراق. والذي أجبر الإدارة الأمريكية على التفكير في سحب قوَّاتها من العراق، استنادًا إلى ما طرحه السيَّد حسيب، يكمن في "فشل خطَّتها" في العراق، وليس نجاح استراتيجيَّة المقاومة السياسيَّة والعسكريَّة، ولا نتيجة للخسائر البشريَّة والماديَّة الناجمة عن عمليَّات التصدِّي البطولي لرجال المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة ونسائها! والأنكى من ذلك، فإنَّ الانسحاب من العراق، في نظر المفكِّر القومي خير الدين حسيب، يعتمد "في الوقت نفسه، على القوى السياسيَّة المناهضة للاحتلال، والتي تسعى إلى تحرير العراق وإقامة نظام ديمقراطي، وإلى أي حدٍّ هي قادرة على إقامة جبهة أو تحالف بينها في هذا المجال والتنسيق مع المقاومة الوطنية المسلحة". انسحاب القوَّات الأمريكيَّة المحتلَّة اذا كما تنص الفقرة أعلاه، يعتمد أوَّلاً على قدرة القوى السياسيَّة المناهضة للاحتلال، ونجاحها في إقامة تحالف جبهوي بينها، ومن ثمَّ على تنسيقها مع المقاومة الوطنية المسلَّحة! نفهم من هذا ان قوَّات الاحتلال باقية إذا لم تتوَّج جهود السيِّد حسيب وحلفائه بإقامة الجبهة أو تحقيق التحالف بينها بصرف النظرعن فعَّالية الجهد العسكري المتصدِّي للاحتلال واتِّساعه. وإقامة الجبهة التي يسعى السيِّد حسيب لإنشائها، تمثِّل أساس عمليَّة التحرير، والعامل الطارد لقوَّات الاحتلال، وليست بنادق المقاومين وراجماتهم. وإذا ما فشل السيِّد حسيب وتجمعه الذي لا يملك مقاتل واحد في العراق في تشكيل الجبهة السياسيَّة، فإنَّ شعبنا سيعاني من احتلال طويل!

في نص المقابلة أكثرمن إشارة إلى شغف السيِّد حسيب في فكرة "الهزيمة المشرِّفة" أو الإنسحاب "المشرِّف" لقوَّات الاحتلال الأمريكيَّة. فهو يقدِّم لنا انسحاب القوَّات الأمريكيَّة من العراق كأمر محسوم. وعليه، فهو يلغي جميع الخيارات الأخرى المتاحة للإدارة الأمريكيَّة، ومنها خطَّتها المعلنة على البقاء في العراق لأمدٍ طويل. فالانسحاب هو الخيار الوحيد المتاح للإدارة الأمريكية، وليس في وسع إدارة بوش سوى الاعتراف بالهزيمة، وأن تصل إلى "حل الانسحاب من العراق...هزيمة مشرِّفة". الحل والانسحاب والهزيمة المشرِّفة التي يشير إليها السيِّد حسيب تحتاج بكلِّ تأكيد إلى ترتيبات وتفاوض. وعندما يتساءل معدُّ المقابلة: "التفاوض مع من؟" وهل أنَّ التفاوض ممكن مع حكومة المالكي؟ يردُّ السيِّد حسيب بالنفي. فالمالكي: " لا يقدر، ولا يضمن تنفيذ ما يتَّفق عليه مع أمريكا." والجهة القادرة على ضمان الاتِّفاق مع الأمريكان وتنفيذه، وفقًا لما طرحه السيِّد حسيب: "هي القوى الوطنيَّة المقاومة للاحتلال، سواء أكانت مقاومة مسلَّحة أوسياسيَّة"! والخيار متروك للأمريكان، فبإمكانهم التفاوض مع المقاومة السياسيَّة، أي مع "المقاومين السياسيِّين" في بيروت ولندن وعمَّان ودمشق، أو مع حملة البنادق، "المقاومة المسلَّحة". ويبدو أنَّ قناعة السيِّد حسيب في وصول الإدارة الأمريكية من "الجمهوريين" إلى حالة الخيار الواحد: التفاوض والانسحاب المشرِّف هي قناعة قوَّية . فالحلُّ الوحيد المتاح لبوش، ينحصر في خيار التفاوض مع القوى الوطنيَّة السياسيَّة العراقيَّة أو مع المقاومة المسلَّحة. ومقابل ذلك، فإنَّ "الديمقراطيِّين" الذين أقرُّوا قانون تقسيم العراق مؤخَّرًا سيدفعون بهذا الاتِّجاه". وهم وفقًا لما طرحه السيِّد حسيب: "متبنُّوها من حيث المبداء." والواضح من ثقة الرجل في تبنَّي الحزب الديمقراطي خيار الانسحاب بشكل مطلق، بأنَّه على اتِّصال بأطراف في هذا الحزب ، لأنَّ من غير المعقول أن يعتمد مفكِّر "موسوعي" من عيار السيِّد حسيب على تصريحات الديمقراطيِّين من أعضاء الكونغرس الأمريكي التي تقدمها وسائل الاعلام ، فهو يدرك أنَّ إعلان مثل هذه المواقف في هذه المرحلة لا يشكِّل التزامًا على الرئيس الديمقراطي بعد الفوز بالرئاسة. هذا إذا افترضنا فوز الديمقراطيِّين بالبيت الأبيض، مع عدم وجود دلائل قويَّة تعزِّز هذا الاحتمال.

ما الذي يدفع الأمريكان للتعجيل بالانسحاب؟ استنادًا على ما طرحه السيِّد حسيب، الانسحاب الأمريكي من العراق يعتمد على المقاومة، وهو طرح صائب بلا شك. ونراه ينصح المقاومين على تكثيف عمليَّاتهم الميدانية لدفع الإدارة الأمريكيَّة للجلوس إلى مائدة التفاوض. لكن السيِّد حسيب يقدَّم لنا عاملاً ضروريًّا آخر لدفع الأمريكان للانسحاب من العراق والجلوس مع "المقاومين السياسيين". لكن الانسحاب يعتمد أيضًا على قيام "كتلة غرومشي التاريخيَّة"، أو "كتلة حسيب التاريخيَّة" التي بدأت ملامحها بالتبلور في العراق، كما يبشِّر السيِّد حسيب إثر تشكيل "التحالف العراقي للتحريروالبناء" في 20 حزيران/يونيه من العام الماضي! قد يبدو نصُّ الفقرة مقبولاً وخاليًا من الشوائب، لكن تجربتنا مع السيِّد حسيب ومتابعتنا الدقيقة لكلِّ ما يصدر عنه وعن "تجمُّعه" ساعدتنا على التخلُّص من معضلة "الشجرة الكبيرة" وتشخيص مغالطتين متعمَّدتين في هذا النص، (ونشدِّد على كلمة متعدمَّتين.) المغالطة الأولى، تكمن في أنَّ عنوان الحركة السياسيَّة التي يشير إليها السيِّد حسيب وهو مؤسِّسها، كما برهنَّا عليه سابقًا، هو "التجمُّع العراقي للتحرير والبناء" وليس "التحالف العراقي للتحرير والبناء". والفرق شاسع بين الكلمتين. ومفكِّر وسياسيٌّ متميَّز بمستوى السيِّد حسيب لا يمكن أن يرتكب مثل هذه الهفوات "الصغيرة" ولا يفرِّق بين مفهوم "التحالف" و "التجمُّع"! والمغالطة الثانية، تكمن في أنَّ قيام هذا التجمُّع العراقي للتحرير والبناء، تمَّ في بيروت/ لبنان وليس في العراق كما ذكر السيِّد حسيب. نحن ندرك تمامًا مغزى هذا التحريف، فالسيِّد حسيب يعلم أكثرمن غيره بأنَّ أزمة "تجمُّعه" السياسي والتجمعات الاخرى العاملة خارج ساحة المواجهة تكمن في أنَّ الغالبية العظمى من أعضاء تجمعه مقيمين خارج العراق منذ عقود طويلة. فهو تعمُّد إقحام كلمة "العراق" لإيهام القارئ أنَّ مركز التجمَّع داخل العراق، وهذا طرح منافٍ للحقيقة. فالغالبيَّة المطلقة من أعضاء التجمُّع بمن فيهما أمانته العامَّة ومكتبه الأعلامي مقيمون خارج العراق، وفي عواصم الدول المشاركة عسكريًّا في احتلال العراق .

أين يكمن خلاص العراق؟ وكيف يمكن لشعب العراق التخلُّص من تبعات الاحتلال؟ ومَن هم المنقذون أو المنقذ بشكل أدق؟

الحل الوحيد لأزمة شعب العراق والآليَّة الوحيدة للتخلُّص من نير الاحتلال، وفقًا لطروحات السيد حسيب لا تمت لخيارالمقاومة بصلة. بل يكمن في "مبادرته" التي أطلقها قبل عامين! كيف؟ وماهي آليَّة انعتاق شعب العراق؟ يطرح السيِّد حسيب أنَّ على الولايات المتَّحدة تسليم ملف العراق إلى: "مجلس الأمن، وأن يشكِّل مجلس الأمن حكومة عراقيَّة مؤقَّتة انتقاليَّة لمدَّة سنتين، وبصلاحيَّات تشريعيَّة وتنفيذيَّة كافية مع مجلس استشاري، والاستعانة مؤقَّتًا بقوَّات عربيَّة، وقد تكون الأكثر عمليَّة قوَّات سوريَّة أو قوَّات عربيَّة من الدول التي لم تشجِّع ولم تسهِّل احتلال العراق، مثل سورية ولبنان وتونس والجزائر والمغرب... الخ، وخلال الستَّة الأشهر الأولى من المرحلة الانتقاليَّة، يعاد تكوين الجيش العراقي السابق، ومن ثمَّ تنسحب القوَّات العربيَّة بعد إعادة تكوين الجيش العراقي. وخلال الفترة الانتقاليَّة في السنة الثانية، يتمُّ إعداد قانون الانتخاب، ويجري الانتخاب، وبإشراف دولي وجامعة الدول العربيَّة والأمم المتَّحدة ومنظَّمات حقوق الإنسان. وبالتالي، فإنَّ المجلس الذي سيتم انتخابه يضع دستورًا للعراق يعرض على الاستفتاء، ثمَّ ينتخب رئيس للجمهورية، وتبدأ العمليَّة السياسيَّة بتشكيل حكومة جديدة، بدل الحكومة الانتقاليَّة، على ضوء نتائج الانتخابات."

لنتوقف قليلاً ونراجع إنعامٍ الفقرة أعلاه لكونها تمثِّل جوهر مبادرة السيِّد حسيب المنحرفة. فهو بكلِّ بساطة يلغي أوَّلاً احتمال الهزيمة العسكريَّة للقوَّات الأمريكيَّة، ويصادر حقَّ شعب العراق في اختيار مستقبله السياسي وإدارته، ويجيِّر هذا الحق لمؤسَّسة قدَّمت الغطاء القانوني لشنِّ سلسلة من الحروب العدوانيَّة على شعب العراق، وتتحمَّل مسؤوليَّة قتل وتشريد الملايين من أبنائه. فالسيِّد حسيب يقترح نقل ملف العراق من الإدارة الأمريكيَّة إلى مجلس الأمن الذي خصخصته الإدارة الأمريكيَّة منذ انهيارالاتِّحاد السوفياتي، وتحتكر قراراته بشكل مطلق. ويقترح قيام المجلس في اختيار حكومة عراقيَّة مؤقَّتة، أي بمعنى آخر قيام الإدارة الأمريكيَّة والحكومة البريطانيَّة المهزومة من العراق بتقرير مستقبل العراق السياسي بغطاء دولي، واخيتار الحكومة العراقيَّة، ربَّما بالتنسيق مع أخضر إبراهيمي أو غسان سلامة أو تاجر سياسي دولي آخر، مع إعطاء دور مركزي مهم لشخصيَّة عراقيَّة تقوم بمهام التنسيق مع القوى الوطنيَّة العراقيَّة! والحكومة الجديدة ستكون بكلِّ تأكيد حكومة "تكنوقراط"، كما تنصُّ عليه فقرات "مبادرة" السيِّد حسييب. والحكومة "التكنوقراطيَّة" ستتبَّنى الملفَّات التي اعدَّتها "ندوة بيروت" البحثيَّة اتي نظَّمها "مركز دراسات الوحدة الاقتصاديَّة" الذي يديره السيِّد حسيب.

ماذا لو قرَّرت الإدارة الأمريكيَّة تجاوز مبادرة حسيب وعدم الأخذ بنصيحته؟

في هذه الحالة، يهدِّد السيِّد حسيب الإدارة الأمريكية بتوسيع نشاطات المقاومة بشكل يترك لدى المتلقي انطباعًا على قدرة السيِّد حسيب على التأثير في قرارات المقاومة وتحديد استراتيجيَّتها. فالمقاومة ستلجأ في حال عدم قيام الإدارة الأمريكيَّة بالاستماع إلى "نصيحة" السيِّد حسيب، كما أشار إليه في مقابلته إلى عملية تحرير المدن! أيُّ مدن؟ ولا يبخل علينا السيِّد حسيب بالأمثلة: "مدن الموصل وصلاح الدين والأنبار وبغداد وديالى، وربَّما غيرها!" المحزن، أنَّ هذا الطامح إلى حكم العراق وقيادة شعبه لا يفرِّق بين مدن العراق ومحافظاتها. ولا يدرك أنَّ صلاح الدين والانبار وديالى هي محافظات وليست مدنًُا! والأكثر حزنًا، لا بل إهانة لشرائح مهمَّة من شعبنا وتضحيَّاتهم ومقاومتهم، هو الحصر المناطقي لعمليَّة تحرير المدن؟ ونحن لا ندرك لماذ لم تشمل "عمليَّة تحرير المدن" غير التي ذكرها. ولا ندرك لماذا لم يسمِّ السيِّد حسيب مدنًا عراقيَّة كـ "الحلَّة والكوت والسماوة والبصرة والناصريَّة والزبير وأم قصر وخانقين وكركوك؟"

الطروحات المحزنة والغريبة والشاذَّه لا تنتهي هنا. فالسيِّد حسيب فجَّر في وجوهنا "قنبلة نظريَّة" جديدة يصعب على أهل "الشجرة الكبيرة" أمثالنا قبولها بحسن نيَّة. فعمليَّة تحرير المدن، وإن كانت مفيدة لدفع الإدارة الأمريكيَّة لقبول نصائح السيِّد خير الدين حسيب وتبنِّي مبادرته والتفاوض والانسحاب، إلاَّ أنَّها من جانب آخر تثير قلقه. فما يهمَّه ويقلقه: "ليس عمليَّة التحرير من الاحتلال، بل الفترة التي تلي التحرير من الاحتلال وينتقل العراق بعد ذلك إلى حكم ديمقراطي"! غرابة الطرح، بلا شكٍّ تدفع المرء لأن يتساءل: ما هي أسباب قلق السيِّد حسيب من تحرير مدن العراق؟ إنَّه قلق لكونه غير متأكِّد من أنَّ "عملية تحرير المدن والسيطرة التامة للمقاومة ستؤدِّي إلى حكم ديمقراطي في العراق"! والرجل على حقٍّ. فشعب العراق برمَّته "قلق من تحرُّر مدن العراق من هيمنة القوَّات المحتلَّةّ. وقلق من سيطرة المقاومة التامة على تلك المدن. لأنَّ سيطرة المقاومة التامَّة تعني تحرير الوطن، وتحريرالوطن واسترداد السيادة أمر مقلق ومخيف لشعب العراق، أهل "الشجرة الكبيرة"، ما لم تقترن بسيطرة الديمقراطيِّين خرِّيجي مدارس بيروت ولندن وباريس وأسلو وجنيف وستوكهولم الديمقراطيَّة! قلق السيِّد حسيب قلق مشروع. لماذا؟ لأنَّ هؤلاء المتخلِّفين أصحاب الأيدلوجيَّات القوميَّة والوطنيَّة والإسلاميَّة لا يمتلكون إرثًا أو ممارسات ديمقراطيَّة شبيهة بتلك التي يمتلكها البيروتيُّون واللندنيَّون! ساترك لحلفاء السيِّد حسيب والمدافعين عنه وأن كانوا أقلِّيَّة أن يقدِّموا لنا تفسيرًا لهذا الطرح المنحرف. وهل حقًّا يصحُّ لشخصيَّة تدَّعي الوطنيَّة والقوميَّة والفكر الشمولي الثاقب، وتتبجَّح في دعم المقاومة ونصرتها أن تبدي قلقها من سيطرة المقاومة التامَّة لأنَّ المقاومين، وفقًا لنظريَّة السيِّد خير الدين حسيب، لا يفقهون الديمقراطيَّة؟ ما المطلوب؟ هل المطلوب من المقاومة أن تعلِّق مهامها الجهاديَّة وتتوقَّف عن جهود تحرير مدن الوطن وقصباته، وتبعث المقاومين إلى بيروت للإنخراط في دورات تعليم الديمقراطيَّة! أم المطلوب أن يحرِّر المقاومون المدن ويسلِّموا السلطة إلى السيِّد حسيب وجماعته أصحاب "المقاومة المدنيَّة المؤمنة بالديمقراطيَّة"؟

لم ياتي ارتكاز السيِّد حسيب على مضمون رسالة "هيئة علماء المسلمين" واستخدامه بشكل خاطئ مفاجئة لنا، فهو كغيره من أصحاب المشاريع المضادَّة لبرنامج المقاومة وثوابتها لا يمكن أن يفوِّتوا هذه الفرصة الذهبيَّة للتعبير عن موقفهم الحقيقي من المقاومين وتضحياتهم. فبشكل ساذج ومعبِّرعن عدم استيعاب المدلول الحقيقي للرسالة، قدَّم السيِّد حسيب بعض فقراتها للتقليل من إمكانيَّات المجاهدين والنيل من قدراتهم. مقتبسًا بعض فقرات "الرسالة"، ومركِّزًا على جُمَل معيَّنة كـ: "المقاومة وحدها لا تستطيع بناء دولة"، و "ليس كلُّ مَن حمل السلاح في وجه العدو قادرًا على أن يتسلَّم شأنًا من شؤون الدولة". وغيرها من الفقرات التي وظَّفها السيِّد حسيب لخدمة موقفه المعادي للمقاومة، ومشروعيَّة تمثيلها لشعب العراق، ولينال من جهد المقاتلين، وليؤكِّد ما سبق أن ثبَّتناه قبل أكثرمن عامين عن الرغبة الانتهازيَّة والوصوليَّة لسرقة انتصار المقاومين وجهودهم.

ثمَّة حقائق لا بدَّ من تأكيدها لكي تتَّضح الصورة لأبناء شعبنا، وتزيل جانبًا من المغالطات التي قدَّمها السيِّد حسيب وغيره، ولكي نحمي حقوق من أتاحوا لهاماتنا فرصة مناطحة سحب العز والفخر. احدى اهم هذه الحقائق تكمن في إنَّ مراجعة بيانات المقاومة وبرامجها تؤكِّد عدم احتوائها ما يعبِّر عن رغبتها في الاستحواذ على السلطة واحتكارها، بل على العكس من ذلك تمامًا، فالمقاومون منصرفون لمهام مقارعة العدو وسحقه وتمريغ وجهه في حمأة الذلِّ والعار، وإلحاق الهزيمة به. كما أنَّ الذين يجودون بأرواحهم وممتلكاتهم الطاهرة من أجل ربِّهم ودينهم ووطنهم وعقيدتهم غير معنيِّن بالحكم والسلطة ومزاياها بكل تأكيد، على عكس الانتهازيِّين والوصوليِّين من تجَّار الوطنيَّة والمقاومة الحريصين على حفظ ماء وجه المحتلِّين الذين لا تقلقهم مرحلة التحرير بل مرحلة ما بعد التحرير.

أمَّا الحقيقة الثانية، فتتعلَّق بافتراض نفرٍ بأنهم أكثر قدرة وأهليَّة من المقاومين في إدارة مؤسَّسات الدولة العراقيَّة. لا نفهم أسباب هذا الافتراض الخاطئ بأنَّ حملة البندقيَّة لا يصلحون لإدارة الدولة العراقيَّة. من المعروف أنَّ المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة تتألَّف من جميع شرائح شعب العراق ومكوِّناته الاجتماعيَّة والقوميَّة والمهنيَّة. فهي تضمُّ العسكريِّين ذوي الرتب العالية والأطبَّاء والمهندسين والمعلِّمين وموظِّفي الدولة بمختلف مستوياتهم وصنوفهم. ولا نفهم أسباب النظرة النخبويَّة المتعالية؟ ولماذا هذا الافتراض المريض على أظهار المقاومين بأنَّهم مجموعة لا تصلح إلاَّ للقتال والمواجهة؟ فإذا لم يكن كلُّ المقاتلين مؤهَّلين لإدارة شؤون الدولة، فمن المؤكَّد أيضًا عدم صلاحيَّة قسما كبيرا من حملة المؤهِّلات الأكاديميَّة لإدارة الدولة، ولا سيَّما أولئك الذين قضوا العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة خارج العراق. ثمَّ دعونا نسأل السيِّد حسيب وغيره من الذين يطرحون مثل هذه الطروحات الشاذة. ما هي مؤهِّلات أعضاء تجمُّعاتكم؟ وما هي تجاربهم في إدارة المؤسَّسات العامَّة والخاصَّة؟

يدرك السيِّد حسيب تمامًا بأنَّنا والعراقيِّين أمثالنا من "أهل الشجرة الكبيرة" ندرك تمامًا مؤهِّلات الذين حرَّكت رسالة "هيئة علماء المسلمين" بعض الدماء في عروقهم المتصلِّبة. وإذا ما قسنا تلك المؤهِّلات بمؤهِّلات إخوتنا ورفاقنا المجاهدين فالفرق واضح وكبير لصالح المقاومين. وقد يكون من المفيد أن يعي السيِّد حسيب وغيره بأنَّ أبناء العراق ليسوا مستعدِّين لوضع مصير العراق ومستقبل أجياله في أيدي حكومة "تكنوقراط" يعيِّنها الأمريكان عبر مجلس الأمن، ولا في أيدي مَن يقترح مثل هكذا حلول. لكنَّهم بكل تأكيد مستعدِّين لمنح الرجال الذين استعادوا كرامة الوطن وعزَّته صلاحية اتِّخاذ قرارات السيادة وإعادة بناء الوطن. فالعراق لن يحكمه إلاَّ أبناؤه الذين استردُّوا الكرامة والسيادة، وحرَّروا الوطن ببنادقهم ودمائهم وتضحياتهم الكبيرة بالمشاركة مع القوى الوطنيَّة الحقيقيَّة التي دعمت جهود المقاومة وبرامجها والتزمت بثوابتها، ولم تطرح نفسها بديلاً منها، ولم تشكِّك في جهد المقاومين وقدراتهم.

وقفة اخيرة ، هنالك اتِّصالات تجري لاحياء فكرة عقد المؤتمر الذي كان من المزمع عقده في دمشق في نهاية شهر تموز/ يوليو المنصرم ، هذه النية أكَّدها السيِّد حسيب في مقابلته. ومع ان اسباب المشاركة في هذا الاجتماع تتباين تبعا لاجندة الاطراف المشاركة ومواقعها ، إلاَّ أنَّ كلَّ المؤشِّرات تدلُّ على أنَّ الهدف الأساس من عقد الاجتماع، يتمثَّل في خلق توليفة سياسيَّة او ما اطلق عليها السيد حسيب "جبهة وطنية لكل القوى المناهضة للاحتلال والمؤمنة بالديمقراطية" تتبنَّى "مبادرة" السيِّد حسيب، بالاظافة الى تشكيل فريق تفاوضي يوجَّه الدعوة للإدارة الأمريكيَّة للتفاوض من أجل إيجاد حلٍّ لمأزقها أو هزيمتها، وتحويلها إلى هزيمة "مشرِّفة"، كما يحلو للسيِّد حسيب وصفها. ولا شك في ان عقد الاجتماع والوصول إلى هكذا نتائج، يشكِّل خطوة لن نتردَّد في وصفها بالخاطئة والخطرة بصرف النظر عن موقع المشاركين في المؤتمروأحجامهم وهويَّاتهم واسباب مشاركتهم . والسبب في ذلك لأنَّ نتائج المؤتمر أولا لا يمكن ان تفترق عن روح ونص مبادرة حسيب ومشروعه السياسي الخطر، وثانيا، لانها ستزيد من حالة التشرذم والشللية السياسية ،وتنتج انقسامًا وطنيًّا نحن في غنًى عنه، لا سيَّما بعد الخطوات التوحيَّدة الأخيرة، وظهور بوادر وحدة الفعل المقاوم، وثالثا، لكونها تتعارض كلِّيًّا مع ثواب المقاومة وبرامجها وشروطها بما في ذلك الثوابت التي حددها المؤتمر التاسيسي للقيادة العليا للجهاد والتحرير.

المطلوب من جميع الشخصيَّات والقوى والأحزاب السياسيَّة الوطنيَّة ولا سيَّما المقاومة منها، وأهمهم رفاقنا المكلفين من قبل قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي لادارة علاقات الحزب الخارجية ، واخوتنا في هيئة علماء المسلمين والمدرسة الخالصية، وغيرها من التجمعات الوطنية، عدم المشاركة في هذا الاجتماع، ومقاطعة مثل هكذا تجمُّعات مستقبلا ، والعمل على وقف هذا النهج المنحرف ، فمن غير المقبول ان تتحالف قوى مقاومة مع تجمعات لا تؤمن في أحقية المقاومة الوطنية في تمثيل شعب العراق حصرا، وتطرح نفسها منافسا بديلا للمقاومة وتتعارض برامجها وآلياتها ومع ثوابت المقاومة. علينا حسم هذا الاشكال والانحراف ، وتسخير كل الطاقات الوطنية من اجل تحقيق وحدة فصائل المقاومة ، وتشكيل المرجعيَّة الوطنيَّة الشاملة والمعبِّرة عن طموحات شعب العراق وآماله. مرجعيَّة شاملة تقودها المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة الممثِّل الشرعي والوحيد لشعب العراق. من البديهي اننا لسنا ضد توحيد الصف الوطني ، ولا ضد فكرة عقد مؤتمرات او تجمعات وطنية اذا كان الهدف المنشود منها دعم المقاومة وتعزيز امكانياتها ، لكننا بكل تاكيد نعارض بقوة فكرة عقد مؤتمرات تنتج تجمعات هشة، وتوفر للادارة الامريكية خيارات تستطيع استخدامها لاحقا كبدائل للتجمعات العميلة التي اعتمدتها لادارة العراق المحتل ، لكن بصيغ جديدة واليات مبتكرة منها تلك التي تحتويها مبادرة خير الدين حسيب الالتفافية.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد /  25 رمضان 1428 هـ  الموافق  07 / تشــريــن الاول / 2007 م