بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

من هو فرهادي المرحلة القادمة ؟

 

 

شبكة المنصور

نزار السامرائي

 

بحركة انفعالية و استعراضية معا ، أغلقت الحكومة الإيرانية الحدود البرية ، مع المنطقة الكردية في شمال العراق الإيراني ، في الرابع و العشرين من أيلول / سبتمبر الماضي ، بعد اعتقال القوات الأمريكية للعميد محمود فرهادي ، أحد القادة الكبار في قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني ، في محاولة لممارسة أقصى درجات الضغط على إدارة المنطقة الكردية في العراق ، وبشكل خاص على جلال الطالباني ، ليتحرك بقوة وسرعة من أجل إطلاق سراح فرهادي ، وامتعض الطالباني من السلوك الأمريكي ، أو هكذا تظاهر على الأقل ، لإرضاء أصدقائه الإيرانيين ، ولكن الجانب الأمريكي تعامل مع ردود الفعل تلك باستخفاف وتجاهل تام ، أكد أن فرهادي أضيف إلى معتقلي القنصلية الإيرانية في أربيل ، ذلك أن الولايات المتحدة تتحرك على هدي إستراتيجيتها الكونية ، غير مكترثة بما يصدر من أصدقائها وعملائها ، من توسلات أو انفعالات .

وبعد مضي اسبوعين على القرار سالف الذكر ، ودون مقدمات ، أعلنت الحكومة الإيرانية ، إعادة فتح الحدود ، دون أن تحقق شيئا من الأهداف المعلنة التي تم إغلاقها من أجلها ، وكي تأخذ العملية شيئا من الوجاهة ، التي تحفظ لطهران قليلا من ماء الوجه ، فقد دفعت بأصدقائها من الإتحاد الوطني الكردستاني ، الذي يتزعمه جلال الطالباني ، إلى تقديم الرجاء لها لإعادة فتح الحدود ، بسبب الأزمة الاقتصادية والمعاشية التي شهدها ( إقليم كردستان ) ، مما أثار تساؤلات حزينة عن قدرة المنطقة الكردية في العراق لإعلان ( الاستقلال ) عن الوطن الأم ، إذا كانت عجزت عن مواجهة أزمة عابرة لم تستغرق إلا بضعة أيام ، فكيف يكون بمقدورها مواجهة ظروف العيش كجزيرة وسط محيط من أجواء العزلة والكراهية من أطراف ترى في أية خطوة لتغيير الخارطة السياسية لدول المنطقة إيذانا بوضع دول المنطقة جمعاء على سكة التفتيت ، ولهذا فإنها ستجد نفسها في نهاية المطاف ، مضطرة لتنسيق جهودها لمواجهة الأخطار المشتركة التي تهدد وحدة أراضيها ، حتى وإن قدمت الدعم لحركات انفصالية في بعض الوقت .

فلماذا فتحت إيران حدودها مع المنطقة الشمالية من العراق ؟ وماذا حققت إيران من وراء ذلك ؟
لقد تعرضت المنظومة الإستخبارية الإيرانية ، إلى ضربة مؤكدة و كبيرة ، و لم تكن متوقعة ، نتيجة اعتقال محمود فرهادي ، تركت لدى طهران شكوكا عن سلامة جدارها الأمني ، ولهذا كان الانكفاء المؤقت ، مطلوبا وبإلحاح من أجل إعادة تقييم كفاءة أجهزة استخباراتها ، وفعالية منظومتها الأمنية ، كي لا يسقط المزيد من الضحايا ، وخاصة من نوع الصيد السمين الذي فقدته في أربيل في الحادي عشر من كانون الثاني / يناير الماضي ، وبعده وقوع فرهادي في فخ محكم الإعداد ، فالأمر كان إذن لإجراء مراجعات شاملة ، ولكن ظرف العراق لا يسمح بمرور وقت طويل قبل إنجاز المهمة في أسرع وقت متاح ، ويبدو أنها قد رتبت أوضاع أجهزتها في العراق عموما ، وفي المنطقة الشمالية بشكل خاص ، بما يؤمن لها أقل قدر من الخسائر ، إن فرض عليها ذلك ، و مع أوسع قدر من المكاسب .

ولما كنت إيران دولة متعددة الأهداف ، فإن البعد الاقتصادي يأخذ حيزا حيويا من برامجها الخارجية ، فقد توصلت طهران إلى استنتاج مؤكد ، بأن العراق الذي دمرت الحرب العدوانية ركائزه الاقتصادية ، وما أعقبها من صفحات معروفة الجهات المنفذة ، أصبح بحاجة إلى كل شيء من الخارج ، بدء من الغذاء والدواء وانتهاء بإبرة الخياطة وخيطها ، ولما كان نفطه يتدفق دون قيود أو حساب ، فالفرصة متاحة لكل من يستطيع ملأ فراغ الحاجات الإنسانية فيه ، ليحصد الأرباح دون حدود ، والنفوذ دون قيود ، ولأن هناك أطراف إقليمية ودولية يمكن أن تستحوذ على أسواق تعتقد إيران أنها خالصة لها ، فقد وجدت إيران نفسها مقبلة على تنافس غير متكافئ إن تأخرت بإعادة فتح الحدود ، ولذا أقدمت على خطوة قالت إنها لن تقدم عليها ما لم يطلق سراح فرهادي .

ويذهب بعض المراقبين إلى أن اعتقال فرهادي ، ألحق أذى كبيرا بالمصالح الإيرانية ، وكشف الكثير من أوراقها أمام أصدقائها وخصومها وأعدائها على حد سواء ، ففقدت عنصر المفاجئة في خطواتها ، وفي نفس اليوم الذي أعلنت طهران عن فتح الحدود مع شمال العراق ، جاءت تصريحات بترايوس قائد القوات الأمريكية في العراق ، والتي اتهم فيها حسن كاظمي قمي ، السفير الإيراني في بغداد ، بتهريب السلاح للمليشيات مستغلا الحصانة الدبلوماسية التي يوفرها له منصبه ، للقيام بأعمال لا تنسجم مع تلك الوظيفة ، وأكد بترايوس أن قمي من أعضاء فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ، وقد تكون هذه المعلومات مستقاة من فرهادي شخصيا ، وقد تكون من مصادر أوسع مما يمتلكه فرهادي ، ولما كانت الإدارة الأمريكية قد صنفت الحرس الإيراني كقوة إرهابية ، فقد تعرض معلومات بترايوس ، السفير الإيراني إلى أخطار غير محسوبة ، رغم حصانته الدبلوماسية ، وفي أحسن الأحوال قد تضطر حكومة المالكي ونزولا عند املاءات الأمريكيين ، إلى اعتباره شخصا غير مرغوب فيه ، وحينها ستكون طهران مضطرة لنقله من منصبه ، وبعدها سيتم تدقيق المعلومات عن البديل من قبل جهات لا ترغب إيران في دخولها على الخط .

وعلى العموم فإن طهران ستجد نفسها لبلع الإهانة ، والانحناء أمام العاصفة ، انتظارا لفرص أفضل قد يأتي بها مستقبل الأيام .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاثنين /  26 رمضان 1428 هـ  الموافق  08 / تشــريــن الاول / 2007 م