بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

رأس لبنان على مائدة الفرقاء

واشنطن تلجم وكلائها ، ودمشق تعود من الباب

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي "الجبريني"

 

بهدوء وتراضي وتنازلات مفتعلة، شأن الازمة برمتها، توافق الفرقاء اللبنانيون أخيرا على التهدئة، بعد أن وصلت الانباء عن الانتهاء من المناورة الحالية بإنتظار جولة اخرى تبتعد او تقترب وفق مقتضيات الصراع والتنافس الدولي على الكعكة "الشرق أوسطية".

إنه التعبير الاكثر اختصارا لفلسفة الصراع اللبناني وأنباء التوافق الاخير على رئيس للجمهورية، يشغل ما شغره السابق إميل لحود، بعد سنوات ثلاث على الازمة التي اطلقها اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، بين أقطاب المعادلة اللبنانية المتنافسة في حرب الوكلاء التي تديرها المصالح الدولية في لبنان، ليأتي التوافق على رئيس جمهورية المفاجئ عمليا مقارنة بحالة التشدد والتعنت التي تمترس خلفها الفرقاء، كإعلان صفقة مبهمة التفاصيل بين اليد الامريكية والسورية بعد إجتماعات "أنابوليس " التي لم يعلن عن نتائجها بقدر ما يعلن جبل الجليد عن حجمه فوق سطح الماء، خاصة وان الحضور السوري كن مبهما بالنسبة للكثيرين إذا ماتم الاقتناع فعليا بجدية التصريح السوري بخصوص الجولان، والتأكيدات الامريكية على دعم "اسرائيل".

لبنان اولا، لبنان دائما

كان لبنان ولم يزل المسمار السوري في بيت الحلفاء الأمريكي في المنطقة العربية، تمكنت القيادة السورية من التعامل معه وفق أرقى درجات الميكافيللية السياسية وأشدها حنكة ودهاء، في مواجهة الاخطبوط الامريكي المتكاثر الاذرع في المنطقة، الذي لطالما سقط في معارك انتزاع الشقيق الأصغر من الوصاية، وأسقط في يده للتسليم بأن لا بديل عن الوجود السياسي السوري في لبنان كأهون الشرور، وبالتالي صدت كل محاولة واجلت أي عمل سافر تجاه الحاضرة الاموية بعد مقارنة الامور وفق ميزان الربح والخسارة.

لا شك إذن أن تحليل الوضع اللبناني بشكل متجرد هو ضرب من التعامي والتدليس السياسي، في بلد صغير لطالما ردد غير زعيم فيه أن قوته هي في ضعفه. اشارة اكثر من واضحة الى ارتهان البلد بالتجاذبات الدولية الكبرى ، خصوصا فكرة الصراع مع "اسرائيل" وهو ما دفع البعض اعتبار "انابولس" نجاح سياسي لأنها فضت –وفق ما يعتقده- الشراكه بين الملف اللبناني وملف الصراع العربي الصهيوني، وهو اعتقاد لا شك سيكون من السذاجة بمكان التسليم بصحته مهما أيدت الوقائع طرحه.

أما لماذا لا يمكن فصل اي ملف عربي عن متلازمة الاحتلال الصهيوني للأراض العربية عموما والملف اللبناني خصوصا، فهذا يحتاج الى التعريج على صورة العودة للوفد السوري من انابوليس، والاستياء الايراني الذي عبرت عنه السياسة والجماهير الايرانية، بعد تاجيل جلسة الانتخاب اللبنانية الى مابعد انابوليس، ومن ثم اعلان التنازل "المؤلم" من قبل 14 آذار عن ثوابته تجاه تعديل الدستور لإنتخاب قائد الجيش العماد ميشيل سليمان، الذي وفق الدستور لا يحق له الترشح قبل مرور سنتين على انهاء مهامه كصاحب منصب رفيع المستوى في الدولة.

الثمن فلسطين، الهدية لبنان

لقد كان واضحا أن الجولان تم اسقاطه عن سبق اصرار في "أنابوليس" وان القصد من التلميح الى طرحه على جدول المحادثات، هو لتشجيع السوريين على الحضور للمساهمة في اضفاء صبغة الاجماع العربي على توقيع وثيقة بدء المفاوضات مع الفلسطينيين وما سيليها من تنازلات، وتوزيع ثمن القضية بين القبائل التي سيحاكمها التاريخ بمثابة من أعطى المباركة وشجع عباس على الدخول في تلك العملية اللامجدية، التي لم تلبي حتى ادنى شروطه –المفترضة- لدخول المفاوضات، وهي تجميد الاستيطان، فإستفادت سوريا من ورقة المعارضة الفلسطينية، وعرفت كيف تعزف على نغمة التهديد بتخريب رحلة عباس عبر مؤتمر دمشق الذي كان من المفترض عقده بالتزامن مع "انابوليس" وفاوضت ببراعة عليه لتتم دعوتها الى المؤتمر لطرح قضية الجولان.

بطبيعة الحال فلم يأت أحد على ذكر الجولان في تلك المحادثات، الا ان سوريا لم تعد ايضا خالية الوفاض، وعلى الارجح تمكنت من عقد تلك الصفقة مع واشنطن يتم فيها مقايضة النفوذ السوري في فلسطين بالنفوذ في لبنان، فلكي تخفف واشنطن وحلفائها الضغط على سوريا في لبنان الذي لم يجري حتى الان وفق ماتشتهي أشرعتهم، وأثبت تفوق السوريين فيه، فعلى سوريا ان ترفع اليد عن فصائل المقاومة الفلسطينية، لتتسنى لعباس و الكيان الصهيوني الفرصة لفرض السيطرة على غزة واسقاط حكومة حماس فيها.

الاخ الاكبر لن يرحل

لا شك أن التوافق بين دمشق وواشنطن إن كان تم وفق هذه الصيغة فهو غير مأمون العواقب، ولن يكون بأي حال إتفاقا رسميا يمكن ان يعول عليه دائما، فقد حمل تاريخ العلاقات بين الطرفين الكثير من الدلائل على ان واشنطن طالما ازعجتها فكرة السلطة المركزية السورية، والتي تتبوء مكان متقدما على سلم الدول المطلوب تفكيكها ضمن مشروع "الشرق اوسطية" الامريكي الذي يستهدف وجود أنظمة ضعيفة مفككة اثنيا وقوميا.

فبعد دخول سوريا حافظ الاسد في حلف حفر الباطن 91 الموجه ضد العراق، مقابل أن تخلي واشنطن الساحة اللبنانية لدمشق، لم تمهل حليفتها الكثير قبل أن تعقد مؤتمر دمشق وتسحب البساط الفلسطيني من تحت قدميها بعد أن ساهمت في شق الصف العربي، وافشال فكرة الوفد العربي المشترك الى مدريد، حين انحاز الفلسطينيون الى الورقة الاردنية في تلك المحادثات.

أيضا لا شك ان سوريا تعلم علم اليقين أن أي اتفاق سري مع الامريكيين لن يكون مجديا في المستقبل القريب، وهي تعلم أن التصريحات الودية للرئيس الفرنسي ساركوزي حول وجوب "مساهمة سوريا الايجابية" في الحل اللبناني ما هي الا بإيعاز من واشنطن لطمئنتها من هذه الناحية ريثما تنتهي الاخير من الملف الفلسطيني وتتفرغ لما هو بعده، الى درجة ان اكثر الاصوات عدائية في لبنان تجاه دمشق وليد جنبلاط اختار لغة مسالمة تجاه سوريا، ربما عملا بنصيحة أبنه تيمور الذي صرح من باريس في لقاء صحفي اجري معه مؤخرا بأن على والده الاعتذار من سوريا ومحاولة استرضائها لأن الدروز بعد توزيع الحلاف سيكونون وحيدين دون اي سند قوي لهم.

الغنائم

وعودة الى انتخابات لبنان، فبناءا على ما تقدم لا يمكن الجزم بالوفاق وان حصل حول شخص الجنرال سليمان، ففكرة المعركة الدستورية لا زالت تدور ايضا في حسابات أقل الخسائر أو أعلى المكاسب بين المعارضة والموالاة، وحلفاء سوريا يريدون الاستفادة من الاتفاق المفترض في "انا بوليس" بأكثر ما يستطيعون، وهو مادفع رموزها كحزب الله وميشيل عون الى المطالبة بمكاسب في الحكومة، او ضمانات تعطي عون الفرصة للترشيح الى كرسي الرئاسة عبر اقتراحه الذي قدمه للموافقة على سليمان –المرضي عنه سوريا- مشروطا بإستقالته بعد سنتين لأجراء انتخابات رئاسية موازية لأنتخابات المجلس التشريعي اللبناني.

بإنتظار الدم

جلسة الجمعة من المتوفع ان تتأجل مرة أخرى وهو ما المحت اليه المعارضة، وهذه المرحلة الانتفالية التي يعيشها لبنان غير مستقرة ولا يمكن الرهان عليها، والامر كله منوط بسرعة وقدرة كل من امريكا والمقاومين لمشروعها في المنطقة لتوجيه الدفة وفق ما يمكن لأي منهم، فإذا تمكنت امريكا من القضاء على المقاومة بغزة بالسرعة التي تريدها، لا شك ان التغاضي عن سوريا سيتوقف، وكذلك الحال مربوط بالعراق، ايران وحتى السودان، وهي الرهانات التي لا يمكن الجزم بنتائجها الا اذا سلمنا ان لا مقاومة يمكنها فرملة المشروع الامريكي في الوطن العربي .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاثنين / 30  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق  10 / كانون الأول / 2007 م