بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

التقسيم ...صراع تيارات أم صراع حضارات

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

تبدو الحالة العربية للمتتبع وخصوصا خلال العقدين الأخيرين وكأنها حالة من الصراع بين تيارين ترعاهما امتنا العربية وهي المنبع الوحيد لهما , الصراع بين التيار القومي الذي اشتد ساعده وقوي عضده بشكل خاص بعد انهيار الدولة العثمانية اثر نهاية الحرب العالمية الأولى , أما التيار الثاني فهو التيار الإسلامي الذي كانت تستغله الدولة العثمانية في تثبيت وجودها في الوطن العربي الذي يمثل جناحا مهما في تلك الدولة .

لقد عاشت الدولة العثمانية في المنطقة العربية وقوي نفوذها بفعل صراع غذته حينذاك مع الدولة الفارسية التي تغلغلت في المنطقة الوسطى الجنوبية من العراق "ولايتي بغداد والبصرة " بفعل تبنيها للمذهب الشيعي , وقد ابتدع الصفويين بفعل خلفية المجوس التاريخية في تعذيب النفس ممارسات في التباكي على آل البيت النبوي الشريف , استطاعوا من خلالها استقطاب أتباع المذهب الشيعي , وكثيرا ما أثاروا الفتن ضد الدولة العثمانية بسبب ذلك , وكانت الأراضي العراقية مسرحا للعديد من الحروب بين تلك الدولتين او بين أتباعهما .

تبلور الصراع لمختلف الأسباب بين تيار إسلامي بشقيه , وبين نمو تيار قومي محافظ على انتماءه الإسلامي ازداد فعله بسبب من السياسات العثمانية تجاه الأمة العربية , وقد أثرت أحداث تلك الفترة بشكل او بأخر على طبيعة الصراعات التي تركزت في المشرق العربي بالخصوص , كل ذلك من جانب , ومن جانب آخر حاولت الدولة العثمانية احتواء التناقضات التي ظهرت لتصب في جعل الصراع إسلامي عربي من جهة يقابله في المعسكر الآخر التيار المسيحي الصليبي الذي يحاول فرض سيطرته على المنطقة , ولمختلف التبريرات .

وعلى العموم فان الأمة العربية هي الحاضنة الطبيعية للإسلام مع كل احترامنا لكافة القوميات التي عمل العرب على إيصال الإسلام إليهم ونشره بين ظهرانيهم , ولان العرب امة لا تتبنى أدنى درجات العنصرية فقد انفتحت الى كل القوميات والاديان وتفاعلت معها مع احتفاظها بهويتها الخاصة وطابعها المميز لها ولم تحاول تذويب أي طائفة او ملة او قومية بل على العكس تعاملت معها بالاتجاه الذي يقويها.

وعلى أية حال فقد انتهت الحرب العالمية الأولى وانكشف غبارها عن بروز التيار القومي بشكل قوي سيطر معه على الساحة العربية مع تمسك واضح بالدين الإسلامي وتعايش طبيعي بين مختلف المذاهب ونضوج الفكر القومي العربي وانخراط كل التيارات باتجاه تحرير البلاد العربية لا من الاحتلال العثماني , بل من الاحتلال الغربي الذي تكشفت الحقائق اللاحقة عن سياساته القاسية التي تستهدف إنهاء الوجوديين العربي والإسلامي من خلال زرع بذور الفتنة بين كل التناقضات التي كانت سائدة , فإذا كانت الدولة العثمانية قد حافظت على وحدة الأمة العربية تحت سيطرتها , فان الغرب قد عمل على تفتيتها وشرذمتها .

فما هي آليات التجزئة والتفتيت وما هي الشروط التي سمحت بقيام هذه التجزئة وتعيد إنتاجها على الدوام وفي المشرق العربي بالذات ؟

إن أول مظاهر ذلك التفتيت هو ما انتهت إليه الأمة العربية بعد خروجها من السيطرة العثمانية اثر الحرب العالمية الأولى ثم من سيطرة الغرب التي استخدمت صيغة الانتداب كصورة مطورة للاحتلال بعد الحرب العالمية الثانية , والى نهاية ستينات القرن الماضي حيث أنجز استقلال كل أجزاء الوطن العربي وطبعا باستثناء فلسطين ومناطق أخرى مستلبة .

ورغم إن الوطن العربي قد عانى من هذه الكيانية , فان مشرقه قد ناله من ذلك, كما هو متوقع حصة الأسد , فاقتسمت المنطقة الواحدة الى أكثر من دولة , بل والدولة الواحدة الى أكثر من كيان , ثم حاولوا تجزئة الكيان الواحد الى أجزاء وأجزاء إمعانا في التجزئة والتفتيت , فان الغرب الاستعماري الذي ورث المنطقة من العثمانيين , وفي ذروة احتياجه الامبريالي للشرق , وبعد اصطدامه بالشعور القومي العربي الذي تجلى في أحداث المنطقة ابتداءا من عام 1919 م في سوريا وما تلاها على امتداد المشرق العربي , انصرف فورا ودون انتظار الى تفكيكه الى كيانات قطرية وفق معاهدة سايكس – بيكو , ولم يأبه لمطلب الوحدة التي عبر عنها الشعب العربي في أكثر من شكل تراوح بين التظاهرات والمؤتمرات وانتهاءا بالثورات المسلحة العارمة كرد مباشر وعنيف على التجزئة التي اصطنعها الاحتلال , وقد اكتشف الغرب بالملموس مخاطر الشعور الوحدوي القومي , فلجأ الى أقصى ما أمكنه من محاولات التجزئة القومية والتفتيت ألكياني واستخدم ما وسعه من حيل وذرائع لتدمير ما أمكنه تدميره من هذه الكيانات – العراق , سوريا , فلسطين, لبنان , فكان وعد بلفور الذي أسس لسلب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني , ثم نشوء شرق الأردن على حساب أراضي اقتطعت من سوريا والعراق والسعودية , وجرى تقسيم سوريا الى ثلاثة او أربع دول مستقلة , دولة للعلويين , ودولة جبل الدروز , دولة سوريا – وأحيانا دولة حلب كذلك , وهدد الانكليز في العراق ضم الموصل الى تركيا , كما فعل الفرنسيون بعد ذلك بالاسكندرونة في سوريا , وشجعوا على إقامة دولة في البصرة مستقلة عن بغداد وأجزاء العراق الأخرى , وأسس لدولة في الكويت واقتطعوا الاحواز الى بلاد فارس , وقد اختلفت الطرق التي واجه بها الشعب العربي تلك التجزئة فمثلا كانت مقررات مؤتمر الساحل المنعقد في 16 تشرين الثاني 1933 الذي انتهى الى معارضة التجزئة في المشرق العربي لا لأسباب قومية صرف وحسب وإنما للأعباء الاقتصادية التي تترتب على تقسيم البلاد الواحدة .

في مقابل التيار القومي العارم الذي ساد في تلك الفترة ظهرت مجاميع عمل الاحتلال الى تغذيتها ورعايتها وتطويرها وتقويتها وفق مبدآ تبادل المصالح من الأعيان وبقايا الإقطاع والرأسماليين العرب الصغار الذين عملوا على تكريس التجزئة وتقويتها ضد رغبة الأكثرية الساحقة من العرب .

على اثر انهيار الاتحاد السوفيتي " السابق " وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على القرار الدولي وبمساعدة من شيوخ النفط الذين ظهروا اثر تنامي الثروة النفطية واحتكارها وارتباطهم الوثيق بالاقتصاد الامريكي وحفاظا على مصالحهم التي أصبحت تتداخل كليا مع طموحات الامبريالية الأمريكية التوسعية بالإضافة الى ظهور طبقة من السياسيين اعتمدت كليا على النفط , تبلور نوع جديد من الهيمنة على الوطن العربي مستفيدا من حصاد ما زرعت بريطانيا وفرنسا في القرن الماضي , فأصبح التدخل الامريكي في المنطقة واجب منطلقا من الحفاظ على تلك المصالح متجاهلا بل ساحقا لمصالح الشعب العربي وتطلعاته نحو الوحدة العربية وتنمية الاتجاه القومي , فتبنت هذه المجموعة التيار الديني وجعلته يتقاطع مع الاتجاه القومي العربي .

لقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على رعاية التيارات الدينية وخصوصا المتطرفة منها , سواء السنية منها كالحركة الوهابية والحركة السلفية وتنظيمات القاعدة , او الشيعية التي أخذت ذروتها على يد الظاهرة الخمينية في بلاد فارس وأتباعها المتمثلين بساسة العراق الجدد ناهيك عن سوريا التي تبنت الفكر الطائفي على حساب التوجه القومي وحزب الله وما يقوم به من دور في ضرب الوحدة أللبناية , فقد عملت الولايات المتحدة على تغذية تلك الحركات وإظهارها بمظهر القوي لتجعل منها العدو الافتراضي للغرب كبديل للفكر الشيوعي لتبرر هجومها على المنطقة العربية كظاهرة مقاومة للوجود الغربي او للحضارة الغربية وهذا ما هو معلن , أما ما خفي من أهداف امريكا بشكل خاص , والغرب بشكل عام , فانه بالدرجة الأولى رعاية الكيان اليهودي اللقيط وتقويته ليكون الأداة الأقوى في ضرب أي توجه قومي عربي او إسلامي .

بعد أن غزت الولايات المتحدة العراق , عملت على جعل الساحة العراقية مسرحا لصراعات تلك التيارات الآنفة الذكر , وغذتها جميعها بشكل مباشر او غير مباشر وبالرأسمال العربي النفطي , ووفرت لها الغطاء الأمني اللازم , لان صراعها جميعا يصب في مصالحتها , فمن خلال الصراع الذي سينتج عنها حتما قوى قادرة على التوسع والانتشار في جميع البلاد العربية والإسلامية لتتخذ منها ذريعة في تواجدها , واليك ما نتج عنه تغذية حركة التشيع في جنوب السودان , مقابل حركة التنصير التبشيرية التي قامت بها أثيوبيا , فقد تولد عنه صراع يراد من ورائه تفتيت القطر , فآل الى تدخل غربي يهدف الى فصل جنوب السودان عن قطره الأم, وكذلك الحال بالنسبة للصومال , وبمقارنة بسيطة بين غزو أثيوبيا له مع ما حصل بعد استعادة العراق لحقه في الكويت , فقد سكت كل العالم بل شرعن الغزو الأثيوبي للصومال , بينما كانت المسألة الكويتية سببا لما آلت إليه المنطقة من أحداث يأتي مؤتمر أنا بولس , كحلقة أخيرة من حلقات استهداف الغرب للوجود العربي الإسلامي , مع ملاحظة إن تمويل هذه الحملة من الأموال العربية وبمباركة الحكومات العربية التي يعول المواطن العربي ويراهن خاسرا على موقفا .

بالتأكيد إن الأمة العربية خالدة مع خلود الإسلام, وان المطلوب عربيا توحيد الجهود وتوظيف الأموال العربية من اجل تقويم وتصحيح مسار الأمة العربية بالاتجاه القومي ومقاومة الهجمة الغربية بكل الوسائل , فيجب أن لا توجه البندقية العربية الى صدر العربي وتصحيح مسارها الى الوجود الغربي ومن الله التوفيق .

Iraq_almutery@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس /  19  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق  29 / تشــريــن الثاني / 2007 م