بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ما السر في صمت الحكومات العربية إزاء ما يجري في العراق

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

من المعلوم إن اغلب الأقطار العربية لم تنل استقلالها الوطني بشكل كامل , وهذا ما لا يختلف عليه اثنان , ولم تعتمد على طاقاتها الذاتية وإمكانياتها المادية كليا , بل ظلت أسيرة علاقات مريبة , لا تساعد في تعزيز استقلالها الوطني ,وظلت تابعة لهذه الدولة او تلك في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية , وظلت تحتفظ باتفاقيات ثنائية مع تلك الدول ترسخ تلك التبعية ولها في ذلك مصالح ومنافع تخص حكامها , وهي على حساب الشعب العربي في هذا القطر او ذاك ولو تقاطعت مع إرادته . 

وقد برزت تبعية الأنظمة العربية بشكل واضح الى بريطانيا أولا بعد ما أصاب فرنسا من تدهور بعد الحرب العالمية الثانية وانشغالها في إصلاح شأنها الداخلي "رغم تمسكها ببعض المستعمرات التي سبق وان احتلتها " وسياستها الخارجية بعد أن قادها ديغول" , ومن ثم انتقلت تبعية تلك الأنظمة " العربية " الى الولايات المتحدة الأمريكية , منذ سبعينات القرن العشرين وحتى اليوم , وزاد من تبعيتها للامبريالية الأمريكية بشكل خاص وللغرب بشكل عام , صغر حجم غالبية هذه الأقطار وقلة عدد سكانها " وهذا ما عملت القوى الاستعمارية على ترسيخه – لسهولة السيطرة عليها وفق سياستها في اكبر تقسيم ممكن للوطن العربي " , وبالتالي عدم قدرتها على تأمين نظامها الأمني والدفاعي , يقابل هذه الحالة ثراء فاحش لتلك الأقطار , وهشاشة الأنظمة فيها , نظرا لعقليتها القبلية وتخلفها الحضاري , وتمسكها بالجوانب المادية وتغليبها في معظم جوانب الحياة , أضف الى ذلك إن هؤلاء الحكام استولوا على ثروات البلاد وأودعوها في البنوك الغربية , وأصبحت أرصدتهم تحصى بعشرات المليارات , ودخلت في آليات الاقتصاد الغربي عموما , وأصبح من الصعب جدا على أصحابها التصرف بها وفق إرادتهم , وعليه فقد أصبحت تبعية هؤلاء الحكام للغرب مركبة ومزدوجة , فهم أتباع لضمان وحماية عروشهم في بلدانهم , وهم أتباع بسبب أموالهم المودعة في البنوك الغربية , وهكذا أصبح المال والحكم والسلطة لدى هؤلاء الحكام مؤشرات في التبعية للغرب وتأكيدها . 

لقد تصرف هؤلاء الحكام تصرفات انتهازية في سياستهم إزاء القضايا العربية والقومية , إزاء القضيتين اللتين أصبحتا من أهم القضايا المصيرية التي تحدد ملامح مستقبل الوجود العربي , الغزو الهمجي الامريكي للعراق , وقضية فلسطين , ناهيك عن القضايا التي لا تقل في الأهمية عنهما , كالقضية اللبنانية , واحتلال الصومال , ومشكلة السودان وغيرها , حيث إن السياسات الغربية لم تترك قطرا عربيا إلا وقد امتدت إليه باخطبوط من التحديات , لكي تجعلها ورقة ضغط عل حكومته من جانب, واحتوائه لمنعه من المساهمة بأي شكل من الأشكال في المساهمة في حل مشاكل الأقطار العربية الأخرى من جانب أخر , نقول لقد اكتفوا هؤلاء الحكام بتسجيل مواقف إعلامية , وحاولوا كل جهدهم درء وصول الخطر من أي اتجاه الى أقطارهم بل الى عروشهم . 

أما حكام الأقطار الفقيرة فقد باعوا كل شيء وارتضوا الخنوع والاستسلام مقابل حفنة من الدولارات تتصدق بها الولايات المتحدة الأمريكية عليهم كل عام , وهي في الحقيقة جزء يسير جدا من الأموال العربية التي ينهبها الغرب أمام أعين حكامها . 

لقد اختار هؤلاء الحكام بحكم تكوينهم النفسي وخلفيتهم التبعية أصلا أملا في تحاشي غضب الصهاينة والغرب , وطمعا في بعض الحسنات المادية , وبفعل هذه التبعية التقى هؤلاء الحكام الضعفاء مع حكام الأقطار العربية الغنية , في التوجهات وفي التعامل مع القضايا القومية الكبيرة , مقابل بقائهم فوق كراسي الحكم . 

وإذا كانت مواقف هؤلاء الحكام مؤشرة وواضحة , فان المشكلة ظلت في مواقف بعض الحكام الذين كانوا يحسبون أنفسهم على الصف الوطني لسنوات طويلة وكان هذا التداخل بين الوطنيين وغير الوطنيين من الحكام العرب اشد ايذاءا للنضال القومي العربي , الأمر الذي دفع لإظهار عمالتهم للأجنبي ودونيتهم وضحالتهم في السلوك والتصرف وابتعادهم عن الأمة العربية وعن قضاياها المصيرية . 

إن ما جرى ويجري على مسرح الأحداث في العراق الآن قد حل التداخل بين الوطنيين " ولا نراهم بوضوح " وغير الوطنيين من الحكام العرب فظهر الى السطح بشكل جلي من الحكام العرب ممن باعوا مقدرات بلادهم الى الأجنبي عدو الأمة مقابل ثمن بخس , وخذلوا أبناء شعبهم في اختيار قرارهم السياسي بحرية , كما استهانوا بالأمة وتحدوا الإرادة العربية والإرادة الإسلامية , عندما أغمضوا أعينهم عما يجري في العراق خصوصا وللأمة العربية عموما , واثبتوا هؤلاء الأتباع إنهم لا يمثلون الأمة العربية في طموحاتها ومشروعها الحضاري الإنساني , بل هم حفنة ارتضوا لأنفسهم الركوع للأجنبي مقابل بقائهم فوق كراسي الحكم . 

إن من المهم هنا السؤال: هل كان الوطنيون العرب يتوقعون موقفا متميزا من الحكام العرب الذين تخندقوا خلف أسوار القطريات, واختاروا العلاقات المتميزة مع الأجنبي بدلا من إقامتها مع العرب ؟ 

إن السياسي القومي المتمرس يضع نفسه في الزاوية الخطأ إذا ظن ولو افتراضا في إن يقف الحكام العرب الى جانب العراق في هذا التحدي الكبير وهذه المنازلة المصيرية التي يقودها العراق ضد اكبر الهجمات الامبريالية الصليبية الصهيونية التي لم تستهدف العراق ولن تقف عند حدوده فحسب , بل إن أهدافها ستصل إن نجحت " لا سمح الله " الى كل شبر من الوطن العربي , والى كل إنسان ينطق الضاد, والى كل من شهد أن لا اله إلا الله , محمد "ص" رسول الله , نقول يخطئ من يرتجي من هؤلاء الحكام خيرا حيث سيفوته معرفة هؤلاء الحكام وتوجهاتهم السياسية وارتباطاتهم المشبوهة , كذلك عدم إدراك الزيف الذي يحكم علاقتهم مع الشعب العربي , فهؤلاء الحكام أوغلوا في فهمهم للقطرية , حتى أنهم باتوا يحاربون أية فكرة وحدوية , ويعرقلونها , ولم يشغلوا أنفسهم لحل مشكلات الأمة العربية , وفي مقدمتها الغزو الامريكي للعراق وما رافقه من تهجير مئات الآلاف من العراقيين والمسألة الفلسطينية وما آلت إليه من تداعيات . 

أن تأخذ الإحداث هذا المنحى إنما توحي للمواطن البسيط إن فكرة التضامن العربي باتت فكرة مستهلكة وغير ذي فائدة في أجواء الأمة العربية السياسية ؟ 

إن من بين إفرازات الغزو الامريكي واحتلال العراق وإسقاط الحكم الوطني فيه , مع غياب الفعل القومي المؤثر أن ظهر الى سطح الأحداث صراع امتد الى كل ساحة الوطن العربي بين الاتجاهات القومية ومدى فاعليتها من جهة , والاتجاهات القطرية, بل تعديها الى صراعات طائفية محلية , مع بروز الاتجاهات الإسلامية التي تعددت طروحاتها من جهة ثانية . 

منذ بدايات القرن الماضي والغالبية العظمى من المثقفين والوطنيين في الأمة العربية, الذين اخذوا على عاتقهم محاربة السيطرة والاحتلال الأجنبي وهم يبنون آمالا واسعة على فكرة التضامن العربي , ويسعون جهدهم لتطويرها , ولكن الحكام أرادوا من هذه المسألة السكوت عن الأخطاء والانحرافات التي يمارسونها.

إن الأمر الأكثر إيلاما هو ان التضامن الشعبي لم يتحقق بالشكل المطلوب أيضا , لأسباب وعلل موجودة في الأحزاب والقوى السياسية والشعبية والمهنية , إلا إن الجماهير العربية كانت وما زالت تلتقي بشعورها العفوي العميق حول القضايا العربية القومية , وتعبر عن هذا الشعور بأشكال مختلفة من الممارسات النضالية الجهادية في كل الأقطار العربية , وعليه فان الشعب العربي هو المهيأ لانجاز الفعل القومي إذا ما توفرت أمامه الفرصة القومية الواضحة , والقيادة الأصيلة التي تضعه أمام مسؤولياته الوطنية والقومية .

إذا كان التلاحم القومي هدفا قديما في برامج القوى والأحزاب القومية , فانه مازال يشكل بعدا أساسيا لها ولا يجوز التنازل عنه مهما تقدم الحكام العرب في تضامنهم نحو قمع صوت الشعب العربي , فمن خلاله وحده تتمكن امتنا العربية من صد الهجمات الخارجية وبلوغ أهدافها وإعادة بناء مجدها .

إن الشعب العربي في العراق وكما هو معروف شعب البطولات والتضحيات وله في صد العدوان صولات وجولات يقر بها الأعداء قبل الأصدقاء بالتأكيد وبهمة الغيارى خصوصا بعد أن توحدت الجهود بزعامة المعتز بالله شيخ المجاهدين في القيادة العليا للجهاد والتحرير , قادر على دحر العدوان إن شاء الله " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .

Iraq_almutery@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت /  30 شــــوال 1428 هـ  الموافق  10 / تشــريــن الثاني / 2007 م