بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

امريكا تستهدف البعد القومي والإسلامي من خلال استهدافها للعراق

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

قادة امريكا هجمة شرسة لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلا استهدفت قطرنا العزيز ومن خلاله النفاذ الى الأمة العربية , في الوقت الذي لم تغفل باقي المنافذ المكملة لتنفيذ الغاية من تلك الهجمة , فمنذ الغزو الامريكي لبلدنا أصبحت صورة التفجيرات والقتل الجماعي والمداهمات تتكرر كل يوم , وأصبح هذا المشهد مألوف , دون أن يتحرك ضمير العملاء إلا بقدر المحافظة على كراسيهم , وقد كشفت تلك الممارسات عن الوجه الحقيقي للعدوان الامريكي الذي يدعي انه يمتلك القمة من التطور الحضاري لهذا العصر , وانه المدافع الحقيقي الاول عن الحرية وحقوق الإنسان في العالم , وقد تلبسته الفضائح اللااخلاقية , وسلوك العصابات وجرائم أبو غريب للتذكير فقط .

لقد أصبحت الأمة العربية في مواجهة مشروعين يلتقيان في النتيجة النهائية والمحصلة هما:

أولا /

المشروع الامريكي الهادف الى تفتيت الأمة العربية وشرذمتها ثم تذويبها ضمن الحضارات الأخرى وإلغاء دورها التاريخي ولم تكن بداية هذا المشروع مع انطلاقة العدوان الغادر عام 2003 , بل كانت بداياته الأولى مع بداية تاريخنا المعاصر , حيث اتفاقية سايكس – بيكو , وبداية تقسيم مشرق الوطن العربي والعمل على عزله عن المغرب العربي من خلال زرع الكيان الصهيوني في قلبه حيث صدور وعد بلفور المشؤوم , مرورا بصفحات الحروب التي شنتها الامبريالية العالمية بكل انتماءاتها .

إن المشروع النهضوي العربي المعاصر الذي قاده العراق بالأمس هو الذي دفع بقوى الغدر والعدوان الى استهدافه , ذلك لان مشروعه يهدف الى انبعاث الأمة العربية من بقايا الواقع الذي صنعته وفرضته الإرادات الأجنبية في عصور التخلف والانحطاط , ولما كان العراق بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي , كان قد طرح مشروعا نهضويا قوميا , واخذ على عاتقه مسالة إعادة بناء المجد الحضاري الإنساني للأمة العربية , كان لابد أن يكون الهدف الاول للقوى المعادية والرافضة لمشروعه والتي تمتد مصالحها على امتداد الساحة العربية , ولذلك فقد أصبح الواجب الوطني والقومي للعراق يضعه في مفترق الحضارات من جديد , فيتوجب عليه الآن أن لا يكتفي برد الموجات الهمجية العدوانية وتكسيرها , بل أن يبني بالبطولة الحضارية التي أصبحت هويته وطابعه المميز كمثال وطني وكقاعدة قومية ومجسد لحقيقة الأمة, ومدافع عن القيم العربية , انه يبني الإنسانية من خلال دحر العدوان إنشاء الله على أرضه ويشع على العرب والعالم كمنارة جديدة للإنسانية التي ترفض الظلم وتتحدى العدوان , فهذه الحرب التي تخوضها قوى الجهاد والتحرير درسا بطوليا لكي يتعلم منها المجتمع العربي كيف يكتشف حقيقته من خلال الصمود أمام الأخطار المصيرية التي يتعرض لها وتحويل العدوان بما يحتوي من كوارث الى بواعث لتعميق النهضة الوطنية والقومية , فأهمية المقاومة العراقية شعبا وعقيدة في ودحر المشروع الامريكي – الصهيوني – الفارسي الذي تكشفت كل أسراره على مدى العدوان والهادف الى إبعاد العراق عن ساحة الجهاد القومي العربي وتكريس التجزئة التي فرضتها قوى الاحتلال على الأمة العربية من خلال إعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ونهب الخيرات العربية , تأتي من الكشف عمن يقف موقف المتفرج او يقف موقف المتردد او المتجاهل لما يحدث على الساحة العراقية , فانه يسهل على المتواطئين وعملاء الاحتلال , وهم يشكلون أدوات الاحتلال وعمقه الاحتياطي الداخلي لتنفيذ هذه المؤامرة الكبرى عملهم التخريبي المضاد , كما انه يحكم على نفسه بالتناقض مع أي شعار تحرري او تقدمي يرفعه , لأنه أصبح مكشوفا أمام الشعب وأمام العالم اجمع .

إن العراق اليوم يدفع ثمنا باهظا لحريته ويقدم مثالا رائعا لابد أن تمتد آثاره الى عموم الساحة العربية , فهو انطلاقة جديدة للأمة العربية نحو التمسك بحقوقها والدفاع البطولي عنها , وهي انطلاقة ترتب مسؤوليات تاريخية نضالية على كل بناء الأمة وجماهيرها ,وهنا فان الأحزاب السياسية والقوى الشعبية العربية ومنظماتها وفصائلها المقاتلة , مدعوة لتلبية النداء والمشاركة بكل الإمكانيات المتاحة في المقاومة والجهاد على ارض العراق , رغم إن قوى تحالف الشر العدوانية قد فتحت أكثر من جبهة في الوطن العربي وبصيغ مختلفة والتي لا تتوقف في لبنان او السودان او الصومال للمزيد من استنزاف الطاقات العربية البشرية والاقتصادية وإشغالها واحتوائها لعدم تقديم أي شكل من أشكال الدعم للمقومة العراقية , وهنا لابد من التذكير بان اللحظة التاريخية الراهنة هي لحظة انتزاع الفرصة التاريخية للانتصار على التحالف الامبريالي – الصهيوني – الفارسي ليس في معركة او معارك فحسب , بل هو مسيرة من الانتصارات التي أسقطت كل ادعاءات العدوان والتي اجتاز منها العراق المسافة الأكثر مشقة وصعوبة وخطرا , بتضحياته وبطولاته الجبارة الخارقة التي ستؤول حتما ليس الى تحرير العراق فحسب , بل الى التدمير الذاتي لدولة العدوان , وهو يفتح أمام الأمة العربية طريق استكمال الحلقات المؤدية الى النصر الكامل , التاريخي الحاسم , وهذا ما يعني نداء العراق لأبناء الأمة العربية , لكي يأخذوا مواقعهم المشرفة الصحيحة في مسيرتها الظافرة نحو التحرير , وهذا لا يعني عدم إمكانية المقاومة العراقية في حسم المعركة لصالحها,وذلك ما أصبح يدركه الجميع بل لوضع الجماهير العربية أمام فرصتها ودورها الذي يتوجب عليها أن تكون فيه.

إن العمليات الجهادية العراقية المقاومة للعدوان هي الاول من نوعها في تاريخ العرب المعاصر , فإذا كان العرب دائما هدفا سهلا للعدوان , والأرض العربية مسرحا للعمليات العسكرية العدوانية , فان هذه العمليات البطولية التي تنفذ اليوم , قلبت المعادلة , ليبدأ من خلالها تاريخ عربي جديد لا يكتفي بمجرد دحر العدوان ومشاريعه بل يحول ذلك العدوان إنشاء الله الى نكسة وشرذمة وهزيمة لدولة العدوان من خلال ما يلحق بجيشها واقتصادها من خسائر فادحة مادية كانت أم بشرية , ومن خلال تحطيم التكنولوجيا الحربية المتطورة التي تم تهيئتها وفشلها في قمع الحق العراقي الذي ولد ألان وفيه من السمات ومن الدروس ما يصلح لان يكون مصدرا رئيسيا من مصادر إعادة صياغة العقيدة الجهادية العربية .

إن العراق هو الصخرة القوية التي لا يسهل كسرها او تفتيتها , ولعل هذا ما يفسر التحالف الامبريالي – الصهيوني – الفارسي وتنسيق الأدوار فيما بينها مع قوى الخيانة المحلية او تلك التي تدعي العروبة , وهذا ما يوجب على الأمة العربية أن تكون أمام خيار واحد , هو المواجهة القومية للعدوان .

ثانيا /

المشروع المتستر بالإسلام والذي يتزعمه الفرس , وهو بمثابة ردة تستهدف القضاء على الدين الإسلامي , وإذا نجح لا سمح الله فهو النكسة الكبرى , كجزء او حلقة مهمة جدا من التحالف العدواني على العراق و الأمة العربية والإسلام .

لو رجعنا الى التاريخ واستطلعنا أحداثه , لوجدنا إن الإيرانيين متمسكين بحضارتهم وتراثهم , وان الإسلام الذي انتشر بينهم على أيدي العرب , لم يتغلغل في نفوسهم وأعماقهم بجوهره الحقيقي , وإنما بما ينسجم مع تصوراتهم ومفاهيمهم الموروثة , وهذا ما يفسر لنا إن الفرس جعلوا من الإسلام سبيلا لتحقيق أغراضهم القومية وأطماعهم , وهذا ما يفسر إلحاحهم هذه الأيام على مهاجمة القومية العربية واعتبارها متعارضة مع الإسلام , وذلك لإضعاف المقاومة العربية لأطماعهم ولتمرير أهدافهم باسم الدين , فعندما حكم الملالي في إيران بقيادة خميني , رأوا إن يستمروا في طرح الإسلام كقوة ثورية استفادوا منها في الإطاحة بحكم الشاه , وأصبح لابد من الاستفادة منها أيضا في التأثير على الشعوب الإسلامية والعربية بما يخدم أهدافهم وتطلعاتهم , ومن هنا جاء استمرارهم في الادعاء بالتزام تعاليم الإسلام, وإظهار حماستهم في الدفاع عن فلسطين وتحرير القدس , وكان عليهم أن يتخذوا بعض الخطوات العملية المعبرة عن اختلاف مواقفهم , فأكثروا من شتم إسرائيل وأمريكا , وأعلنوا تأييدهم الحماسي للمقاومة الفلسطينية (( رغم إن عملائهم في حكومات الاحتلال المتعاقبة عملوا على تهجير الفلسطينيين من العراق الى الحدود الأردنية حتى استقبلتهم البرازيل مؤخرا )) , واستقبلوا رموزها بحفاوة بالغة , وبذلك استطاعوا أن يؤدوا دورهم ويحققوا أغراضهم بنجاح اكبر , غير إن هذه المواقف العملية لم تستمر في التنفيذ والتصعيد , بل سرعان ما أخذت تتراجع ولم يبقى منها سوى الشعارات والخطب والدعاية الإعلامية بينما أخذت الاتصالات الخفية الى تنفيذ المشروع الامريكي – الصهيوني , حتى إذا ما انكشف أمرها راح قادة الكيان الصهيوني يعلنون وبصراحة لا لبس فيها ولا غموض , إن مصلحتهم وأهدافهم الإستراتيجية تلتقي مع مصلحة إيران بحكم الخصومة المشتركة للعرب , كما انهم أعربوا مرارا وتكرارا عن ارتياحهم لاستمرار هذا الحال في العراق من دون أن يأبهوا للآثار السلبية لذلك على الصعيد الإنساني والعالمي , وبالمقابل فان حكام طهران لم يغيروا من سياستهم دون تغطية تستر حقيقة أهدافهم التوسعية , وهكذا سقط عنهم قناع الحرص على الإسلام وهو أقوى ما كان يمدهم بالقوة على الخداع والتضليل لكثير من المسلمين , ثم إن أثارتهم للانقسامات الطائفية والمذهبية وتعميقها بين المسلمين بإعطائها بعدا دينيا وفكريا قد أفادت الإستراتيجية الصهيونية الهادفة الى تمزيق الوطن العربي الى دويلات طائفية وعرقية , ومما زاد من تعقيد الأمور أكثر , إن أساليبهم في الحكم اتسمت بالتعصب والإرهاب والفاشية وفاقت كل التوقعات , كما إن نظريتهم التي بنو عليها نظام حكمهم (( نظرية ولاية الفقيه )) العالم والإمام العادل , والوصي عليهم في غيبة الإمام , والمعصوم , والتي أعطته " أي الإمام الحاكم " صلاحيات مطلقة كانت قد خدرت الجماهير وعرقلت تمردها عليه .

إذن والحالة هذه فان المسؤولية الأولى والأساسية هنا تقع على عاتق المثقفين ورجال الفكر والعلم العرب ,. لأنهم القادرين أكثر من سواهم على كشف الحقائق وطرحها على المواطن البسيط الذي انغمس في مشوار الحياة القاسية التي أوجدها المحتل وقيادته بالاتجاه الصحيح , وإذا كان الحكام العرب هم الذين يملكون حق اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية المهمة والمصيرية , يحجمون عن اتخاذ القرارات والمواقف الحاسمة , ويقفون موقف اللامبالاة والاستسلام تجاه الأخطار التي انتشرت على امتداد مساحة الوطن العربي الجغرافية والبشرية , بحكم منطلقاتهم القطرية ومصالحهم الذاتية , وبحكم خضوعهم وتبعتهم للأجنبي وضغوطاته , فإذا كان موقف الحكام العرب بهذا التخاذل ولتلك الأسباب , فان المثقفين العرب غير مقيدين بهذه الاعتبارات , وعليه فإنهم مطالبون بتركيز جهودهم في معالجة المواضيع القومية التي بلغت من الخطورة مداها الأبعد و معالجة أخطارها المدمرة والخطيرة على مستقبل العرب والمسلمين .

إن المواطن العربي الذي تمسك بقوميته وعروبته يقف اليوم مندهشا أمام تلك المخاطر والمصير المظلم , عندما ينظر الى ما يجري حوله من احتلال وتدمير وتقسيم للعراق , وشرذمة القرار والحكومة في لبنان , وتعدد الزعامات وتناحر سياسي في فلسطين , وتمزيق للسودان , واحتلال وجوع وتفتيت واحتلال في الصومال واقل ما يحصل هو فتن واختلاف القرار وتهديدات على طول الساحة العربية , وحتى مشايخ النفط في الخليج العربي لم تنجو من ذلك رغم تظاهرها بالاستقرار , ثم نجد تعامل المسؤولين مع هذه الأحداث المصيرية يتم بروح الاستخفاف والتغاضي والاستسلام , او بروح الحاكم المطلق المطاع الذي لا يخطئ, رغم إن المواطن العربي يدرك إن فاقد الشيء لا يعطيه , وان طريق من الواقع المتردي في الوضع العربي , يبدأ من توضيح واستيعاب تلك الهجمة متعددة الأطراف وبخطر استمرارها وبضرورة صدها وتغيرها , وبالتأكيد فان كل مواطن عربي تهمه حريته وكرامته ومستقبل أمته , يعي هذا الواقع ويتحسس به ويتحين الفرصة المؤاتية للمساهمة في تغيره .

وأخيرا فان فضح الملالي المتعصبين في إيران وتعرية عملائهم الصغار المنهمكين بتنفيذ مشاريعهم , هي دفاع عن مستقبل وحرية ومسار التقدم في الوطن العربي , ودفاعا عن جوهر الإسلام وقيمه الحقيقية في العدل والمساواة , وإبعاده لتهمة الظلم والإرهاب والتحجر عنه , ودفاعا عن حقوق الأمة العربية وتعزيزا لقدرتها في التحرير من السيطرة الامبريالية والصهيونية , وهي أداء الحد الأدنى من الواجب القومي على كل مواطن عربي .

Iraq_almutery@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة /  29 شــــوال 1428 هـ  الموافق  09 / تشــريــن الثاني / 2007 م